|
Re: بي حجرين ... (رواية) (Re: هشام آدم)
|
__________________
الفصل السابع
مرّت أكثر من ثلاثة أشهر والريّس لم يعد هو الريّس الذي يعرفه الجميع. أحس بالوحدة واليتم لأول مرّة في حياته. ورغم أن علاقته بوالدته لم تكن جيّدة إلى ذلك الحد، إلاّ أنها تظل أمه. فقد حزن عليها كما لم يحزن على والده وأخيه من قبل. ظنّ الريّس أنه فقد القدرة على استشعار الفقد، أو أنّ قلبه قد تحجّر فلم يعد قادراً على الحزن كما يجب. ترك رحيل نفرين فراغاً كبيراً في حياته، فلم تعد هناك "نهج البردة"، ولم يعد يخشى صوت صرير الباب الحديدي وهو يصدر جلبته العالية عندما يعود ليلاً.، وما يزال الطوب الصغير في مكانه خلف الباب، لم يشأ أن يغيّره أو يغيّر أي شيء آخر في البيت. أصيب الريّس باكتئاب حاد سببه خوفه الشديد من الموت وارتقابه بين كل لحظة وأختها. ولأول مرّة يشعر بأن الموت قريب منه جداً. كان يفزع كثيراً حتى عندما يصيبه الصداع. كان أبو السيك يتردد عليه دائماً، ويحاول ما استطاع أن يخرجه من عزلته التي فرضها على نفسه، ولكن دون جدوى.
يومها زاره العم صابر في منزله. كان هادئاً كعادته وهو يخرج علبة القمشة، ويلفها بينما استضافه الريّس بإهمال. جلسا صامتين حتى أشعل العم صابر قمشته وأخذ منها نفساً عميقاً ثم قال:
* داير أقول ليك حاجة.. أسمع كلامي ده كويّس لأنو ما ح أكررو ليك تاني: لو إنت شايف إنو عزلتك بتحلّك من الخوف تبقى غلطان. فرّق بين الخوف والحزن .. وما تخلي حزنك يخوفك أبداً. - أنت ما مرّيت بالأنا مريت بيهو يا كومندة. * منو القال ليك؟ قبل تلاتين سنة وفي حادثة واحدة ماتت زوجتي وأولادي التلاتة قدام عيني. غرقوا في البحر القدامك ده وما قدرت أعمل ليهم حاجة. عارف يعني شنو تموت زوجتك وأولادك قدام عينك؟ - غرقوا كلهم؟ * بين كل عشرة دقايق .. كان واحد فيهم يغتس وما بيظهر تاني. لغاية ما اختفوا كلهم. والبحر الكان مليان كواريك فجأة صنّة. وبقيت براي .. الموت تجربة قاسية يا الريّس بس الأفظع من الموت هو إنّك تشوفوا بيختف زول قدامك .. والأفظع من كده إنك تنتظرو.
شعر الريّس ببعض المواساة والكثير من الخجل، بيد أنه لم يفصح عن ذلك للعم صابر الذي لم ينتظر منه رداً، بقدر ما تحمّل جريرة فتحه لجرح قديم حاول أن ينساه ولم يستطع. كان يعلم أنه ذات يوم سيكون في مواجهة صعبة مع هذه الذكرى المؤلمة، ولكنه لم يكن يعلم أنها ستكون مؤلمة إلى هذا الحد. أثقلت الذكرى كاهله، فبدا وهو يغادر المكان كرجل يحمل جبلاً من الحصوات الصغيرة. بينما تسمّر الريّس في مكان ولم يبدِ حراكاً حتى نزلت منه دمعة بللت ما بين قدميه. غسلت هذه الدمعة حزنه نوعاً ما، غير أنها لم تزحزح فكرة الاعتيادية عنه. فكرّ قليلاً كيف أن هذا العالم مليء بالقصص المؤلمة، والمتألمين. هانت في عينيه مصيبته، وهو يتخيّل كيف أنه لو شهد مصرع أمه وأبيه وأخوه في آنٍ واحد أمام عينيه. ظنّ أنه سوف لن يعود من رحلته التخيّلية أبداً، كمن يغرق في حفرة مظلمة لا نهاية لها، كان يريد أن ينام، وشعر برغبة في التقيؤ، لكنه خشي أن يموت مختنقاً. لم يعرف ماذا أصابه. عادت إليه كلمات العم صابر تردد على مسامعه، آمن بأن خوفه من الموت هو ما يشعره بهذا الشعور المزعج، وأن ثمة أشباح تلتف حول عنقه وتسحر عينيه فلا يرى إلا ما تريده أن يراه.
نهض فجأة كأنما لدغته عقرب، وقد أضمر في صدره شيئاً. لم يعرف ما إذا كان قد فكّر جيداً في ذلك، لكنه شعر برغبة قوية في تنفيذ ما خطر له. أحس بأنها القشة التي يجب أن يتعلّق بها حتى وإن كان سيغرق بها بعد ذلك. توجه مباشرة إلى بيت أبو السيك. لم يعلم أنه نسي حتى أن يرتدي حذاءه، لم ير في طريقه أحداً رغم أن ثمة أصوات اعتيادية تخترق طبلة أذنه الوسطى، وتضيع قبل أن تصل إلى دماغه فيعرفها ويعرف مصدرها. توقف تماماً أمام منزل أبو السيك، وطرق الباب على غير عادته. إذ كان من عادته أن يجر السلك الموصول بلسان الباب من الداخل، ويدخل مباشرةً ، فقد كان الجميع يعتبرونه واحداً من أفراد الأسرة. غير أنه هذه المرة لم يفعل، بل طرق الباب بمنتهى الأدب. تفاجئ أبو السيك عندما وجد الريّس أمامه يقف مطأطئ الرأس، فاحتضنه بقوة.
* والله اشتقنا لي جيّتك يا مان .. والله زمان يا فردة.
بدأ الريّس يرتب أفكاره قبل أن يقول بطريقة ساجعة:
- يا مان .. أنا جاي أتقدم لي أختك إيمان. قلت شنو؟
ازدادت حيرة أبو السيك، ووقف منشدهاً نحو ثانيتين قبل أن يفجّر ضحكة عالية وهو يقول: "طيب مالك بتقولا كدا؟" أمسك بيده وسحبه إلى الداخل. كان يحاول أن يوجد رابطاً منطقياً بين عزلته الأخيرة وبين رغبته المفاجئة بالاقتران بأخته. ربما لم يفكر فيما إذا كانت بالفعل رغبة مفاجئة أم رغبة قديمة لم يعلم بها إلاّ هذه اللحظة. واختفت دهشته وحيرته تلك أمام فرحته بقرار صديقه بكسر العزلة التي كان يفرضها على نفسه، ساعده على ذلك السعادة الغامرة التي رآها في عيني فتحية شبانة وهي تعانقه كما ولو أنها تعانق ابنها تماماً، بينما وقف إبراهيم الصاوي من كرسيه القديم وهو يغمغم "حمد لله على السلامة يا ابني" وكأنه عائد من سفر طويل. كان أبو السيك قرر في سرّه أن والده يقول الحقيقية، وأنه لم يكن يهذي كعادته. بينما وقفت إيمان مبدية ارتياحاً واضحاً وهي تنتظر دورها للسلام عليه. تفاجأ أبو السيك للمرة الثانية عندما وجد تطابقاً من النوع المريح بين الريّس وأخته. وقرر أن ذلك علامة تدعو للتفاؤل.
.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 10:45 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 11:16 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 11:46 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 12:30 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-26-06, 01:34 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | ابو جهينة | 11-27-06, 02:16 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 05:04 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 06:47 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 06:52 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 07:36 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 09:28 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-27-06, 10:31 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | عبد المنعم ابراهيم الحاج | 11-27-06, 08:43 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 03:15 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 04:34 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 06:11 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 06:30 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | Mohammed Elhaj | 11-28-06, 10:45 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-28-06, 12:25 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | Mohammed Elhaj | 11-28-06, 03:39 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-29-06, 03:48 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-29-06, 07:16 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-29-06, 07:20 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-29-06, 09:18 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 11-29-06, 10:15 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | منى أحمد | 11-29-06, 03:37 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 03:24 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 02:39 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 04:12 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 05:32 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 07:10 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 07:55 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 07:58 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 08:02 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 11-30-06, 08:09 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | عبد المنعم ابراهيم الحاج | 11-30-06, 05:52 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-01-06, 02:03 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 12-02-06, 10:34 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:19 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:32 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:34 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:37 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-04-06, 06:42 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 12-04-06, 09:43 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | Safa Fagiri | 12-04-06, 12:29 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-05-06, 04:36 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-05-06, 04:32 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | ايوب عبدالرحيم | 12-05-06, 04:51 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-05-06, 11:20 AM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-25-06, 09:22 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-26-06, 05:56 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-26-06, 07:05 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-27-06, 07:19 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 12-28-06, 03:25 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-29-06, 01:57 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-29-06, 02:16 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-29-06, 02:22 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 12-29-06, 02:24 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-23-07, 03:32 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-23-07, 05:13 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-23-07, 06:04 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-24-07, 03:29 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-24-07, 07:40 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | هشام آدم | 01-24-07, 08:16 PM |
Re: بي حجرين ... (رواية) | أحمد النور منزول | 01-30-07, 02:01 PM |
|
|
|