إنجازات الولايات المتحدة الأمريكية في العراق

Quote: دروس مستفـــادة من حـــــرب العـــراق بقلم : عميد ركن «م» عبدالوهاب محمد بكري / ندخل لهذا الموضوع بالمعطيات الآتية: أ) قول الخالق جلَّ علاه «إن مع العسر يسرا». ب) معادلة الفيزيا ـ إن لكل فعل رد فعل معتاد ومساوٍ له. ج) قول المفكر الاقتصادي الرأسمالي آدم إسمث ADAM SMITH في نظريته الاصابع الخفية THE UNSEEM FINGERS. إن الانسان وهو يخدم نفسه يخدم الآخرين دون ان يشعر. د) المقولة المشهورة ـ إن الرياح العاتية تمنع البحيرة من ان تأسن. مستصحبين هذه المعطيات التي تشير جميعها الي ان مع العسر يسرا أي أن لا عسر يأتي منفرداً ويلزم ان يرافقه يسرٌ سواءً تمثل هذا اليسر في تعديل مسار حياة غير صائب أو الاشارة لموجهات لازمة التنفيذ. عادة يصاب المرء عند وقوع العسر بشئ من الرهبة والدهشة تفقده اتزانه المعنوي لفترة، ولكن عندما يفوق من رهبته هذه وينظر الى نفسه ويقف على اسباب واهداف ومرامي العسر الذي وقع يجد اليسر المرافق متمثلاً في تعديل مسار خاطئ أو لفت نظر لمآخذ يلزم تحجيمها مما يمنع البحيرة من ان تزيد تأسناً. فما حصل بالعراق يمثل رياحاً عاتية هبت على كل العالم العربي الاسلامي الموجب فيها منع البحيرة العربية الاسلامية من التأسن. بالتالي فما هو اليسر المرافق لهذا العسر؟. 2/ حسناً للوصول لحجم هذا اليسر ارى ان نصطحب معادلة الفيزياء = إن لكل فعل رد فعل مساوي ومضاد له . عليه لمعرفة رد الفعل يلزم ان نقف على حجم الفعل والحرب، أسبابه واهدافه حتى نصل لمرد الفعل المساوي ومضاد له مما يعرضنا للدروس المستفادة من هذه الحرب. اسباب هذه الحرب تكمن في موقع العرب والاسلام في الاستراتيجية الدفاعية الامريكية. توصل المخطط الامريكي لهذا الموقع للعرب والإسلام في الاستراتيجية الدفاعية الامريكية بعد انهيار المعسكر الشرقي، حيث قام الامريكان بتقدير موقف عالمي بحثاً عن احتمال قيام قطب ثانٍ بالعالم بديلا للمعسكر الشرقي أو متعاونا مع بقاياه. كان نصيب العرب والإسلام في هذه الدراسة ان العرب: أ) لديهم تراث حضاري وعقائدي ورصيد عقول بشرية وايدى عاملة اكتسبت في بلادها وفي الخارج خبرات تقنية متطورة، ويمثل ذلك بعداً مهماً لتقييم القوى البشرية في العالم العربي. ب) إمتداد الوطن العربي الكبير من الخليج العربي شرقاً حتى حدوده مع ايران وتركيا الى المحيط الاطلنطي غرباً يوفر عمقاً استراتيجياً لهذه الرقعة من الارض. ج) الامكانات الاقتصادية والبشرية المتاحة للعالم العربي تمكنه من اقامة تكامل شامل في المجال الاقتصادي والعسكري وذلك لتوفر الارض الزراعية ووجود الايدي العاملة والخبرة ورأس المال. هذا التكامل اذا ما قام ـ سيؤدي الى تشكيل قوة عظمى في منطقة الشرق الاوسط يدعمها القدر الكبير من النفط والاحتياطي منه. د) يمثل سكان العالم العربي 208 ملايين (تعداد 1990 ـ 1991م) يمثلون قوة شرائية هائلة يعيش 29% في آسيا و71% منهم في افريقيا في مساحة تبلغ 8.13 مليون كيلو متر مربع. هـ) تقع مناطق التجارة العالمية البحرية بالعالم العربي ـ جبل طارق ـ ربتلاريا، قناة السويس، باب المندب، مضيق هرمز، مما اكسبه أهمية ادخلته في مجال