.......وهكذا تكلم د.عمر القراي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 02:13 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عادل محمود احمد الامين(adil amin)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-21-2006, 09:34 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 37000

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي (Re: adil amin)

    تعقيب على مقال د. غازي العتباني مستشار السلام في حكومة الانقاذ
    الحكومة هي المسؤول الوحيد عن فشل محادثات السلام !!
    د. عمر القراى - 21 يوليو 2003
    بعد كل هذه السنوات الدامية ، من عمر حكومة الانقاذ ، وبعد تحويل الحرب في الجنوب ، الى جهاد في سبيل الله ، وتوجيه الاعلام الى "ساحات الفداء" ، واقامة "عرس الشهيد " على الحور العين ، واعادة الرق في السودان ببيع الاسرى ، وبعد تدمير قرى بأكملها في جبال النوبة ، وتعذيب المعارضين السياسيين في بيوت الاشباح ، وتجويع الشعب ، وفصله ، وتشريده ، وجمع الثروة في ايدي تجار الجبهة الاسلامية ، والموالين لهم ، وبعد ان ساد جو من الهوس الديني ، فرّخ جماعات التكفير المتخلفة ، التي تنعق كالبوم ، بفتاوي التقتيل والاعتداء على الطلاب العزل ، دون ان تحرك الحكومة ساكناً ، جاء د. غازي صلاح الدين العتباني، مستشار حكومة الانقاذ للسلام ، ليحدثنا عن العدل والإخاء والمحبة ، التي ستسود في السودان، اذا وقع الاتفاق ، و تم السلام ، وقبلت الاطراف جميعاً ، ان يحكم شمال السودان ، بما فيه العاصمة القومية ، بقوانين الشريعة الاسلامية !! ثم اخذ يحدثنا ، كيف اننا بتطبيق الشريعة سنحقق الدولة الاسلامية ، التي قامت في الماضي و(رفعت الظلم عن القبطي في مصر والمجوسي في فارس والمسيحي في الشام واليهودي في الأندلس وعدلت بينهم)[1] !! ولم يكتف السيد مستشار السلام بذلك ، بل ذكرنا كيف ان عمربن الخطاب ، رضي الله عنه ، ضرب داهية العرب ووالي مصر عمرو بن العاص ، انصافاً لرجل من غير المسلمين ، من عامة الرعية !! وكأننا اذا طبقنا الشريعة اليوم ، سينزل د. غازي العتباني ، أو عمر البشير ، أو علي عثمان ، من قصورهم العالية ، وعرباتهم الفارهة ، فيعيشوا مثل عمر بن الخطاب ، الذي لم يجمع بين الخبز والإدام في طعام ، منذ ان ولي الخلافة!!

    على ان المتتبع للسياسة الدولية ، لا يعجزه ان يلاحظ التغيير الذي طرأ على حكومة الجبهة ، منذ ان شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها حملة دولية على الارهاب ، بعد أحداث 11 سبتمبر ، وضربت مراكز "القاعدة" في افغانستان .. فقد قطعت حكومة الجبهة علائقها مع بن لادن ، وسلمت أمريكا المعلومات عن حركته ، وتغير خطابها في الداخل ، فسمحت بقدر من الحريات ، ما كانت تطيقه من قبل ، وقللت عدوانيتها تجاه المعارضة ، وصعدت من ادعاء رغبتها في السلام !! وبالرغم من ان الخوف لا يحترم ، ولا يعتمد عليه كدافع للسلام ، الا ان اتجاه د. غازي لمحاولة إعطاء موقف الحكومة تبرير فكري ، يناقش اطروحاتها بازاء آراء المعارضة ، اتجاه محمود ، لو كانت المعارضة تجد فرصة متكافئة في وسائل الاعلام !!

    ومع ان د. غازي صلاح الدين مهتم بالكرسي ، اكثر من المفاهيم الدينية التي يذيعها هنا وهناك ، وهو في ذلك – رغم الخلاف الطارئ - يمثل صورة مصغرة ، من إلتواء ومراوغة شيخه د. الترابي ، الا ان مناقشة مقاله هذا ، تهدف في المقام الأول ، الى توعية الشعب ، ثم توعية جماعة الجبهة الاسلامية ، المنقسمة على نفسها ، بسبب المصالح ، علها تجد في ذلك متكأ دينياً وفكرياً للإختلاف ، يكون بديلا للاصطراع المحموم على المناصب الزائلة بين شقيها الشعبي والوطني..

    لقد حاولنا خلال سنوات عديدة ، ان نجر الجماعات الاسلامية الى ساحة الحوار الفكري ، حيث المناخ الذي تموت فيه موتاً طبيعياً .. وكنا في ذلك نبغي بها الخير ، لأن موتها في ساحة الفكر هو حياتها الحقيقية ، على هدى مفاهيم جديدة . ولكنها من منطلق الفهم الخاطئ للدين ، كانت تجنح للعنف والاعتداء والتآمر والتكفير، وتهرب من ساحات الحوار، ما لم يكن وعظاً أو خطباً سياسية .. فاذا جاءت اليوم ، يمثلها أحد قادتها ، الى تلك الساحة مدفوعة بالتخويف الأمريكي ، والضغوط الدولية ، والفشل الداخلي ، والخسائر المتتابعة امام الحركة الشعبية لتحرير السودان ، فاننا نعتبر هذه خطوة ايجابية ، ذلك ان ساحة الفكر والحوار ، تبقى الملاذ الأخير ، الذي نحن جميعاً بفضل الله ، اليه مسيرون ..



    ما هي الشريعة؟!

    يقول د. غازي (ان قول الله سبحانه لرسوله " ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها" انما جاء تأسيساً لمنهج وهدى متكامل يسوق الخلق الى عبادته التي هي مبرر خلقه لهم) الى ان يقول (الشريعة لم تقدم بصورة جلية على انها الضامن الأوثق لحقوق المسلمين وغير المسلمين رغم الثابت في التاريخ انها رفعت الظلم عن القبطي في مصر والمجوسي في فارس والمسيحي في الشام واليهودي في الاندلس وعدلت بينهم في الحقوق العامة على شرط العهود التي وقعت معهم)!![2]

    أول ما تجدر الإشارة اليه ، هو ان كلمة "شريعة " تعني في اللغة المدخل أو البداية .. فقد جاء (شرع شرعاً أو شروعاً في الماء : دخل فيه ... وشرع الامر بدأه ... والشرعة الطريق الى الماء والشريعة جمع شرائع أي موارد الشاربة)[3] وهي ايضاً تعني القدر الضروري ومن ذلك قولهم ("شرعك ما بلغك المحل" اي حسبك من الزاد ما بلغك مقصدك وهو مثل يضرب في الاكتفاء باليسير)[4] .. اما من حيث المصطلح ، فالشريعة هي المدخل على الدين وليست هي الدين ، فهي الاوامر والنواهي ، التي يدخل بها من التزمها على مكث ، الى داخل الدين حيث الحقائق والمعارف الكبرى ، التي تتجاوز ظروف الزمان والمكان ، التي تتقيد بها الشرائع ، باعتبارها المداخل التي تدرج المبتدئين ، في مختلف مستويات المجتمعات ..

    لهذا فان هناك فرق شاسع بين "الهدى المتكامل " ، وبين الشريعة .. فالشريعة لا تمثل الا طرفاً من هذا الهدى فصّل على حسب طاقة وحاجة المجتمع في القرن السابع الميلادي .. قوله تعالى "وكذلك جعلناك على شريعة من الأمر" يعني ان الشريعة طرف من الأمر ، والأمر الالهي في الاصل هو التوحيد ، قال تعالى في ذلك "وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " . ومن التوحيد تنزلت الشرائع ، على حسب مستويات الامم ، فكان لكل أمة شريعتها "لكل منكم جعلنا شرعة ومنهاجاً" ، مع ان الدين هو التوحيد ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "خير ما جئت به انا والنبيون من قبلي لا اله الا الله" .. والتوحيد هو الاسلام ، الذي طبقه الانبياء حين قصر عنه اتباعهم ، فتنزلت لهم الشرائع على قدر طاقتهم ، قال تعالى في ذلك "إنا انزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء"..

    فاذا وضح ذلك ، فينبغي الا ننسب كمالات الاسلام للشريعة ، ويجب ان نعرف حكمتها ، وكفاءتها ، حين طبقت في الماضي ، كما نعرف لها محدوديتها ، ومرحليتها ، فلا نلوم الاسلام على قصورها عن قامة العصر .. ومن الامثلة الواضحة ، على مفارقة الشريعة للواقع ، ما ساقه لنا د. غازي نفسه حين قال (كمثال على الاسهام المتميز للاسلام يبدو للناس بعيداً منه هو الجماليات انظر الى النهضة في العمارة والفنون انطلاقاً من موقف من تصاوير الاحياء اثمر ابداع المسلمين فنون الارابيسك والمنمنمات)[5] !! فهو يحدثنا عن انه بسبب موقف الاسلام من التصاوير ، اتجه الفنانون المسلمون الى فن الارابسك والمنمنمات فابدعوا فيه .. ولكننا لن نقفز معه فوق جوهر القضية ، دون ان نناقشه .. فلقد حرمت الشريعة ، رسم الاحياء ، باحاديث محددة ، وردت في باب الصور في صحيح البخاري ، منها ان صلى الله عليه وسلم قال "من صور صورة يعذب ويقال له يوم القيامة أنفخ فيها الروح وما هو بنافخ فيها ابداً" ومنها "ان السيدة عائشة كان لها نمرقة بها صور فلم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم حجرتها حتى مزقتها" !! ونحن اذا اتبعنا هذه النصوص ، اليوم ، لمنعنا معاهد الفنون التشكيلية ، ومعامل التصوير ، ولصادرنا الكتب ، والمصنفات العلمية ، واوقفنا دراسه الطب والعلوم ، ولاختلت المعاملات والبطاقات والجوازات ، ومنعنا التلفزيون وحطمنا التماثيل والاثار كما فعلت طالبان ، أو كما فعل وزير الثقافة والاعلام السوداني السابق ، الذي كان يعد من كوادر الجبهة ، داخل حزب الأمة ، حين حطم الآثار بالمتحف القومي!!

    فاذا كانت ظروف الحياة ، قد اجبرت دعاة تطبيق الشريعة ، على مخالفة هذه النصوص الشرعية الظاهرة ، دون عذر ، فان المعرفة بالدين تخرجهم من هذا الحرج . لانها تؤكد ان تجاوز النص ، قد تم بسبب ديني هو معرفة الحكمة وراء النص ، وكيف ان هذه الحكمة ، قد استنفدت فلم يعد النص صالحاً .. فقد كانت حكمة تحريم التصاوير على قوم حديثي عهد بالاسلام ، قد درجوا على عبادة الاوثان ، هي قطع الصلة بينهم ، وبين ذلك الماضي .. فربما ذكرت الصور والتماثيل بعضهم بالاصنام ، فشعروا بحنين الى عبادتها ، فسد الشارع الحكيم هذه الذريعة بمنع التصاوير كافة ، خاصة وانها لم تكن شديدة الاهمية في مجتمعهم .. فاذا اصبح الرسم والنحت والتصوير ، وغيرها من ضروب الفنون الجميلة من زينة حياتنا ، التي بها تلطف مشاعرنا ، وتتحقق عديد المنافع، ثم ان رؤيتنا لتمثال أو صورة ، لا تثير في نفوسنا الحنين لعبادتها ، لاننا لم نعتد تلك العادة، فان قوله تعالى "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده" هو الذي يجب ان يحكم حياتنا اليوم ، وليس حديث التصاوير المرحلي ، الذي عرفنا حكمته ، وراينا كيف ان مجتمعنا قد تجاوزها !! ونحن حين نفعل ذلك ، لم نخرج من الاسلام وانما دخلنا فيه أكثر ، وان خرجنا على الشريعة !! والانتقال من نص في القرآن أو الحديث ، خدم غرضه حتى استنفده، الى نص آخر أقرب الى روح الدين وغرضه ، واقدر على حل مشاكل الواقع المعاصر ، هو ما سماه الاستاذ محمود محمد طه تطوير التشريع الاسلامي ..



    الشريعة لا تساوي بين المواطنين !!

    ان اطروحة د. غازي صلاح الدين ، انما تقوم على خطأ جوهري ، حين تزعم ان الشريعة حققت المساواة بين المسلمين وغير المسلمين .. فلو كانت كذلك لما احتج عليها الأخوة الجنوبيون ، ولما قبل د. غازي ورهطه التنازل عنها في الجنوب .. ولما كان د. غازي يخلط خلطاً موبقاً بين الاسلام والشريعة ، فانه يسوق الآيات التي نسختها الشريعة ، ليستدل بها على سماحة الاسلام!! ومن ذلك مثلاً احتجاجه بقوله تعالى "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" ، فلو كانت الشريعة تقوم على مثل هذه الآية ، لما كان هناك جهاد أصلاً ولما خرجت جيوش المسلمين من جزيرة العرب ، تغزو فارس والشام والاندلس لنحتاج للحديث عن حسن أو سوء معاملة المسلمين لأهل هذه البلاد بعد فتحها !!

    وحين يقول د. غازي عن معاملة الشريعة لغير المسلمين (وعدلت بينهم في الحقوق العامة على شرط العهود التي وقعت معهم )!![6] لا يذكر ان العهود قد نسخت مع المشركين ، واحكم بذلك الجهاد ، فقد جاء نسخ العهود في سورة براءة في قوله تعالى "براءة من الله ورسوله الى الذين عاهدتم من المشركين * فسيحوا في الارض اربعة اشهر واعلموا انكم غير معجزي الله وان الله مخزي الكافرين * واذان من الله ورسوله الى الناس يوم الحج الاكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله فان تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فأعلموا انكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم " .. جاء في تفسير الآيات ( هذه السورة الكريمة هي من أواخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم كما قال البخاري حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن أبي اسحق قال سمعت البراء يقول آخر آية نزلت "يستفتونك في الكلالة" وآخر سورة نزلت براءة ... وقال علي بن ابي طلحة عن ابن عباس "براءة من الله ورسوله" الآية قال حد الله للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر يسيحون في الأرض حيث شاءوا وأجل أجل من ليس له عهد انسلاخ الاشهر الحرم من يوم النحر الى سلخ المحرم فذلك خمسون ليلة فأمر الله نبيه اذا انسلخ المحرم ان يضع السيف في من لم يكن بينه وبينه عهد يقتلهم حتى يدخلوا في الاسلام وأمر بمن كان له عهد إذا إنسلخ أربعة أشهر من يوم النحر الى عشر خلون من ربيع الآخر أن يضع فيهم السيف أيضاً حتى يدخلوا في الاسلام ... قوله "وآذان من الله ورسوله الى الناس يوم الحج الاكبر" الآية يقول تعالى وإعلام "من الله ورسوله" وتقدم وانذار الى الناس "يوم الحج الاكبر" هو يوم النحر الذي هو أفضل أيام المناسك وأظهرها وأكبرها جميعاً "إن الله برئ من المشركين ورسوله" أي رسوله برئ منهم أيضاً . ثم دعاهم الى التوبة فقال "فإن تبتم" أي مما انتم فيه من الشرك والضلال "فهو خير لكم وان توليتم" أي استمررتم على ما انتم عليه "فأعلموا انكم غير معجزي الله" بل هو قادر عليكم وانتم في قبضته وتحت قهره ومشيئته "وبشر الذين كفروا بعذاب أليم" أي في الدنيا بالخزي والنكال في الآخرة بالمقامع والأغلال.

