الرد علي دعاوى أبراهيم بقال ضد القبائل العربية: فتح ملف دولة الزغاوة الكبرى مرة أخرى

Quote: بالبوابة الغربية للسودان (1-2) رحلة عبر الصحراء الكبرى .. في أرضٍ بكر بقلم : سلمي التجاني سودانيزاونلاين.كوم sudaneseonline.com 24/12/2005 1:08 م بقلم : سلمي التجاني كانت الساعة السابعة مساء عندما انبعث صوت مضيفة شركة سودانير يقول أننا هبطنا بسلام في مطار الخرطوم وان درجة الحرارة بالخارج هي 30 درجة مئوية .. وكان الركاب وكلهم قادمون من طرابلس قد انتهوا من التصفيق بحماس لكابتن الطائرة على الهبوط الهاديء.. وبعد ان وصل بي صف تكملة الاجراءات إلى منضدة موظف الجوازات الذي ظللت أتابعه وهو يتصفح الجواز ورقة ورقة ثم يحمل الختم ليضعه على أحد مساحاته البيضاء لاكون بذلك ضمن «وصول سودانيين» كانت يد من الجانب الآخر تلتقطه ويوجه لي شاب حديثه «حمداً لله على السلامة يا استاذة» عرفته قبل ان يعرف بنفسه من الثقة التي التقط بها الجواز.. -------------------------------------------------------------------------------- لينضم إلينا شابان كانا قد إستقبلاني في يونيو الماضي عند عودتي من أسمرا.. هم وحدة المخابرات السودانية بالمطار وقف معي أحدهم أمام «سير» تسليم الأمتعة.. كان السير الاسود يمضي ببطء يحفز على استرجاع شريط حياتي مع ذلك المرور البطيء .. الصاخب .. أوصلني ذلك حتى الرابعة من صباح الثالث والعشرين من رمضان الماضي .. بمدينة الكفرة .. عربتان لا ندكروز وثالثة صالون تقف أمام فندق المدينة . وبرد قارس تحمله سمات الصباح.. وسائق ليبي الجنسية قال الرجل الذي جاء لوداعنا أنه أمهر سائقي طريق الصحراء .. السائق أجاب عن سؤالنا حول المسافة وهو يضبط عداد العربة أننا نحتاج لطي «350» كيلومتراً حتى نصل العوينات و «200» كيلو أخرى لندخل السودان عبر بوابته الغربية بمنطقة كرب التوم الحدودية .. بدأت الرحلة عند الرابعة والنصف .. اتجهنا شرقا.. وشهدنا مولد شمس ذلك اليوم .. القرص بدأ الخروج في مواجهتنا تماماً وظل يكبر ويكبر حتى أصبح شمساً كاملة واجهتنا وكأنها تخرج من دارفور.. وعلى بعد 330 كيلو متراً من الكفرة كان في قبالتنا جبل عظيم اسمه أركنو.. أحد مرافقينا قال أنه بلهجة الزغاوة يعني الجد الشجاع مما يوحي بان الحدود السودانية الليبية كانت تبدأ منه في وقت ما من التاريخ .. سرنا اليوم كله في وسط تلال رملية تجاوزتها السيارات بصعوبة وأحياناً إحتاجت لاخراجها بصاجات من بين التلال.. تتخلل الرمال اللا منتهية سلاسل جبلية أبرزها سلسلة جبال عوينات وجبل أركنو وجبل أبو بيدة .. وقبل أن تحين ساعة أفطار رمضان استقبلنا اللواء عبد الله شغب قائد لواء الحدود التابع لحركة التحرير بعربتين عليهما سلاح ثقيل فعلمنا أننا في منطقة كرب التوم التي قضينا فيها تلك الليلة .. وكرب التوم هي نقطة جمارك حدودية تم إفتتاحها في أوائل التسعينات على يد الشهيد الزبير محمد صالح نائب رئيس الجمهورية حينها عندما اشرقت شمس اليوم التالي وضحت المعالم .. مجموعة من المباني التي مازالت بها مسحة من أناقة موزعة بنظام وسط منطقة جبلية .. بها مضخة ماء معطلة .. ومبنى من الزنك يبدو أن مولداً كهربائياً كان بداخله .. والمنطقة التي دخلها متمردو دارفور قبل عامين أصبحت الآن تحكي عن نقطة جمارك كان اسمها كرب التوم .. أدخلت في يوم ما أعلى نسبة تحصيل من الجمارك لخزينة الدولة.. محجوب حسين أحد قادة حركة التحرير التقط من الارض دفتراً مهترئاً مكتوب عليه «سجل حضور وانصراف» قال لي هذه تسجيلات حكومتكم قبل أن يغادر موظفوها .. قلت له وماذا فعلتم بها بعد أن استوليتم عليها.. الخراب الذي يخيم على المنطقة كان أبلغ إجابة على سؤال .. فاكتفيت بها .. بعد أن غادرنا الكرب بمائتي كليلو توقفنا عند منتصف النهار بعد أن تعطلت إحدى السيارات.. كنا في سكر بلاش وهي منطقة يصعب وصف تربتها.. ففي منطقة تكون بيضاء صلبة كحجارة الجير وفي أخرى ناعمة رمادية كالأسمنت وفي ثالثة رمال بيضاء .. ولم أجد من يجيب لي عن طبيعة هذه الارض.. ومن المؤكد أنها ما زالت