وثيقة مصرية قديمة تعيد كتابة التاريخ: مملكة كوش كانت قوة عظمى

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 03:25 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة فيصل محمد صالح(Faisal Salih)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-02-2003, 08:51 PM

WadalBalad
<aWadalBalad
تاريخ التسجيل: 12-20-2002
مجموع المشاركات: 737

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وثيقة مصرية قديمة تعيد كتابة التاريخ: مملكة كوش كانت قوة عظمى (Re: Faisal Salih)

    المرحلة التاريخية

    علم الاحتلال المصري للنوبة حتى الشلال الرابع فى بداية المملكة الحديثة النهاية الجزئية للتقاليد المحلية. فى معظم الجبانات التى أجري التنقيب فيها، باستثناء كرمة، أصبحت المقابر بعد عملية انتقالية غير متميزة عن المصرية. التغير الأكثر وضوحاً تمثل فى التحول من الوضع المقرفص الى الوضع الممدد، الذى كان يستخدمه المصريون منذ المملكة القديمة. تجسد المدافن المزخرفة فى النوبة السفلى، مثل مقبرة دجحوتي حوتب، أمير تيخيت *، فى دبيرة شرق، التمصير الواضح للطبقات العليا.

    للأسف، فإن المعلومات شحيحة بالنسبة لتلك المناطق الخارجة عن دائرة السيطرة المصرية وبالنسبة لمجمل البلاد منذ الانسحاب المصري فى نهاية المملكة الحديثة حتى ظهور دولة نبتة- مروي (850 ق.م- 320 م.) بعد قرون لاحقة. السجل الآثاري فى تلك الفترة هام إذ أنه يظهر عودة/ استمرارية قوية لأساليب الدفن الأقدم المتنافسة مع التأثير المصري القوي، فى الجبانات العادية والملكية. فى الحقيقة، فإن أحد أهم النتائج المترتبة على هذا التأثير تتجلى فى ظهور جبانات مخصصة للحكام ومرافقيهم، والتى تمثل جبانات الكرو، ونوري، وجبل البركل، ومروي أمثلة لها مثيرة للاعجاب.

    من بين تلك، تحتل جبانة الكرو (Dunham 1950) المكانة الأولى طالما، لكونها الأقدم، أنها تضم مقابر الأحفاد المباشرين لملوك نبتة التى تقدم دليلاً لإعادة إحياء التقاليد الجنائزية النوبية فى فترة زمنية لم تقدم بعد سوى القليل من البينة المتماسكة. كما فى كرمة، يشغل المدفن حفرة مغطاة بردمية فوقية تلية ويرقد االمتوفى فى وضع مقرفص على جانبه الأيمن، على عنقريب؛ لكن اتجاهها، الرأس متجهة غرباً، هو ما قد تم تبنيه من قبل أهل المجموعة الثالثة خلال المملكة الوسطى. سمة متميزة ومدهشة للجبانة يمكن ملاحظتها فى مدافن لأربعة وعشرين حصاناً تقع كلها فى منطقة واحدة، منعزلة عن المدافن الرئيسة.

    مباشرة بعد المدافن المبكرة الأولى، تمت تقوية المدفن التلي بجدار دائري من الحجر واستكمل بمصلى فى الجانب الشرقي. البنية فى كليتها أحيطت من ثم بسور جداري على هئية حدوة حصان. فى تاريخ لاحق، اتخذ الجدار والبنية الفوقية شكلاً مستطيلاً أشبه بالمسطبة.

    بعد خمسة أو ستة أجيال، طبقاً لنموذج ريزنر الكرونولوجي وبداية بكاشتا، تغيرت مقابر الكرو، المتأثرة كثيراً بالمعتقدات المصرية، من حيث جوانب هامة. أصبحت الجثث ممددة، ومحنطة فى توابيت مصرية و، كنتيجة، اختفت عادة الدفن على عنقريب. لم يعد اتجاهها شمال- جنوب بل أصبح شرق- غرب وصاحبتها جرار يشبه الجزء الأعلى منها رأساً بشرياً (كان قدماء المصريين يحفظون فيه أحشاء الجثث المحنطة - أركامانى)، وتماثيل جنائزية (شوابتي) وتعاويذ مصرية الصنع. خلال الجيل اللاحق، مع بيَّا (بعانخي)، حل الهرم محل المسطبة، لكنه ظل محتفظاً بالمصلى فى طرفه الشرقي. هذا التحول كانت له أهمية حيث أضحى الهرم مستخدماً بنية فوقية لمدافن ملوك نبتة- مروي على مدى ما يزيد عن الألف سنة. فى الوقت نفسه، تم استبدال المقبرة الحفرة بحجرة مسردبة مع سلم مدرج طويل يقع فى الجانب الشرقي للبنية الفوقية. بدءاً من مدفن شباكا، أصبحت المقبرة مكونة من غرفتي دفن. بعد أجيال قليلة، أصبحت تضم ثلاث غرف للدفن.

    اختفت الى حد بعيد مقتنيات المقابر الملكية نسبة لأعمال النهب الحتمية. على كلٍ، فإن وجود موضوعات مصرية الصنع والتى وجدت فى الكرو وفى نوري يعطي بينة دالة على التأثير المصري القوي. فى مروي تتزايد أعداد المنتجات المروية المرتبطة بالموضوعات المستوردة، بما فى ذلك ذات الأصل الإغريقي الروماني. احتفظت مقبرة تانوت آمون، الذى ارتبط عهده بفقدان السيادة الكوشية على مصر، بجزء من زخارفها الملونة المرسومة بالتقاليد الفرعونية. فى مروي، زخرفت جدران المصليات بنقوش بارزة، التى تمثل واحدة من أروع ابداعات التراث الفني المروي.

    هناك القليل للغاية من الوصف للمقابر غير الملكية من عصر نبتة وذلك فى الغالب لغيابها الكلي فى النوبة السفلي، وهى المنطقة الوحيدة التى تم استكشافها بصورة منتظمة شاملة. بالطبع، بالنسبة لعصرالمملكة الحديثة، فإن هذا الجزء من وادي النيل يبدو أنه قد هجر لأسباب لازالت حتى الآن غير مؤكدة بصورة جيدة. مع ذلك، تم استكشاف العديد من الجبانات أبعد الى الجنوب، تقع أهمها فى ميسيمينيا، وصاي، وصنم، ومروي، والكدادة. اكتشاف واعد تم مؤخراً بالقرب من جبل البركل سيقدم الكثير لتوسيع دائرة معرفتنا حول هذا الموضوع. على العكس، فإن المواقع المروية متوفرة بكثرة فى النوبة السفلى، حيث تم تنقيب العديد من الجبانات، كانت من أكثرها شهرة عنيبة (كارانوج) وفى فرس. أضافت أعمال التنقيب الحديثة المزيد من المعلومات وأثرت المعطيات المتوفرة بالنسبة للمناطق الأبعد جنوباً وصولاً الى ملتقى النيلين الأبيض والأزرق، والتى كانت لدينا حتى الوقت الراهن معرفة قليلة عنها.

    المرحلتان كلاهما تعكسان تنوعاً كبيراً فى أساليب المدافن والدفن وفى المجاميع الجنائزية. معنى هذا التنوع لازال بعيداً عن الفهم رغم أنه يمكن القول بأنه يعكس تأثير، بكل تنوعاته ودرجاته اعتماداً على المناطق والفترات الزمنية، تقليدين جد مختلفين- أحدهما مستورد من مصر الفرعونية، والثاني موروث من ما قبل التاريخ. أنتج مزجهما ممارسات جنائزية مدهشة فى الأزمان المروية.

    تعكس صنم (Griffith 1923)- وهى جبانة نبتية تقع بالقرب من المدينة العاصمة، تردد المجتمع المحلي بين النموذجين التقليدي والمصري. غياب البني الفوقية، بفعل التدمير الطبيعي وفقاً لرؤية المنقب، قد ضيقت المعطيات بالنسبة للأساس ومحتوياته والتى تعرضت لسوء الطالع لنهب مكثف. أربعة أنواع من الأساسات يمكن تثبيتها، بما فى ذلك كهوف وغرف مسردبة من الطوب غير المحروق بمداخل سلالم؛ وحفر مستطيلة مصفوفة بطوب غير محروق؛ وحفر بسيطة مستطيلة الشكل؛ وحفر ضيقة بكوات جانبية. فى النوع الأول، كان الجثمان ممدداً وكانت المرفقات الجنائزية مصرية فى الأساس؛ وكان التحنيط، والتوابيت، والصناديق أمراً شائعاً. فى الأنواع الأخرى، كان التحنيط، والتوابيت، والصناديق أقل شيوعاً واحتوى المتاع الجنائزي، الى جانب جرار مصرية كبيرة مصنوعة بعجلة الفخاري، أواني فخارية يدوية الصنع مشابهة للمصنوعات المحلية ما قبل الفرعونية. اللافت للإنتباه أن القرابين الحيوانية، الشائعة بكثرة فى مقابر كرمة الأسبق، سجلت غياباً، لكن مدافن لثلاثة اسود وسمكتين تم العثور عليها فى الجبانة. فى معظم الحالات، كانت الهياكل تتجه شرق- غرب مع الجماجم الى الغرب. الزينة الشخصية شملت العديد من التعاويذ مصرية الصنع.

    وجود مدافن ممددة ومقرفصة، جنباً الى جنب، مع مجاميع جنائزية مماثلة هو أحد السمات المميزة لهذه الجبانة. اعتقد المنقب بداية أن النوعين من المدافن قد ينتميان الى فترتين مختلفتين، إلا أن تماثل المجاميع الجنائزية والتوزيع الاستراتيجرافي للمقابر أقنعه بإنتمائهما الى عناصر من المجتمع متعاصرة ومتمصرة ومحافظة. المثال الأكثر تجلياً تمثل فى مقبرة مستطيلة تحتوى على دفن رجل وإمرأة، الرجل ممدد بينما كانت مرافقته فى وضع مقرفص، وهو ما قاد المنقب للاستنتاج بأن "المرأة... التزمت بالعادة الأصلية مع محافظة لائقة فى حين أن زوجها اتبع الأسلوب الأكثر حداثة"(Griffith 1923: 8. اختلافات ذات طبيعة مماثلة توجد فى المقابر النبتية فى مروي حيث نسبت الموميات، الممددة، والمغطاة بشباك من الخرز ووضعت فى توابيت خشبية، الى حرفيين مصريين، فى حين نسبت المدافن المقرفصة على عنقريب للسكان المحليين.

    المدافن المروية (Geus 1990)، الغائبة كلياً للأسف فى صنم، تنتمي للتقليد نفسه مثل النبتية. الأساسات متطابقة، التنوعات الوحيدة كانت جيولوجية الطابع أكثر منها ثقافية. فى النوبة، يكشف كل من تواتر المقابر الكهف والمدافن الممددة والاتجاه المفضل شرق- غرب، الرأس الى الغرب عن تأثير نماذج مصرية وملكية قوية.

    فى الجنوب، حافظت الأساسات على النمط ذاته. على كلٍ، سادت المدافن الممددة فى منطقة محددة فقط، حول مروي، حيث ظهرت فى فترة متأخرة لاحقة ومن ثم اختفت بنهاية الفترة. الشئ نفسه يمكن قوله بالنسبة لاتجاهها والذى يؤلف تنوعات كثيرة. فى الواقع، فى هذه المنطقة، كان تأثير مصر محدوداً زمنياً وانحصر فى أطراف المدينة العاصمة والجبانات الملكية.

    حتى فى النوبة، يظهر هذا التأثير ضعفاً حيث تندر الموميات والصناديق والتوابيت. خلافاً لذلك، أعطى موقعان بينة لمدافن على عنقريب. يحتمل أن يكون المدفونون يرقدون على حصائر أو فراش كما هو الحال فى الأزمان السالفة، إلا أن البينة تظل واهنة. اتبعت المجاميع الجنائزية التقليد القديم المرتبط بالموضوعات ذات القيمة فى الاستخدام اليومي، وأدوات الزينة، والأسلحة، والجرار، خلافاً للمقابر المصرية المعاصرة لها والتى اشتملت فقط على تابوت وصندوق، وهى حقيقة تم توثيقها جيداً فى الجزء الشمالي الأقصى للنوبة، الذى كان حينها تحت السيطرة المصرية. خلال القرون الميلادية الأولى، كان هناك قدر من التطور للفخار الملون الموجود فى المدافن، برسوم ظهرت فى وقت أسبق فى أسلوب التعاويذ المصرية والذى اختفى كلياً بحلول تلك الفترة.

    على أية حال، السمة الأكثر تمييزاً للجبانات المروية فى النوبة السفلى تمثلت فى بنيات مستطيلة أو مربعة من الحجر و/أو الطوب غير المحروق، والتى تغطي العديد من المقابر. كلها كانت مدمرة لدرجة أثار معها شكلها الأصلي مشاكل فى التفسير. رغم أنها قد تمثل أنواع أخرى للبنيات، فإن معظم علماء الآثار يميلون الآن لعدها بقايا أهرام صغيرة وبالتالي مؤشراً آخراً لتأثير النماذج المصرية والملكية. الى الشرق من تلك البنيات شيدت مصليات ارتبطت بها فى الغالب المسلات، وموائد القرابين، والتماثيل، التى قدر لها أن تقوم بدور فى الطقوس. تلك السمات الأصلية للجبانات المروية تمثل تحولات جديدة فى المعتقدات الجنائزية، التى كان معنى بعضها مبهماً. جسدت تماثيل الأشكال الغريبة بأجنحة مثنية طويلة وممتدة الى الوراء من الكتفين لتلامس الأرض إبداعاً محلياً. تشابهها الايقوني أدي الى مطابقتها ب "البا" فى الديانة المصرية - تسمى عادة بتماثيل با - رغم أن ذلك لم يتم تأكيده من جانب معطيات أخرى. تقدم موائد القرابين معطيات ايقونية أكثر دقة تشير، بخاصة، لتأثر قوي بالطقوس المرتبطة بعبادة ايزيس وأوزريس.


    أهمية الطقوس المرتبطة بالمعتقدات الجنائزية أو الذكروية المتأخرة تجد دعماً من ملاحظات أخرى. فى صادنقا، وجدت أواني زجاجية فى السلالم. فى كارانوج، آثار أعمدة خشبية - احتمالاً سواري أعلام - وركام مزهريات صغيرة، وجدت كلها بالقرب من مدخل هابط الى مقابر كهوف بدون بنية فوقية، كل تلك تظهر أن مثل تلك الطقوس لم تك محصورة فى القبور ذات البنية الفوقية. سمة لافتة أخرى لكارانوج تمثلت فى وجود قرابين داخل البنية الفوقية.

    حدثت تحولات أساسية بنهاية مملكة مروي. افترض لفترة طويلة أن تلك التحولات، الواضحة بخاصة فى المدافن، تقدم بينة دالة على انفصال ثقافي حاد عن تقاليد الماضي. مع ذلك، فإن نتائج العمل الميداني الحالي أفضت الى عدها إعادة إحياء تدريجية للعادات المحلية، والتى شجع عليها تدهور مروي، ومن ثم نهاية قيادتها السياسية.

    بالطبع، فإن السمة الأساسية المشتركة لجبانات ما بعد مروي (حوالي 320- 600 م.) تمثلت فى استخدام التل الترابي بنية فوقية للمدفن، مع ظهوره الأول فى مروي والمواقع المجاورة قبل نهاية المملكة. فى الوقت ذاته، عاودت الظهور تقاليد الدفن المقرفص على عنقريب والاتجاه شمال- جنوب الى جانب العادات القديمة. كما كان الحال سابقاً فى كرمة، احتوت المدافن الملكية فى النوبة السفلى (Emery 193 على قرابين بشرية، لا تتجاوز أبداً 17 فرداً فى المقبرة الواحدة، وأحيط المدفن بمدافن غير ملكية أصغر. من جانب ثانٍ، لم يعد هناك وجود للموضوعات الحجرية والنقوش المرتبطة بالمباني الفوقية.

    الاستمرارية مع المرحلة السابقة أمر مدهش بلا شك. فى المدافن الخاصة، كانت الأساسات تكاد تتطابق - فى الشمال، كانت الأنواع هى ذات التى وجدت فى الجبانة النبتية فى صنم - ولم تظهر المجاميع الجنائزية أية تنوعات أساسية، الاختلاف كان فقط فى النوعية. كالعادة، سادت الأواني الفخارية فى حين اشتملت الأخرى على الزينة الشخصية، والأسلحة، والأدوات، وأدوات الزينة.

    فى الجنوب، فإن كثافة المدافن التلية عالية بصورة مذهلة. فى اقليم شندي، تم تسجيل 30.000 منها فى الضفة اليسرى للنيل فى منطقة تمتد فقط الى خمسين كيلومتر. الأكبر من بينها يغطى مدافن ملوك، والين كانوا نظراء لملوك الشمال الذين نقبت مدافنهم فى بلانا وقسطل (Lenoble 1989).

    مواقع الدفن الأكثر إثارة هى بالطبع الجبانتان الثنائيتان فى بلانا وقسطل، المواجهتان لبعضهما على ضفتي النيل فى النوبة السفلى، حيث تغطي تلال ضخمة المدافن الملكية- الأكبر من بينها يبلغ قطره 77 متراً وارتفاعه 13 متراً- وقد نظر إليها لفترة طويلة بوصفها تلال طبيعية، وتفادت بالتالي عمليات النهب. هذا ما يفسر لماذا وفر التنقيب فيها مجموعة موضوعات رائعة، معظمها يعود تاريخه لمصر البيزنطية. كما أشار آدمز (Adams 1977: 405): "مثل مقبرة توت-عنخ-آمون فى مصر التى سلمت بالصدفة، فإنها تعطينا مفتاحاً- تقريباً الوحيد الذى نمتلكه- الى الثروة الأكبر غالباً التى رافقت مدافن الأزمان الأسبق والأكثر ازدهاراً." وصف رائع لاكتشافها والتنقيب فيها تم نشره من قبل ايمري، الذى يصف المدافن كالتالي (Emery 1938: 25- 26) :

    "ممر منحدر قطع فى الترسب الطيني الصلب يقود منحدراً الى حفرة ضخمة وسلسلة من الغرف المشيدة بالطوب فى هذه الحفرة مع صالة صغيرة مفتوحة والتى ينفتح عليها الممر المنحدر. فى بعض الحالات تم تشييد كل غرفة من الطوب فى حفر منفصلة وترتبط كل الغرف بممرات قصيرة حفرت كأنفاق فى الترسب الطيني. سقف كل غرفة مسردب كالبرميل، وفى المدافن الأكبر سدت الأبواب بعتبات حجرية.....

    خصصت غرفة واحدة عادة لجرار الخمر وكؤوس الشراب، وكرست غرفة أخرى لمعدات الطهي المصنوعة من البرنز والفضة، والمصابيح، والمجوهرات، والأسلحة، والأدوات. فى المدفن 80 فى بلانا، على سبيل المثال، وجدنا حراب وفؤوس سوياً مع أدوات لتصنيع المعادن، وقوالب لصب الحديد. فى المدافن الأكبر خصصت غرفة لدفن الملكة، التى بلا شك قد قدمت قرباناً، مع خادماتها الأرقاء. لكن فى المدافن الأصغر وضعت الملكة المدفونة قرباناً بجوار بعلها.

    وضع الملك فى غرفة الدفن الأقرب الى المدخل الرئيس للمدفن، وواضح أن ادخاله كان بمثابة الاجراء الختامي قبل اغلاق المدفن. وضع جثمانه فى داخل تابوت خشبي يشبه غطاءه هيئة إنسان، ووضعت تحت التابوت أواني برنزية وفضية لاستخدامه المباشر. يلبس كامل حليته الملكية وتترك أسلحته لحمايته متكئة على حافة التابوت، وفى مقدمة التابوت ترقد أجساد القرابين من الأرقاء الذكور وجسد ثور. كثيراً ما يوضع مقعد قابل للطي بالقرب من التابوت.

    من ثم يغلق باب المدفن بالطوب والحجر وتقدم جياد صاحب المدفن، وجماله، وحميره، وكلابه، سوياً مع رعاتها واحتمالاً الجنود قرابيناً فى الفناء والممر المنحدر. دفنت الحيوانات وهى تلبس عدتها وسروجها، وتلبس الكلاب أحياناً أطواقاً ورسناً.