    وقال أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن مغيرة عن الشعبي عن محرز بن ابي هريرة عن ابيه قال كنت مع علي بن ابي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اهل مكة ببراءة فقال: ما كنتم تنادون ؟ قال كنا ننادي أنه لا يدخل الجنة الا نفس مؤمنة ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فان أجله أو مدته الى أربعة أشهر فإذا مضت الأربعة أشهر فان الله ورسوله برئ من المشركين ، ولا يحج هذا البيت بعد عامنا هذا مشرك ... فارسل ابا بكر وعلياً رضي الله عنهما فطافا بالناس في ذي المجاز وبامكنتهم التي كانوا يتبايعون بها وبالمواسم كلها فآذنوا أصحاب العهد بأن يؤمنوا أربعة أشهر فهي الأشهر المتواليات عشرون من ذي الحجة الى عشر يخلون من ربيع الآخرثم لا عهد لهم وآذن الناس كلهم بالقتال الا ان يؤمنوا .)[7] .. فالعهود وما فيها من حسن معاملة ، قد نسخت ببراءة واحكم القتل .. وكان هذا آخر ما نزل من القرآن ، فهل يدعو د. غازي لبعث القرآن المنسوخ ، أم انه لا يدري ما يقول ؟! أما عن قتال المشركين واهل الكتاب ، بسبب عدم قبولهم الاسلام ، فانه يمثل في عرفنا الحاضر مصادرة حق مواطن ، في الحياة ، بسبب الاختلاف في العقيدة ، وهو ما يجعل قوانين الشريعة غير مؤهلة للحكم اليوم حتى في ديار المسلمين !!

    ولقد سبق ان كتبت مؤخراً في التعقيب على د. عبد الله علي ابراهيم:

    (أول ما تجدر الاشارة اليه في أمر الشريعة ، هو انها لا تساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات لانها تقوم على العقيدة التي تفضل المسلم على غيره !! قال تعالى في ذلك "ان العزة لله ولرسوله وللمؤمنين " .. ولقد اتجه التطبيق العملي لهذا المفهوم الى قتال المشركين حتى يسلموا ، وقتال أهل الكتاب- اليهود والنصارى- حتى يسلموا أو يعطوا الجزية !! قال تعالى "فاذا انسلخ الاشهر الحرم فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم" .. ولقد حددت هذه الآية ، وهي من آخر ما نزل في شأن التعامل مع المشركين ، زمان قتالهم بانقضاء الاشهر الحرم ، وحددت مكان قتالهم بانه حيث وجدوا ، وحددت سبب قتالهم بانه كفرهم وعدم اقامتهم شعائر الاسلام ، وحددت وقف القتال معهم ، بدخولهم في الاسلام واقامتهم الشعائر !! واعتماداً على هذه الآية جاء حديث النبي صلى الله عليه وسلم "أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فان فعلوا عصموا مني دماءهم واموالهم وأمرهم الى الله"..

    أما أهل الكتاب فقد قال تعالى عنهم "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" !! .. ونزولاً عند هذا التوجيه ارسل النبي صلى الله عليه وسلم رسائله المشهودة لملوك الفرس والروم "أسلموا تسلموا يكن لكم ما لنا وعليكم ما علينا، فان ابيتم فادوا الجزية والا فاستعدوا للقتال" !! هذه هي خيارات الشريعة لليهود والنصارى : اما الاسلام ، أو الجزية ، أو القتال ..أما بالنسبة للمشركين فهما خياران لا ثالث لهما : الاسلام أو القتال !!

    والجزية ليست ضريبة دفاع ، يدفعها أهل الذمّة ، من يهود ونصارى ، للمسلمين الذين غزوا بلادهم وبسطوا سلطانهم عليها، لأنهم يقومون بحمايتهم فحسب ، لكنها الى جانب ذلك اقرار بالخضوع ، واظهار للطاعة ، واشعار بالمهانة والذل ، هدفه ان يسوق الذمي الى الاسلام .. جاء في تفسير قوله تعالى "عن يد وهم صاغرون" "أي عن قهر وغلبة .. وصاغرون أي ذليلون حقيرون مهانون ولذلك لا يجوز اعزاز أهل الذمّة ولا رفعهم على المسلمين بل هم أذلاء صغرة أشقياء كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام واذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه الى أضيقه"[8]

    ومعلوم ان غير المسلم لا يصح له ان يكون رئيساً للدولة المسلمة ، ولا ان يتولى قيادة الجيش لأن الجيش جيش جهاد !! وليس له الحق في تولي القضاء الذي يقوم على قوانين الشريعة الاسلامية !! ومن الناحية الاجتماعية لا يجوز له ان يتزوج المرأة المسلمة ، ولما كان دفعه للجزية الغرض منه اشعاره بالصغار ، فانه لنفس الغرض لا يتولى المناصب الرفيعة ولا يؤتمن على اسرار المسلمين .. فقد روي ان ابو موسى الاشعري اتخذ كاتباً نصرانياً ، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الا اتخذت حنيفياً ؟ قال: يا امير المؤمنين لي كتابته وله دينه !! قال عمر: لا ادنيهم اذ ابعدهم الله !! ثم قرأ قوله تعالى "يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين"!![9]

    فهل يمكن لمثقف أمين ان يقول بان غير المسلم لا يتضرر بتطبيق قوانين الشريعة الاسلامية ؟!

    ومما يترتب على الجهاد اتخاذ الاسرى رقيقاً ، ومع ان الاسلام وجد الرق سائداً في الجاهلية الا انه لم يلغه كما ألغى الزنا والربا والميسر وغيرها ، وذلك لانه فرض الجهاد فاضطر الى مجاراة عرف الحرب والاسر .. ولقد اقرت الشريعة الرق كنظام اجتماعي ، وتعايش المسلمون الأوائل مع عبيدهم يبيعونهم ، ويشترونهم ، ويعتقونهم احياناً اذا لزمت احدهم الكفارة .. ورغم ان الشريعة دعت الى حسن معاملة العبيد من الناحية الاخلاقية الا ان الوضع القانوني للعبد يجعله أقل في القيمة الانسانية من الحر ، فمع انه انسان الا انه اعتبر مثل المتاع الذي يملكه سيده .. وقد اسرف الفقهاء في بيان ذلك بمستوى ينفر منه الذوق السليم .. فالسيد اذا قتل العبد لا يقتل ، واذا اصابه دون القتل يقدر المصاب بالقيمة الماليه للعبد !! فقد ورد ان العبد "ان كسرت يده أو رجله ثم صح كسره فليس على من اصابه شئ فان اصاب كسره ذلك نقص أو عثل (جبر على غير استواء) كان على من اصابه قدر ما نقص من ثمنه" !![10]

    وحين يتخذ الاسرى من الرجال عبيداً ، يتخذ الاسيرات من النساء إماء ، ويعتبرن مما ملكت يمين اسيادهن .. وقد اجازت الشريعة للمسلمين ان يعاشروا ما ملكت ايمانهم بغير زواج ، فاصبح للمسلم الحق في معاشرة عدد غير محدود من النساء .. قال تعالى "والذين هم لفروجهم حافظون * الا على ازواجهم أو ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين" .. ويجوز للمسلم ان يبيع جاريته لغيره ، وان يشتري غيرها من الجواري ، يعاشرهن ثم يبيعهن مرة أخرى !! وهكذا نشأ سوق للجواري بجانب سوق العبيد ، واصبح نظام الاماء مثل نظام العبيد ، نظاماً اجتماعياُ راسخاً مرتبطاً أيضاً بالجهاد !!)[11]..

    وليس هذا امر تاريخي فحسب، فقد مارسته قوات الدفاع الشعبي حين اسرت الجنوبيين ، فاسترقت الرجال واغتصبت النساء ، على اساس انهن مما ملكت ايمانهم ، مما اثار منظمات حقوق الانسان ، وجعل اعادة الرق في السودان الخبر الاول ، في مختلف وكالات الانباء ، في منتصف التسعينات ..

