|
Re: بي حجرين ... (رواية) (Re: هشام آدم)
|
______________________
قبل أن تغادر ساريسيا إلى غرفتها طلب منها جيوفاني أن يتحدثا قليلاً. فجلست على الصوفا الإسبانية إلى جانب فازة ضخمة من العاج عليها عدد لا يحصى من ريش الطاووس، بينما وقفت جيوفاني وأنونوزيتا قبالتها وفي عينهما حنان كأنها تستشعره لأول مرة. كانت ساريسيا مندهشة من هذه الهالة الأسرية الحالمة التي تكتنف والديها ، ولم تضع في حسبانها أي شيء يمكن تخمينه عن السبب لذلك. كانت تحاول أن تقرأ في نظراتهما الأمر الذي كان يريدان أن يقولانه لها. بدا عليهما وكأن كل واحدٍ منهما يلقي بعبء الكلام على الآخر. "ماذا هناك؟" لم يغيّر سؤالها هذا شيئاً من ارتباك جيوفاني وأنونوزيتا. فقط ابتعدت أنونوزيتا قليلاً كأنها لا تريد أن تسمع ما سوف يقوله جيوفاني في الحال:
* أميرتي .. كنا أنا وأمك نفكر قبل أن تأتي بأنه ربما لن تكوني قادرة على العيش بمفردك في الخرطوم عندما تذهبين هناك للجامعة. كما أنني لا يمكن أن أترك عملي هنا. ثم .. - أبي ماذا تنوي أن تقول؟ * ميمي حبيبتي .. سوف نكون في قلق دائم طالما أنك بمفردك هناك. - أبي أنا لم أعد صغيرة .. عمري تسعة عشر عاماً وأستطيع أن اعتمد على نفسي. (قاطعتها أنونوزيتا بقلقٍ شديد) دعي أباكِ يكمل حديثه عزيزتي. (وضع جيوفاني غليونه في فمه وأكمل): أميرتي .. اعلمي أننا نخاف عليكِ كما لو كنت ما تزالين طفلة صغير. ربما كان ذلك خطأ .. ولكن ثمة أمور يجب أن تعرفيها طالما أنك قررت الابتعاد عنّا والعيش بمفردك. (استدار جيوفاني قليلاً غير قادرٍ على تحديد وقع الكلمات التي سوف يقولها على ابنته) * لقد وُلدتِ بقلب ضعيف عزيزتي .. وهذا ما جعلنا نسرف كثيراً في قلقنا عليكِ. وفي ذات الوقت فإننا لم نشأ في إخباركِ بهذا الأمر كي تعيشي حياتك كما تحبين دون خوف من أي شيء. ولكن الأمر مختلف الآن. فطالما كنتِ أمامنا وتحت رعايتنا فقد كان التزامنا أنا وأمك بأن لا نجعلك تفعلين ما قد يؤذيكِ. - أبي ... * فقط عزيزتي عديني بأن تحافظي على صحتك فترة دراستك بعيداً عنا. وتأكدي بأننا سوف لن نكف عن هذا القلق حتى تعدينا الآن.
نهضت ساريسيا بتثاقل وهي تشعر بأن جيشاً من النمل الزجاجي يقتات على قدميها. الآن فقط تكشّفت الأمور أمامها. تذكرت فزع جيوفاني ذلك اليوم عندما رآها تمتطي إحدى الخيول التي يربيها في الإسطبل. فكرّت أنه ربما كان يخاف أن تسقط من على الخيل. وتذكرت قلقه غير المبرر وخوفه عليها كلما تأخرت خارج المنزل. لم تتخيل أنها قد تعاني من علّة ما طيلة هذه السنوات. تساءلت عما إذا كان ذلك حيلة ليثنياها عن السفر إلى الخرطوم خوفاً عليهما من القلق لا سيما وأن جيوفاني قد أصيب مؤخراً بارتفاع ضغط الدم. كان طبيبه الخاص يؤكد في كل زيارة على ضرورة ابتعاده عن التوتر والانفعال. لم تعرف ما تقول، بينما راحت أمها تراقبها خِلسة حاملة في عينيها الأرجوانيتين كل ما قد تستطيع أُم أن تحمله لابنتها من شفقة. * ولكنني لم أشعر بتعبٍ قط! - هذا ما حرصنا عليه طيلة هذه المدة يا أميرتي (لم ينس جيوفاني نبرته الحانية وهو يقول هذه الجملة دون أن يلتفت إليها حتى)
كانت مشاعر ساريسيا المتضاربة بين الأسى والخوف والغضب هو أكثر ما يجعلها صامتة لا تعرف ما تقول. كانت تتساءل عن أخلاقية ما قام به والداها من إخفاء أمرٍ كهذا طيلة هذه المدة. كان يجب أن تعرف أنها ليست فتاة طبيعية، وأنها تحمل بين أضلاعها قنبلة موقوتة. بدأت تستشعر ضربات قلبها وكأنها تحس بوجوده لأول مرة. أحست بأن قلبها سوف يقفز من مكانه خارج قفصها الصدري، وضعت يديها على قلبها لا شعورياً وهي تقول - وكأنها تحدث نفسها - "ولماذا أخفيتما عني ذلك؟" لم تكن تنتظر إجابة ما على سؤالها. التفتت إلى أنونوزيتا التي كانت في حالة انكسار أمومي من النوع الحاد فعرفت ساريسيا أنها تشعر بالأسى حيالها ولم تستطع أن تقاوم شهوة التساؤل مرة أخرى "ترى ماذا تخفيان عني أيضاً؟" لم تكن نبراتها تحمل معنى العتاب أو اللوم بقدر ما كانت تحمل معنى المفاجأة والصدمة. أحست ساريسيا بالخوف يعتصرها عصراً. ولم تستطع أن تصنف ذلك الخوف تحت أي بندٍ عرفته مسبقاً.
انطلقت ساريسيا مسرعة وهي تحاول تأجيل بكائها لحين اختفائها عن أنظار والديها اللذين وقفا دون حراك مكتفين بمراقبتها حتى غاب عنهما صوت وقع أقدامها المسرعة ولم يتبقى في مسامعهما غير صدى صوت باب غرفتها الذي أغلقته ورائها بقوة. كانا أكيدين من أنها سوف تقضي وقتاً طويلاً في البكاء.
- يا إلهي .. هذا ما كنتُ أخشاه... * كفي عن حشر الآلهة في كل شيء عزيزتي .. إنها ابنتنا الوحيدة ويجب علينا أن لا ندعها تنام باكية. - ولكنها ... * تذكري أنها لربما كانت محقة في غضبها عزيزتي.
كان جيوفاني قلقاً من أن يؤثر انفعال ساريسيا سلباً على صحتها، فلم يتردد في الاتصال بطبيب الأسرة ، فرفع سماعة الهاتف وأدار القرص بينما توجهت أنونوزيتا مباشرة إلى غرفة ساريسيا وطرقت عليها الباب فلم تجبها في حين سمعت صوت بكائها يخترق أنسجة قلبها الأمومي المفرط في المحبة. "عزيزتي افتحي الباب أرجوك" غير أن ساريسيا لم تستجب لها أبداً. وفي الداخل وبينما كانت ساريسيا تبكي بحرقة شديدة، أحست بوخز في صدرها جعلها تتوقف عن البكاء وكأنها تسترق السمع إلى شيء ما. وضعت ساريسيا يدها على صدرها في محاولة لتهدئة نفسها فأحست بخفقانٍ متسارع. للحظة ما شعرت بأن هذا الوخز جاء في وقته، فلقد أمهلها لحظات لتفكر قليلاً في سبب نوبتها البكائية التي اكتشفت أنه بلا داعٍ يُذكر. إنها مريضة كأي إنسان آخر على سطح هذا الكوكب، ووالداها عاملاها بمنتهى اللطف ، فقط أرادا لها ألا تشعر بأنها أقل من بقية الأطفال ، وسمحا لها بأن تفعل كل ما تريد ولكن بحذرٍ كان يضايقها ولكنه لم يكن يمنعها قط. للحظة شعرت ساريسيا أنها مدينة لوالديها باعتذار وشكر ، ولكن ليس قبل أن تهدأ العاصفة الأسرية التي سببتها هستيريتها غير المبررة تلك. وعندما خرجت من غرفتها كان طبيب الأسرة في طريقه إلى غرفتها، ورأت والدها وأمها يسيران من ورائه وكانا قلقين بوضوح تام. تلك النظرات المتلهفة جعلتها تشعر بالامتعاض من نفسها وفي ذات الوقت فقد شعرت بأنها إنسانة محظوظة لحصولها على والدين كجيوفاني وأنونوزيتا.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 10:45 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 11:16 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 11:46 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 12:30 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 01:34 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | ابو جهينة | 11-27-06, 02:16 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 05:04 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 06:47 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 06:52 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 07:36 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 09:28 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 10:31 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | عبد المنعم ابراهيم الحاج | 11-27-06, 08:43 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 03:15 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 04:34 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 06:11 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 06:30 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | Mohammed Elhaj | 11-28-06, 10:45 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 12:25 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | Mohammed Elhaj | 11-28-06, 03:39 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-29-06, 03:48 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-29-06, 07:16 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-29-06, 07:20 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-29-06, 09:18 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 11-29-06, 10:15 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | منى أحمد | 11-29-06, 03:37 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 03:24 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 02:39 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 04:12 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 05:32 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 07:10 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 07:55 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 07:58 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 08:02 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 08:09 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | عبد المنعم ابراهيم الحاج | 11-30-06, 05:52 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-01-06, 02:03 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 12-02-06, 10:34 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:19 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:32 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:34 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:37 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:42 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 12-04-06, 09:43 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | Safa Fagiri | 12-04-06, 12:29 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-05-06, 04:36 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-05-06, 04:32 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | ايوب عبدالرحيم | 12-05-06, 04:51 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-05-06, 11:20 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-25-06, 09:22 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-26-06, 05:56 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-26-06, 07:05 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-27-06, 07:19 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 12-28-06, 03:25 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-29-06, 01:57 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-29-06, 02:16 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-29-06, 02:22 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-29-06, 02:24 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-23-07, 03:32 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-23-07, 05:13 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-23-07, 06:04 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-24-07, 03:29 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-24-07, 07:40 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-24-07, 08:16 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 01-30-07, 02:01 PM |
|
|
|