|
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا (Re: Amjed)
|
تجريف التدين وخصاء العقل
بقلم نصرحامد أبوزيد
ما يحدث في مصر الآن أمر يستعصي أحياناً علي التحليل المؤدي إلي فهم تترتب عليه قدرة علي اقتراح بعض الحلول. اتسع الخرق علي الراتق كما يقال في الأمثال، المصريون متدينون منذ بداية التاريخ، وأغلبهم صاروا مسلمين في القرون التالية للفتح العربي، ولقد عشنا ردحاً من الزمن في قرانا ومدننا والناس متدينون، يمارسون حياتهم وفقاً لما يتصورونه متفقاً مع دينهم، في حالات نادرة كانوا يلجأون للشيوخ، لكن إذا حز بهم أمر يستعصي علي مداركهم حله: شأن من شؤون الميراث العويصة، أو شأن من شؤون الزواج والطلاق.. إلخ، فيما عدا ذلك كانوا يمارسون حياتهم في رفق، يغشون المساجد، ويسعون للصلوات في أوقاتها أو في غير أوقاتها، حيث كان المسجد مكاناً عاماً يؤمه المصلي وغير المصلي علي السواء، ماذا حدث للمصريين؟ لماذا يحتاجون للفتوي في كل صغيرة وكبيرة، حتي ليبدو أنهم فقدوا ثقتهم في معرفة دينهم؟ هل تتصور أن العلاقة الزوجية، علاقة الفراش، أصبحت مجالاً للفتوي بعد أن كانت أمراً من أمور «السكينة» و«المودة» و«الرحمة»، لماذا يريد الناس معرفة رأي الدين في كيفية ممارسة العلاقة الزوجية؟
هذا أمر مثير للقلق، لأن الناس حين تكثر من التساؤل في كل صغيرة وكبيرة – هل هذا حرام أم حلال؟ تمنح الفرصة للمفتين في مد مجال سلطتهم المعرفية، الأمر الذي يؤدي إلي إدماج ما ليس من الدين في مجال الدين، أصبح المفتي قادراً علي الحديث في كل شأن من شؤون الدنيا، في الاقتصاد والاجتماع والطب والعلاقات الدولية، ولم لا، والدين لم يترك شاردة ولا واردة إلا وله فيها رأي يستطيع المفتي وحده أن يكشفه، كيف وصل الحال هكذا إلي ازدياد «الطلب» علي الفتوي، فكان من الطبيعي أن يتزايد إنتاج الفتاوي لتقابل سوق الطلب التي لا تكف عن طلب المزيد؟ من حقنا أن ننظر للظاهرة من هذه الزاوية – زاوية علاقة السوق: الطلب والعرض – دون أن نقلل من شأن القنوات الإعلامية وانتشارها وفتحها برامجها لتسهيل عملية التبادل تلك، وفي مجال العرض والطلب بحسب قانون السوق لابد أن يحرص البائع علي تحسين السلعة حسب ذوق «الزبون»، ومن هنا تعددت أشكال الفتوي، وتعددت ألوان المفتين – تفننوا في تغيير الأزياء وفي تغيير اللغات – للمواءمة بين ذوق «السائل» وطبيعة البضاعة، أعني الفتوي.. من النادر جداً في هذا السياق – سياق عولمة الفتوي – أن تجد مفتياً يتجرأ، فيرد سؤال المستفتي علي أساس أنه خارج اختصاصه، أو علي أساس أنه سؤال لا محل له من الإعراب. إ ن بعض الأسئلة التي يطرحها المتداخلون في البرنامج قد تكون من التفاهة، بحيث يدرك بعض المشاهدين – وأنا منهم بطبيعة الحال – أن هدف السائل ليس السؤال نفسه، وأنه لا يمكن أن يكون باحثاً عن حل لمعضلة، فليس ثمة معضلة في السؤال علي أية حال، بقدر ما يكون الهدف هو مجرد أن يسمع صوته وأن يُكتب اسمه علي الشاشة. أقول من النادر أن تجد مفتياً يرد السؤال، القليل جداً هو الذي يفعل ذلك، والكثيرون يبسملون ويحوقلون، ويحاولون أن يجدوا سابقة ذكرت في هذا الكتاب أو ذاك من كتب التراث الصفراء، لكي يبني عليها حجة ويصوغ رأياً. من المرات النادرة أن الدكتور علي جمعة مفتي جمهورية مصر العربية في برنامج «البيت بيتك» حين سئل عن رأيه في فتوي فحواها أن الزوجين إذا تخاطبا مستخدمين العبارات «ماما» – يقولها الزوج للزوجة – و«بابا» – تقولها الزوجة للزوج – يصبح زواجهما باطلاً، لأنهما – هكذا تذهب الفتوي – صارا في حكم الزناة، ثار الدكتور علي جمعة، لكنه لم يجد رداً أبلغ من «حسبنا الله ونعم الوكيل» رددها عدة مرات..في قريتي التي كانت كذلك قبل أن تبتلعها المدينة حدث في سرادق عزاء أخي أن سمعت قراءة للقرآن من مكبر الصوت انزعجت من عبثها، كان صدي الصوت يحول كلمة «الرحمن» إلي الرحمنننننننننن، وأدركت أن ذلك من عبث المسؤول عن ضبط مكبر الصوت أو من عدم كفاءته في أحسن الأحوال. فاستدعيته – وأنا صاحب المأتم – وقلت له غاضباً إن هذا قرآن يرتل في سرادق عزاء، هذا الصوت يلائم الفيديو كليب في الملاهي الليلية. وبسبب نظرة الدهشة والاستغراب التي لاحظتها في وجهه زاد استيائي من استهتاره، فارتفع صوتي طالباً منه أن يضبط آلته. مندهشاً أجاب في هدوء زاد غيظي: هذا هو طلب المشايخ – يقصد القراء – فتحدثت إليهم في غضب لم أستطع أن أتحكم فيه: من فضلكم خففوا من هذا الصدي. في النهاية كانت النتيجة أقل سوءاً، لكن اللعبة استمرت. كان الناس في طفولتي يستعذبون أداء القارئ، ويقدرون جمال الصوت، أما الآن فقد تميكن أداء الذكر الحكيم. إنها التكنولوجيا اللعينة.. هل يمكن أن نلعن «العولمة» و«التكنولوجيا» وهما وجهان لحقيقة واحدة اسمها «الحداثة»، ونحملها وحدها هذه الظاهرة التي يشكو منها صديقي؟ لكن ما هذه الظاهرة التي تناولت فقط مثالين من أمثلتها العديدة والمنتشرة، ليس فقط في مجتمعنا المصري، بل في كثير من المجتمعات التي تسمي «إسلامية». لم أجد وصفاً لهذه الظاهرة يمكن أني يحتويها ويدل عليها خيراً من «تجريف التدين». والتجريف ظاهرة معروفة في التعامل مع الأرض الزراعية لتحويلها إلي أرض بناء.
يستلزم الأمر إزالة خصوبة التربة للوصول إلي القاع الصلب حتي تصلح الأرض لوضع الأساسات والأعمدة الخرسانية، التي يقام عليها البناء. في بعض الأحيان تسمي هذه العملية «التسقيع»، وذلك حين تترك الأرض بوراً، أي بلا زراعة، حتي تجف وتفقد بالتدريج خصوبتها. في تقديري أن هذا بالضبط ما حدث للتدين، وهو أمر لم يحدث بين يوم وليلة، بل حدث في مدي زمني فسيح، أي أن ما حدث أقرب للتسقيع منه للتجريف، لكن النتيجة واحدة، فقد فقد التدين خصوبته وروحه، فقد قدرته علي النمو والازدهار بفعل تفاعل التربة – تربة الدين – مع الهواء والشمس والريح والمطر.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 01:38 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 01:41 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 01:46 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 01:49 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 01:58 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 02:02 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 02:06 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 02:06 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 02:07 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 02:17 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-06-10, 02:19 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | صلاح عباس فقير | 07-06-10, 04:28 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | عبد الحي علي موسى | 07-06-10, 05:04 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | قلقو | 07-06-10, 08:23 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-07-10, 07:07 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-07-10, 07:10 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-07-10, 07:18 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | Amjed | 07-07-10, 07:26 AM |
Re: نصر حامد أبو زيد : لا حولااا | قلقو | 07-07-10, 07:47 AM |
|
|
|