بكراً تنتظر من يتعرف عليها أو يكتشف ما بداخلها كسائر الأرض الشاسعة التي عبرناها ولم تحظ منذ استقلال السودان بمن ينقب عما بداخلها عندالساعة الثامنة مساء تقريباً توقفت عربتنا فزعة امام صوت ينادي من بين أشجار كثيفة «ثابت» يقفز احد جنود حركة التحرير من عربتنا وليتم تفاهم بصوت عال فهمنا منه ان اخبره باننا نتبع للواء عبد الله شغب.. ثم خرج من الظلام مجموعة من الجنود كانوا في استقبالنا عند مدخل وادي هور.. الوادي الذي لا ماء فيه والذي يمتد على طول «500» كيلو متر ليصب في وادي الملك ونهر النيل عند مدينة دنقلا وخزان كارياري بشرق شاد.. الرمال تغطي مجرى الوادي .. وعلى طول «ضفتيه» أشجار خضراء متفرقة لا أدرى نوعها .. تذكرت ونحن نهم بمغادرته لافتة كبيرة بمنطقة المقرن بالخرطوم في احدى البنايات المطلة على الطريق مكتوب عليها «منظمة تطوير وادي هور» وكلما مررت بها جال في ذهني ان هناك منطقة بها تنمية لكنها تحتاج إلى تطوير .. لكن الوادي لا حياة فيه ولا أدري ما هي مجالات عمل هذه المنظمة وأين وصلت جهودها التي لا أثر لها هنا في الوادي.. غادرنا هور ذي الجو المعتدل باتجاه دونكي مجور «92» كيلو وقد لاحت لنا منطقة صغيرة على أرض منخفضة.. أول ما يلفت الانتباه فيها هو التعايش بين قبيلتي الزغاوة والكبابيش والذي يصل حد التزاوج بين أفرادهما.. الحياة كلها تقوم حول الدونكي الذي يحيطه سور من السلك ويقف الناس في صفوف غير طويلة بانتظار الماء .. السوق - وهو عبارة عن دكاكين او رواكيب يفتح باتجاه الدونكي.. سوق الجمال والضان يحتل أحد أطراف الدونكي.. بعض النساء يغسلن الملابس خارج سور الدونكي اختصاراً للمشوار.. ربما ..والمنازل المبنية من القصب والقش على مسافة ليست بعيدة من الدونكي.. القيم على الدونكي وهو بمثابة العمدة هنا من أبناء الكبابيش ذوي الملامح العربية الواضحة .. النساء يمشطن شعرهن ويزينه بالودع وبعضهن تغطي نصف وجهها الأسفل.. وتمضي الحياة حول الدونكي طبيعية وهادئة .. بعد «35» كيلو متراً وصلنا وخائم وهي أشهر منطقة لتجارة الأنعام في الثمانينات بدارفور يؤم سوقها تجار من ليبيا وتشاد ومن داخل السودان. وبمغادرتنا لوخائم نكون قد غادرنا دار زغاوة لتبدأ بعدها دار الميدوب بمناطق دونكي حلف وثاني حياة «دونكي حوش» ومنطقة الصباح وفيها استقبلنا جمعة مندي قائد المنطقة والذي قادنا بعربتيه ذات السلاح الثقيل عن ساحة النظام التي قام عليها مشروع ساق النعام لانتاج الخضروات بدعم من جمهورية ليبيا في 1983م والذي سرعان ما فشل وأصبحت مباني المشروع قائمة قضينا فيها الليلة .. منزل اظنه لمدير المشروع.. وغرف امامها فرندات تستعملها حركة التحرير الان كسجن لا أدرى لجنودها ام للمواطنين او للأسرى .. استفسرت عن النعام الذي سميت المنطقة على ساقه فلم يدلني أحد عليه .. المسافة من المشروع حتى حسكنيتة استغرقت عشر ساعات مررنا أثنائها بابودليق وعبد البيدة وودكوتة ودوان وودعة .. وعندما نظرنا لعداد العربة كنا قد قطعنا «1850» كيلو متراً «الف وثمانمائة وخمسين كيلو» خلال ثلاثة أيام من نقطة انطلاقنا بالكفرة .. وهذا يعني اننا سرنا «1300» كيلو متر داخل الاراضي السودانية الغربية بدارفور من كرب التوم أول منطقة على الحدود السودانية الليبية وحتى حسكنيتة جنوب شرق دارفور .. عبر الصحراء الكبري بالطريق الذي يمر بالمناطق التي تحت أيدي متمردي حركة تحرير دارفور . كانت قد بدأت تصل عبر السير الاسود بعد أن طال انتظارنا لها .. واستمرت تأتي على فترات متباعدة.. نبهني الشاب الذي يقف إلى جواري وكان وقتها قد أحضر عربة لنقل حقائبي .. نبهني إلى الانتباه إلى السير وتحديد أمتعتي.. بعدها أخذنا أنا وحقائبي لمكتبهم بالمطار الذي كنت ضيفة عليه لثلاث ساعات.. وبعد ان سمحوا لى بالمغادرة سألتهم : أهذا كل شيء وقتها بدأ أحدهم في البحث عن شيء ما في حقائبي لا أعلمه ولم يجده .. ثم ودعوني شعرت أنني في حضرة الدولة .. دولة السودان التي تكون بوابتها الغرب - بعد توقيع اتفاق الســــــلام مع متمردي دارفور - هو منطقة كرب التوم.