|
Re: طوكر .. ماذا تفعل لوكنت مكاني / فايز الشيخ السليك (Re: صالح عمار)
|
جنوب طوكر : ماذا تفعل لو كنت مكاني؟ (2-2) في عام 1951 كان حسن مكيرك يلبس عقداً من القروش في رقبته بعد ثقب العملات المعدنية الغالية في تلك الأيام الخوالي، وهو يلبس العقد بعد أن امتلأت الجيوب، وفاضت عن الحاجة، وأطلق على ذات العام بأنه عام القرش في طوكر حين؛ كان أهل طوكر وجهاء يذهبون الى اثينا والقاهرة لقضاء العطلات. لكن اليوم ليس كالأمس فاليوم المدينة تدفنها في الرمال، وتجرفها السيول، ويغرق الفيضان أهلها، ولا سماع لرنة قرش، ولا استجابة لاستغاثة من مسؤول. وأهلها فقراء لا حيلة لهم، فالمشروع الذي تأسس عام 1905 وذاع صيته، هو اليوم مشروع محفوف بالمخاطر، ورياح الخصخصخة صارت أخطر عليه من أعاصير العيتبيت وغضبة الهباباي، وهما؛ اسمان يطلقهما أهل المنطقة الواقعة في جنوب البحر الأحمر على اعاصير موسمية يفعل فيه العيتبيت فعلته فتنعدم الرؤية، ويكسو الغبار المدينة، وتشل الحركة لعدة أيام، لكن للعيتبيت ضروته فهو يجدد أراضي الدلتا ويبعث فيها الخصوبة من جديد، أما الهباباي فتنعش الزرع، وتطرد الحشرات، لكن يبدو أن العيتبيت السياسي هو الذي يكسو البيوت الترابية أو بيوت طوب الأحمر كآبةً تدخل الى نفس الزائر منذ دخول المدينة حتى مغاردتها برغم وداعة السكان، ورقة المشاعر هناك. واليوم أهل محلية عقيق، ومناطق جنوب طوطر يغرقون، الجثث تدفنها الأمواج، وحين سمعت بالكارثة التي ضربت المنطقة عادت بي الذاكرة سنوات الى الوراء، حيث ذهبت لأول مرة في حياتي الى طوكر من اتجاه الجنوب، كان ذلك في عام 1998، والحرب الضروس بين حالات مد وجزر، والجيوش هنا وهناك في حال كر وفر، وهي الحرب، والطريق مقفر ما بين الألغام، وبؤس الحياة، لم أزر طوكر وقتها؛ لكنني تنقلت داخل المناطق الواقعة إلى الجنوب من المدينة، وهي مناطق جنوب طوكر، أو محلية عقيق حالياً، وتجولت عبرها من قرورة على الحدود مع دولة أريتريا الشقيقة حتى جنوبي مرافيت والقرى المنتشرة غرب ساحل البحر الأحمر مثل عدوبنا وعقيتاي وعيدب وارهيد وهمبكو وكسرة عقيق وعقيق المرسى. ثم ذهبت اليها من تجاه الشمال في العام الماضي، و الطريق الى طوكر من الشمال كذلك؛ مقفر وبائس، ولا تحس أثراً لحياة؛ الا عندما يقترب شريط الأسفلت من ساحل المالح، أو حين تجد أثراً لبيوت قبيلة الرشايدة المتناثرة، وأخشى أن تغمر السياسة طوكر التي يقول اهلها أنهم مهمشون ومحاربون من قبل الولاية، وربما هي السياسة التي تجعل الذهاب الى المدينة عبر عربة خاصة يحتاج الى اذن من جهاز الأمن ومن المخابرات،وهو أمر غريب لمواطن يظن في أمر حرية التنقل داخل بلاده، وقد شهدت ذلك بنفسي حيث أخذت اذناً بالسفر، وتعرضت للسؤال في أكثر من نقطة تفتيش برغم أن ذلك يتم بلطف، وبالتركيز على الاذن المكتوب فقط ؛ الا أنه أمر مثير للدهشة، وهو ما يعكس أن المنطقة لا تزال مهملة، وأن آثار الحرب في جنوبها لا تزال عالقة في اذهان المسئولين هناك، وهو ذات الأمر الذي دفع أحد ضباط الأمن يرافقني في رحلتي داخل المدينة والى الدلتا معلناً حساسيته من الصحافة ومن الصحافيين. ورسالة أخرى مهمة نوجهها لقادة المعارضة المسلحة سابقاً ، وهو ماذا فعلتم لمنطقة استقبلتكم في فترة عصيبة، وأطلقتم عليها " المناطق المحررة؟"، واذا كان المصور الفنان الذي التقط صورة طفل بحر الغزال التي أشرنا إليها يوم أمس قد انتحر، فندعو أن تهز الصورة الملتقطة بجنوب البحر الأحمر بعضاً من ضمائرنا، فماذا تفعلوا سادتي لو كنتم مكان ذلك الرجل سيئ الحظ؟؟
|
|
|
|
|
|
|
|
|