تناول الكتاب والإعلاميين والرياضيين والهواة وكل من اجتهد من الأطراف المعنية بالحدث إما بالنقد أو بالتحليل أو بالرفض لمجريات تلك المباراة أو النتائج المترتبة عليها . وكنت من الذين كتبوا عن تلك الأحداث برؤية ربما مختلفة أو من زاوية بعيدة عن الرياضة، وكان ذلك لجهلي المقدح بدروبها وضروبها ، فكان لي إن استعين بمن حولي ، أو بوسائل البحث الالكترونية للتحقق من معلومات كانت جديدة في قواميس الفكر الخاصة بي. وكان من الطبيعي أن أتابع بعض ما ينشر هنا وهناك ، ولكن كان لمن بي سابق معرفة بهم قدر اكبر ونصيب أوفر من المتابعة . ولأني مُكبل بالثقافة المصرية حيت الجوار، والتاريخ والجغرافيا والعرق النوبي الممتد في الأعماق فمنها نهلت الثقافة وفي ربوعها نلت المعرفة كان لي أن اجعل من الأحداث المؤسفة وسيلة للتحاور مع أشقائنا في شمال الوادي دون مواربة لأنقل من خلال كتابتي ما أزعجنا من تصرفات أفراد أو جماعات أو مؤسسات وبدون تجريح مقصود للمشاعر. ومن ذات الزاوية لي أن أحاور الأستاذ حسين حسن حسين الإعلامي الأكاديمي المؤهل من خلال ما كتبه حول الواقعة ذاتها وفي زمرة الغضب السوداني المنصب حول أشخاص ساهموا في تلك الإساءات التي بدرت عبر الفضائيات التي كانت لها نسبة عالية من المشاهدة، وطني أنها بعد تلكم الوقائع انحسرت وذهبت بعيدة عنها المحبة السودانية وفقدت المشاهد السوداني و بعض محبيهم والمتعاطفين معهم، وان القنوات ومحرريها بفعلتهم تلك فقدوا المصداقية في النقل والتعليق وسيصعب عليهم في الفترة المقبلة استعادة ثقة المشاهدين فيهم . ولتقارب ذاك الهوى الغير المعلن ولمعرفتي باهتمامات الأستاذ حسين الرياضة وعشقه للمستديرة لم استغرب الكيفية التي تناول بها المشاهد والمواقفـ وكل ذلك يؤكد مدى عشقه وحبه وإلمامه بقواعد اللعبة ومن منطلق عدم معرفتي بأبجديات كرة القدم أقول بان هنالك اعتقاد وسوف يشاركه الكثيرون فيه، فالرياضة بصفة عامة وكرة القدم بصفة خاصة لها أن تنزع فتيل العداوة والانفجار بين الشعوب. وهنالك أمثلة كثيرة نسمع عنها، وحفظت اغلبها عن ظهر قلب لكثرة استشهاد معارفي بها عند مجادلتي لهم، أو عند مجالستي لإخوة وزملاء لهم اهتمامات كروية مماثلة . لأني اعتقد بان المحبين دوما تختلف زوايا الروية لديهم ، ويختار كل محب الزاوية والإبعاد والأدوات الموصلة إلى الأهداف وفق معطيات خاصة بهم فكثيرا ما يعتمد المحب والعاشق والولهان للوصول إلى كل ما هو جميل وفق منظوره. اما أمثالي الذين لا علاقة لهم بتلك الفرضيات ويجهلون أبجديات كرة القدم لا يشغلهم دوما تلك التابلوهات الجمالية المرسومة في أذهان العشاق بفعل مؤثرات مصاحبة للساحرة او المستديرة كما يسمونها . فبقدر ما أشاهده من شغب جماهيري وهرجلة وازدحام في شوارع وطرقات المدن، وخسائر طائلة قد تحدث إلى جانب إصابات في الأجساد والممتلكات. ومعارك كلامية قبل وبعد المباريات والتي تشغل حيزا كبيرا في وسائل الإعلام المكتوبة منها والمنشورة والمسموعة. وتشغل