|
|
 وزارة التربية والتعليم وشيخ (أبْ عَلْعُول) !!
|
** وزارة التربية والتعليم وشيخ (أبْ عَلْعُول) !!
شاذلى جعفر شقَّاق
حلفتْ علويَّة بأخيها الوحيد – وسْط كومة النساء المتكدِّسات حول حَلَّة الفول أمام الدكَّان- أنَّ شيخ (أبْ عَلْعول) يدُه لاحقة وأنَّ الكثيرين برءوا – بإذن الله- على يديه المُباركتين من أسقامهم المُزمنة وعاهاتهم المستديمة ولكنَّ الأهمَّ من ذلك أنَّه لا يأخذ مليماً أحمراً واحداً مقابل هذه الخدمة الجليلة ، كما لا يبتغى من وراء ذلك جزاءً ولا شكوراً لأنَّه – ببساطة – يفى بنذرِه القديم المتجدِّد لخدمة هؤلاء الأهالى الطيِّبين خدمةً يؤمن بأنَّها من أوجب واجباته !
وعندما سالت المَطىُّ وتقاطرت الجموع زُرافاتٍ ووُحدانا من كلِّ حدَبٍ وصوب على صهوات العشم ؛ لم يخِبْ ظنُّ أىِّ واحدٍ منهم- والحقُّ يُقال- فى شيخ (أب علعول) الذى لم يأخذ مليماً واحداً من أحد ..بل شهد له المتردِّدون المُشكِّكون ، أعداءُ النجاح المُبخسون الناسَ أشياءَهم ، شانئو المُساهمات التطوعيَّة والمشاريع التكافليَّة التى تهدف إلى رتْقِ نسيج المجتمع ؛ شهدوا جميعاً قبل المُحايدين على صبره العجيب على زُوَّارِه الذين لا ينقطع خريرُهم !
والحقيقة أنَّ شيخ (أب علعول) لم يطلبْ سوى طبق بيضٍ واحد فقط لكلِّ مريضٍ يجلس أمامه ، لا رغبةً فى البيض طبعاً – حاشا لله – إنَّما ليتمكَّن الشيخ من النوم على (الخَيْرة) لتوصيف الحالة المرَضيَّة ! وعندما يسودُّ صَفارُ البَيْضةِ – المحقونة بعُصارة الورنيش- فى ضُحى الغدِ ؛ يستبين المريضُ الداءَ العُقام أو (العمَل) المشؤوم الذى لن يشفى منه إلاَّ بجلساتٍ علاجيَّة مجَّانيةٍ طبعاً ، تطول سنيناً أو تقصر أشهُراً حسب خطورة (العمَل) أو (العين) أو (هبْشة الضلام) أو (الكشْحة) ..فقط فى كلِّ جِلسةٍ طبقٌ من البيض المختوم لا غير ! وهكذا انتظمتْ الجلسات العلاجيَّة العامَّة ، اُفتُرعتْ منها جلسات خاصَّة – اقتضتها الضرورة- آناء الليل وأطراف النهار ، مع بزوغ الشمس ، عند الزوال ، أو هزيع الليل الأخير حسب حالة الشخص المَعْنِى ..لا شئ غير الزحام وأطباق البيض ..لا شئ يجعل المتدافعين فى شكل طابور مملكة نمل بين متجر البيض ومنزل (أب علعول) ؛ لا شئ يجعلهم يقرؤون لافتةً أنيقةً تزين مفرق المتجر ، تقول أحرفها المضيئة :(أب عَلْعول لتوزيع البيض ) !!!
ونحن عندما نسمع شبه الجملة التى تقول : مجَّانية التعليم ، لا نفيق من شبْه نومةٍ كتلك التى تعتريك بعد حصَّة الفطور إنْ وُجد ! إنَّما نفهم مباشرةً دون أية دروس خصوصيَّة أو تدخُّل من مدرِّس يهتبل علينا درس العصر بُغية دُرَيْهماتٍ يُقمن صُلبَه ، أقول نفهم مباشرةً أنَّ أولادنا سينعمون بخدمة التعليم مجَّاناً دون أنْ نقتطع مقابل ذلك من سنامِنا الواهنِ شيئاً ، خصوصاً إذا صدر هذا القولُ من أعلى صوتٍ فى بلادنا – السيِّد رئيس الجمهوريَّة – ولكن وللأسف الشديد إنَّ بعضَ القائمين على أمر التعليم فى بلادنا الحبيبة لم يُباركوا فهمنا المغلوط هذا ، بل وضعوا أمامه - فى كرَّاسة عقولنا – علامة خطأ مشفوعة بكلمة (قابلنى) ممهورةً بتوقيعهم الأنيق ! هم ببساطة من فرْطِ غباءِهم الذكى قد حذفوا عبارة (رسوم دراسيَّة )لُغويَّاً ، ثم وضعوا مكانها على أرض الواقع عباراتٍ التقطوها من على قارعة زُقاق التحايُل اللُّغوى ، مثل : تبرُّع – مُساهمة – تسيير ...الخ