الصراع بين الدول الكبرى التي يحاول كل السيطرة عليه وتحويله الى منطقة نفوذ يراعى عدم قيام دولة قوية به (العراق). و) رغم الثروة البترولية بالعالم العربي فان له امكانيات زراعية هائلة تتمثل في 22.118 مليون فدان مزروعة، والصالح للزراعة به 184 مليون فدان ويتمثل الري في 28% رعي صناعي و80% امطار. ز) يلحظ ان توزيع حقول البترول به لا يتفق مع توزيع السكان فملكت فئة صغيرة فيه معظم أوكل هذه الثروة مما خلق طبقة اغنياء صغيرة تهاب حقد الاغلبية الكبيرة وتحاول الدفاع ضدهم عن طريق معاهدات دفاع مع خارج العالم العربي. 3/ هكذا جاء تشخيص العالم العربي في الدراسة الامريكية من ناحية الامكانات أما عن الجسد العربي، فرغم هذه الامكانات الاقتصادية والبشرية الهائلة، وجد إنه مفكك الاوصال متعادي ومتحارب يخشى الاغنياء فيه ضعف الاغلبية الفقيرة ويحقد الفقراء على الاغنياء مما غاب معه مفهوم موحد للأمن القومى العربي أو هدف سياسي عربي متفق عليه رغم وجود منظمة جامعة عربية مفروض عليها ان تحقق اجماعاً قومياً عربياً، وإنه لا يجمع العرب إلا الحضارة العربية الاسلامية وعقيدة الاسلام بمعايير مختلفة. 4/ أمام هذا التشخيص اخذت العروبة والاسلام موقعها في الاستراتيجية الدفاعية الامريكية ـ كانت الاستنتاجات كالآتي: أ) العالم العربي لديه الامكانيات الاقتصادية والبشرية وسعة الرقعة الجغرافية وموقعها ذو الأهمية الاستراتيجية، ما يمكنه من انشاء دولة عظمى بالشرق الاوسط إذا ما تمّ التكامل بين دوله التي لا رابط بينها غير العقيدة والحضارة الاسلامية: وهي (العقيدة الاسلامية) قادرة على جمع العرب إذا ما احسن ادراكها، إذ عرف التاريخ ان العقيدة الاسلامية خير من يجمع وخير ما يفرق. عليه فاتجاه المجهود الرئيسي للتعامل مع العرب هو تحجيم الحضارة العربية الاسلامية واضعاف عقيدة الاسلام فيه مستغلين خاصية التفرقة فيه. هذا الأمر يستدعى السيطرة السياسية والاقتصادية كمدخل لهذا التحجيم. سيناريو التنفيذ 5/ بدأ التعامل مع العرب بالحصول على اجابة السؤال هل قوة العرب مستمدة من قوتهم الاقتصادية والبشرية أم من عقيدة الاسلام؟ للاجابة كان سيناريو حرب الخليج الاولى وايران والعراق تسنده كل الامكانات العربية ودعم غير محدود من امريكا. رغم ذلك وقف الاسلام بايران امام كل هذه الامكانات رغم ما حلَّ بجيشها من تفتيت بعد الثورة الاسلامية بايران، واستمرت الحرب لمدة ثماني سنوات لم تتغلب فيه حشود الامكانات هذه على عقيدة الاسلام وانتهت الحرب دون منتصر ومهزوم. عليه كانت اجابة السؤال إن العرب بالاسلام وليس بامكاناتهم الاقتصادية والبشرية. المرحلة الثانية من السيناريو كان التوجه المباشر نحو الحضارة العربية الاسلامية والاسلام يكون التمهيد لذلك بتدمير القوة العسكرية العربية التي تضخمت اثناء حرب الخليج الاولى مستغلين الثروة العربية في ذلك، مع خلق جو من التفرقة بين الدول العربية ولتنفيذ ذلك جاء الهدف السياسي العسكري لحرب الخليج الثانية تدمير القوة العسكرية العربية (في شخص العراق الذي صار جيشه رابع جيش في العالم) باستغلال الثروة العربية تمهيداً لتحجيم الحضارة العربية والاسلام. تحقق الهدف فقد دمرت القوة العسكرية العربية في شخص العراق اثناء الحرب وبعدها وبددت الثروة العربية في تفتيت آلة الحرب التي شملت ثلاثين دولة، كما حققت تفرقة كبيرة بين الدول العربية من واقع موقفها من هذه الحرب. المرحلة الثالثة من السيناريو هدفت الى الطعنة المباشرة للحضارة العربية وعقيدة الاسلام وذلك بتمهيد الطريق لذلك بسيطرة سياسية واقتصادية على العالم العربي ومن ثم التغذية المكثفة له بالحضارة الغربية عن طريق الاعلام والاستهلاك وصولاً لنزع المواطن العربي من حضارته العربية الاسلامية. رؤى ان العراق هو الوحيد الذي قد يقف امام هذا التمهيد اذ انه يمثل القشرة القوية بالحائط العربي، فكان استهدافه بمبررات لم تكتسب شرعية عالمية فكان ما كان. هنا ظهر الهدف السياسي العسكري لحرب الخليج الثالثة والذي يقرأ = السيطرة السياسية والاقتصادية على العالم العربي وتغذيته عن طريق الاعلام والاستهلاك بالحضارة الغربية، وصولاً لتحجيم الحضارة العربية والاسلام فيه. ثم ماذا؟ 6/ هكذا كان هدف الاستراتيجية الامريكية للتعامل مع العرب بعد التشخيص اللازم لروح وجسد العالم العربي وهكذا كان تسلسل سيناريو تنفيذ هذا الهدف. واضح إنه بعد تدمير القشرة القوية للحائط العربي (العراق) سيشرع في نشاط السيطرة السياسية والاقتصادية متلازمة مع هجمة قوية للحضارة الغربية على العالم العربي ـ الاحداث الجارية وتصريحات المسئولين الامريكان تشير لذلك. يقيني ان الجولة الرابعة لهذه الحرب مع العرب، ستكون حرباً سياسية اقتصادية بدأت بالفعل وحصد المؤشرات لذلك لفرض السيطرة السياسية والاقتصادية الماثلة تمهيدا لتحجيم الحضارة العربية والاسلام. أ) استهداف مراكز القوة للعقيدة الاسلامية في شخص الشيعة في كل من سوريا ولبنان مع عدم الاعتراف بالاغلبية الشيعية في العراق 60% ـ واجراء انتخابات بلدية الموصل بناءً على تمثيل نسبي للفصائل الدينية بالعراق. ب) مستغلين حالة الاهتزاز المعنوي الناتج من ما حدث بالعراق بالعالم العربي ـ يوحى أو يعمل على قيام انظمة سياسية ديمقراطية موالية لامريكا ومراعية لمصالحها مما يحقق السيطرة السياسية. ج) تحجيم قوة سلعة البترول الاقتصادية وذلك بطرح بترول العراق المسيطر عليها باسعار متدنية (10 ـ 15 دولاراً للبرميل) مما يعود بالخسارة على مالكي البترول ومما يمهد للسيطرة الاقتصادية. د) الحفاظ على هامش التفرقة الحادث حالياً بالعالم العربي وتغذيته. هـ) الغزو الحضاري الغربي سيبدأ بشعب العراق بعد انتشاله من حالة الشقاء التي عاشها اثناء حكم صدام حسين واثناء الحرب وذلك بتعمير العراق على اكمل وجه وايجاد حياة هانئه سعيدة يربطها الاعلام الغربي بامريكا مع غزو السوق العراقي بسلع استهلاكية غربية مأكلا وملبساً وترفيهاً بأسعار زهيدة مما يغير نمط حياة الشعب. هذا وكما يقول علماء النفس انه اذا اريد غسل مخ شخص فانتشله من شقا ءالى هناء أو حوله من هناء الى شقاء. 7/ بعد هذا ألا يمكننا ان نتوصل لرد الفعل الايجابي لهذه الحرب وذلك بالوقوف على الدروس المستفادة منها.. سيكون ذلك موضوع المقال القادم وفي شخص السودان اذ انه جزء من العالم العربي. والله أسأله التوفيق * زميل كلية الحرب العليا اكاديمية ناصر العسكرية