الشعبية نجمة تزين سماء مدينة الخرطوم بحري

Quote: أسرع الصبي وضم أمه, وخانه لسانه أن يقول شيئاً يخفف به حزن أمه , فأجهش بالبكاء. هل سيمر أول عيد في بيتهم الجديد في غيبة أبيه الذي سافر في رحلة عمل منذ شهور؟ . تمالك دموعه وأحس بمسئوليته نحو أمه كرجل للبيت (كما قال له أبوه وهو يودعه). قال وهو يحاول الإبتسام وهو لا يدرك ما يقول: ـ سيأتي أبي قبل العيد , وسيحضر لنا معه خروف العيد . أرادت المرأة أن تقول شيئاً تعبر به لبكرها عن فخرها به وإحتبست الكلمات في حلقها حين سمعت جلبةً في الخارج. إنطلق الصبي للخارج وسمعت المرأة صيحاته وهتافه: ـ أبوي جا .. أبوي جا. إقشعر بدنها من هول المفاجأة وأحست بدوران وخدر في أعضائها. غالبت الفتور وقامت تترنح نحو الباب. إنها الشاحنة التي سافر بها زوجها. من يقودها ؟ رجل ملتحي ؟ إنه يشبه زوجها ؟.... إنه هو. إنها إبتسامته التي تعرفها والتي طال شوقها لرؤيتها. رفعت بصرها ويديها للسماء وقالت بين الدموع: ـ ما أكرمك يارب , لا تنسى عبادك يوماً. إجتمع أهل الحي بين رجال ينزلون من الشاحنة أغراض السفر وما أحضره الرجل معه من رحلته الطويلة (وكان بينها خروفاً للعيد) , وبين نساء يزغردن وقد فاضت أعينهم بدموع الفرح , وبين أطفال يحتضنون ذلك الصبي وأخوته لسبب لم يدركوه. نظرت المرأة للجمع وأدركت أنها لم تكن وحيدة مع هواجسها وهمومها , وأن الكل قد حمل همها وهم أبنائها في صمت. إنهم أهلها وعشيرتها , إنه موطنها الجديد , إنها الشعبية التي إستقر حبها في أعماق قلبها. راحت توزع مع زوجها ما أحضره معه من خيرات الأقاليم. قسما ما وهبهما الله من سمسم القضارف وقمح الجزيرة في كل البيوت. وأغدقا على أطفال الحي من جميز كردفان وبلح كريمة.