|
Re: بي حجرين ... (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_____________________
كانت ساريسيا بين الحين والآخر ترمق العروسين بنظرات متفحصة وكأنها تحاول أن تفهم سر ذلك اللباس الغريب الذي كان يرتديه العريس وما يلفه حول رأسه من عصابة حمراء يتدلى منها معدن مذهّب في شكل هلال مقلوب. وتلك القلادة القماشية الحمراء الضخمة التي وضعها حول رقبته منسدلة على صدره. لم تكن ساريسيا لتفهم ما إذا كان ثمة رمز إيحائي في هذا اللباس، أم أنه مجرد لباس تقليدي لا قيمة رمزية له. وما كان يثير دهشتها أكثر، هو الوضعية التي جلستها بها العروس، وخجلتها البادية، ولم تفهم لها سبباً. في أعراس من تعرفهم تكون العروس أكثر الناس فرحاً بهذا الحفل، وتكون أكثرهم نشاطاً وحركة، غير أن هذه العروس، كانت تجلس على استحياء، وكأنها تخاف أن يعرفها الآخرون. بينما كانت ساريسيا رأت الحناء على أيدي وأقدام النسوة من قبل، لذا فإنها لم تتعجب له كثيراً، رغم أنها كانت المرة الأولى التي تعرف فيها أن للحناء استخدامات رجالية أيضاً. وفيما خمّنت أن العريس وحده من يجوز له ذلك، إلا أنها وجدت أكثر من شخص مخضّب.
وفي لحظةٍ ما أحست ساريسيا برغبة غريبة في السلام على العروسين عندما رأت أن ذلك يتم بقدسية، حيث يقف الجميع في صفوف غير منتظمة في انتظار دورهم لإلقاء التحية عليهما. وبفضول جم تقدمت حتى تمكنت أخيراً من الوقوف أمام العروسين. كان للوقوف على منصة العروسين هيبة خاصة، حيث تتركز الإضاءة المبهرة، والعيون المتوحشة التي كانت تراقب كل شيء بدقة شديدة. مدّت ساريسيا يدها للعروس التي صافحتها دون أن تركز عليها مباشرة، بينما وقف الريّس كالمصعوق عندما استدار فجأة ليراها أمامه. لم يكن الريّس ليخّمن ما إذا كان ما يراه حقيقة أم هذيان من فرط خجله وارتباكه. هل يعقل أن تكون هي الإيطالية الفاتنة التي رآها يوماً ما في النادي الإفرنجي؟ ما الذي أتى بها إلى هنا؟ لجمت الأسئلة المستديرة لسانه لدرجة أحست فيها ساريسيا بذلك.
كانت تلك هي المرة الأولى التي ترى فيها ساريسيا الريّس، لذا فإنها شعرت بخجلٍ شديد، لموقفه الغريب هذا، ما جعلها تبدو مرتبكة هي الأخرى. الريّس الذي تحرّك بطريقة ميكانيكية بليدة ومدّ يده ليصافحها شعر بسخرية الأقدار التي سمحت له بمصافحتها بعد أن كان يجاهد ليراها من على بعد 20 قدماً، وسرت في أوصاله رعشة باردة عندما لامست يداه يدها التي كانت كقطعة الإسفنج النباتي الرطب. شعر بأنه في حلم بطريقة، وكان الحاجز، بين ابتسامته التقليدية المجاملة وابتسامته الحقيقية، بادياً لدرجة أن ساريسيا شعرت بارتياح غير مفهوم لهذه النقلة النوعية في مقدار الصدق. ما لم يلاحظه الريّس أن إيمان كانت تراقب ما يجري بنظرات سفلية مندهشة، وهي تحاول التخلّص من السلامات العابرة التي كانت تقاطعها بين الحين والآخر. بينما لم شعرت ساريسيا بمزاجية عالية وهي تستشعر اندهاشة الريّس وكأنه كان صاحب المبادرة الأولى في مغازلتها بعفوية كهذه.
