أساليب أجهزة المخابرات العربية (الأردن والسودان نموذجان)

Quote: زعيم الجواسيس بقلم: دافيد إجناشيوس 14 ديسمبر 2009 10:42:47 ص بتوقيت القاهرة عندما ينتهى فيلم من أفلام الجاسوسية، ينفض رئيس المخابرات، بعد أن تغلب على دهاء أعدائه، الغبار عن صدر حلته متقنة التفصيل، ثم يختفى فى عالم الوهم والسيطرة الخاص به. ولكن للأسف، لم تكن هذه هى النهاية فى الحياة الواقعية بالنسبة للجنرال سعد خير، رجل المخابرات الذكى والمطعون معنويا، الذى رأس المخابرات العامة الأردنية منذ عام 2000 حتى 2005. فقد ذكرت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية إنه توفى بأزمة قلبية فى حجرة فندق بفيينا الأربعاء الماضى، وهو يناهز السادسة والخمسين. وكان خير فى ذروة نجاحه واحدا من أعظم ضباط المخابرات العرب فى جيله. وقد أدار سلسلة من عمليات الاختراق البارعة ضد الجماعات الفلسطينية المتطرفة، ثم ضد القاعدة لاحقا. ويقول ضابط سابق فى المخابرات المركزية الأمريكية عمل بالقرب منه: «لقد أرسى معايير القيام بعمليات الاختراق». وقد تعرفت على خير قبل خمس سنوات، عندما كنت أعد لرواية عن الشرق الأوسط بعنوان «Body of Lies»، تحولت لاحقا إلى فيلم سينمائى بطولة ليوناردو دى كابريو. وكان خير هو النموذج الذى استلهمت منه بطل قصتى «هانى سلام» رئيس المخابرات الأردنية. وعلى غرار جميع رؤساء دائرة المخابرات العامة، كان خير يدعى باللقب التشريفى العثمانى «باشا»، لذلك منحت بطلى الخيالى لقب «هانى باشا». وسرق هانى باشا (الذى قام بدوره الممثل البريطانى مارك سترونج) الأضواء، لسبب بسيط، وهو أن الشخصية استندت على أحد المحترفين الحقيقيين للعبة. وكانت جميع أساليب الشخصية التى ابتدعتها وسلوكياتها، وحتى ملابسها تحاكى أساليب وسلوكيات وملابس الباشا الواقعى. وكان جورج تينيت، مدير المخابرات المركزية الأمريكية (سى آى إيه) فى ذلك الحين، أول من وصف لى براعة خير كمدبر لعمليات التخابر. وفى 2003 سألت تينيت عما إذا كان هناك أى أجهزة مخابرات أجنبية أثبتت فائدتها فى المساعدة ضد القاعدة، فأجاب فورا: «الأردنيون»، واستطرد بحماسه المعهود: «رجلهم سعد خير، نجم بارز!». وهكذا، ففى المرة التالية التى زرت فيها عمان، التمست من القصر الملكى مقابلة رئيس المخابرات الأسطورى، وجرى ترتيب المقابلة على خير وجه. فتم اقتيادى إلى مقر المخابرات المخيف، ومررنا على علم المخابرات الأسود الذى يحمل التنبيه «وقل جاء الحق»، وجرى اصطحابى إلى الطابق الأعلى حيث مكتب الباشا. وكان خير يتمتع بسحر بدائى لافت: منطقة وسط بين سحر همفرى بوجارت وسحر عمر الشريف. وكان أنيق الهندام، كما هو دائما: سترة من صوف الكشمير، ورباط عنق محكم وزوج من الأحذية يبدو أنه صناعة يدوية إنجليزية. وحكى لى الباشا بضع قصص روى لى آخرون تفاصيلها. فقد أسس سمعته عبر اختراق المنظمات الفلسطينية المتطرفة، كمنظمة أبونضال. فبمجرد أن تسلل إلى صفوف الإرهابيين، استطاع أن يبث الشائعات والمعلومات المضللة التى دفعت أعضاء المجموعة إلى التصارع فيما بينما. وقبل أن يمر وقت طويل، انطلقت مجموعة أبونضال للقتلة فى موجة من الريبة والتدمير الذاتى. وقد اقتبست هذه الفكرة فى «Body of Lies». وكان خير يدرس مستهدفيه جيدا لدرجة أنه كان يتسلل إلى حياتهم. وحكى لى ضابط سابق فى المخابرات الأمريكية عن ضربة بارعة؛ فقد تتبع خير أحد الجهاديين حتى شقة فى أوروبا الشرقية، وناوله تليفونا محمولا قائلا: «تحدث إلى والدتك». وكانت والدة الرجل على الخط بالفعل، فقالت له إنه ابن رائع لأنه اشترى لها جهاز تليفزيون جديدا وأريكة، وأرسل لها مبلغا من المال. وشرح لى ضابط المخابرات المركزية الأمر قائلا: «كانت منطوق الرسالة: إننا نستطيع أن نفعل أشياء جيدة من أجلك. أما الرسالة غير المنطوقة فكانت: نستطيع أن نؤذيك». وقد اقتبست ذلك المشهد أيضا حرفيا. وعلى غرار العديد من أجهزة المخابرات العربية، تشتهر المخابرات الأردنية باستخدام أساليب استجواب قاسية، ولا شك أنها لم تحصل على لقب «مصنع الأظافر» بلا سبب. غير أن ما حققه خير من نجاحات فى الاستجواب يرجع غالبا إلى نوع مختلف من التخويف. حيث يتذكره زملاؤه واقفا خلف أحد المشتبه بهم، يتوعده بصوت عميق، بينما يتحدث عن أسرة المشتبه بهم وأصدقائهم ومعارفهم. وكان ذلك مرعبا أكثر مما يمكن أن يكون عليه العنف البدنى. فقد كان يتريث حتى يحطموا أنفسهم، ونجحت هذه الوسيلة. وتعرض خير لغضب رئيسه، الملك عبدالله، عندما بدأ يتدخل فى السياسة والأعمال. وكان ذلك هو التجاوز الكلاسيكى الذى يقع فيه مديرو المخابرات فى الشرق الأوسط، فتمت إزاحته فى 2005. وكان لفصله أثرا قاسيا؛ حيث كان خير يشاهد مخمورا فى مطعمه المفضل بعمان فى وقت متأخر من الليل. ولكنه كان فى ذروة مجده عبقريا، ويصعب أن تجد أجنبيا ساعد فى إنقاذ حياة أمريكيين بأكثر مما فعل سعد باشا. http://www.shorouknews.com/Columns/Column.aspx?id=161948