قُلت لنفسي هذه أرض الله واسعة ، والطقس من بعد أترِبة هَجَد ، سأتمَشى فالوقت قُرب العصر وفي نفسي أغراض أبتغيها . تَجمّعت قطرات المَارَّة في الطريق العام . تشتت ألوان بشرتهم : كَبِديَّة سمراء داكِنة أو سوداء أو بينَ بين . تنوعت أرديتهم : بيضاء أو خَمرية أو أشتات لا يجمعهنَّ جامع ! . ترى أنتَ في صفحة أخرى ألواناً زاهية البريق ، تلتَف على الفارعات من نساء الجنوب ، والقَدُّ رطيب بفعل ميراث قديم .
شيخٌ فَزِعت عيناه من شهوة عقله الباطِن بُرهة ، ثم ارتدَّ راجعاً وصرخ :
ـ الكاسيات العاريات !
قُلت لنفسي :
ـ أي المدائن أنتِ يا خُرطُوم ! . تَمُدين فُسحة التندُر بين الفاقة والغنى ، والدِّين الصريح ، وتناقضات عالم لا نعرف كيف تَرتَبت سَكناته . عقارب الكون العجول تدور بأشواكها الوردية ، تخاف أنتَ قِطافها . تنظُر .. وترقب :
رفَعتُ الجَفنين عن بلور عَينيَّ ، فأفزعني مشهد الكون البشري وقد تحَلَّق حولها وهي تسير . أعناقنا مجدُولة ، مَشدودة ، مبهورة بالمشهد الخلاّق .ماسحات الضوء تفعل فِعلها ، و الكائنات تنقل الحُلم النبيل ، من ضاحية الطريق إلى العقول ، وهي تسير لا تعبأ !.
لا ندري أي عُقاب رفرف بجناحيه من فوق رؤوسنا حتى سكرنا !.
قالت ذاكرتي :
ـ خُذ من الصور المُخزَّنة يا رَجُل .. ، هي لكَ في ثوان . انظُر قُرص وجهها و قُل لي ماذا ترى ؟
قُلت :
ـ جمال أرستقراطي.. يرفَعه عُنق بديع عن الكتفين .
( أطلس يرفع كُرة أرضية ) ! .. قفز فجأة في ماء عينيَّ ، فضحِكَتْ الذاكرة من شَرَك التداخل والعَبث معي .
احتجبت الدُنيا .. فجأة : حلوّها ومُرّها وآنية الحِجارة وقَسر لؤم الحاجة ، وأهداف الزيارة وتوقيتها الغريب . قَطَعَت نظرتي لتلك السيدة كُل صلتي بما مضى من عُمري . أفاق إنسان قديم من قاع ذاكرة كثفتها القرون . ركبت رُوحُه جَسدي فَرساً . كسا الشَعر بشرتي وتحدثت الغرائز .اتسعت خَطاي على الطريق . أرقب المشهد الكوني والنفس تمور بالرغائب . أصبحت الآن كائناً آخر دون إرادتي . علت أنفاسي وصخبها يضجُّ في صدري . مراجل من حولي تمور بأنفاسها . نظرت .. فكُل رفاق الجندر الغالب على صورتي كانوا يتخلَّقون ! .
أفقت من هول الذهول على صوت ريفيّ بأعلى صوته يزأر :
ـ وَجَعْ !
راقبت وجهه : دهشة الطفولة في تقاطيع وجه رجولي .. و فرَح غامر!. محبته لها من أول نظرة فاحت ، وبرق الاشتهاء من عينيه ذا لون عجيب ! ، ثم احتجب . فالدُنيا فسيحة بالأغراب ، زَجَره الخُلق الموروث ألا يبوح ، .. وباح من فوق كل الحواجز والقيود !.
الأعناق من حولي عجائن من صلصال ، عادت لقصة خلقها في الكُتب المُقدسة . تلتف مجدُولة بمقوَّد بشري ستين وثلاثمائة درجة أو تزيد ! .
قلت لنفسي :
ـ أي خَبل جندري هذا ! ، أهي السيرة القديمة في مكر الذكور : ( المرأة شيطان ) ! .
انتبهتُ للذاكرة وهي تُحادثني :
ـ أ تذكر قول الشاعر جمَّاع : ـ
نمشي على الدرب الطويل ولا يطيب لنا مدى إن الحياة بسحرها نغم ونحن لها صدى
قُلت لذاكرتي :
ـ هذا فراق بيني وبينَكِ .. ، فمن يُغفر زلَّتي ؟
لقد فَضَحَتني نفسي .. ، كم كُنت زجاجاً هشَّاً يُكسِره حجر ! . كانت الاستعاذة من الرجيم هي درع جَدِّي ، حين تأخذه الدنيا بمفاتنها ويغلب حيلةً .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة