زي الهوا و عبدالحليم حافظ والذاكرة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 09:11 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عبدالله الشقليني(عبدالله الشقليني)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-23-2006, 11:33 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
زي الهوا و عبدالحليم حافظ والذاكرة





    زي الهوا




    لم أكن أحلم أن أغنية عبد الحليم حافظ ( زي الهوا ) يمكنها أن تنفذ إلى المستقبل بذلك الوضوح وذ اك الإشراق . وفي السيارة برفقة ابنتي من بعد أمسية قضيناها في مطعم في مُجمع تجاري ، امتدت يد لتُدير مؤشِر راديو السيارة ، وكانت أغنية ( زي الهوا ) لعبد الحليم حافظ ، فنـزفت الذكريات . كأن يوماً من صيف 1982 م قد هبط نيزكاً من سماء الذاكرة ، إلى ليلة الثامن والعشرين من يناير 2005 م .

    تدخل أنت من بوابة مستشفى ، ( إشبانداو ) على أطراف برلين الغربية . عند الطابق الأول من الجناح الأيمن ، وفي باحة تُعادل مساحة غرفة قرب الدرج ، وقرب طاولة منـزوية ، تجدني أجلس و بصحبتي ( مصطفى ) الفلسطيني و ( أحمد الكرماني ) المصري ، و (نادية ) اليوغسلافية ، نستأنس ليلاً و نلعب الورق . معنا إذنٌ مُسبق بالبقاء خفيةً عن الأعين من بعد أن هجد جميع النُزلاء في الغُرف للنوم بقوة قانون المستشفى . أحضر ( الكرماني ) جهاز تسجيل ( استيريو ) ، وبدأ يُسمعنا من أشعار محمد حمزة وألحان الموسيقار بليغ حمدي بمصاحبة الفرقة الماسية لعبد الحليم أغنية ( زي الهوا ) : ـ


    وخَدتِنِي مِن إيدي ومْشينا
    تحت القمر غَنينا
    وسهِرنا وحَكينا
    وفي عِز الكلام
    سَكَت الكَلام
    وتاريني مَاسْك الهوا .
    وخدتِني ومشينا
    والفَرح يضُمِنا
    ونِسينا يا حبيبي
    مِين إنتَ ومِين أنا
    حَسيت إن هَوَانَا
    حَيعيش مِليون سنة


    الدُرة الغنائية الرائعة وصداها يلتفّان من حولنا ، ويهُزنا الرَصف الموسيقي المتبتِّل . جمعتنا رفقة حانية أسهمت الصُدفة في صناعتها . نجلس مع بعضنا نُخفِف من وحدة حبس الاستشفاء . صعُبت الترجمة و نحن نحاول أن نشرح لنادية المعاني بالإنجليزية أو بالألمانية الدارجة ، بعد أن أطربتنا جميعاً تلك التُحفة الفنية الإنسانية الرائعة . كُنا جميعاً في ذلك الزمان نرقب حُباً ينمو وعاطفة تخضَر ، فصفاء الدنيا يطوقنا بثوبٍ عَطِر . تضحك ( نادية) بوهج وهي تنظر إلى ( الكرماني ) ، يشع من عينيها بريق يفصِح عِشقاً ، نما وتعملَق ، وقد اخضرت أنوثتها وأزهرت . أنا ومصطفي كُنا أقرب إلى المشاهدة الفَرِحة ورقابة التوثيق ، فالصُحبة تنمو بيننا ، ولكنها ازدهرت محبة بين ( نادية ) و ( الكرماني ) ، فالنفوس تطفح و تُشرِق ونحن نستمتِع بلا حَسد ! . نشهد البوح المُغلف كأنه يخجل من وجودنا . ومعي مصطفى استشعرنا ثقل جلوسنا كالعوازل ، فالليل قد انتصف ، ها نحن نُجبر المحبة أن تتراجع قليلاً عن الإفصاح . نظرني مصطفى بعيون فيها كل الرؤى ، ففهمت أن نترك الأحبة لشموع الدفء . تذرعنا سوياً بشتى الأعذار للهرب إلى النوم ، وتركنا مقعدينا فجأةً . لكن الأعذار لم تُقبل ، كم كانت هي واهية فسقطت أستارها ، فهب علينا رفيقانا ( الكرماني ) و ( نادية ) ، يطوقاننا بأحضان شقاوة الأحبة وهما يضحكان بعِتاب رفرف علينا وأخجلنا فتراجعنا . لا أسرار بين الجميع ... واستسلمنا . جلسنا مُجدداً و أعِدنا سماع أغنية عبد الحليم ، ودلفنا جميعاً ننهل من دفق عواطفها الجارفة مرة أخرى : ـ

