|
Re: بيت أبي: "موت الشاعرين العجوزين"!!.. (Re: عبدالغني كرم الله)
|
....
الحبيب، فيصل عباس...
هل تصديق، لا تخلو هوامش كتبي، أو دفاتري، أو حتى صحفة جريدة من رسم بيتنا، حتى لو كنت اتونس مع ناس، لا شعوريا اشخبط البيت، الصالون، برندة تكاد هي قلب البيت، والونسات، والشاي، مزيرة، وأدوات زراعة مرمية في زقاق خلف حظيرة الاغنام، والدجاج، ذلك القصر الطيني، الوسيع، حسا، ومعنى، ارسمه دوما بقلم الرصاص، يشبه لون التراب، ويشبه لون العراقي والدمور في الضيوف والاحبة والأهل..
أكاد استعمل لون أخر، هو الأخضر، لون شبابيك خشبية بسيطة، عملها يوسف النجار، من قرية القلابات، للآن اذكر حضور واخذ المقاييس، وتأخره، وإرسالي للقرية المجاورة، للآن، ومنظر ماء السراب الذي يبلل أساس البيوت، ولا يبللها، ولفح سموم طيبة، تذكرك ببركة "النسيم"، فبضدها تتميز الأشياء، ولا يعرف "جوهر اللذة"، إلا من تذوق مرارة العزلة،..
صار بيتنا، في رسوماتي، أشبه بحواس، أكثر من ألوان، بل تحسرت على شح الألوان، حين أرسم، أين رائحة غرفة أختي علوية في ولادتها الأولى، أين رائحة أمي، حين تهم لصلاة الجمعة، أو العيد، ورائحة الكسرة، والتي تلطخ المطبخ ثلاث مرات في اليوم، وأبد الحياة، أين رائحة الطين، قد يمكر اللون ويضمرها فيه، ومن ذاق عرف..
لذا شدتني الصورة أعلاه، حين رأيتها، أصابني ذلك البرق الأول، الذي يضئ كيانك حين ترى صورة أول مرة، برق تكاد، بل حقيقة، تحس بأن الصورة حية، وتفاصيلها حية، وتكاد تسمع نقاط الزيرة ، وبلل قعره، ورطوبة الابريق، دوما تشدني النظرة الأولى، كأنك تراها بالحدس، وتحس بالحياة تدب في أي صورة تقع عليها عينك، ذلك الحدس الفطري، الذي جعل كل الشعوب، القديمة، بأسرها، تعبد الحجارة والسحب والجذوع، والحصى، والانهار، والاعشاب، يالها من شعوب شاعرية، .. تصور خمسة غرف في البيت تفتح ناحية الشرق، وواحدة للجنوب، والبرندة جنوب شمال، لا غرفة تفتح للغرب (بركة الشمس، كنوبيين، والقبلة)، كأن التربال هو العرف، والثقافة، والفائدة..
هناك علم، في حوش الرجال، وما اكبره، اقصد الحوش، والعلم هو سارية "بيان لسيدي الحسن"، كنا نجعله قائمة، حين نلعب كرة شراب، وكان الحسن حاضر، فلم نصاب بكسور، أو حتى طعن شوك، ونحن حافة، والشوك يحيط بنا، كسوار على معصم..
أي ركن، فيه يذكرني بحياتي، أي سرير، أو عنقريب يحكي قصة، ففي الشتاء، ننام بين البرندة، والاوض، وفي الصيف، تكون السماء سقفنا، أعلى سقف في الكون، وأجمل، وأغمض، يتركك، تسكن قصر، نجفه هي النجوم الرائعة، وتحس بذلك الهوان الخلاق، حين يرجع بصرك خاسئا، وتلكم هي الحاسة الدينية الحقيقية، بعيدا، عن عن الفقه الميت، المرحلي، فالدين فطرة بشرية، تلبس كل حين شرع جديد، ولكنها هي العلاقة بين المحدث والقديم، في تجليات تختلف من وقت وأخر، والماء بلون الإناء..
هناك ركن يذكرني "كوخ العم توم"، بل يذكرني بكاء صبي صغير على العم الاصيل توم، على يسوع الاسود، العجوز، الفاهم، والذي حين تنظر له بتسرع، تحس بأنه "استسلامي"، بسيط، ولكن حين تنظر له، بعين الحكمة، كان حكيما، ويرى الجوهر، وقوى دفع الحياة الحقيقية، كن ابكي، وامسح دموعي بطرف ملاءة ذات الوان بسيطة، وانتحب، ولذا، ظللت، بفعل هذا الكتاب "كوخ العم توم"، أؤمن بسر التطور، وسر الحياة، فهاهو العم توم، يعيد قلبه للحياة، في فتى اسمر، هو باراك اوباما، فالتاريخ يضفر بالدموع، والعرق والسهر، والمحبة، وسيختم بالمحبة، (بعد مرحلة الحيوان الأعجم، والحيوان الفصيح)، وسيكون نور المحبة، كافيا، لرؤية الحقائق، ما يكفي الجهل، وشروره، الاستعلان..
وهناك عنقريب يذكرني بقصة "نادية"، ليوسف السباعي، وهناك كراسي، تذكرني قراءة الالغاز، كن نقرأها في كراسي في الصالون، ونحن ندسها في الكتب المدرسية، خوف التوبيخ..
رائحة الفازلين، من خالتي، حين تأتي من الجزيرة، وتقعد مع اختها شهور طويلة، وبركة الماء في وسط الحوش، حين تهمي الامطار، ويتحولق البعر وبقايا الحيوانات، حول البركة، حين تجف..
25 حفرة، في حوش الرجال، و12 بعرة غنم، و12 فص بلح، انها السيجة، وصراخ خالي حين يفوز، وضحكات عتار المتقطعة، السااااخرة..
روائح البرسيم، حين تمضغه الخراف، وتهرشه الدجاجات، وعبقه يفوح مع رائحة شاي مقنن، كل عصرية، وصوت مذياع بعيد، داخل الاوض،..
البيت، عصي الوصف..
كثرة رسم بيتنا، على أغفلة الكتب، والكراسات، وهوامش الكراسات، أرسمه بألوان الغريزة، وكأني ارسم مسرح ترهات طفولتي، أحلام اليقظة، لأيهمني شكل الحائط، طوله، ولكن اللعب تحت ظله، وتلك الاشكال التي يصنعا الفانوس من ظلال، وتلك الاثار التي ترسمها الامطار، وتلك الرائحة التي تتسلل منه عند نهاية المطر، ونحن نخلق من الطين خرافا، ونعاجا، ثم روحه، روح بيتنا، حتى أحس كما أن الجسد بيت الروح، فإن بيتنا هو روح أسرتنا، زوزارنا، وأهلنا، بيتنا هو روح أسرتي، كم علقت على ضلفة الدولاب صور ليلى علوي، والدحيش، والطيب صالح، أحلام يقظتي، كانت ترفرف حتى صار البيت عبارة عن جسد للزمان، فعلا الزمان الغامض، الذي يجري، كان يجري مثل نهر على جدول بيتنا، بيتنا، هو الوادي الذي يجري عليه الزمن، بكل كرنفاله..
حاولت ادخال رسم من رسوماتي للبيت، ولم افلح.. ولكني سأحاول..
المحبة، أخوي فيصل..
...
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
بيت أبي: "موت الشاعرين العجوزين"!!.. | عبدالغني كرم الله | 03-14-10, 06:32 AM |
Re: بيت أبي: "موت الشاعرين العجوزين"!!.. | عبدالغني كرم الله | 03-14-10, 06:43 AM |
Re: بيت أبي: "موت الشاعرين العجوزين"!!.. | فيصل عباس | 03-14-10, 12:34 PM |
Re: بيت أبي: "موت الشاعرين العجوزين"!!.. | Mohamed Abdelgaleel | 03-14-10, 03:14 PM |
Re: بيت أبي: "موت الشاعرين العجوزين"!!.. | عبدالغني كرم الله | 03-15-10, 05:21 AM |
Re: بيت أبي: "موت الشاعرين العجوزين"!!.. | مامون أحمد إبراهيم | 03-15-10, 07:38 AM |
Re: بيت أبي: "موت الشاعرين العجوزين"!!.. | عبدالغني كرم الله | 03-15-10, 07:46 AM |
Re: بيت أبي: "موت الشاعرين العجوزين"!!.. | فيصل عباس | 03-15-10, 10:43 AM |
Re: بيت أبي: "موت الشاعرين العجوزين"!!.. | اميمة مصطفى سند | 03-15-10, 11:31 AM |
Re: بيت أبي: "موت الشاعرين العجوزين"!!.. | عبدالغني كرم الله | 03-16-10, 05:45 AM |
Re: بيت أبي: "موت الشاعرين العجوزين"!!.. | عبدالغني كرم الله | 03-16-10, 06:58 AM |
Re: بيت أبي: "موت الشاعرين العجوزين"!!.. | عبدالغني كرم الله | 03-17-10, 08:07 AM |
Re: بيت أبي: "موت الشاعرين العجوزين"!!.. | عمر عبد الله فضل المولى | 03-17-10, 09:23 AM |
Re: بيت أبي: "موت الشاعرين العجوزين"!!.. | عبدالغني كرم الله | 03-21-10, 10:31 AM |
Re: بيت أبي: "موت الشاعرين العجوزين"!!.. | Osman Musa | 03-21-10, 02:44 PM |
Re: بيت أبي: "موت الشاعرين العجوزين"!!.. | Osman Musa | 03-24-10, 03:15 PM |
|
|
|