الذى دفعنى إلى كتابة هذا المقال خطابٌ يحمل توقيع (المجلس التربوى بمدرسة صالحة صريو الأساسيَّة – بنين) يحمله تلاميذُ هذه المدرسة إلى أولياء أُمورهم من إدارة المدرسة..وهذا الخطاب الذى بدأ غريباً وانتهى غريباً تقول ترويسته ((المشروع التكافلى الاجتماعى لمدرسة صالحة وصريو – بنين .. تحت رعاية أئمة المساجد ))! .. تُرى ما رأىُ أئمةِ المساجد فى مُحاولة شرعنة الرسوم الدراسية التى بعد أنْ غيَّرتْ اسمها ورسْمها بقليلِ مكياج رخيص جعلها أكثر دمامة؟! ..فبعد أنْ حيّيوا ولى أمر التلميذ بتحيَّة الاسلام ؛ طرحوا عليه مشروع تكافلى اجتماعى لتكملة صيانة المدرسة التى أصبحتْ بها فصول جديدة تمَّتْ صيانتُها ، وأُخرى قديمة لم يطالها التحديث ،وهذا أمرٌ لا بأس به – فى تقديرى – رُغْم الظروف المعيشيَّة القاهرة والغلاء الطاحن الذى لا يُكابر على وجوده أحد , ولكنَّ المرارة أو فقع المرارة إن شئتَ ؛ تكمنُ فى العَرْضِ الابتزازى الذى تقدَّم به مجلسُنا الحكيم وذلك بقولهم :((يتم تحويل التلاميذ الذين يرغب أولياء أمورهم للفصول الجديدة بمبلغ وقدْره 100ج سودانى)) انظر عزيزى القارئ إلى عبارة(يرغب أولياء أمورهم) التجارية هذه ، ثم تأمَّل هذا التمايز العجيب ذا التاثير النَّفسى والسلبى على ناشئة تلاميذ يدرسون فى مدرسة واحدة وداخل سورٍ واحد ، وهى مدرسة حكوميَّة !! ولكن هل يعفى مجلسُنا الموقَّر – مَن لم يستطع سداد الـ 100ج وفضَّل بقاءَه فى الفصول القديمة – من الرسوم الدراسية المُسمَّاه حركياً بالمشروع التكافلى ؟ كلاَّ وألف كلاَّ ..فإنَّهم يقولون : ((يُساهم كلُّ ولى أمر تلميذ غير منتقل للفصول الجديدة بمبلغ وقدره 15 ج )) وهذا يعنى أن يكترع التمايز ويدفع أيضاً !! ثم يواصل مجلسُنا التربوىُّ صاحبُ المشروعِ التكافلىِّ الاجتماعىِّ غيَّه وتُرَّهاتِه بقوله :(( أمَّا بخصوص تسيير المدرسة فإنَّه يقع على عاتق أولياء الأمور لأنَّ الدولة ليس لها ميزانية تسيير للمدارس وقرَّر المجلس مبلغ وقدره 2جنيه شهريَّاً ))!! فالدولة التى تُعلن مجَّانية التعليم تُصبح - على لسان المدعو المجلس التربوى بمدرسة صالحة – عاجزةً و(وحدانية) ومكسورة جناح ليس لها ميزانية تسيير للمدارس ))!!
ولكى تصل نشوة الابتزاز ذروتها كان لا بُدَّ للخطاب أن يواصل لُغة لَىِّ الأيادى بالضغط على عامل الزمن بقوله :((وتنفيذاً لذلك المشروع سوف تبدأ لجنة التحويل من يوم الاثنين الموافق 11/7 وحتى 14/7 وسوف تتوقَّف اللجنة فى أىِّ وقتٍ اكتمل فيه عدد المحوَّلين وعليه نرجو منكم الإسراع للراغبين حفاظاً على فرص أبناءهم فى الفصول الجديدة ))!! أىُّ اسلوبٍ دعائىٍّ هذا الذى يُحاكى صياح الباعة الجوَّالين :(علينا جاى ..السعر معقول ..والعدد محدود .. الفرصة ما تفوتكم) !!
ثم نأتى بعد ذلك إلى صيغة الإقرار أو الالتزام التى تبدأ بـ : (( أنا ولى أمر التلميذ فلان ..أسكن كذا ..أعمل كذا ..التلفون كذا ..اطَّلعت على ما ورد وأساهم فى ذلك المشروع التكافلى الاجتماعى بمبلغ وقدره كذا وأساهم فى تسيير المدرسة شهريَّاً بمبلغ 2 جنيه ..التوقيع ))بالله عليكم إذا لم يكن مشروعاً تكافليَّاً اجتماعياً كيف كان سيتمُّ تحصيل الرسوم ..عفواً ..أ أ أقصد المساهمات !!
ولكنَّ العذر الأقبح - عزيزى القارئ- من عذرِ أبى نُواس لهارون الرشيد هو ماورد أسفل الخطاب ، ألم أقل لكم أنَّه بدأ غريباً وانتهى غريباً ؟! إقرأ : (( ملحوظة : نحن نؤكِّد كلام والى ولاية الخرطوم بمجَّانية التعليم ولكن إذا تراضى أولياء الأمور على أمر فليكن )) !! بالله!
دعونا نقول لكم – يا أصحاب المشروع التكافلى الاجتماعى – ليست المصيبة فى هذا التحايُل الغبى ، إنَّما المصيبة أن تضيع أطباقُ بيضِنا هدراً دون أنْ نحصُل على علاج من داءِ جهلِنا العُقام !!!
** الأنتباهة 30/7/2011م
|
|
 
|
|
|
|
shazaly gafar
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست