حانت ساعة العمل ، وبدأت الإجازة ، وحالما توجهت للموقع حتى اتصلت بجون بيتر لأخبره بمقدمي ، وكنت قبلها قد أجريت عددا من الاتصالات ببعض موردي مواد البناء : طوب ، حجارة ، رمل ، لأصف لهم الموقع ، وبعضهم كنت قد قررت التعامل معهم بناءا على تزكية من جون . ثورة الاتصالات سهلت كثيرا جدا ، والكثيرين من أصحاب المهن والأعمال الصغيرة الذين كانوا من الأتباع سابقا ، صاروا مستقلين بفضل هواتفهم الجوالة. ووصلت الموقع ، وبدلا من أن أجد جون بيتر ، وجدت شخصا آخر : السر بخيت . ما أن شاهدني حتى أقبل وألقى التحية ، وبدا لي أنه يعرفني و أن لديه فكرة مسبقة عني ، وأخبرني فورا دون مقدمات أن العمال جاهزين لبدء التكسير ‼ • إنت منو ؟ - أنا السر بخيت ، موش إنت اتفقت مع جون ؟ • نعم ، لكن جون وين ؟ - موجود ، أنا شريكه. السر بخيت شمالي قمحي اللون ، ذو بنية جسدية تميل للنحافة دون هزال ، واتضح لي لاحقا أنه طاقة عمل جبارة وخفيف الحركة جدا ، يمارس العمل قافزا من هنا لهناك ويبدو عليه الاستمتاع والتلذذ. وجدت لدى السر بخيت فكرة كاملة عن جميع تفاصيل اتفاقي مع جون كأنه كان موجودا ، وللمزيد من التأكد تنحيت بعيدا واتصلت بجون قائلا : ياجون ، لقيت واحد هنا إسمه السر بخيت . رد جون : آآي ، ده شريكي ، وحا يبدا شغل التكسير وحفر الأساسات. وبدأ العمل. ومع مرور أيام الأسبوع الأول تأكد لي أن العلاقة بين جون والسر علاقة شراكة لم أر مثيلا لها ، شراكة كاملة لم يكن فيها أحدهما تابعا للآخر ولا مسيطرا ، وكانت الحوارات التي تدور بيني وأحدهما تصل للآخر بكل تفصيلها ، وخلال مراحل العمل الأولى كان السر هو الذي يسجل تواجدا أكثر بالموقع ، وبدأ السر يتصل بي باستمرار لمختلف الطلبات إلى الدرجة التي شعرت فيها ببعض الضيق. أحسست ببعض الضيق ، فقد اتفقت أساسا مع جون بيتر ، وقلت لجون : يا جون الحكاية شنو : ما ببتصل مالك ؟ كل الاتصالات علي بقت من السر ؟! رد قائلا : أنا والسر واحد. وحين حانت لحظة الحساب في آخر الأسبوع الأول وجدتهما واحدا حتى فيما بتعلق بالمال ، لم يكونا حريصين أبدا أن يكونا موجودين سويا لاستلام مستحقاتهما ، وعلمت منهما أن بإمكاني تسليم المستحقات المالية لأي واحد منهما يكون موجودا ‼ • يا جون ما عايز تجي تستلم حسابك ؟ - موش السر معاك ؟ أديهو. • يالسر ما عايز تجي تستلم حسابك ؟ - موش جون معاك ؟ أديهو. طالما تأملت خلال تلك الفترة في العلاقة السهلة المنسابة بين الاثنين ، وعلمت من خلال دردشتي الفضولية معهم كيف بدأت وتأسست العلاقة بينهما في سوق الله أكبر ، وتأكد لي وأنا أراقبهما أن السودانيين على المستوى القاعدي لا يجدون صعوبة تذكر في التعامل والتعايش والثقة المتبادلة ، وأن السوداني على المستوى الأعلى الممسك بعجلة القيادة والإدارة السياسية بحاجة إلى الحكمة السهلة المباشرة من أمثال جون والسر ، حكمة التعايش والقبول والمنفعة المتبادلة. ******************
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة