برنامج اغانى واغانى فى دورتة الخامسة على النيل الازرق وعلى المنبر

Quote: عدت إلي المنزل ، ووجدت إخوتي الصغار قد إرتدوا زيَّـهم المدرسي " القميص النيلي والشورت الأزرق " ووقفوا أمام والدي يطيبون من خاطره – رغم صغر سنهم – ( الدمعة يا بونا أحبسها .. شيل الملوت وأمشي الزرع .. الحال بيتغيـَّـر عسي .. أدينا بس حق الفطور .. ماشين خلاص المدرسة ) . لم أكد أسمع هذه الكلمات حتي فاضت عيناي بالدمع .. فأدخلت يدي في جيبي ، وأخرجت ما إحتقن بالجيب من بقايا الفكة ، وأعطيتها لهم ، وبارحوا نحو مدارسهم ، وبقيت بصحبة والدي ، وأومأت إليه بألأّ يحزن ، فسمعت بعض همهماته : ( الليلة مالك يا زمن كتـَّـرت فينا الإندهاش .. تزيد عجايب كل يوم والـ ...... ) وهنا قاطعته في شيء من الأدب : يا أبوي ،( ما تخاف من الأيام تدور ) ، و ( الشقي الما لاقي راحة ) بكرة الأيام بتبقي معاه . قلت ما قلت وكنت وائقاً من أن الأيام السعيدة قادمة بإذن الله ، فبقيت أرقب مضي الأيام في شوق ٍ ولهفة . ( مرت الأيام ) ، (وشهر شهرين والتالت مر ََّ ) ، ولم تصلني رسالة من (أحمد) ، فبعثت إليه برسالة عتاب وشوق أخطره فيها بشوقنا إليه وأقول : الحاصل شنو ؟ ( لا سلام منك وما منك تحية ) وليه ما بتكتب لينا ، رغم إنو (شال هم فرقتك قلبي) كان لابد لنا أن ( نحمـِّـل رسايلنا وأشواقنا لي حبايبنا .. وللقاطعين الرسايل الأحلي من عسل النحل ) ، وأخبرته في الرسالة أن أخته ( أميرة ) تسأل عنه وعن أخباره ، وأن والدته( فاطمة السمحة ) – كما تلقبها نساء الحي - في شوق ٍ لرسائله ، وأن مخطوبته ( ليلي) لا تكف عن السؤال عنه وأنهيت الرسالة بــ ( أنا بتحمـَّـل هجري مواسم ) ولكن البقية قد لا يحتملوا الهجر وإنقطاع الأخبار . بعد أيام قلائل وصلتني رسالة من ( أحمد) يقول فيها أنه قد لاقي في (دار الغربة) ظروفاً صعبة و يقول ( رغم الألم قلبي إبتسم ) ، وظل يسألني عن ( ناس ليلي) ، (فاطمة السمحة) (وأميرة) ( أولادالفرسان) (عم الزين) و(عمنا شاويش) و (أولاد الأهالي) و( الأرباب أخوي) و( شيخ إدريس) ويرسل تحاياه (للأهل) ولجميع سكان القرية الذين يعتز بهم ويقدرهم وكان دائماً ما يقول أن هذه القرية (سكانها ما عرفوا الهنا وشاخوا في عز الشباب)وإختتم رسالته بأنه حنّ إلي الوطن وإشتاق إليه ، وأنه أصبح ( زي عصفور يداري الدمعة في عيونو ويقبل قسمة المقدور ) . بعد يومين علمت بأن (أحمد) أرسل رسالة إلي أهله ، وأخري إلي (ليلي) ، وقد قرأت رسالته إليها ، يتذكر فيها أيام وجوده بالقرية ويقول : ( حليل أيامنا البدرية وجلستنا الكانت عصرية ) ويسألها فيها عن أحوالها . إستلمت رسالة أخري من ( أحمد ) وكان يبدو من خلالها أن الشوق قد فاض فكتب لي معبراً عن أشواقه يقول : أن (دار الغربة ما بترحم ) وليس فيها أنيس ولا صديق ( ولا حتي ومضة من شعاع ) وأنه في العادة يجلس وحيداً يتمني أن يهل عليه ( بدر الأمل) فـ ( يهزم صعاب المستحيل ) ، إلا أن كل حلمه كان قد (إتلاشي في ليل الضياع ) . . ومضي في رسالته يتذكر أيامنا التي قضيناها بين ( غصون الروض) و (يوم البحيرة ) و (لما الغيمة الحبلي تنـقـنق ) و (زهر البنفسج) و يقول بأنه (عطشان ) ( للجلسة العصرية ) و يسألني هل توفقت في إزالة الخلاف الذي نشب بين الحبيبين حراز ومطر ، فـقد مضت فترة جفوة بينهما وقد كان (الحراز مابي المطر وأصلو ما رضيان يصالحو) ، بسبب أن المطر صدَّق الشائعات التي خرجت بأن الحراز أصبح يحب (الدعاش والغيم ) .. ولا زلت أذكر تلك الكلمات التي قالتها ( الحراز ) ( للمطر) حالفةً به : (وحيات الحنان ) و ( وحاتك ما بدور غيرك ، وبلاك في الدنيا ما ليَّــا) ، وتستطرد موجهةً حديثها إليه : (مهما الوشاة خدعوك من الوصال منعوك) أنا سأظل كما كنت ولن يتخلص حبك من قلبي ، و (كيف) يكون (الخلاص وأنا قلبي فيك داب خلاص ؟ ) ..