    واجه القرابين البشر موتهم إما بجز الرقبة أو عن طريق الشنق، أما الحيوانات فعن طريق الضرب بالفأس....

    أخيراً تم ردم الحفرة والممر المنحدر ويقام من ثم تشييد كوم ترابي ضخم فوق المدفن؛ فى العديد من الحالات تدفن قرابين تتمثل فى موضوعات مثل الأسلحة، والمجوهرات، والمزهريات وما الى ذلك فى التل الترابي. وغطيت معظم التلال فى بلانا بطبقة من الحصي."

    الوصف السابق، الغني بتفاصيل الثروة وتعقد المدافن فى كلا الموقعين، لا يحتاج الى تعقيب. تمثل تلك المدافن النقطة النهائية لجذور التقاليد المحلية والمستوردة قبل زوالها فى النوبة بفترة وجيزة بعد وصول المسيحية.

    بالطبع مع تنصير النوبة شهدت المقابر تحولاً أساسياً. لم تعد المدافن تجد الإهتمام السابق، مع احتواء الأساس فقط على الشخص المتوفي المحمي من حين لآخر بكفن أو تابوت، لكن مواقع الدفن تعلم عادة بنوع من البناء الفوقي. تحول مدهش هو الاختفاء النهائي للجبانات الملكية و، بالتالي، مدافن ملكية كرمز للدولة. ينطبق الشئ نفسه بالنسبة للعصر الإسلامي. مع ذلك، تحمل الجبانات النوبية تأثير بعض التقاليد ما قبل المسيحية: يدفن المتوفى على عنقريب؛ وحماية الحفرة بتل صغير مستطيل أو بيضاوي مغطى بحصي بيضاء؛ ووضع آنية فى أحد جوانب الكوم، وحجر أو طوبة فى رأس القبر ومؤخرته، وتثبيت أعلام صغيرة فى حالات بالأرض. من جانب ثانٍ، فإن بعض المقابر المهمة تغطى بقبة والتى يمكن أن تكون قد تأصلت من الاهرام المروية. ويمكن أن يكون جريد النخيل الذى تجلبه النساء فى موسم الأعياد الى المقابر آثاراً لعادة قديمة مفقودة آثارياً.



    هوامـش

    1. أود انتهاز هذه الفرصة للتعبير عن شكري للمدام ديانا بولين المسؤلة عن النص الإنجليزي لهذه الورقة.

    2. لتيسير المسألة، استخدم المصطلحات لوصف وضع المتوفى كونه محصوراً "مقرفصاً" و "ممدداً".

    3. المملكة القديمة (حوالي 2635- 2140)، المملكة المتوسطة (حوالي 2022- 1650)، المرحلة الانتقاليةالثانية (حوالي 1650- 1539)، الأسرة الثامنة عشرة (حوالي 1539- 1069) تشير الى كرونولوجية مصر الفرعونية.

    4. تأثير محتمل آخر يمكن الكشف عنه فى مدافن ما يسمى بثقافة المقابر البان ، والتى تم التعرف عليها بفعل اكتشاف القليل من الجبانات فى مصر العليا والنوبة السفلى. رغم أنها من التقليد نفسه، فإنها لم تناقش فى هذه الورقة لأسباب عدم دقة منشأها. يؤرخ بيتاك () هذه الثقافة "من أيام المملكة الوسطى المتقدمة والمرحلة الانتقالية الثانية"، ووصف المقابر كالتالي: " فى حالات... تظهر المقابر بقايا بنية فوقية حجرية مفككة. توضع الجثث فى مهوى دائري محفور فى حصباء الصحراء، على حصائر فى وضع مقرفص على الجانب الأيمن، إما كلياً باتجاه شمال- جنوب مع الرأس الى الشمال، متجهة غرباً، أو باتجاه شرق- غرب، مع الرأس فى الغرب متجهة جنوباً... حميت الجثمان بطبقة من الألواح الحجريةز وضعت القرابين مع الجثمان فى المهوى وأيضاً فى حفر صغيرة منفصلة على السطح، حيث وجدت بينها فى حالات كثيرة جماجم ثيران وغزلان وأغنام ملونة بنقاط حمراء."

    * المقبرة تم تفكيكها ونقلها، لكونها أضحت عرضة للغرق بفعل ارتفاع منسوب النيل الناتج عن تشييد خزان أسوان(السد العالي)، الى متحف السودان القومي بالخرطوم حيث أعيد تشييدها فى حديقة المتحف سوياً مع معبد بوهين ومعبدي سمنة شرق وسمنة غرب والتى تم تفكيكها ونقلها هى الأخرى. عمل رائع فنياً ومجهد يستحق التقدير قام به عمال ترميم سودانيين تابعين لمصلحة الآثار بإشراف المهندس فردريك هنكل المعار حينها لمصلحة الآثار السودانية من قبل حكومة جمهورية ألمانيا الشرقية.(تأمل أركامانى أن تسمح الظروف بالعودة الى السودان والرجوع الى ملفاتهم بالمصلحة، لتحصص مقالة عنهم وعن ما قدموه لحماية تراث الأمة السودانية). [أركامانى].



    المراجع





    Adams,W,Y.,1977: Nubia, Corridor to Africa, London

    Arkell,A.J.,1949: Early Khartoum. An Account of the Excavation of an Occupation Site carried out by the Sudan Government Antiquities Service in 1944-5, London: Oxford University Press

    Bietak,M.,1968: Studien zur Chronologie der Nubischen C-Gruppe, Ein Beitrag zur Frühgeschichte Unternubiens zwischen 2200 und 1500 vor Chr. (Berichte des Österreischen National Komitees der UNESCO- Aktion für die Rettung der Nubischen Altertümer, V), Wien

    Bietak,M.,1987: 'The C-Group and the Pan-Grave Culture in Nubia', in Tomas Hägg (ed.), Nubian Culture, Past and Present, Main Papers Presented at the Sixth International Conference for Nubian Studies in Uppsala, 11-16 August, 1986, 113-128, Stockholm

    Bonnet,Ch. et al.,1990: Kerma, royaume de Nubie, Genève

    Caneva,I.,1983: 'Excavating Saggai 1', in Pottery Using Gatherers and Hunters at Saggai (Sudan): Preconditions for Food Production, Estratto dallarivista "Origini", Preistoria e Protostoria delle Civiltà antiche, vol.XII, 7-29

    Clark,J.D.,1989: 'Shabona: an Early Kharrtoum settlement on the White Nile', in Krzyzaniak,L & Kobusiewicz,M (eds,), Late Prehistory of the Nile Basin and the Sahara, 387-410, Poznan

    Dunham,D.,1950: The Royal Cemeteries of Kush, vol.I, El Kurru, Cambridge, Mass

    Emery,W.B.,1938: The Royal Tombs of Ballana and Qustul, Mission Archéologique de Nubie 1929-1934, SAE, Le Caire

    Geus,F.,1984: Rescuing Sudan Ancient Cultures. French Unit of the Directorate General of Antiquities and National Museums of the Sudan, Khartoum

    Geus,F.,1990: 'Enquête sur les pratiques et countumes funéraires méroïtique. La contribution des cimetières non royaux. Approche préliminaire', Revue d'Egyptologie 40

    Griffith,F.L.,1923: 'Oxford Excavations in Nubia, XVIII-XXVI, The Cemeter of Sanam', LAAA 10, 73-171

    Hutington,R & Metcalf,P.,1979: Celebrations of Death, Cambridge University Press

    Krzyzaniak,L.,1984: 'The Neolithic habitation at Kadero (Central Sudan)' in Krzyzaniak,L & Kobusiewicz,M (eds.), Origin and Early Development of Food Producing Cultures in North-Eastern Africa, 309-315, Poznan

    Lecointe,Y.,1987: 'Le site néolithique d'El Ghaba: deux années d'activité (1985-1986)', in Archéologie du Nil Moyen,2, 69-87

    Lenoble,P.,1989: '"A New Type of Mound-Grave" (Continued): le tumulus à enceinte d'Umm Makharoqa, près d'El Hobagi (A M S NE-36-0/7-0-3)', Archéologie du Nil Moyen,3, 93-120

