|
Re: تقرير "التنمية الانسانية 2003 (Re: أحمد أمين)
|
ارقام مخيفة وكذلك لا تزال حركة الترجمة في البلدان العربية تتسم بالركود والفوضى. فكان متوسط الكتب المترجمة لكل مليون من السكان في العالم العربي في السنوات الاولى من الثمانينات 4.4 كتب (اي اقل من كتاب واحد في السنة لكل مليون نسمة)، بينما بلغ 519 كتابا في المجر و920 كتابا في اسبانيا لكل مليون نسمة.
وتدل المعلومات المقدمة في التقرير على ركود في عدد من مجالات انتاج المعرفة وبخاصة في مجال نشاط البحث العلمي. فالى شح الانتاج فيه، يشكو البحث العلمي في العالم العربي من ضعف في مجالات البحث الاساسي، وشبه غياب في الحقول المتقدمة مثل ثقافة المعلومات والبيولوجيا الجزئية. ويعاني البحث العلمي في البلدان العربية انخفاض الانفاق عليه (اذ ان انفاق الدولة في الوقت الراهن على البحث والتطوير لا يتجاوز اثنين في المئة من اجمال الدخل المحلي، ويدفع غالبه كرواتب). كما يعاني غياب الدعم المؤسسي له، وعدم توافر البيئة المؤاتية لتنمية العلم وتشجيعه، اضافة الى انخفاض اعداد المؤهلين للعمل فيه. فلا يزيد عدد العلماء والمهندسين العاملين بالبحث والتطوير في البلدان العربية على 371 لكل مليون نسمة. وهو اقل بكثير من المعدل العالمي البالغ 979 لكل مليون نسمة. وبوجه عام تقل نسبة الملتحقين بفروع العلوم في التعليم العالي في جميع البلدان العربية، مقارنة ببلدان ناهضة في ميدان المعرفة مثل كوريا، وان تميز الاردن، يليه الجزائر، بين البلدان العربية في هذا المضمار.
اما الانتاج العلمي في الانسانيات والعلوم الاجتماعية فيخضع في العالم العربي الى قيود كثيرة. فحرية التعبير الفكري محورية لانتاجه اكثر مما هي مطروحة في العلوم الطبيعية او التقانية، وذلك بحكم طبيعة الموضوع، لا بحكم طبيعة الفكر او صاحبه. وتتدخل السياسة والقوانين المتصلة بها، بصورة مباشرة او بقنوات غير مرئية، في رسم الخطوط الحمر للبحث العلمي في هذا المجال.
غير ان المجتمعات العربية تزخر بابداع ادبي وفني متميز. وربما يكمن السبب الرئيسي لهذه المفارقة في اختلاف جوهري لشروط الابداع في البحث والتطوير. ففي الوقت الذي يستحيل فيه حصول عالم عربي على جائزة نوبل في الفيزياء مثلا من دون دعم مؤسسي ومادي ومجتمعي، يمكن كاتبا روائيا عربيا الحصول على جائزة نوبل في الآداب، رغم غياب مثل هذا الدعم. لكن الانتاج الادبي بخاصة يعاني تحديات رئيسية اهمها قلة عدد القراء، بسبب ارتفاع معدلات الامية في بعض البلدان العربية، وضعف القوى الشرائية للقارئ العربي. وينعكس هذا جليا في اعداد الكتب المنتجة في العالم العربي حيث لم يتجاوز هذا العدد 1.1 في المئة من الانتاج العالمي، رغم ان العرب يشكلون نحو 5 في المئة من سكان العالم. كما ان انتاج الكتب الادبية والفنية لم يتجاوز 1945 كتابا عام ،1996 مما يمثل 0.8 في المئة فقط من الانتاج العالمي، وهو اقل مما انتجته دولة مثل تركيا التي لا يتعدى سكانها ربع سكان البلدان العربية. وبشكل عام، يتسم انتاج الكتب في البلدان العربية بغزارة في المجال الديني، وشح نسبي في المجالات الاخرى. وتمثل الكتب الدينية نحو 17 في المئة من عدد الكتب الصادرة في البلدان العربية، بينما لا تتجاوز هذه النسبة اكثر من 5 في المئة من الكتب الصادرة في مناطق العالم الاخرى.
ان تجربة البلدان العربية في نقل الثقافة والمعرفة وتوطينهما، لم تحقق النهضة التقانية المرجوة، كما انها لم تحقق عائدا استثماريا مجزيا. فاستيراد الثقافة لم يؤد الى توطينها، ناهيك بتطويرها او توليدها. ورغم ان البلدان العربية استثمرت اكثر من 2200 مليار دولار بين عامي 1980 و1997 في بناء المصانع والبنية التحتية بشكل اساسي، فإن معدل الناتج المحلي الاجمالي للفرد قد انخفض بالفعل خلال تلك الفترة. فهذه الاستثمارات لم تؤد الى انتقال حقيقي للتقانة، لأن ما جرى نقله هو وسائل الانتاج لا التقانة ذاتها.
ومن اهم الاسباب التي ادت الى هذا، عدم وجود نظم فعالة للابتكار ولانتاج المعرفة في البلدان العربية، وغياب سياسات رشيدة تضمن تأهيل القيم والاطر المؤسسية الداعمة لمجتمع المعرفة. وعمق هذه المشكلة الاعتقاد الخاطئ بإمكان بناء مجتمع المعرفة من خلال استيراد نتائج العلم من دون الاستثمار في انتاج المعرفة محليا، والركون في تكوين الكوادر العلمية على التعاون مع الجامعات ومراكز البحث في البلدان المتقدمة معرفيا، من دون ايجاد التقاليد العلمية المؤدية الى اكتساب المعرفة عربيا.
|
|
|
|
|
|
|
|
|