الشاعر : الدكتور مبارك بشير سليمان وقصيدته للاستقلال : عُرس الفداء
1981 م :
فتح دكتور ياسين الحاج باب الغرفة وأطلّ عليّ بفأل الدنيا ، فزيارته برفقة السيدة الفضلى زوجته كانت مائدة مُترفة أنتظرها بصبرٍ قلق خلال عُطلة الأسبوع . قال لي وهو يضحك بعد أن تجاوز المدخل : ـ ـ وصل صديق لكَ من السودان ! ودلف شاب في السُترة المُبطنة بعوازل الحرارة ، والمُعتاد لباسها هناك .أخذتني بضع ثوانٍ بين الدهشة والتطلُع قبل أن يحضنني ( مبارك بشير ) . الدنيا الآن تستبشِر والخطوب في ذلك الزمان قد أخذت حِصتها من جسدي ، وآن لها أن تُفارِق . الروح التي ضُرِبَتْ عليها المَسكنة قد أفاقت ونـزلت عنها أصفاد السنين . بعد أن اطمأن على مسيرتي للشفاء ، قلت له : ـ ـ تعجلت دنياي أن نلتقي ولم يكن في الحُسبَان . لا أرى إلاّ نجوم سعدي قد تجمعَتْ لتمنحَ نَفسي المُتعَبة راحة اليوم وأنت معي .
بعض الطمأنينة عن الأهل ، نقل لي أخبار الأصدقاء والأحباء جميعاً فرداً .. فرداً ، وأودعني رسائلهم . أخطرني أنه مبتعث لجامعة ( لايبـزِج ) في ألمانيا الشرقية للتحضير لرسالة ( الدكتوراه ) ، وسوف يغادِر مضطراً برلين الغربية بعد يومين . أهدى إليَّ نسخة من ديوان أشعاره الأول ، وقرأ لي منه قصيدة ( عُرس الفداء ) . قال لي إن الموسيقار المُبدع محمد عثمان وردي سوف يغنيها في أعياد الاستقلال القادمة مطلع 1982 م . قرأ لي بصوته القصيدة وانسكب من ذاكرتي تاريخي معه منذ أول مرة رأيته . وعرفت كيف تُبني القصيدة الوطنية بمحبة تستلهِم تراث البطولة من أمجادنا الغابرة ونحن في منعطف الثمانينات . استنهِضت القصيدة الضعف الذي ألمَّ بنا حينها ، و يحتار المرء الآن ، كيف يقرأ الشُعراء المُستقبل بفكرهم ؟ . يقفزون عبر حواجز الزمن ويكسرون كل الحُجب . شكراً لك سيدي المُباركْ ، دائماً نتذكرك بفرحٍ يحبو في وجه حُزن نبيل يُسابِق الريح وأنت تقرأ لنا من قصيدتك ( عُرس الفداء ) : ـ
نلتقيك اليوم يا وطني ..لقاء الأوفياء قد تنادينا خِفافاً .. كطيور الريح في جوف العتامير يا أرض البطولات وميراث الحضارات.. نُغني اليوم في عُرس الفداء ها هنا ..يبتسم النهر القديم ... لبعانخي ولتهراقا وللمهدي .. لعلي عبداللطيف.. لعبد القادر الحَبوب ..للقرشي لصمود العُرس في كرري .. وللموت الفدائي العظيم .. نذكر اليوم جميع الشهداء .. كل من خطّ على التأريخ سطراً بالدماء .. نذكر اليوم جميع الشرفاء .. كل من صاح في وجه الظلم لا .. نحن أبناؤكِ في الفرح الجميل .. نحن أبناؤكِ في الحُزن النبيل .. سنغني لك يا وطني كما غنى الخليل .. مثلما غنت مهيرة .. تُلهم الفرسان جيلا بعد جيل ونغني لحريق المَكِ في قلب الدخيل .. للجسارة .. حينما استشهد في مدفعه عبد الفضيل .. نُكحِل اليوم مآقينا بمرواد الصلابة .. وبإيمان كإيمان الصحابة سوف نُفديك دواما.. ونناديك هُياما فلتعِش حُراً أبياً في مهابة
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة