|
الجزء الثاني من وثيقة :- نحو مخرج ديموقراطى من الازمة الوطنية الراهنة (Re: altahir_2)
|
. فى إطار هذين المحورين تدور كل مفردات خطاب السلطة السياسى ، بما فى ذلك الشعارات الإسلامية التى دخلت حلبة الصراع السياسى بقوة وعنف بقوانين سبتمبر 1983 فى عهد النظام المايوى ، ولكن النتيجة العملية تمثلت فى إستناد المجموعة الحاكمة الى نفس ركائز الانظمة الدكتاتورية السابقة ، المتمثلة فى الجمهورية الرئاسية بسلطاتها المطلقة ، نظام الحزب الواحد وروافده وقانون الأمن العام وحالة الطوارئ والقوانين الاستثنائية الاخرى ، وذلك بهدف إحتكار السلطة ، فحظرت نشاط الاحزاب والتنظيمات الاخرى ، واقامت اجهزتها الامنية بصلاحيات واسعة لقمع قوى المعارضة السياسية والعسكرية والإجتماعية ، وشملت إجراءاتها كافة اشكال القمع المادى والمعنوى ، ووصلت ذروتها فى إعدامات شهداء حركة 23 ابريل 1990 العسكرية المجيدة ، حيث اعدمت 28 ضابطا ، من خيرة العسكريين السودانيين ودون محاكمات وبطريقة لم يشهد لها السودان مثيلا فى كل الانظمة الدكتاتورية السابقة ولا حتى فى محاكمات ابطال ثورة 1924 ايام الإحتلال البريطانى، وبذلك كشفت طبيعة نظامها الإستبدادى وقدمته كبديل للديمقراطية ، وتحولت حملاتها على التجربة الديموقراطية الى مجرد تبرير لا معنى له ، إذ مهما كانت سلبيات النظام الديموقراطى لا يمكن أن يكون البديل نظام دكتاتورى يقوم على مزيج من تجربة المؤتمرات واللجان الشعبية الليبية ونظام الحزب الواحد وجوانب السيطرة السياسية الشمولية المشابهة ، ومهما كانت السلبيات لا يمكن أن تتم معالجتها بتقويض النظام الديموقراطى بكامله وهدم اسسه القائمة على احترام حقوق الإنسان وسيادة حكم القانون وحق الشعب فى تقرير مصيره واشاعة الحريات العامة ، وعلى راسها حرية الرأي والصحافة وحرية التنظيم الحزبى والنقابى والتداول السلمي للسلطة وغيرها . ومن جهة أخرى ، فإن مشكلة الحكم فى السودان لا ترجع الى التجارب الديموقراطية ، بل ترجع الى سيطرة الأنظمة الدكتاتوية الثلاث لأكثر من ثلاثين عاما من مجموع سنوات ما بعد الإستقلال البالغة 42 *عاما ففى ظل هذه الأنظمة تفاقمت مشاكل البلاد حتى تحولت الى أزمة وطنية شاملة فى ظل نظام الجبهة الدكتاتورى ، وإتسعت الفجوة بين تطلعات الجماهير فى الحياة الكريمة وعجز الدولة عن تلبية هذه التطلعات خاصة بعد تخليها عن دورها الإقتصادى والإجتماعى وإرتباطها بالفئات الطفيلية . ولا مخرج من هذه الازمة إلاّ بإستعادة الديمقراطية وإشاعة الحريات العامة ومشاركة كافة القوى السياسية فى تقرير مصير البلاد . وإذا كان التوجه نحو الديموقراطية قد اصبح اتجاها عالميا بعد إنهيار المعسكر الإشتراكى وثورة الإتصالات والمعلومات ، رغم محاولة قوى الهيمنة الغربية إستغلال هذا التوجه لخدمة مصالحها واستراتيجيتها ، فإن ظروف السودان الخاصة تؤكد اهمية وضرورة الديمقراطية كمدخل رئيسى للمحافظة على وحدته الوطنية وتطوير أوضاعه الإقتصادية والإجتماعية ، وذلك بحكم واقع التعددية فى حركته السياسية وحيويتها ، وارتباط قضايا التغيير الإجتماعى بالديموقراطية واشاعة الحريات العامة ، وبحكم ضخامة وتعقيد ومشاكل ومهام مرحلة ما بعد الاستقلال ، وضرورات مواجهة الازمة الوطنية الشاملة الجارية فى البلاد ، ولأن تجربة حزب الجبهة نفسها قد أكدت استحالة حكم السودان بواسطة حزب واحد ، وأهم من كل ذلك لإرتباط الحركة الوطنية السودانية وحركة النهضة العربية الحديثة بمفاهيم الحرية والشورى والديموقراطية والتحرر الداخلى والخارجى . لهذه الاسباب لم ينجح الخطاب السياسى للفئة الحاكمة الحالية والانظمة العسكرية السابقة، فى تشويه التجارب الديمقراطية السابقة ولا فى تقويض الأسس الفكرية والضرورات العملية للنظام الديموقراطى فى بلادنا ، بل أدخل نفسه فى تناقض صارخ خاصة عندما فشل فى توسيع قاعدته الإجتماعية وفى جذب أي قوة سياسية مؤثرة الى جانبه . وعندما ربط نفسه بشعارات الشريعة والشورى والإنقاذ أستهدف فقط محاولة إحتكار الإسلام وفرض برنامجه على الآخرين وتبرير قمع قوى المعارضة الشعبية والعسكرية بمنطق دينى زائف ، ولكنه وجد نفسه فى تناقض كامل مع التراث العربى الإسلامى الزاخر بقيم العدل والحرية ،ومع والشورى التى تعنى مشاركة الأمة فى تقرير مصيرها . ولا طريق لتحقيق ذلك بغير الديموقراطية بمفهومها الحديث . كما وجد نفسه في تناقض صارخ مع سماحة الإسلام وارتباطه بالفطرة والتجارب الإنسانية المتطورة ، ومع تأريخ الإسلام وإنتشاره فى السودان وتاريخ حركة النهضة العربية الحديثة بتياراتها الإسلامية والقومية والديموقراطية واليسارية المناهضة للإستبداد والرجعية ، وهكذا بدأ كأن حزب الجبهة يحاول تطبيق نموذج ستالينى متخلف بشعارات إسلامية ، وهذا التناقض يجد تفسيره فى الطبيعة الإيدولوجية والإجتماعية للجبهة الاسلامية الحاكمة ، والفئات المرتبطة بها ، التى تدفعها الى إستغلال كل شئ ، بما فى ذلك معتقدات الشعب ، من أجل فرض سيطرتها على البلاد على حساب مصالحها وقيمها الدينية والإنسانية والقومية .
كانت عمر سنوات الاستقلال 42 عاما وقت صدور الوثيقة في العام 1999
|
|
|
|
|
|
|
|
|