|
إلى صاحبي عماد عبدالله أينما كان.. الدفء الماكر
|
الدفء الماكر
برغم أنّ كلّ شيء كان يبدو طبيعيًّا جدًّا.. إلا أن حدسها كان يقول لها بغير ذلك.. لكن لم يكن أمامها غير الإذعان.. والمُضي في الطريق إلى غايته المرسومة. حاولت أن تقصّ من أجنحة أحلامها المحلقة في فضاءات لا يحتملها الواقع..؛ ركّزت كل اهتمامها في الاستفادة من الموارد المتاحة لتبدأ أولى خطوات الحياة. ضاقت الصدفة الجيرية بها..؛ أو ضاقت هي بمسرحها المحدود.. لا يهم.. المهم أن ساعة الخروج قد دنت.. حطّمت القشرة دون أي إحساس بالامتنان.. ثم أطلّت برأسها الصغير.. وأطلقت صوت نداء خافت لأمٍّ محتملة لم يكن ثمة رد أو جواب.. غير صدى صوتها مرتدًا إليها من جنبات الصندوق الحديدي.. أكملت إخراج بقية جسدها.. وهزّته برغبة المتحفّز للحياة ثم أطلقت نداءات متصلة لهذه الأمّ الصماء.. لا أحد في الجوار يستجيب.. تلفّتت حولها.. هالها منظر الصفار الواهن من زغب الريش الذي غطي المساحة وكل صغير ينادي لامٍّ لا ترد في هذا "الميتم الكبير".. لم يطل مكوثها كثيرًا.. يد غليظة كانت تطاردها من بين من تطارد ساد هرج كثير.. احتجت فيمن احتج من فرط الخوف لكن الاحتجاج لم يمنع الأصابع من نقلها إلى كرتونة كانت في الانتظار ثم أودعت إلى "ملجأ" لا يغيب عنه الضوء.. ولا يعرف الظلام.. انهمكت في الأكل بشراهة حتّى تغطي على أحزانها.. وكتعويض نفسي لفقد أمها التي لم ترها مطلقًا وكذلك كانت تفعل زميلاتها الأخريات.. نمت بينها وبين بعض القريبيات منها علاقات عابرة.. كثيرًا ما كانت تنتهي إلى شجار حول المنافسة على الطعام برغم كثرته.. كانت متعجّبًة من قدرة هذا الطعام على ملء جسمها بهذه الطريقة المغرية.. كم وقفت أمام الأخريات وعرّت فخذيها في استعراض لا يخلو من إثارة.. وتبرّج غير حميد.. *** دنت لحظة الخروج الثاني.. لكن خروجها هذه المرة كان غير ذاك الخروج.. شيء ما كان يحرضها على عدم الاستجابة.. طافت بخاطرها صور "أخريات" خرجن ولم يعدن.. ما أُشيع عن "نهايتهن" كان مفزعًا بالنسبة لها.. لكن.. لم يكن أمامها غير المقاومة والاحتجاج.. قفزت قفزات متتالية وهي تتحاشى الإمساك.. لكن اليد طوقتها أخيرًا.. أُودعت في صف طويل من طابور "الذبح الجماعي" الصراخ كان يصم الآذان.. التوسلات ذهبت أدراج الريح كانت المسافة قصيرة جدًّا بين رأس يطيح.. جلد يسلخ.. وجسد يتكوّم في كيس يفاخر بجودة المنتج ويحرص على إظهار "المفاتن".. من "الصدور" و"الأفخاذ".. غضت طرفها.. في خجل حزين عندما بانت لها عورات زميلاتها من خلف الأكياس لم يكن ثمة ساتر يحجبها عن رؤية الدم المراق.. رأت خاتمتها في مرآة العيون المثبتة دون حراك في الرؤوس الملقاة تحتها تسرّب إليها يقين بالخضوع.. فانكفأ صوتها إلى داخلها بما يشبه العزاء..؛ وهي تهمس: - ما أقسى الموت الذي لا ستر فيه.. ولذلك حين مدّوا رأسها للحز.. لم يكن يؤلمها.. ويخزها بالندم.. غير استجابتها البلهاء لذلك الدفء الماكر!!
|
|
|
|
|
|