الشعبية نجمة تزين سماء مدينة الخرطوم بحري (الجزء الثالث)

Quote: رسالة حزينة أخي الأستاذ / صلاح محمد عبد الدائم ( شكوكو) تحية طيبة وبعد من قلب يتفطر حزنا ويتقطر أسى أبعث اليك تحياتي وصادق مواساتي وجزيل مودتي وتعاطفي العميق معك وأنت في أتون هذا الحزن العميم، لأقاسمك لوعة الفراق وألم الإفتراق ونحيب الخاطر وحزن الوجدان على رجل كان على شاكلة النقاء أعرف قدره فيك. فقد كنت أعلم علم يقين راسخ أن صرير قلمك سيكون هو الأشد نحيباً وأكثر وجدا، لأنك الأنكأ جرحاً وأشدنا دنوا من الرجل الذي غادر دنياواتنا وترك خلفة الأسى، وأدرك كذلك أن سيل مدادك وودادك هو الاكثر سواداً لأن من كتبت عنه حزنا، كان هو الأكثر نقاءً وصفاءً وبياضاً والأقرب مودة إليك وبفقده يتكون في أعماقك إحساس عميق قد لا نحسه ولا نتخيل كنهه، ولأنك رجل تعرف قيم الوفاء وقدر الرجال. وندرك كذلك أن اتكاءات أحرفك علي مرافئ الحزن هي الأكثر انكساراً وانسكاباًً علي روحك الشفيفة، ويكفي أن أجهزة الإعلام المختلفة، المرئية والمقروءة والمسموعة طفقت تبحث عن سيرة الفقيد عبر الإنترنت فلم تهتد إليها إلا من خلال ما دونته يداك عن الرجل، لتظهر أروع سمات النبل في التوثيق للرجل حيا بيننا وميتا في دنياواته الأبدية. ولأن (أدبيات) الحزن كبيرة وسامية المقام لمن يعرفون معني الحزن، فقد ألجمت نفسي من التطاول فوق أحزانك وذلك من باب المواساة، وأرجأت كلماتي المتواضعة حتي تُخرج انت ما في نفسك من حرقة الفراق وألم الخاطر وزفرات اللوعة والبعاد. وانتظرتك أخي صلاح تحت ظلال عمودك الكهرماني (بدون تعصب) رغم انقطاع الضوء عنه وأنت تعتصر الحزن وتغالب الأسى، وتدثره بثياب أحزانك النبيلة، فقرأت كلماتك تحت وهج الأسى.. وأزيز اللوعة.. وخلجات الألم المكتوم، ورغم شدة الظلام وامتلاء الأعين بالدموع، فقد عجبت منك وأنت (تكبت) أحزانك الخاصة وتكتب عن أحزان العامة بعمومية اللفظ وخصوصية الخاطر، وتغزل وشاحاً يغطي الجميع من هول الفاجعة التي فجعتك وزلزلت وجدانك، وتنفث فينا هذا البوح بهذا الرهف ومضاضة الألم، ونزف الجرح في آن معاً. هذه النافذة البعيدة عن التعصب حقا والتي أقرأها باستمرار فلا أجد فيها إلا القيم النبيلة، وسمو الخاطر والترفع عن المزالق وسفاسف الأمور، وكأنك أخي لا تريد أن يوصم عمودك بشيء تستحي منه يوما من الأيام. كم هي عصية وعنيدة هذه الأحرف عندما نستدعيها للكتابة عن فراق صديق عزيز، لأنه ربما هو نوع من استقطاع الروح!.. أو ربما لأنه يشابه بتر جزء من أجزء الجسد، بل ربما لأنه من الصعوبة بمكان التعبير عنه بالحروف.. وهذا يشبه تماماً الكتابة عن الوطن .. فأنا لن أنسى ابداً أخي صلاح أيام غربتك بيننا ومعنا، وأنت تحدثنا في كل لقاء عن الراحل (عزالدين) وتجكي مآثره بذلكم الإسهاب المتراخي على مساحة الزمان.. عن خلقه الكريم وجزالة المعاني التي فيه. وأنت تحاول أن تشخص لنا عبر الحروف حقائق الرجل في معان وفيّة وكلمات فيها قدر عال من العرفان والتقدير الجميل.. وأنت تقرب المسافة لنا لنرى ونشاهد أدبه الجم وكينونته التي عرفها الناس بعد الفراق .. مع تواضعة المثير، وعلمه الغزيز، انتظرتك أخي صلاح لأنني كنت أعرف الكثير عن عمق الصلة وتجذر العلائق بينكما.. وأصالة المودة المنغرسة في نفسك وامتداد حبك العظيم للراحل المقيم، فكانت خريدة حزنك موروثا جديدا لأدبيات الحزن، وعلوم الوفاء، وفقه الصداقات.. في زمن امتثل فيه كل شيء لأمر المادة، وطغيان (الأنا) .. فكتبت عن حزنك وفقدك لصديق عمرك عزالدين الصبابي ونفسك تختلج وكأنك تريد أن تقول له : إنّي أحبك حباً ليس يبلغه ** همي ولا ينتهي فهمي إلى صفته أقصى نهاية علمي فيه معرفتي*** بالعجر منّي عن إدراك معرفته فكان اجترارك لحديث الذكريات، وهمس الشجون، وحتى (وداع الوداع ) هو الزاد الذي أكلت منه حدّ التخمة علي مائدة الوداع الأخير وما ابقيت لنا من شيء نسد به رمق حزننا على فراق عز الدين إلا ما كان سيلا مما نعرف من خلالك. وتركتنا نلوك الأسى .. ونتضور جزعاً، ونحن نستمع الى المغالبة الدفينة في النفس وأنت بمداد الدموع ترسم لنا موقفا إنسانيا نبيلا، فيه قدر من التقدير. ودعّنا نصلي أخي صلاح متلاصقين بأرواحنا، لا ندع فرجة سوى لنسمات معطرة تزكّي قبره الطاهر، ونبترد بها نحن من لظى نار الحزن الذي شوى منّا القلوب قبل الجلود حتى لم نعد نحس أن لها تأثيراًعلينا. رحم الله الأخ عزالدين الصبابي وألهم آله وأسرته وأبناءه وأصدقاءه وأحبابه الصبر والسلوان .. إنّا لله وإنّا إليه راجعون . ولا نقول إلا ما يرضي الله والسلام أخوك/ صلاح عبد الرحيم كوكو ابوظبي - الإمارت العربية المتحدة منشور بصحيفة الصدى