أسرة محمد عبد الحي في منتدي دال الثقافي ...30/ 12 ...( توثيق مصور )

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-14-2024, 08:10 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-20-2010, 11:07 AM

Shiraz Abdelhai
<aShiraz Abdelhai
تاريخ التسجيل: 09-21-2003
مجموع المشاركات: 1556

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسرة محمد عبد الحي في منتدي دال الثقافي ...30/ 12 ...( توثيق مصور ) (Re: عمر عشاري)

    شكرا عمر على استمرار نافذة الضؤ هذه.......
    وعذرا لغيابي الطويل ...فالسفر قطعة من نار!!
    ....والشكر الجزيل حقا لأستاذنا الرائع أحمد الأمين,,,,
    الأستاذ أحمد الأمين علم على رأسه نار فى مجال تاريخ الثقافه السودانيه وتحديدا شعراء الغابه والصحراء......
    وقد عرفت هذه المعلومه فى بوست سابق أمتعنا فيه باشراقاته التى لا تمل....ومعلومات اقف أمامها مندهشه...وأرشيف ضخم...فعذرا عادل
    عثمان وعذرا استاذ احمد على " زلة القلم"...............
    ....تحيات واحترام لكل من مر من هنا وبعث إلينا بسلام خاص....

    ..استمتع بالقراءه ...ولى عوده.....
                  

01-20-2010, 06:33 PM

احمد الامين احمد
<aاحمد الامين احمد
تاريخ التسجيل: 08-06-2006
مجموع المشاركات: 4782

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسرة محمد عبد الحي في منتدي دال الثقافي ...30/ 12 ...( توثيق مصور ) (Re: Shiraz Abdelhai)

    Quote: شكرا عمر على استمرار نافذة الضؤ هذه.......
    وعذرا لغيابي الطويل ...فالسفر قطعة من نار!!
    ....والشكر الجزيل حقا لأستاذنا الرائع أحمد الأمين,,,,
    الأستاذ أحمد الأمين علم على رأسه نار فى مجال تاريخ الثقافه السودانيه وتحديدا شعراء الغابه والصحراء......
    وقد عرفت هذه المعلومه فى بوست سابق أمتعنا فيه باشراقاته التى لا تمل....ومعلومات اقف أمامها مندهشه...وأرشيف ضخم...

    تحيه دكتوره شيراز والاخ عمر عشارى وياسر طيفور وجميع من يرافقنا فى هذا الابحار الممتع فى بحار عبدالحى والمشكله ياشيراز الشاعر عبد الحى وجيله يمنحونك مصابيح تستضى بها فى عتمه الظلام المعرفى هذا على مسوى الجمال والسحر اما على المستوى المعرفى فعبد الحى المحاضر الجامعى ورفاقه قديما باداب الخرطوم تحديدا شعبه الانجليزى فيحلقون بك فى سماوات من الدهشه والمتعه الذهنيه لدرجه ان تشعر انك تلامس السحاب او تمشى على سطح القمر ومن اولئك الدكاتره على عبد الله عباس ومحمد احمد lحمود ومروان حامد الرشيد ومجذوب واحمد نميرى و جون اباظه واستفنسن الذى يتعامل كلغوى مع 22 لغه!!!!!!!!!!??????????????
    نواصل ..........

    دكتور احمد محمد البدوي يكتب :