ما جعلها تقرر الخروج فوراً هو منظر لم تكن تتوقع وجوده في حفل عرس كهذا.. حين دخل أحدهم إلى منتصف الدائرة، وبطريقة حماسية خلع ثوبه وجلس القرفصاء عاري الظهر، متلقياً جلدات قاسية من يد شخصٍ بدا وكأنه جلاد في ساحة الجلد حكومية. قلت في سرها "ما هذه الوحشية؟" وتعجبت كيف يجتمع الألم والفرح في مشهد واحد دون أن يختل، بينما وقفت النسوة يطلقن زغاريدهن مع كل سوط. وعندما رأت الدماء الحمراء تسيل على ظهر ذلك الرجل العاري خرجت على الفور وهي لا تزال تشعر بقشعريرة سرت في جسدها كتيار كهربائي على جسدٍ مبتل.
استمر العرس حتى ساعات الصباح الباكر. وانفض الصيوان، كأن لم يغن بالأمس. ما تبقى من تلك الليلة: علب المياه الغازية المرمية في كل مكان، وكراسي غير مرتبة، ومناديل ورقية، وبقايا طعام متناثرة على الأرضـ وأطباق بلاستيكية. كان المشهد يوحي بأن معركة لجيش همجي قد دارت رحاها هنا بالأمس، أو أن الساحة كانت ساحة يلعب فيها الأطفال دون رقابة من الكبار. وشابان يعملان بجد لحمل ما تبقى من أسلاك كهربائية، وأجهزة مكبرات الصوت. بينما وقف أبو السيك في مكانٍ ما، ممسكاً بأمه التي لم تكن تكف عن البكاء.
لم تكن فتحية شبانة تعرف أن فراق ابنتها سيكون بمثل هذه المرارة، رغم أنها سوف لن ترتحل عنها إلا إلى البيت الذي يبعد عنها بشارعٍ واحد فقط. فجأة بدأت تستعيد شريط ذكرياتها مع ابنتها، وكيف كانت فرحتها حين وضعتها بصعوبة بالغة أكثر مما وضعت به أخاها. "البنات دائماً متعبات حتى في الولادة" هكذا كانت تقول لها رقية التلب جارتها، وإحدى القلائل اللواتي وقفن إلى جوارها ساعة الولادة. وتذكرت عندما كانت تبكي كلما أرادت أن تسرح لها شعرها أو أن تعقد لها الضفيرة، وكيف أنها كانت تستعين بها في عمل المنزل، وكيف أنها كانت تملئ عليها البيت بالضحك والسخرية التي لم تكن تكف عنها أبداً. "خلاص يا أم ياسر ... دي سُنة الحياة!" قالها ياسر الصاوي وهو يصبّر أمه المفجوعة على فراق ابنتها الوحيدة. ولم يكونا يعلمان أنها وزوجها يخططان للرحيل إلى خارج بورتسودان. ربما كان ياسر يعلم ذلك، ولكن فتحية شبانة لم تكن تعلم شيئاً على الإطلاق.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 10:45 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 11:16 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 11:46 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 12:30 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 01:34 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | ابو جهينة | 11-27-06, 02:16 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 05:04 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 06:47 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 06:52 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 07:36 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 09:28 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 10:31 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | عبد المنعم ابراهيم الحاج | 11-27-06, 08:43 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 03:15 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 04:34 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 06:11 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 06:30 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | Mohammed Elhaj | 11-28-06, 10:45 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 12:25 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | Mohammed Elhaj | 11-28-06, 03:39 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-29-06, 03:48 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-29-06, 07:16 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-29-06, 07:20 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-29-06, 09:18 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 11-29-06, 10:15 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | منى أحمد | 11-29-06, 03:37 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 03:24 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 02:39 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 04:12 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 05:32 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 07:10 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 07:55 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 07:58 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 08:02 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 08:09 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | عبد المنعم ابراهيم الحاج | 11-30-06, 05:52 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-01-06, 02:03 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 12-02-06, 10:34 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:19 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:32 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:34 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:37 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:42 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 12-04-06, 09:43 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | Safa Fagiri | 12-04-06, 12:29 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-05-06, 04:36 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-05-06, 04:32 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | ايوب عبدالرحيم | 12-05-06, 04:51 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-05-06, 11:20 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-25-06, 09:22 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-26-06, 05:56 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-26-06, 07:05 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-27-06, 07:19 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 12-28-06, 03:25 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-29-06, 01:57 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-29-06, 02:16 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-29-06, 02:22 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-29-06, 02:24 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-23-07, 03:32 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-23-07, 05:13 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-23-07, 06:04 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-24-07, 03:29 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-24-07, 07:40 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-24-07, 08:16 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 01-30-07, 02:01 PM |
|
|
|