    وانه لحق ان المسلمين كغزاة ، كانوا أفضل من غيرهم من الغزاة ، وارحم بالملل التي يغزونها.. وذلك لأن الاسلام كدين قدم نهجاً من التربية ، والخلق برأ المجاهدين الاوائل ، من اطماع الغزاة ، الذين كانت توجه جيوشهم ، رغائب الشهوة والتسلط ، ولقد كان غزوهم خير ، بما نشر من الدين ومكارم الاخلاق .. ولكن كل ذلك بمقاييس وقتهم ، لا بمقاييس وقتنا الحاضر الذي يتحدث عنه د. غازي وهو يستخدم مفاهيما جديدة كالمواطنة وحقوق الانسان .. ومع انه لا أحد يتوقع من حكومة الجبهة ، وقادتها أمثال د. غازي ، ان يكونوا مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، في العدل ورعاية حقوق الناس ، الا ان عمر نفسه قد عقد معاهدة مع بعض النصارى ، تعتبر غاية في الاجحاف وعدم المساواة ، اذا ما قيست بالقوانين الحاضرة ، أو مبادئ حقوق الانسان فقد جاء (ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الشروط المعروفة في إذلالهم وتصغيرهم وتحقيرهم وذلك مما رواة الائمة الحفاظ من رواية عبد الرحمن بن غنم الاشعري قال : كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى من أهل الشام "بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب لعبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين من نصارى كذا وكذا إننا لما قدمتم علينا سألناكم الامان لأنفسنا وذرارينا واموالنا وأهل ملتنا وشرطنا على انفسنا الا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ولا نجدد ما خرب منها ولا نحي منها ما كان خططاً للمسلمين وان لا نمنع كنائسنا ان ينزلها أحد المسلمين ثلاثة أيام نطعمهم ولا نأوي في كنائسنا جاسوساً ولا نكتم غشاً للمسلمين ولا نعلم اولادنا القرآن ولا نظهر شركا ولا ندع اليه احداً ولا نمنع احد من ذوي قرابتنا الدخول في الاسلام ان اراده وان نوقر المسلمين وان نقوم لهم من مجالسنا ان ارادوا الجلوس ولا نتشبه بهم في زي من ملابسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا فرق شعر ولا نتكلم بكلامهم ولا نتكنى بكناهم ولا نركب السروج ولا نتقلد السيوف ولا نتخذ شيئاً من السلاح ولا نحمله معنا ولا ننقش خواتيمنا بالعربية ولا نبيع الخمور وان نجز مقاديم روؤسنا وان نلزم زينا حيث كنا وان نشد الزنانير على اوساطنا والا نظهر الصليب في كنائسنا ولا نظهر حلينا ولا كتبنا في شئ من طرق المسلمين ولا اسواقهم ولا نضرب نواقيسنا في كنائسنا الا ضرباً خفيفاً والا نرفع اصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شئ من حضرة المسلمين ولا نرسل شعانين ولا بعوثا ولا نرفع اصواتنا مع موتانا ولا نظهر النيران معهم في شئ من طرق المسلمين ولا اسواقهم ولا نجاورهم بموتانا ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهم من سهام المسلمين وان نرشد المسلمين ولا نطلع عليهم في منازلهم" قال : فلما أتيت عمر بالكتاب زاد فيه "ولا نضرب أحداً من المسلمين شرطنا لكم ذلك على انفسنا وأهل ملتنا وقبلنا عليه الامان فان نحن خالفنا في شئ مما شرطناه لكم ووظفنا انفسنا ، فلا ذمة لنا ، وقد حل لكم منا ما يحل من اهل المعاندة والشقاق" ) !![12]

    فاذا كان هذا ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأهل الكتاب فهل يتصور عاقل ان الشريعة تحوي حقوقاً أكثر ضن بها عمر على أصحابها؟!

    إن د. غازي ورفاقه من دعاة تطبيق الشريعة أمام احدى خطتين: اما ان يقولوا ان عمر قد اتى بهذه المعاهدة من نفسه ، وفارق بها سماحة الشريعة ، وظلم بها غير المسلمين ، واننا سوف لن نطبق مثلها أبداً .. ومثل هذا الزعم لا ينهض الا بايراد نصوص الشريعة ، التي خالفها عمر حين فعل ما فعل !! أو يقولوا انما طبقه عمر هو الشريعة ، ولكنه لا يناسب وقتنا ، ولعلنا لو نظرنا الى جوهر الاسلام ، لوجدنا الدعوة للمعاملة بالحسنى .. وهذا حق ، ولكن الدعوة للمساواة والعدل والسلام ، وقعت في القرآن المنسوخ ، فاذا اردنا تطبيقها لابد من بعثه من جديد ، وهذا هو تطوير التشريع ، الذي قلنا ان الاستاذ محمود محمد طه فصله في كتبه منذ الستينات !!



    كلمة حق ولا اقولها بقولك !!

    قالوا ان ابليس طلع للسيد المسيح ، وهو على جبل الزيتون ، فقال: يا عيسى قل لا اله الا الله !! وكان يرمي بذلك ان يورطه ، فان قالها اطاع ابليس ، وان أبى رفض كلمة التوحيد ، فاسعف العلم السيد المسيح فقال: كلمة حق ولا اقولها بقولك !!

    فقد قدم د. غازي نقداً مطولاً للعلمانية ، وضرب أمثلة عديدة ، ولكنها ليست جديدة ، على ان العلمانية تقوم على البطش والقمع بل العنصرية ، كما هو معروف في الفاشية والنازية ، وهو يرمي بكل هذا ليقول بانه ما دامت العلمانية مليئة بالسلبيات ، فان البديل عن ذلك هو قوانين الشريعة التي يدعو لها!! ونحن اذ نتفق معه على قصور العلمانية ، لا نقول بقوله ، لاننا نملك البديل عن العلمانية ، وعن قصور قوانين الشريعة ، ونستطيع ان نضع كل في موضعه .. ومع ذلك ان حجته واهية وذلك للاسباب التالية :

    1- اذا كان فشل العلمانية في بلاد أخرى ، يكفي لعدم التفكير في تطبيقها في السودان ، فان فشل تطبيق الشريعة في ايران وباكستان ، والسودان على عهد نميري ، وتحت حكومة الانقاذ الحالية ، كان من المفترض ان يمنع د. غازي من طرحها مرة اخرى .

    2- هناك تجارب لحكومات علمانية مستقرة ، ومتقدمة ، مثل سويسرا واليابان ودول اسكندنيفيا وكوريا وغيرها .. فاذا كانت التجارب العلمانية الناجحة ، لا تكفي ولا تنهض بالضرورة دليلاً على صلاحية النظم العلمانية للسودان ، لعدة اسباب ، فلماذا تنهض التجارب الفاشلة ، دليلاً على ان العلمانية بالضرورة ستفشل في السودان؟

    3- ان دعاة فصل الدين عن الدولة في السودان ، لم يتحدثوا عن العلمانية بصورة مبهمة ، قد تجعلها مثل الفاشية والنازية ، وانما ربطوا العلمانية التي يريدونها بالتعددية والديمقراطية واحترام التنوع الثقافي.

    4- النظام العلماني لو فشل في السودان، فان فشله لا ينسب للدين ، وتسهل بذلك مقاومته ، بخلاف النظام الديني الذي يصنف المعارضين له والمنددين بفشله ، على اساس انهم مخالفين لأمر الله !! وهو لذلك يستغل العقوبات الشديدة ، لاسكات صوت المعارضة ، مع تضليل البسطاء بانه إنما يدافع عن قضيتهم !!

    5- في تجربتنا السودانية ، فان الحكومات العسكرية والمدنية العلمانية ، كانت افضل حالا من تجارب تطبيق الشريعة في عهد نميري ، وفي حكم الجبهة الحالي ، وهذا في حد ذاته مبرر كاف لرفض القوانين المتلبسة باللبوس الاسلامي .

    6- ان الدعوة للعلمانية ، جاءت اصلاً كنتيجة مباشرة لاستغلال رجال الدين للدين في اوربا ، فقد رفلوا في الحرير ، وباعوا للفقراء صكوك الغفران !! وتواطؤا مع السلطة الزمنية وجمعوا الثروة ثم طالبوا المعدمين بالصبر على فقرهم وانتظار النعيم في الجنة وهكذا استغلوا العقيدة الدينية لتخدير الشعوب وصرفها عن النضال من اجل تغيير الواقع .. ومن هنا قال ماركس- قولته المشهورة- "الدين هو أفيون الشعوب"!! وهي قولة لا تنطبق على الدين ، ولكنها تنطبق على رجال الدين !! وهي تنطبق بصورة خاصة على شبان الجبهة الاسلامية ، وشيوخها، الذين جمعوا الثروة والسلطة في ايديهم وتركوا الشعب يرزح تحت وطأة الفقر والمجاعة، مما اثر على اخلاق النساء والرجال .. ثم هم بعد كل ذلك، يمنون الجياع بالخير على يد قوانينهم الاسلامية المزعومة ، التي حين طبقت من قبل ، وهللوا لها واخرجوا في تاييدها "المسيرة المليونية" على عهد نميري ، لم ينل الجياع منها غير قطع ايديهم ، وحر ظهورهم بالسياط !!

    ان خلل العلمانية ، انما يجئ من انها بشقيها الغربي الراسمالي ، والشرقي الشيوعي ، تقوم على أديم مادي يهدر قيمة الانسان ، ويرفع من قيمة الحطام .. فهذان النظامان وجهان لعملة واحدة هي المادية .. فحتى يوفر المادة لقطاع كبير من الناس ، أهدر النظام الشيوعي في تجربة الاتحاد السوفيتي ، حرية الفرد ومارس الدكتاتورية وسماها زوراً ديمقراطية !! وباسم حرية الفرد في جمع الثروة ، اهدر النظام الراسمالي في تجربة الولايات المتحدة الامريكية ، حقوق الفقراء في العيش الكريم ، وملك قوتهم ، وحياتهم ، لافراد يملكون الشركات، ويشترون النواب ، ويوجهون اللعبة الديمقراطية لخدمة مصالحهم الشخصية .. وتصبح الديمقراطية شعارات فارغة ، يمكن ان يتم الاعتداء باسمها على الشعوب ، وتحتل اراضيهم ، وتنهب ثرواتهم ، تحت سمع وبصر العالم!!

    والسبب في فشل المادية بشقيها، هو قطع الصلة بالله .. وليس الغرب المسيحي في ذلك ، بافضل من الشرق الشيوعي .. وقطع الصلة بالله واقامة الحياة بمعزل عنه ، اضاع فرصة التربية التي تؤدي الى الحرية .. فالانسان لا يصبح حراً الا اذا تحرر من الخوف ، وليس في الراسمالية أو الشيوعية منهاج يحرر الانسان من الخوف !!

    ان الاسلام ، وليس الشريعة ، هو الفكرة الوحيدة القادرة على جمع ايجابية النظامين ، ونبذ سلبيتهما .. ففى مستوى الاصول ، يجمع الاسلام بين الاشتراكية والديمقراطية ، في جهاز حكومي واحد ، ثم هو يوفر بمنهاج التوحيد ، فرصة للتخلص من الخوف ، وتحقيق السلام في داخل النفس البشرية ، وفي المجتمع ..

    ولكن الاسلام ، في هذا المستوى الرفيع لم يطبق ، بل لم يشرح بالقدر الكافي ، لهذا الشعب ، ولغيره من الشعوب .. لهذا فان من حق الناس ان يرفضوا تطبيق الشريعة ، بناء على تجاربهم المريرة السابقة ، وينادوا بفصل الدين عن الدولة .. وعلى الحكومة الانتقالية ، ان تفصل الدين عن الدولة تماماً ، ثم يكون من أهم مهامها ، ان تفتح المنابر الحرة ، وتسخر لها الاعلام ، وتقوم بتنظيم وادارة الحوار ، حول الاسلام وفهمه ، والعلمانية والديمقراطية ، وغيرها.. حتى تتم توعية الشعب ، قبل ان يحمل على التصويت بالتضليل ، فتأتي الطائفية بالاغلبية الميكانيكية مرة أخرى ، ثم تعجز وتفشل لغياب فلسفة الحكم ، فينقلب عليها العساكر مرة أخرى ، ويتكرر المسلسل من جديد !!



    هذه المراوغة لا تبقي ديناً ولا تذر

    يقول د. غازي العتباني (وعندما ثارت الثائرة على اعلان القاهرة اصدر الزعيمان بيانات تفيد بان تفسيرهما لتعبير العاصمة القومية الذي ورد في البيان لا يرمي الى التنازل عن الشريعة فيها . ومن حقهما علينا كمسلمين ان نصدّق هذا التفسير ونحن ندرك مقدار الضريبة التي يتحملها أي سياسي سوداني اذا قال بغير ذلك) !![13]

    لقد فهم د. غازي من اعلان القاهرة ، ما فهمه الوعاظ والعلماء والجماعات الاسلامية ، التي ثارت ضد الاعلان، باعتبار انه يعني ان لا تحكم العاصمة بالشريعة ، رغم انها في الشمال بسبب قوميتها . وكان هذا هو فهم د. جون قرنق ، فبدلاً من الاشادة بصدق قرنق ، وثباته على موقفه ، انتهز د. غازي فرصة الاحاديث التي يمكن ان يفهم منها ، ادعاء ان الاعلان لا يعني عدم تطبيق الشريعة في العاصمة ، خاصة تصريحات السيد الصادق المبهمة ، بغرض التنصل عن كل اتفاق ، ليضيف الزعيمين الى صف الجماعة المسلمة ، ويعزل د. قرنق عن الشعب السوداني !! وربما كان مثل هذا الالتواء "شطارة" سياسية ، ولكنه لا علاقة له بالصدق ، الذي يقتضيه الدين وهو ما يفتقر اليه د. غازي وجماعته بصورة مؤسفة ..

    وهو يخبرنا بانه يصدق الزعيمين لانهما مسلمين ، وكأنه يشير بذلك الى انه لن يصدق د. قرنق لانه غير مسلم !! ثم يحدثنا ان فهمه للاسلام يقوم على المساواة بين المسلمين وغير المسلمين !! فكيف سيمارس هذه المساواة من يفترض في المسلم الصدق وفي غير المسلم الكذب؟ ثم ألم يكن د. قرنق هو الصادق ، وان من اراد التشكيك في ان اعلان القاهرة يعني عدم تطبيق الشريعة في العاصمة ، هو الكاذب ، ولو كان مسلماً واسمه الصادق المهدي؟!

    يقول د. غازي (الصورة الاولى يرسمها التصريح الذي ورد في بعض الصحف السودانية قبل فترة وجيزة لاحد اعضاء وفد الحركة الشعبية للمفاوضات حينما قال بانهم لا يقبلون تطبيق الشريعة لانهم لن يسمحوا لاحد ان يدخلهم الاسلام بالقوة . الزعم الذي يستنتج من التصريح هو ان الشريعة ترغم الناس على اعتناق الاسلام . وصاحب هذا الكلام اختصاصي في العرض المبتذل للاسلام لانه حسب روايته التي يكررها دائماً اكره على الاسلام عندما كان يافعاً حتى اهتدى الى تركه عند الرشد والعقل وزالت عنه اسباب الاكراه ... ولو صحت روايته من انه مسلم سابق لكان حرياً به ان يعلم من مبادئ الاسلام ان الله تعالى من حلمه بعد اتمام نعمائه على عباده ترك لهم الخيار المطلق بين الايمان والكفر فقال لهم "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر")!![14]

    فهل حقاً يعتقد د. غازي ان الله قد ترك لعباده الخيار بين الايمان والكفر؟! فاذا كان يعتقد ذلك فلماذا حدثنا عن توبة من ترك الايمان وانها هي وحدها التي تعفيه من العقوبة ؟! أسمعه يقول (فحتى لو بدأ المرء حياته أو الجماعات كسبها على مبادئ الشموليه الدكتاتورية القمعية لا بأس ان تعلن توبتها وانابتها الى افياء الحرية والتعددية والشورى والديمقراطية. هذا جائز ومقبول حتى من الكافر عندما يثوب الى الايمان فالتوبة تجب ما قبلها والتائب لا يؤاخذ بماضيه )[15]!!

    فاذا كانت الشريعة تعطي الانسان حق الكفر ، فلماذا كانت هناك توبة أصلاً للكافر؟ ولماذا هللت الجماعات الاسلامية ، وفي مقدمتهم قادة الجبهة الاسلامية ، لتكفير الاستاذ محمود محمد طه ؟ بل لماذا يصمت د. غازي وحكومته عن جماعات التكفير ، التي تهدر دماء المواطنين ، وتلوح بالأموال ثمناً لقطع رؤوسهم؟

    ان الشريعة ارغمت الناس على الاسلام بالقوة ، في معنى ما أعلنت الجهاد ، وجعلت سببه الكفر.. وهي أيضاً تبقي المسلم داخل حظيرة الاسلام بالقوة ، وهذا هو معنى الحديث الكريم "من بدل دينه فاقتلوه" أو "لا يحل دم أمرئ مسلم الا باحدى ثلاث: كفر بعد أيمان وزنى بعد إحصان وقتل نفس بغير نفس" !! وهذا هو السبب في ظهور ظاهرة المنافقين ، وهم قوم اظهروا الايمان وابطنوا الكفر خوف السيف .. ولأن السيف لم يرفع في مكة ، لم يكن بها منافقين ، ولم تنزل السور التي تتحدث عنهم في القرآن المكي .. ولو كانت الشريعة لا تكره الناس على الاسلام ، لما قام حكم الردّة ، والذي ضمنته حكومة الجبهة في دستور 1998 الذي يفخر به د. غازي في هذا المقال!!

    وقصة الأخ الجنوبي ، بانه أرغم على الاسلام ، والتي شكك فيها د. غازي بالسخرية ، والتهكم الذي يبلغ حد البلاهه ، يصدقها الواقع . وقد نشرت مثلها منظمات حقوق الانسان ، وجاءت في تقرير المنظمة السودانية لحقوق الانسان ، والتي سافر ممثلون منها الى جنوب السودان ، وشهدوا تحرير مواطنين ، استرقتهم قوات الدفاع الشعبي تحت سمع وبصر الحكومة .. ولقد شهدت بعض هؤلاء المواطنات السودانيات ، باجبارهن على الاسلام ، وختانهن ، ومضاجعتهن بلا زواج شرعي ، باعتبارهن مما ملكت ايمان المجاهدين المسلمين ، الذين سلحتهم حكومة د.غازي ووجهتهم ليقوموا بهذا العمل البشع !!

    أما آية "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" فانها فعلاً تعطي حق الكفر ، وتحقق المساواة ، ويجب ان يقوم على اساسها الدستور .. ولكن د. غازي لا يستطيع ان يحتج بها ، لانها مثلها ومثل العهود مع الكافرين ، والدعوة بالتي هي احسن ، نسخت جميعاً بآية السيف ، والدعوة اليها تقتضي بعث القرآن المنسوخ، وباحكامه تنسخ الشريعة ، وتحكم أصول القرآن ، وهذا هو تطوير التشريع ، وهو ما لا يقوى د. غازي واضرابه على فهمه ولا يطيقون قبوله ، مع انه الخلاص الوحيد ، لامثالهم ، من هذا التناقض المزري !!

    ومن أمثلة التناقض قول د. غازي ( لقد رأينا كيف ان السيد المسيح وفق ما بين حق المسيحي في التعبد على عقيدته ومنهجه وبين طاعة الحاكم ولو كان وثنياً مشركاً ما ضمن به الحاكم ذلك الحق. اذا صح هذا الموقف المسيحي تجاه الحاكم الوثني المشرك فلماذا يتخوف المسيحي من الحاكم المسلم)!![16] الا يوهم هذا القول القارئ بان د. غازي يرى ان موقف السيد المسيح عليه السلام ، موقفاً ايجابياً ، وهو لذلك يحث المسيحيين على الاقتداء به ، ومن ثم القبول بالحاكم المسلم ؟! ولكن د. غازي كان قد ابدى قبل سطور، إعجابه بالاسلام لشموله كافة مناحي الحياة .. فقال (الشمول في الدين الاسلامي الذي يرى ان الحياة كلها عبادة وان عروة الحكم وعروة الصلاة وما بينها كلها من الدين) وهذا هو المفهوم الاصح في رأيه ، فلماذا يريد ان يوهم المسيحيين بانه معجب بمنهجهم ؟!

    ومهما يكن من أمر ، فان المسيحيين حين طالبوا بان يكون الدين قضية شخصية ، لا علاقة لها بالحكومة ، على قاعدة "ما لقيصر لقيصر وما لله لله" أو قاعدة "الدين لله والوطن للجميع" انما كانوا ينفذون وصية المسيح والتي لا يحترمها د. غازي لانها تخالف منهج الاسلام الذي اشاد به!!

    ويرى د. غازي ان مشكلة الأخوة المسيحيين ، مع قوانين الشريعة ، هي فقط ان الشريعة قد حرمت الخمر!! وهو بهذا يعرّض بهم ، ويعتبرهم مجرد سكارى ، يدافعون عن الشرب .. فيقول (اذا قيل ان هناك تبايناً في قواعد السلوك فهذا امر نعلم انه محدود يمكن معالجته . نعلم ان المسيحيين المعاصرين يؤمنون بحل الخمر . والشريعة لا تمنعهم ذلك ولا تنكره بل تعده حقاً مشروعاً لهم فلا تمنعهم شربها وتملكها وتداولها لكنها تمنع المسلم فرداً كان او صاحب سلطان من ان يهدرها واذا فعل اوجبت عليه التعويض . واذا قيل ان الممارسة الراهنة لا ترعى ذلك فهذا امر يمكن التحقق منه ومعالجته)!![17]

    فان صح ما قاله د. غازي ، فلماذا أيدوا نميري حين اهدرها ، ولم ينهوه عن ذلك ، بل شاركوه حين صبها في نهر النيل ؟! وفي حكم البشير الحالي ، الذي يمثل د. غازي أحد منظريه ، ألم تداهم الشرطة بيوت بائعات وبائعي الخمور ، فتجلدهم وتهدر خمورهم دون أي تعويض ، ودون ان تسألهم اذا كانوا مسلمين أم لا ؟! ولعل هذا ما أراد ان يعتذر عنه د. غازي بقوله (واذا قيل ان الممارسة الراهنة لا ترعى ذلك ...الخ) فلماذا لم ترع الممارسة ما اوجبت الشريعة رعايته ؟! أليس هذا هو التطبيق السيئ الذي انكره د. غازي؟! واذا كان د. غازي لم يتحقق من هذا الامر حتى الآن ، ومن ثم لم يعالجه ، وانما يعد بذلك في المستقبل ، أليس من حقنا ان نعتبره على احسن الاحوال ، غير مهتم وغير جاد ، وانه ربما زعم ما زعم ، من باب المتاجرة بالشعارات الدينية والسياسية؟!

    ويحدثنا د. غازي عن اضطراب الاقوال والتبريرات ، بعد اعلان القاهرة .. فيحكي لنا ان احد المقربين من احد الزعماء ، قال له "كل هذا حدث بسبب تطبيقكم السيئ للشريعة والاسلام" فكان رد د. غازي ان هذا الشخص يخطئ مرتين مرة حين اختلف مع زعيمه ، الذي نفى ان يكون اعلان القاهرة تنازل عن الشريعة (ثم يخطئ مرة ثانية عندما يجعل التطبيق السيئ للشريعة على افتراض انه صحيح مسوغاً مشروعاً للتخلي عنها . فالتمادي في هذا المنطق سيجيز للمرء ان يترك ملة الاسلام مرة واحدة بسبب ان بعض المسلمين اشرار) !![18]

    ولو كان د. غازي صادقاً ، وغير مراوغ ، لما تجاوز جوهر القضية ، و هي التطبيق السيئ بقوله (على افتراض انه صحيح ) فهو اما ان يكون صحيحاً او لا . فاذا كان يرى ان التطبيق لم يكن سيئاً، كما قال له ذلك الشخص ، فكان الاولى ان يدافع عن التطبيق ، وعن كل ما فعلته حكومة الانقاذ وحتى عن قوانين سبتمبر باعتبارهم قد ايدوها من قبل !! فلماذا لم يفعل ذلك ؟ ألأنه لا يملك حجة يدفع بها ؟ اما كان اولى ان يقر بان التطبيق قد كان سيئاً بدلاً من التظاهر بانه افترض ذلك جدلاً ؟ واذا كان التطبيق سيئاً كما قال ذلك الرجل ، الا ينبغي على الاقل ان توقف اي محاولة تطبيق اخرى ، حتى يطرح لنا دعاة التطبيق المفهوم الذي سيتجاوزون به اخطاءهم السابقة ، قبل الشروع في تطبيق جديد ؟!



    مستشار السلام متعصب وعنصري !!

    ومما يدل على مبلغ ماينطوي عليه د. غازي من التعصب ، والحقد على غير المسلمين ، قوله عن اتفاق المؤتمر الشعبي الذي يقوده د. الترابي والحركة الشعبية التي يقودها د. قرنق حول قومية العاصمة (اول شئ من ذلك هو النظرة الحقيقية التي ترى بها الحركة الشعبية المؤتمر الشعبي. فرغم يقيني بان بعض قيادات المؤتمر الشعبي ينظرون الى تلك العلاقة نظرة استراتيجية بكل تبعاتها لكنني اعلم كذلك بالمقابل ان العلاقة بالنسبة للحركة الشعبية لا تعدو كونها صفقة تجارية أخرى تختطف ولا يهم شخص البائع أو صفاته تماماً كما تبتاع سيارة أو بيتاً ولا يهمك شكل البائع أو ميوله أو خلقه . وهذا ان جاز في عالم التجارة اليومية فانه لا يجوز حينما يتعلق الامر بدنيا السياسة خاصة عندما تزدحم بالدعاوى الاخلاقية العريضة )[19]

    إن السؤال الذي يواجه د. غازي هو: ما الذي يجعل الاتفاق من وجهة نظر المؤتمر الشعبي إستراتيجياً ويجعله من وجهه نظر الحركة الشعبية مجرد صفقة تجارية خالية من الأخلاق ؟! ألان د. غازي أقرب الى جماعة الترابي ويثق فيهم لأنهم مسلمين وكانوا رفاقه في تنظيم الجبهة؟! وما دامت الحركة الشعبية لا مبادئ لها ولا اخلاق فلماذا اتفق معها على القدر الذي تم في مختلف المحادثات؟!

    ورغم ان د. غازي العتباني هو مستشار السلام وهو الذي يقود التفاوض ويسعى للمصالحة مع د. قرنق الا انه لا يرى في قرنق الا عدواً للمسلمين فيقول (خلو زعيم الحركة من مشاعر الغضب أو الدهشة ناشئ من ان نظرته للاعلان أصلاً لم تتجاوز الانتهازية السياسية طلباً لتسجيل نقطة على الحكومة واحراجها في المفاوضات واحداث مزيد من الانقسام في الصف الاسلامي)[20] !! فما هو هذا الصف الاسلامي؟! الا يعني د. غازي به الحكومة والجماعات الاسلامية التي نددت باعلان القاهرة والزعيمين الذين وقعا الاعلان ثم المؤتمر الشعبي الذي وقع الاتفاق بعد ذلك ؟ وهل قرنق هو الذي قسّم هذا الصف ام "تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى" ؟!

    يقول د. غازي (الشئ الثاني الذي أود اجتيازه سريعاً هو تلك الشهادة الطريفة من السيد نيال دينق الموقع الاتفاق نيابة عن الحركة الشعبية على ان الحكومة تقدم نموذجاً سيئاً للاسلام الحقيقي العظيم وانها ستسبب في تقسيم السودان بعد ان تسببت في تقسييم الحركة الاسلامية . ووجه الطرافة لا يخفى لان موقع السيد نيال دينق ليس خارج الملة الاسلامية فحسب كما انه لم يكن ابداً عضواً في الحركة الاسلامية لكنه فوق هذا وذاك لم ترصد له أو للحركة التي ينتمي اليها أي اقوال سابقة تشير بأي عاطفة تجاه الاسلام أو الحركة الاسلامية) !![21]

    فهل من الضروري ان يكون نيال دينق مسلم ، أو عضو سابق في الحركة الاسلامية ، حتى ينقدها ويبرئ الاسلام من سوءآتها ؟! وحين اباح د. غازي لنفسه نقد تنظيم الحركة الشعبية فقال (وتنظيم الحركة لا يزال عسكرياً العلاقات قيه تراتيبية رأسية صارمة وهي تعاني من مشكلات حقيقية مع تنظيمات المجتمع المدني التي بدأت تطل برأسها خاصة من مثقفي بحر الغزال ونهج زعيم الحركة لا يختلف كثيراً عن النماذج البائسة السائدة في الساحة الافريقية من تقريب اصحاب الحظوة المطيعين ...)[22] هل يرد عليه بانه لم يكن يوماً عضواً في الحركة الشعبية، ولا هو من مثقفي بحر الغزال ، ولذلك فان نقده هذا لا يخلو من طرافة ؟! أم انه يجوز له ما لا يجوز لنيال دينق لانه مسلم وعربي ، ونيال مسيحي وأفريقي ؟! ألم يصف الافارقة بالنماذج البائسة ونسى بؤس نماذج العرب ؟!



    الشريعة تتعارض مع الوحدة الوطنية !!

    يقول د. غازي (الموضوع الثاني هو المطالبة بالعاصمة القومية واعتماد الاجماع الوطني قاعدة التشريع . بالنسبة للعاصمة القومية فقد سبق القول فيها وخلاصته ان الحكومة لا تدعو الى قومية العاصمة بل انها تدعو لأن تكون كل مدينة في السودان قومية ولا ترى منطقاً ولا رشداً او عدلاً في ان تكون العاصمة قومية بينما تظل بقية مدن السودان غير قومية . ان اختصاص العاصمة بالدعوة الى القومية لان بها مسيحيين يتضمن معنى انه لا بأس من هضم حقوق المسيحيين في غير العاصمة )[23]

    وما قال د. غازي هنا حق ، وهو ان السودان كله يجب ان يكون قومياً ، ولذلك يجب ان يخلو من اي قوانين تقوم على اساس العرق ، أو الدين ، وهذا بطبيعة الحال يجب- خلافاً ما يرى د. غازي- ان يشمل حتى الشريعة الاسلامية !! على ان الموقعين على اعلان القاهرة ، حرصاً منهم على الاتفاق ، وما ينتج عنه من سلام ، تنازلوا عن حقوق الاقليات ، التي ستهضم في المدن الشمالية الاخرى ، لقلة عدد هؤلاء .. ولم يستطيعوا اغفال شأن الاعداد الكبيرة التي تسكن العاصمة ، ولذلك اصروا على قومية العاصمة ..

    والحق ان هضم حق مواطن واحد ، يجب الا يقبل مهما كانت المبررات والاعذار .. ولهذا فاني ارى ضرورة عدم تطبيق قوانين الشريعة ، في اي بقعة من بقاع الارض ، اليوم ، دع عنك السودان !! غير ان د. غازي يرى ان سبب عدم استثناء العاصمة ، هو انه لا يوجد ما يستوجب ذلك ، لان القوانين التي تقوم على الشريعة لن تهضم حقوق غير المسلمين ، وهو فهم اوضحنا خطله ، بما يغني عن التكرار.. وقول د. غازي (الفارق الاساسي بين الحكومة ومعارضيها في هذه القضية هو ان الحكومة تؤمن بكل صدق ان الاسلام والشريعة لا يتعارضان مع الوحدة الوطنية ولا مع حقوق غير المسلمين) !! وتجدر الاشارة الى ان الاسلام ، بالفعل لا يتعارض مع حقوق غير المسلمين، ولكن الشريعة تتعارض وهي بذلك تهدد الوحدة الوطنية ، وهي تتعارض ايضاً مع الديمقراطية وحقوق الانسان !!

    يقول د. غازي (أما المطالبة بان يكون الاجماع الوطني وحده قاعدة التشريع فانه يثير مشكلات اكثر مما يطرح حلولاً . فالاجماع الوطني وحده في السياسة لن يكون اقل خلافية من جعل الاجماع الاصل الوحيد في اصول الفقه دون تقديم الكتاب والسنة .... هذا من الناحية النظرية . أما من الناحية العملية فنفس السؤال الذي اثاره علماء الاصول يثور هنا وهو من الذين ينعقد بهم الاجماع ؟ وكيف؟ قد يجيب مجيب بانه جمهور المواطنين المستحقين للتصويت في استفتاء عام . وقد يجيب آخر بانهم القوى السياسية وقد يجيب ثالث بانهم اعضاء مجلس التشريع الاعلى الممثل للولايات والادنى الممثل للدوائر المباشرة . ولا تخفى التعقيدات العملية لكل اجابة . ويجب الاعتراف بان النتيجة العملية لاعمال هذه القاعدة ستكون بلاشك اسقاط الشريعة . وهذه هي الاسباب ذاتها التي جعلت واضعي الدستور الحالي دستور 1998 وفي مقدمتهم كما هو معلوم دكتور الترابي زعيم المؤتمر الشعبي ورئيس البرلمان السابق الذي اجاز الدستور الحالي يؤخرون الاجماع عن الشريعة التي هي مرجع المسلمين والعرف الذي هو مرجع المسلمين وغير المسلمين ليتقيد الاجماع بهما كليهما) !!

    ان د. غازي يعترف هنا ، جهاراً ، بان احكام رأي الاغلبية سيؤدي الى اسقاط الشريعة!! فهم اذن يتحاشون اجماع الشعب ، ليفرضوا الشريعة عليه رغم انها راي الاقلية !! ثم لا يستحون بعد كل هذا ، ان يحدثوننا عن الديمقراطية ، والعدالة والمساواة !! وهل يدعم موقف د. غازي ان د. الترابي وهو استاذه السابق ، يوافق بل ويخطط ، لتنفيذ هذا الاجراء الدكتاتوري ، خاصة اذا علمنا ان دستور 1998 لم تجزه حكومة منتخبة انتخاباً حراً وانما حكومة عسكرية قامت بانقلاب واغتصبت السلطة !! فاذا وضعت مثل هذه الحكومة دستور ، هل يمكن ان يكون ديمقراطياً ؟! أكثر من ذلك !! هل يمكن ان تسرق السلطة ، ثم يكون حكمك متفق مع الشريعة الاسلامية ؟!

    ان الشريعة لا تخضع للأغلبية ، لانها ليست نظاماً ديمقراطياً .. وهي لهذا السبب ، لا تحوي دستور . ذلك ان الدستور هو القانون الاساسي ، الذي يحفظ حق الحياة وحق الحرية .. والشريعة كما اوضحنا، لا تحفظ حق الحياة للكافر ، الا ان يتوب .. ولا تحفظ حق الحرية ، ما دامت تأمر بالجهاد وتسترق الاسرى !! وحين لم تتوفر الشريعة على الدستور ، فان الاسلام في اصوله ، يحوي ذلك ببعثه القران المنسوخ ، والذي يلقى بموجبه الجهاد وكافة تبعاته ، ويتساوى فيه المسلم وغير المسلم ..

    لقد اورد د. غازي بنود اتفاقية مشاكوس ، وهي بنود لا يمكن الالتزام بها في ظل نظام يقوم على الشريعة الاسلامية ، فمجرد البند الذي يقول (حرية العقيدة والضمير والعبادة لصاحب اي دين أو عقيدة والا يميز ضده على اساس عقيدته اعتبار الأهلية للمناصب العامة بما في ذلك رئاسة الدولة والتمتع بكل الحقوق والواجبات مؤسسة على المواطنة وليس على الدين أو الاعتقاد أو الاعراف) ، لا يمكن ان يطبق في ظل دولة ، تزعم بانها تطبق الشريعة الاسلامية .. فالشريعة لا تسمح بان يكون الكافر رئيساً للدولة المسلمة ، بل لا تسمح بان تكون المرأة المسلمة ، نفسها ، رئيساً اذ ان الشريعة جاءت ب "لا يفلح قوماً ولوا أمرهم إمراة " !!

    فاذا كانت حكومة الانقاذ جادة في السلام ، ولا تريد ان تستمر في افشاله بهذه الصورة المتكررة ، فيجب الا ترفع دعاوى الشريعة .. ولتبدأ أولاً بمعاقبة الجماعات المتطرفة التي تكفر المواطنين ، وتهدد حقهم في الحياة والتعبير.. لتثبت بذلك ان لديها فهماً ، يختلف من جماعات الهوس الديني ، ولتكن هذه مسؤولية د. غازي ما دام هو مستشار السلام ، فان عجز عنها ، فان قوله (ولكي يطمئن الناس بشتى طوائفهم واديانهم اود ان اؤكد ان المفهوم الذي تلتزم به الحكومة هو انها تفاوض عن السودانيين كافة المسلم والمسيحي والبر والفاجر . وان الاتفاق النهائي ينبغي ان يحقق العدل والمساواة والحرية لجميع السودانيين لأن في هذا الخلاص الحقيقي) يصبح من ضمن الهراء ، والتضليل ، الذي مردت عليه هذه الجماعة المفتونة ، المخادعة ، منذ ان كانت تسمى جبهة الميثاق الاسلامي ، وحتى اصبحت المؤتمر الوطني !!



    د. عمر القراي



    ------------------------------------------------

    [1] - غازي صلاح الدين : عبقرية الاخفاق في معالجة فضية الشريعة . الصحافة 5 يوليو 2003
    [2] - المصدر السابق .
    [3] - المنجد في اللغة ص 382
    [4] - المصدر السابق ص 383
    [5] - غازي صلاح الدين : عبقرية الاخفاق في معالجة فضية الشريعة . الصحافة 5 يوليو 2003
    [6] - المصدر السابق .
    [7] - تفسير ابن كثير الجزء الثاني ص317 -318
    [8] - تفسير ابن كثير –الجزء الثاني ص 132
    [9] - المصدر السابق .
    [10] - راجع موطأ الامام مالك باب الرقيق .
    [11] - عمر القراي : حول مقالات د. عبدالله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوانيننهم – سودانايل مايو 2003
    [12] - تفسير ابن كثير –الجزء الثاني ص 132
    [13] -- غازي صلاح الدين : عبقرية الاخفاق في معالجة فضية الشريعة . الصحافة 5 يوليو 2003
    [14] - المصدر السابق.
    [15] _المصدر السابق
    [16] -المصدر السابق
    [17] -المصدر السابق
    [18] - المصدر السابق.
    [19] - المصدر السابق
    [20] - المصدر السابق.
    [21] - المصدر السابق
    [22] - المصدر السابق
    [23] - المصدر السابق
                  

العنوان الكاتب Date
.......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-04-06, 01:25 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي أبوبكر حسن خليفة حسن07-04-06, 02:56 PM
    Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-05-06, 02:57 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-05-06, 03:00 AM
    Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-05-06, 03:06 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-05-06, 03:12 AM
    Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-05-06, 03:28 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-07-06, 08:54 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي Amjad ibrahim07-07-06, 10:45 AM
    Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-08-06, 04:29 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-11-06, 00:56 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-12-06, 06:55 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-13-06, 02:11 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-14-06, 08:16 AM
    Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-15-06, 03:53 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-16-06, 03:51 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-17-06, 05:07 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-18-06, 01:50 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-19-06, 06:42 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-20-06, 01:55 AM
    Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي Haydar Badawi Sadig07-20-06, 04:27 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-21-06, 09:34 AM
    Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي Haydar Badawi Sadig07-21-06, 09:57 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin08-08-06, 04:25 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin10-30-06, 08:39 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin11-26-06, 10:05 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de