|
رسالة الخليفة الى الملكة فكتوريا بين الاسطورة والخيال
|
رسالة الخليفة الى الملكة فكتوريا بين الاسطورة والخيال
كنت منذ طفولتى اسمع بهذه الرواية تتكرر مئات المرات عن رسالة الخليفة عبدالله التعائشى للملكة فكتوريا يطالبها بالدخول الى الاسلام وأن تتزوج بصديقه الأمير يونس ودالدكيم، صار الناس يتداولونها أحيانا كمزحة نتيجة للمفارقة الواضحة فيها وأحيانا معجبين بها لأنها تعبر عن إعتزاز بالنفس، وأحيانا لكشف لا عقلانية منطق الحكم والحاكمين أثناء دولة المهدية فأسطورة الرسالة كانت تخدم الاغراض الثلاثة أعلاها فى تبادل مدهش. لكن الاكثر إثارة للدهشة هو عدم إثارة التساؤل حول صحة هذا الادعاء هل هناك رسالة كتبت أصلا؟ لو كتبت هل توجد أى نسخة منها موجودة فى دار الوثائق السودانية أو البريطانية؟ هل وصلت هذه الرسالة الى الملكة فيكتوريا؟ لو وصلت هل توجد فى أرشيف الملكة فيكتوريا نسخة منها؟ أو يوجد أى رد على الرسالة من قبل الملكة فيكتوريا؟
بدءت بحثى الصغير هذا وبحكم وجودى فى بريطانيا بكتابة رسالة فى بداية نوفمبر العام الماضى الى قصر بيكنقهام مستفسرا عن وجود مثل هذه الرسالة، رد القصر برسالة قصيره بتاريخ 13/11/2003 يشيرون فيها بأنهم سوف يحيلون الاستفسار الى قسم الارشيف الملكى (The Royal Archives) . وبتاريخ 3/12/2003 وصلتنى رسالة منهم تقول:
الارشيف الملكى عزيزى السيد الزبير
شكرا على رسالتك الموجهة الى قصر بيكنجهام التى احيلت الى الارشيف الملكى بويندسور. لقد قمت بعمل بحث فى اوراق الملكة فيكتوريا، لكننى وبكل اسف لم اجد اى رسالة موجهة لها من الخليفة فى الفترة مابين 1885 الى 1899 ولا يوجد أى دليل على وجود مثل هذه الرسالة.ربما معـــــلومات الارشيف لدينا غير مكتملة وفى إمكانك مــــــراجعة مكتب الوثائق الــــعامة(Public record Office) ، حتى تتأكد من وجود أو عدم وجود هذه الرسالة فى وثائق وزارة الخارجية التى توجد هناك.
شكرا الانسة باميلا كلارك المسجل
بعدها قمت بزيارة المكتبة البريطانية و مكتب الوثائق الــــعامة عدة مرات للبحث فى وثائق وزارة الخارجية البريطانية فى ذلك الوقت ومكثت العام المنصرم كله فى هذا البحث لكن كل محاولاتى للعثور على هذه الرسالة أو أى دليل على وجودها باءت بالفشل.
ربما قد تكون الرسالة كتبت من قبل الخليفة رغم إنه لا توجد أى مصادر تؤكد ذلك. لكنها فى كل الاحوال لم تصل الى المرسل إ ليه وهى ( الملكة فيكتوريا) وهناك أمر معروف فى التقاليد البريطانية البيروقراطية التى تفضل الرد على أى رسالة مهما كان شأنها أو موضوعها، وهذا ما أكدته الانسة باميلا بأنه لايوجد دليل أى بمعنى وجود رد على هذه المخاطبة من قبل الملكة فيكتوريا. هنا تكمن تراجيديا الرسالة التى لم تسمع بها حتى المرسل اليها، لكن تم نسجها والتكثيف من تكرارها فى الثقافة الشفوية السودانية لتلتحم بخيالنا القومى والذى فى هذه الحالة غذته أسطورة غير مكتملة الأبعاد و خيال جامح وتصور غير واقعى للذات الوطنية.
ولا تزال أبواب البحث مفتوحة لمن يهمه الأمر والأمر مفتوح لتحرى صحة أدعاءات الثقافة الشفوية السودانية وكثير من مقولاتها القطعية.
|
|
|
|
|
|
|
|
|