    [B]محمد عبد الحي وتجربته الشعرية
    الشعر رزق من الله

    * إلى ذلك الجيل المدهش من الافنديه المتمردين ينتمي محمد عبد الحي ,من الافنديه المتعلمين الذين تفتحت أكمامهم في ظل نظام التعليم البريطاني أو الموروث عنهم الدائر في فلك نمطهم من بعد ذهابهم .وكان وضع الأمور في نصابها يقتضى أن يتوج الجهاد بمآثر الوظيفة ومنافعها من بعد قضاء سنوات في جامعه الخرطوم التي كان يراد لها أن تكون موئل الصفوة المتعلمة في مدارس الحكومة البريطانية ,غرفه التعقيم التي تحول اليافع إلى كائن مستأنس ,نواة الفطرة المشاغبة المخشوشنة مستأصله منه منزوعة ,ريش أجنحته شبه منزوع لكيلا يحلق بعيدا.
    المعايير الراسخة تقتضى أن تلتحق بالجامعة ,ولاسيما الأقسام التي تحقق اكبر قدرا من الثراء الاقتصادي والاجتماعي أما أن تزهد في الوظيفة فتهيم على وجهك أو تزهد في الجامعة فتتركها وراء ظهرك مختارا غير مرغم فتلك خطيئة الكاردينال ,اوكبيره الإمام ,خروج على ناموس الحق والسداد ,وتفريط في زينه الحياة الدنيا.
    من ذلك الجيل النور عثمان أبكر الذي أكمل دراسته في قسم اللغة الانجليزية ومحمد المكي إبراهيم ,شاعران غريران تحت وطأة حمى التوله بالثقافة ونشدان معرفه غير متناهية يهاجران إلى ألمانيا ويقضيان أعواما في وسط العمال الكادحين الملونين ولكن " قرب المنبع" على صله بتيار الحياة يعودان إلى السودان ومآثر الوظيفة التي حولت المكي الآن إلى سفير من بعد أن طلب غفران أبيه على " حماقات السنين الضائعة" ولكن التجربة كان لها فضل في نمو ثقافة الشاعرين وتقويمها وهما شاعران من أميز شعراء السودان وستفرد لكليهما مكانه في خارطة الشعرالعربى الحديث يوم أن تستقيم الموازيين ويتراكم الماء المنهمر سيولا في مجرى واحد.
    ومن ذلك الجيل محمود محمد مدني امن بأنه سيكون نسيجا وحده خارج الجامعة فتركها و لم يكمل وارتاد مجال أن تغدو مثقفا محترفا في الخرطوم وأدركته المعاناة التي تشمل في أيام " النميري" زيارة السجن في رفقه رجال الأمن وقضاء شهورا فيه خسيفا عزيزا وأدمن الكتابه الصحفية لكن إيقاعها الفاتر لم يطمس الق الكاتب العظيم الذي يكتب النقد ويترجم إلى العربية ويبرع في القصة القصيرة وفرغ من كتابه روايات لم نشر ودون بحوثا في اللغة الانجليزية ومثله عبد القدوس الخاتم الذي لم يكمل الجامعة في الخرطوم ولا موسكو ولا لندن قبل بوظيفة متواضعة في الخارجية السودانية وعكف على قراءات مجوده في الانجليزية –التي يشاع انه حفظ احد معاجمها- والروسية والعربية وفى الفرنسية أيضا وإذا عجم عود الخارجية وانتقى صفوة مثقفيها مثل جمال محمد احمد: الأستاذ الجامعي ومستشار مجله " حوار" وصلاح احمد إبراهيم الذي يشبه " عثمان دقنه" في جيش المهدية على مشارف كرري ليس له راية معقودة باسمه ولكنه يعلو على كل الرايات وحملتها لابد أن يكون عبد القدوس الموظف المتواضع واقفا في شموخ مع أولئك النفر وكلهم أكمل دراسته الجامعية وربما أربى عليها وكلهم وزراء وسفراء من العلية القابعة في قمة الهرم لتلك الوزارة المستهلبه التي تحتل أفخم المكاتب في كل عصر من عصور الخرطوم مثل السن الذهبية في فم ازدرد بلا أسنان لشخص جائع متشرد ,الوزارة المتنضجه المنتفخة كالديك الرومي ,العاطلة المربوطة العنق تأنقا خوائيا تفتح ذراعيا للضباط إذا تنكر لهم الجيش وأحالهم إلى المعاش من تزكيهم الأحزاب والطوائف والشخصيات والحكومات العسكرية المتسلطة ولكنها لأتعرف عبد القدوس إلا موظفا صغيرا إلى أن زهد فيها وهاجر إلى الخليج ...ولعبد القدوس مساهمات نقدية متنوعة تمتزج فيها اللغات والأمكنة والنفوس وتشي بمقدره نادرة على التذوق والتحليل والعرض.
    إلى هذا الجيل المتطلع في اشرئباب مجنون إلى عالم فياض بالمثل , هو اسمق من عالم الافنديه بقيده الحريري وبصره الكليل ,إلى هذا الجيل ينتمي محمد عبدالحى الذي أتى إلى جامعه الخرطوم في مطلع الستينات وقضى عاما كاملا في كليه العلوم ,في السنة التحضيرية التي يتنافس طلابها على دخول كليات الطب والصيدلة والطب البيطري والزراعة ثم نفض يده من الكلية والعلوم التجريبية وانتقل إلى كليه الآداب ليبدأ مسيره جديدة تتعانق فيها الهواية بالتخصص والمزاج الفردي بالمهنة وتتوحد أجزاء قضيه الحية في بوتقة ملتمه متماسكة .وفى ظل المواءمة المشهودة تقترب خطوات الفتى من النضج وتبرز القسمات الفارقة لأسارير شخصيته ..في جيله الذي يضم شخصيات على قدر من التميز لاينال ن قدرها أنها متوارية غير مشهورة مما يعزى للظروف المنحصرة في عيوب المكان الذي ينتمون إليه المكان الذي يلحق مظالم قاسيه بالمقدرات الفذة القابعة خلف أسواره ولاشك أن من مقومات نبوغ الطيب صالح تفلته من حصار المكان.
    إن التحاق محمد عبدالحى بكلية الآداب من بعد ,هو عوده الطائر " السمندل" إلى سربه من بعد طول افتراق ,وانتفاضه في مصهر النار منبعثا من جديد ,يعنى أن اهتمامه بالأدب –ونشاطه الشعري مركز ذلك الاهتمام –لن يغدو على هامش حياته ,بل يغدو قوام يومه .وكان الجيل السابق من الشعراء قد ولج أبواب الشعر الحر ,وخاضت رموز منه في نهر الواقعية الذي يتدفق بحيوية وقوة حينا ,ويؤول إلى مستنقع فاتر في حين أخر ,ومن يطالع مجله " صوت المرأة " ألخرطوميه ويقف عند الأعداد القليلة الصادرة في السنوات الثلاث السابقة لثورة أكتوبر –تشرين الاول1964 سيجد عبدالحى الشاعر مساهما بقصائد موزونة مقفاة في ذكرى استقلال السودان ,اكبر همها مقحم على ملكوت الشعر من الخارج كالرقعة في جلباب الدرويش وهو المشاركة السياسية بالانتصار للشعب والتغني بأمجاده وربما سعت القصائد على نحو ايمائى للتعريض بالحكم العسكري الأول الممقوت من قبل الجامعة المتجني على الاستقلال المؤود باطراح الديمقراطية وتكميم الأفواه ومنح الحرية أجازه اجباريه . وفى تلك القصائد لفتات الشبل في حال الصيرورة إلى كائن ذي لبد جسور .ولان الواقعية مبثوثة في طيات الحركة الشعرية فقد أضحى الانفكاك من أسرها الغلاب ,سباحه مضادة لاتجاه التيار الذي لم يكن عبدالحى يخلو من مسوغات التسوق معه , ولهذا نسمع في تلك الأشعار رنات من هنا ودندنات من هناك وتبرز في إحدى تلك القصائد لمسات دالات على شي من شعر تاج السر الحسن.
    ولكن "المنحى الشخصي" في شاعريه عبدالحى يتخذ سمته عشيه ثورة أكتوبر 1964 , وعلى وجه التحديد والتؤكيد في الصفحة الادبيه لصحيفة "الرأي العام" ألخرطوميه التي كان يشرف عليها عبد الباسط مصطفى.
