صرت في السبعين والنفسُ لماضيها مَشُوقةٌ ولِبيتٍ قد ألفْناهُ شقيقاً وشقيقة وأصيحابٍ كزغب الطّيرِ دُنياهم حديقة فهل العمر الذي ولّى سرابٌ أم حقيقة؟ إنّ هذا العمر أحلامٌ ووهمٌ وخيال كنتُ في العشرين ما بين كتابٍ ودفاترْ ومشيت الدرب محفوفاً بألوان المخاطر كنتُ أبني في الثّريّا كلّ يومٍ ألف خاطرْ وأظنُّ الدرب مفروشاً وُروداً وأزاهرْ فإذا مسلكه شوكٌ وهولٌ ونبالْ عشتُ عشرينات عمري ومَرامي لا يخيبْ كلُّ همّي أن أكون اللامعَ الفذَّ النَّجيبْ وإذا قالوا غرامٌ ومحبٌّ وحبيبْ وتغنَّوا بالهوى والحسن والغصنِ الرّطيبْ قلت هذا ليس لي فيه نصيبٌ ومجالْ مرّت الأيام والدنيا زحامٌ وهمومْ لم يفزْ فيها جبانٌ أو كسولٌ أو نؤومْ حفزَ الهمّةَ مني صوتُها الحاني الرّؤوم طلع الفجر على من يَبْتَغي كَسْبَ العُلومْ فانشِدِ المجدَ لترقى إنّهُ صَعْبُ المَنالْ فجّرَ المَأمْولُ مِنّي كُلّ طاقاتِ الشّبابْ ووَجدْتُ الكنْزَ مَخبوءاً بطيّاتِ الكِتابْ فَمَشَيْت الدّربَ في جدّ لتَذليل الصّعابْ شدّ ما كانَ لي السّبقُ على كُلّ الصّحابْ فعَرفتُ الحَزْمَ والصّبرَ سبيلاً للكمالْ في الثلاثينات مِنْ عمري حَمَلْتُ البُندقيّة وتَحمّلتُ كثيراً من عناء العَسْكرية كُنْتُ فيها كالغيارى لا أرى إلاّ القَضيّة يَوْمَ كانَ الشعبُ يسقى بالقنا والمَشْرفيّة كُلّ مَيْدانِ فِداء مِنْ ميادين القتالْ في الثلاثيناتِ مِنْ عُمري رَفَضْتُ المُستحيلا وتَمرّدتُ على الظّالم يَغْزونا دَخيلا سالكاً بالقهْر والعُنفِ لما يبغي سبيلا لا يَرى في جوره الآثم ما يَشفي غليلا عِندها أيْقَنْتُ أنّ النّصر في حَدِّ النّصالْ هذه السِّنُّ من العُمْر هي السَِن الغَنيّة بالطّموحات وبالإقدام والنّفسْ الأبيّة فهي دُنيا من شُموخٍ وفِداء وحَميّة واندفاع لَيْسَ تَثْنيهِ عن القصْد المَنِيّة إنّها سِنُّ التّصدّي لأفانين المُحالْ وإذا ما لاحَ للإنسانِ فَجْرُ الأربعينْ وبَدَتْ لمتهُ بيضاء مِثْلَ الياسَمينْ نَضجَ الفِكْرُ وشدّ القَلْبَ للحُبِّ الرَّصين لَمْ يَعُدْ يُغْريهِ ما يُغري الشبابَ الطائشينْ إنّما أغراهُ مكنونٌ لأسْرار الجَمالْ هذهِ السّنُّ لها مِنْ كُلّ ذي عَقْلٍ تَحيّة فهِي سِنُّ الوحْيَ والإصغاء للذاتِ العَليّة فمِنَ الغَارِ تبدّى النّورُ يَهْدي البَشريّة فَأَزالَ الشِّركَ وانجابَ ظَلامُ الجاهِليَّةوهدى الله الورى للحقِّ من بعد الضّلالْ برجُك العالي هو الأخلاقُ تزهو بالوفاء لا صروح من جحودٍ ونفاقٍ ورياءْ فافعل الخير ولا تبْغِ من الناس الجزاءْ واتّقِ الله وساعدْ ما استطعْتَ الضّعفاء نحنُ ماضون ولا ندري إلى أين المآلْ نحنُ ماضون إلى موتٍ وبعثٍ ونشورْ ورحيلٍ عن ديارٍ ومَتاعٍ وسرور ندعُ الدنيا وما فيها ونأوي للقُبور بعد أنْ عشنا حياةً لفّها ثوبُ الغرورْ فانتبهْ يا أيها الإنسانُ فالعيش زوالْ فهنيئاً لامرئٍ قد كان للخير مثالا عاشه فعلاً ولا يرجُ ثواباً أو نوالا وكفافُ العيش يُرضيه ولا يبغي سؤالا هامُه لا ينحني إلاّ إلى الله تعالى إنه الإنسان حقّاً إنه خير مثالْ أربعيناتٌ حياة المرء كدٌّ وكفاحْ يُخفقُ الإنسان فيها أو يُواتيه النّجاح فإذا جدَّ سعى المجد إليه والفَلاحْ وإذا ما زرعَ الشّوكَ جنى منه الجراح إنه الإخفاقُ أو تثبيت أقدام الرجال وإذا الخمسون لاحت بين وعدٍ ووعيدْ كانت الإشعارَ كي تستقبلَ اليومَ الجديدْ الخ........ القصيدة |