العامة والخاصة من القيام بإعمالها الموكولة اليها خير قيام وبدون تأثيرات خارجية أو تعصب يكون الأطراف الأخرى لا ذنب لهم سوى أن حظهم العاثر هو الذي جعل في طريقهم ذاك الذي انهزم فريقه أو منتخب دولته . كل تلك السلبيات التي يراها أمثالي . وربما هي ذاتها تكون مبعث المتعة والفرحة والتشوق لعشاقها والمنتفعين منها و العاملين عليها والمؤلفة قلوبهم . لان أن تلك الساحرة أصبحت تدر الملايين للمتكسبين منها وهم ينفقون بدورهم الملاين حولها لكي تتضاعف الأرباح والفوائد. والساحرة ذاتها وبفضل إنفاق المتكسبين ونفاق المتسكعين أصبحت هي الوسيلة والغاية وأطلق عليها من الأسماء والاستعارات البليغة والبليدة وبكل لغات العالم الحية منها والميتة مرادفات ، وكادت قواميس اللغات أن تنضب ولكنها لم تعجز من مجاراتها . اهتم بها الساسة وأولي الأمر قبل العامة وبها ومن خلالها كان خلق الأزمات المفتعلة .(ازمة من غير لازمة ) وأيضا مُد بها جسور التلاقي !! فحقا أنها هي الساحرة التي استطاعت أن تشغل الشعوب وتلهيهم عن أمور كثيرة . فمن الملاحظ أن العالم والوطن العربي كله كان منشغلا بوباء أنفلونزا الخنازير وظهور حالات مرضية هنا وهناك ومتابعة إعلامية لصيقة وإحصائيات بالإصابات والوفيات وسيل من التوجيهات والمحاذير وكيفية الحماية منها في ظروف حلولها مع مواسم متداخلة من أعياد ومناسبات مجدولة وغبر مجدولة وعودة للمدارس وموسم حج ..مع ندرة كانت معلنة في أمصال الوقاية والشكوك المصاحبة في جدواها . وكنا نتابع المشهد في مصر ومن (مصر أخت بلادي) والشقيقة الكبرى ، حاضنة العروبة، ومفرخة الهموم ، ومفرحة الشعوب، حاملة مفاتيح اللعبة، مالكة صمام الأمن والحماية و المتمكنة إعلاميا المالكة للخبرة والسطوة على تقنياتها ، والتي تقع داخل حدودها السياسية والجغرافية والإعلامية والأمنية مدينة الإعلام بكامل عتادها و تجهيزاتها وتقنياتها ، ومراكز واستوديوهات البث الفضائي لعدد من القنوات التجارية والحكومية والمملوكة للدول وبعض المنظمات الأنظمة القائمة والغائبة . سبحان الله بفضله ثم بفضل سكوت وسائل الإعلام المنساق كرها كان أم طوعا خلف منهجية متبعة للساسة أو المصالح والمنافع اتجهت الأنظار أو تحولت من وباء أنفلونزا الخنازير إلى المشهد الرياضي . وكأن كل تلك المخاطر والصورة المخيفة التي رسمت و أزعجت الإدارات وأولياء الأمور وعطلت المدارس وأجلت استئناف الدارسة إلى حين وقللت من حصص الدول في فرص الحج والعبادات. (كأنه شيء لم يكون) فوسائل الإعلام اتجهت صوب الرياضة والى أهداف غير معلنة، وكرست جهدها في تعبئة الجماهير، و شغلت الرأي العام بترهلاتها الفكرية وعلى مدى أسابيع سبقت واقعة 14 نوفمبر فكانت الأمة مشدودة تنتظر الانتصارات والفوز المبين . وبدأت حملة الأقاويل المنقولة والمعهودة للراوي والمنسوبة لمصادر منها الموثوقة ، والضعيفة ، والمستحسن ، والمسنود لشيخ الإعلاميين فلان أو الرياضيين فرتكان .. عقدت الندوات وتمت اللقاءات