    Nordström,H.A.,1972: Neolithic and A-Group Sites, The Scandinavian Joint Expedition to Sudanese Nubia,3, Stockholm

    Reinold,J.,1987: 'Les Fouilles pré- et proto-historiques de la Section Française de la Direction des Antiquités du Soudan; les campagnes 1984-85 et 1985-86', Archéologie du Nil Moyen,2, 17-67

    Shinnie,P.L.,1967: Meroe, a Civilisation of the Sudan, London

    Wendorf,F.,1968a: 'Late Paleolithic Sites in Egyptian Nubia', in Wendorf,F (ed.), The Prehistory of Nubia, 791-953, Dallas

    Wendorf,F.,1968b: 'A Nubian Final Paleolithic Graveyard near Jebel Sahaba, Sudan', in The Prehistory of Nubia,791-953, Dallas

                  

العنوان الكاتب Date
وثيقة مصرية قديمة تعيد كتابة التاريخ: مملكة كوش كانت قوة عظمى Faisal Salih08-02-03, 01:33 PM
  Re: وثيقة مصرية قديمة تعيد كتابة التاريخ: مملكة كوش كانت قوة عظمى نصار08-02-03, 02:01 PM
    Re: وثيقة مصرية قديمة تعيد كتابة التاريخ: مملكة كوش كانت قوة عظمى ابو جهينة08-02-03, 02:15 PM
  Re: وثيقة مصرية قديمة تعيد كتابة التاريخ: مملكة كوش كانت قوة عظمى kofi08-02-03, 02:58 PM
  Re: وثيقة مصرية قديمة تعيد كتابة التاريخ: مملكة كوش كانت قوة عظمى Faisal Salih08-02-03, 03:03 PM
  Re: وثيقة مصرية قديمة تعيد كتابة التاريخ: مملكة كوش كانت قوة عظمى حمزاوي08-02-03, 03:40 PM
  Re: وثيقة مصرية قديمة تعيد كتابة التاريخ: مملكة كوش كانت قوة عظمى Faisal Salih08-02-03, 04:10 PM
  Re: وثيقة مصرية قديمة تعيد كتابة التاريخ: مملكة كوش كانت قوة عظمى Faisal Salih08-02-03, 04:15 PM
    Re: وثيقة مصرية قديمة تعيد كتابة التاريخ: مملكة كوش كانت قوة عظمى دورنقاس08-02-03, 04:25 PM
  Re: وثيقة مصرية قديمة تعيد كتابة التاريخ: مملكة كوش كانت قوة عظمى WadalBalad08-02-03, 08:48 PM
  Re: وثيقة مصرية قديمة تعيد كتابة التاريخ: مملكة كوش كانت قوة عظمى WadalBalad08-02-03, 08:51 PM
  Re: وثيقة مصرية قديمة تعيد كتابة التاريخ: مملكة كوش كانت قوة عظمى AbuSarah08-02-03, 10:01 PM
  Re: وثيقة مصرية قديمة تعيد كتابة التاريخ: مملكة كوش كانت قوة عظمى Faisal Salih08-04-03, 10:02 AM
  Re: وثيقة مصرية قديمة تعيد كتابة التاريخ: مملكة كوش كانت قوة عظمى AbuSarah08-04-03, 05:10 PM
    Re: وثيقة مصرية قديمة تعيد كتابة التاريخ: مملكة كوش كانت قوة عظمى Haydar Badawi Sadig08-04-03, 10:07 PM
      Re: وثيقة مصرية قديمة تعيد كتابة التاريخ: مملكة كوش كانت قوة عظمى منعمشوف08-04-03, 10:48 PM
  Re: وثيقة مصرية قديمة تعيد كتابة التاريخ: مملكة كوش كانت قوة عظمى Faisal Salih08-05-03, 01:21 AM
  Re: وثيقة مصرية قديمة تعيد كتابة التاريخ: مملكة كوش كانت قوة عظمى AbuSarah08-05-03, 05:23 PM
    Re: وثيقة مصرية قديمة تعيد كتابة التاريخ: مملكة كوش كانت قوة عظمى Abdel Aati08-07-03, 02:30 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de