    خّايف ومَشيت وأنا خايف
    إيدي ف إيدَك وأنا خايِف
    خَايف على فرحة قَلبي
    خايف على شوقِي وحًبي

    للنفوس تاريخ ... ، تتأرجح بين ماضٍ يحاول الإمساك بالوهج وحاضر يتشكل . يقال إن الحال أقرب لإصابة حب ، كسائر الإصابات التي يتعرض لها الإنسان ، تطول وتقصر . ويمكن لنفس ( للكرماني ) أن تحتمل محبة تتربص ، وتنشر حبائلها حتى تغطي خيمة الأُنثى بتنوع الروح والشخصية والثقافة والإرث والحنين والمسلك و خليط الجميع ، و لا يُفصِح عن رغباته الدفينة . أو ربما هو اللهو بلا قيود ، يجد نفسه بين جموع من الأزهار النسائية يجول بينها فراشاً يبحث الرحيق . فها هي زهرة جديدة جمعته معها في صُحبتنا الصدفة . أو ربما يتقيد هو بأخلاق الوفاء وآداب العِشق التُراثي القديم و خصال التضحية . لا نعلم أي النفوس تأسره في حبائلها وتقود خطاه . ففي المنافي يتحلل السلوك من القيود ، ويَغلُب السير مع التيار إلى أقصاه . ما كُنا نلج بواطن الأنفس وخفاياها أو نسعى لبعثرة الدواخِل و هي تحتمل كل الخيارات الممكنة ، لكن المشاعر الإنسانية تبدَّت بجمال يُجبرك أن تجلسها قدرها من المكانة . تجِد أنت القوة يغلب عليها الضعف ، وتختلط الشدة باللين . تجِد البساطة حيناً ، ثم يعتلي صفحتها التعقيد أحياناً أخرى . لنادية إرث من ( البوسنا ) ، كأن وهج الشرق قد لفح بَشرة فؤادها ، فيتورد الخدان من تعليقٍ يفضح المحَبة ، أو لمسة ( الكرماني ) الحانية وهو يُغطي أصابعها الرشيقة براحة كَفه حين ننهمِك نحن في رصف الورق . كان الكرماني طوداً ، طويل القامة ، عظيم الجُثمان وبادي الوسامة . أبيض اللون أشقر الشعر ، مُخضَّر القرنية ، كادت الأصول الشركسية أن تقول أنا دفينة هُنا في جَسده .

    الاستشفاء الحكومي في ( إشبانداو ) ، يُعادل فندقاً فخماً في موطننا . طبيبٌ يُشرف على أربعة عشر فرداً من النُـزلاء ، وطاقم من فنيي التمريض يتابع التفاصيل ليل نهار ، تضغط على مكبس قرب مرقدك يأتيك من يخدُمَك . لكل طابق صيدلية ، ولكل طابقين مطعماً ، يتجول فيه البوفيه بتنوع المأكولات ، وقد حُجِب عنه اللاذع من البُهار . أمام طاولتك يقف على راحتك المُختصين . تمُد اصبعك وتُشير ، ثم ترفع كفِك الأيسر :

    ـ هذا يكفي ....، شُكراً لك ِ سيدتي .

    الدنيا كانت أرحب هُناك ، وفي لقائنا معاً في الأمسيات تختلط العربية الفصيحة مع العامية السودانية و الشامية والمصرية ، أما الإنجليزية فهي تستصرخ النجدة من لكنة الألسنة العربية . اللغة الغالبة بين جميع الأعراق هي الألمانية الدارجة التي تغوص في الركاكة و الطرافة ، ولكنها تفي بغرض المعاملات ، ولا ترقى للغة المحبين ، ولا تمهد للذوق والأوتوكيت . الجوع أو الشبع ، القبول أو الرفض ، المحبة أو الكراهية ، تظل جميعها لغةً في التبسيط المُخِّل ، ولا تقبل المتشابهات ، أو التمهيد أو الغزل الرفيع أو التأدب الحضاري . إلا أن للمشاعر الإنسانية لُغة أخرى تتخطى الصعاب لتنير دروب العشق ، فالإرث الإنساني بالِغ القِدم وللأرواح طرائقها في الائتلاف . ينطلِق حديثنا بطرافته ، والقاسم المُشترك حكايات من طريف العادات والتقاليد والغناء . تُحِس أن لمسات الشرق بدفء حياته الاجتماعية تلقي بِظلالها على مَجلسنا ، ترفرف علينا جميعاً . أغنية عبد الحليم أقوى وأنضر وأكثر جذباً من لَعِب الورق. فنحن نرقب العِشق و فضاءاته الرحبة ، وسباحة السماوات بالخيال الجامِح . يتسلل الدمع خِفية يُغسِل مآقينا ، ويلُفنا صمت وحُزن حين نتسلق هضبة العُقدة الغنائية :

    وخَدتِنِي يا حبيبي
    ورُحتَ طاير طاير
    وفُتَنِي يا حبيبي
    و قلبِي حاير ، حاير
    وقُلت ليا راجِع
    وبُكرة راجِع
    وفضلتَ مُستني بآمالي
    ومالي البيتْ
    بالورد ، بالشوق ،
    بالحُب ، بالأغاني

    ليلة لن تٌنسى ، فعلى أطراف (برلين ) وعند المستشفى يخِف ضجيج المدينة ، وتتوهج اللحظات الحالِمة ، وتنـزل علينا اللغة الوَاجِدة في أوكار المنافي ، كأن نعيماً اندلق علينا بأنهاره العذبة ، تُمسك بتلابيب الجِزع وتهُزه نشوة . ( نادية ) عازبة قدمت ألمانيا للعمل ، وتعول والديها في يوغسلافيا ( السابقة ) . تستأجر شقة صغيرة وتَسكُن وحدها في برلين . أصبحت عطلة نهاية الأسبوع مناسبة (لنادية ) و (الكرماني ) . يمرح العاشِقان بعيداً عن الحيطة والحَذر . فتعصف بهما رياح الوِصال برونقها ، وطلاقتها بلا حواجز .وتحلقا في عوالم أكبر ، وبدأ الحديث عن مشاريع المستقبل والتخطيط بخُطى وئيدة بلا عجل . لجذور المحبة أن تنمو وتأخذ سِعة للتفاصيل .

    على مركِب العشق ترفقت الدنيا زمناً ، فالموج يلثُم أطرافها بحنان دافق . ما أيسر على قصص العِشق أن تتخطى الدروب الشائكة ، ولكن لن ينج أحد من صَفعة الأقدار بلا مُقدمات . ففي موعدها الدوري جاءت الإختبارات بخبر الشِفاء للكرماني ، و تقرر سفره لموطنه فجأةً ، انكفأ القِدر وتفرقت المصائر ، وترنحت الأحلام واختلطت الحِسابات . نهض الجَسد من كَبوته صحيحاً ، وآن لشجرة المحبة أن تزوي ، فقد هبطت فؤوس البتر بلا موعد . تقرر خروجه من المستشفى مباشرة وإلى السفر ، ومنحته إدارة التأمين الصحي يوماً وليلة للمُغادرة ، بعد أن أكملت الترتيبات . كانت المفاجأة صاعِقة ، ولم يكن هنالِك مُتسعاً . إنها عيوب نُظم العلاج على نفقة التأمين الصحي ،ينـزل القرار صاعقاً ومُدمراً . يجتمع الشِفاء للجسد مع فراق الأحبة . إنها الخسارة الفادِحة .