الفكرية والمنهجية والرياضية والإعلامية ، وجهزت الجهات ذات العلاقة والاختصاص في كل من مصر والجزائر جحافل المشجعين وأنفقوا الملايين في تامين وسائل التنقل والإعاشة والإقامة. وظهرت اهتمامات الدول المشاركة نحو الدولة المضيفة. وأيضا ظهرت بوادر التودد الشعبي والرسمي للشعب السوداني والكل يجتهد في استمالة المشجع السوداني لترجيح كفته . وفي الخفاء (الغير معلن) كان هنالك ترتيبات محاطة بالخشية والسرية التامة، خطط وتدريبات واستراتجيات. وبحكم الجيرة والتقارب وإمكانيات مصر الإعلامية المتاحة كان هنالك من يتابع مجريات الأمور بشغب المحبين العاشقين للساحرة المستديرة أو كمشجعين للفرق الرياضة أو محبين ومعجبين بمصر (في حد ذاتها) أو بالنظم السياسية القائمة فيها، أو كاريهن لها ولنظمها القائمة، فان في اختلاف المشارب والمذاهب نعمة . ولكن أيضا كان سواهم من أمثالي مرغمون على المتابعة لفراغ محيط كان السبب في تواجده وسائل الإعلام ذاتها التي تركت بقية المناحي الاجتماعية والثقافية فارغة وكثفت تواجدها في ساحات المعركة المرتقبة. والمتابع الحذق يجد أن مصر( الشعبية والرسمية ) ذهبت إلى اتهام النظام الجزائري بأنها أقدمت إلى تجنيد فئة من الغوغائيين وبعض الخارجين عن القانون لتفوجهم للسودان بمهام قتالية بغرض بث الرعب وارتكاب جنح (تعدت تهم البعض منهم إلى جنايات) . ربما يعتقد في صحة تلك الادعاءات المواطن المصري لما يتملكهم من حزن، ولكن المشاهد السوداني وبعد أن فقد في وسائل الإعلام المصرية المصداقية فأنهم سيتندرون في مجالسهم بتلك المبالغات والمغالطات وربما سيتسامرون بها كطرفة من الطرائف . اما الجهات المصرية ذات العلاقة والتي اهتمت بالواقعة حشدت لها كمٍا كبيرا من فئات الصفوة، والشخصيات العامة، وذوي الشهرة من الفنانين والأدباء والإعلاميين فتصادف في تلك التشكيلة وجود مثلث حاد الزوايا إضلاعه الثلاثة هم 1- الساسة واغلبهم كانوا من الحزب الحاكم وهم بطبيعتهم المهنية متمرسون 2- الفنانين والممثلين ولهم خبراتهم وإمكانياتهم في التشخيص والتمثيل 3- الأدباء والإعلاميين حاملي الأقلام ومالكي نوافذ التعبير ونقل الإفادات . فاذا توفرت كل تلك الإمكانيات والقدرات والكفاءات في( المكان والزمان ) كان من السهل أن تخرج الصورة أو (المسرحية كاملة الأركان) وبالكيفية التي تابعناها جميعا . عبر وسائل إعلامهم . ربما كان ذلك بدون ترتيبات مسبقة، ولكن كانت الأدوات والوسائل مكتملة ولا نشك مطلقا في إمكانياتهم وقدراتهم وخبراتهم الداعمة . واليوم هنالك تراجع مقبول وإحساس استدرك خطورة الموقف. فاختارت الجهات ذات العلاقة خطة للتراجع بدون تقديم اعتذارات معلنة، استعيض بدلا عنها تقديم الشكر والإطراء والوعود. فذاك هو القدر المتاح ، ولكن في استطاعة الشعب السوداني بتمسكهم بالحقوق المشروعة أن يرفعوا من ذاك القدر إلى مرحلة الاعتذار الصريح والمعلن رسميا وشعبيا .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة