|
أمي وحكايات الحياة والموت
|
ظللت لشهر كامل قريبا من أمي ، وستمتد الفترة شهرا آخر . فهي تقضي هذه الفترة معي في بيتي ، تزور الأطباء ، وتهتم بشكل خاص بنظرها.. أقضي أوقاتا طويلة قريبا منها ، تحدثني في أمور عديدة تبدأ بشئون أولادها وبناتها وأحفادها ، مرورا بعشيرتنا الأقربين ، وأنسابنا وعلاقات أسرتنا المتشابكة مع عدد من الأسر والقرى والمدن البعيدة . والحاجة آمنة - هكذا نناديها ويناديها كل من يعرفها - تميل إلى الأنس مع الأهلها وأقاربها وكل من تطمئن إليه ، وتكثر من المزاح والضحك ، وأحيانا تكون ( غيّاظة ) لتستفز مجالسيها رغبة في استدراجهم للكلام والحكي . وهي امرأة موغلة في الريفية ، لا تتعامل مع العصرنة ولا تجتهد كثيرا في التعرف على أمور مستجدة . حتى لغتها التي تستخدمها هي لغة (أهل العوض )الكلاسيكية ، وتستخدم كلمة الهناي والداهي بديلا لكل الأشياء التي لا تعرف أسماءها ، ولا تعرف طرق استخدامها أو تشغيلها. وتضحك ساخرة من لبس أولادي أو حلاقة شعرهم أو طريقة تعاملهم معنا أنا وأمهم ، وتسخر حتى من بعض أفكارهم حين يطرحونها . وقد لاحظت أن أمي تستخدم بضع كلمات لا نستخدمها نحن في أحاديثنا ، فقد قالت حين سألتها أهي راغبة في البقاء معنا أم أن بها شوق إلى القرية ؟ فردت : والله يا ولدي بلدكن سمح ، بس ألله يرجّعني لي ( ماتاي ).. هكذا قالت الكلمة الأخيرة دون تكلف ، ففهمت أنها تقصد مأتاي ( أي المكان الذي أتيت منه ) . كما سألتها عن اللبن وأسعاره في القرية ، فقالت : وين اللبن يا ولدي ، اللبن ما شح .. وأعتقد أنكم تلاحظون كلمة شح ، أى أنه تناقص بصورة مزرية ، فالشح هو تضاؤل العطاء لدى البخلاء . وتشفق أمي على أهل المدينة ، حين نخرج من بيتنا قاصدين مكانا ما ، وتراقب أمي الزحام وحركة المارة ، فتردد بصوت عال : أجي ، أجي ، عليهن يا يابا ، هسة ديل بنوموا وين ، وبياكلوا شنو ، لا عندهن حواشةً بزرعوها ، ولا بهيمةً بحلبوها ، ديل آ يمّة الحكومة ذاتّ ما بتقدر عليهن . وتعلّق على بعض المارة : أجي آ يمة ، شوفي دي شديدة كيفن ، يعلم الله كان دي انا كان وقعت ما قمت . عليك النبي شوفي الراجل وشدّتو ، شدة السواد يا يمة ، عان المنعة دي ، دافر العربية براهو.
ونواصل ..
|
|
|
|
|
|
|
|
|