    أخفى ( الكرماني ) أمر سفره عن ( نادية ) ، وأسَّر بالنبأ لشخصي ولمصطفى . شرح لنا أبعاد المأساة ، ورأى أن السفر بلا وداع أكثر رحمة لهما ، يقلل من وقع الكارثة على الطرف الغض من المعادلة .فعودته ثانية من مصر أمر يحتاج سنوات من التدبير والنحت في
    حجارة الدُنيا والقبض على الجمر . وقرر هو إلا يودِّع محبوبته ، ولينهل مما اختزنته الذاكرة من فيض ، وحَمَّلنا أمانة تسليمها مفتاح شقتها إذ كانت تستأمنه دارها . فارقنا والدهشة تلبس لباس الحُزن وانعقدت الألسن جميعاً ونحن نودعه، ولم نقُل الكثير . قفزت الفاجعة الآن إلى نور المصابيح ، وبرزت أنياب الدنيا الكالحة . أطلت أغنية عبد الحليم حافظ من الذاكرة المنسية ، وكأنها تستكتب المستقبل حين تغنى من قبل ونحن في رونق أيامِنا : ـ

    رميت الورد طفيت الشمع
    يا حبيبي
    والغِنوة الحلوة مَلاهَا الدمع
    يا حبيبي
    َوفْ عِز الأمان
    ضَاع مني الأمان
    وتاريني ماسكْ الهوا بأيديَّ


    جلست مع ( مصطفى ) عند الطاولة التي نلتقي عندها كل ليلة ننتظر . حلَّت علينا كآبة لا تُحتمل ، وقَدمت ( نادية ) بفرائحيتها تسأل عنه . وهطل المطر أسوداً على ليلِنا ، فغطت نادية وجهها بيديها ، ونشجت بكاءً يفطر القلوب ، فاضطربت الأنفس وحبست الحديث في الصدور . لم يكن سهلاً علينا مشاهدة المحبة تُغتال بسكين النُظم في وطن لا نُدرك قوانينه بالقدر الذي يجنبنا الفواجِع . فلبسنا السواد أسبوعا ، ولم تستعِد المرأة العاشِقة ثوب نضارها أبداً حتى افترقنا . بقيت الحسرة تُضيء مجلسنا حتى فرقتنا الدروب التي لا تنتهي .
    الدنيا كانت أرحب ، فمن نسيم عليل يَهتـز غُصنك ، وتُقَـبِّل أوراقك الثَمر من حولَك . وعلى كَتِفَكَ الأيمن يهبط عندليب المنافي يُغَرِد لك نَغماً ، يطرد الظِّل الأسود الكئيب . يخرُج قلبك من مَكمنه ممسكاً بالفرح في ثوب زفافه الأبيض ، يقهر بعض الأحزان ، وبعضها الآخر ينتظر .

    عبد الله الشقليني
    30/01/2005م


                  

العنوان الكاتب Date
زي الهوا و عبدالحليم حافظ والذاكرة عبدالله الشقليني10-23-06, 11:33 AM
  Re: زي الهوا و عبدالحليم حافظ والذاكرة الفاتح وديدي10-23-06, 01:10 PM
  Re: زي الهوا و عبدالحليم حافظ والذاكرة عبدالله الشقليني10-24-06, 06:22 AM
  Re: زي الهوا و عبدالحليم حافظ والذاكرة عبدالله الشقليني10-24-06, 01:30 PM
    Re: زي الهوا و عبدالحليم حافظ والذاكرة محمد المرتضى حامد10-24-06, 05:23 PM
  Re: زي الهوا و عبدالحليم حافظ والذاكرة mustafa mudathir10-25-06, 05:10 AM
  Re: زي الهوا و عبدالحليم حافظ والذاكرة عبدالله الشقليني10-26-06, 07:14 PM
  Re: زي الهوا و عبدالحليم حافظ والذاكرة Ashraf el-Halabi10-27-06, 01:23 AM
  Re: زي الهوا و عبدالحليم حافظ والذاكرة عبدالله الشقليني10-27-06, 05:34 AM
  Re: زي الهوا و عبدالحليم حافظ والذاكرة Ashraf el-Halabi10-27-06, 10:04 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de