    في تلك الأيام عاد الشاعران محمد المكي إبراهيم والنور عثمان أبكر من ألمانيا من بعد الصعلكه الثقافية والتشبع بريح الشمال طازجة غير معلبه وبرئتين غير مستعارتين ,صدمتهما ألمانيا حين أفاقا بعد ارتطامهما وهما يهويان من حالق بصخره الهوية فهما ليسا أوربيين وليسا من ذاك النفر اليعربى المعدود في الملونين عند الألمان وكتبا شعرا معبرا عن واقع فاجعة الاكتشاف وكارثة الانتماء الملهوج وتأبطا خلاصه دعوة جديدة اشتهرت باسم: " الغابة والصحراء" الغابة الدالة على أفريقيا والصحراء تدل على العرب وتلقف عبدالحى الدعوة وغدا داعي دعاتها كتب " إن خلاص الشعراء السودانيين السابقين غير خلاصنا من دعا منهم إلى عروبة خالصة " كالعباسي ومن افتن في التغني بحبيبه اسمها أفريقيا السوداء كالفيتورى وان الخلاص في جمع الأمرين ,"وبدأ يكتب شعرا مثل " جنيه الغاب وفارس الجواد الأصيل " وبدا يستحضر الرموز الخاصة بالأمرين المتمازجين ثم يسبكهما ونشرت الصحيفة الادبيه أن عبدالحى أحرق كل أشعاره السابقة لمرحله الغابة والصحراء ونهض من تصدى للدعوة المبتدعة على أساس أنها هرطقة معاديه للعروبة مثل " الفاتح التجانى".ا
    والحق أن مسالة الهوية كانت مطروحة على نحو ما في ديوان الشعر السوداني ,سبق إن تلبث محمد المهدي المجذوب عند الزنج وحلم بربابهم واستعصم صلاح احمد إبراهيم بالرموز الافريقيه وأبرزها في دوى قوى بارز في عنوان ديوانه الأول "غابه الأبنوس" لكن النور عثمان أبكر حين خلع عروبته من بعد في مقال يرد عليه صلاح قائلا : " نحن عرب العرب".
    وسبق أن الم بهذه الهوية المزدوجة التكوين فنان تشكيلي مثل : إبراهيم الصلحى في لوحاته وتنبه من حيث أعمت الغفلة الشعراء الافنديه إلى الأس الاسلامى بطابعه الصوفي الشعبي فنم عنه في شفافية وفى جيل سابق دعا موسيقار مثل إسماعيل عبد المعين إلى " النقر زان" الإيقاع الأصيل الذي يوصل بنسبه إلى زرياب .
    وفى فتره لاحقه يكتشف عبدا لحى أن الخيمة الكبرى للعروبة في السودان قد استظلت بالغاب في لندن وذلك في دراسة ممتعه عن ديوان "أصداء النيل" لعبد الله الطيب الذي يضم قصائد نظمها الشاعر عندما كان يعد اطروحه الدكتوارة في الأدب العربي بلندن.في النصف الثاني من الأربعينات .وفى تلك القصائد مذاق افريقى واضح.جعله عبدا لحى نزعه زنجية في الحانات وعن بنات الانديز وعن إحساس قوى بانتماء مثل الثلج ذاب من بعد العودة إلى الخرطوم –الصحراء.
    قضيه الغابة والصحراء ,استمدها عبدا لحى من النور ومكي ناسجا على منوالهما ,مضيفا إليها وربما ظهر جنوح لاستئثاره بها وان يكن أعلى الأصوات المروجة لها.
    وفى ظلها كتب عبدا لحى قصيدة: "العودة إلى سنار" بما عراها من تعديلات مستمرة إلى أن طبعها في كتيب ,على أساس أنها قصيده طويلة .وفى الطبعة الثانية حذف بداية التكوين الأول الذي يمثل مطلع القصيدة –الملحمة الروح, وهو نواة القصيدة المعدلة وأكثر أجزائها نبضا بالحيوية ينساب في تدفق متواصل بلارتابه:
    حين أبحرنا إلى سنار عبر الليل كانت
    شجرة التاريخ تهتز بريح قادم من
    جزر الموتى وكان الكروان المرجاني يغنى
    في غصون الشوك صوتا
    " كان غناؤه على شرفه ترهاقا قديما"
    وانحدرنا خلف سور الغاب والصحراء كانت
    نبع حيل,هي البوابة الأولى
    ينابيع على الجدران,منديل عليه\ من دم العذراء وهج
    ....درع قديم ,ونقوش ذهبيات ,وورقاء هتوف,ورماح
    أبنوس
    كان حلما أن نرى البدء وميلاد الطقوس.
    ومن ثم يطرق أبوب المجلات كالآداب ,حتى إذا ما تخرج ونال درجته الأولى وابعث إلى بريطانيا من قبل قسم الانجليزية بجامعه الخرطوم ,يتسنى له أن يطرق أبواب المجلات الجادة كمجله" شعر" و"حوار" و"مواقف" ومجله " المجلة" القاهرية ,و"البيان" الكويتية" و "المعرفة " الدمشقية".
    هذه المرحلة من شاعريه عبد الحي ,تستغرقه فيها الرموز السودانية المحلية والافريقيه والمسيحية واليونانية ويسميها هو "المرحلة الوثنية" ويود أن لو تأتى له إسقاطها .وقد اجتهد فعلا في إسدال ستار من النسيان على قدر غير قليل من القصائد المنشورة ,ربما لأنها لأتمثل شاعريته بآفاقها الجديدة في مرحله السبعينات ,وربما لأنها تشف عن خضوع لمؤثرات ,تجعل صوت الفذاذه متواريا وراء السياق مع أنماط أداء خاصة بشعراء مهمين.
    وهنا تتجلى ميزه ملازمه لتراثه الشعري ,هي الإصرار الدءوب على التجذر بطرق دروب جديدة ومجاهل وتجربه أنماط متنوعة والإلحاح على مداومة المحاولة ,قد يكون راغبا في اكتشاف نفسه ,واستخراج أفضل ما عنده والعثور على ماهو جوهر "لؤلؤ رطب" في عالمه, وقد يدل ذلك على قلق تجربته التي عرفت الحركة ,ولم تعرف الاستقرار .
    ومع ذلك هناك ملامح من تأثر غير خافيه في شعره تدل على صله قويه بشعر خليل حاوي والبياتى وتبدو العلاقة امتن بشعر ادونيس .ونحسب اهتمام عبدا لحى بالصوفي النفرى وإثباته اشاره ألبه في قصيده " العودة إلى سنار" وقد بدأ من اشاره سابقه في الزمان إلى النفرى وردت في ديوان ادونيس ولكن شاعرنا يطو الاهتمام بالرمز الصوفي إلى حد العكوف على "الفتوحات المكية" و" فصوص الحكم" لابن عربي . ولكن الرمز الصوفي في الشعر الحديث يستمد جذوره من ادونيس ثم من البياتى في استخدامه رمز الحلاج مثلا.
    ومن حيث البناء تشابه قصيده " العودة إلى سنار" قصيده " الأرض اليباب" أو " الأرض الميتة" لاليوت .كلاهما ذات خمسه تكوينات وذات هوامش في أخرها وكلاهما ذات اهتمام جم بازمه الهوية أو الانتماء واجده في التوجه الديني حلها الناجع.
    إن الشعر عند عبدا لحى يسمق عندما يصفو من كدر الاحتشاد الفكري ويغدو غناء مصفى غير مشوب عند عبد الحي المغنى .ولكنه راسخ الإيمان بان الشاعر الكبير يكون رحب الثقافة كدانتى يمكن أن يحتوى صدره على معرفه عصره كالمتنبي ولابد له من أن يبلغ أشياء ذات عمق فكرى وعنده هاجس قديم اسمه " البراءة الأولى" أو براءة اللغة أعاده صياغة الكلام بما يمنحه مجلي جديد ,وكأنه اللغة تولد من جديد بريئة طاهرة.
    بين هذين القطبين ,سعت محاولاته في الأفاق ,ولكنه الشاعر المغنى الذي يحسن الأداء الوجداني الذي يبدو عفويا تلقائيا ,بعيدا عن التعقيد ورشح الجبين .وانه ليسمعه في المقطوعات القصيرة والأبيات القليلة:
    هذا رنين قدم الفجر على التلال والأشجار
    يخبر كيف مرت الريح على القيثارة
    واعتنق الملاك والعذراء
    تحت سقوف النار
    وافترقا إلى سمائه
    وهى إلى جسدها المقهور
    وبدأت حكاية الرعب
    الذي يرسب في حنجرة العصفور.
    وستبقى لنهجه الشعري قيمته الفنية في الدلالة على سعيه من اجل بلوغ براءة اللغة والشعر الصافي وذاك الضرب من الشعر الذي يعيد خلق الأشياء وتركيب الكائنات ومنحها أبعادا أسطوريه أو قدسيه مما يبين في احتشاد طائفة من قصائده بأسماء الطيور وغيرها من الكائنات البرية مثل الحشرات.
    وهو قوى الأيمان بما يقدم وبان لكل شاعر ما يسميه القصيدة الكبرى وقصيده : "العودة إلى سنار" هي قصيدته الكبرى التي يرى أن الناس لم يقدروها حق قدرها في السودان .إلى أن جاء خبير من خارج الحدود ,يعنى " سلمى الخضراء الجيوسى" التي كتبت دراسة مطوله عنها وكانت يومها تدرس الأدب العربي في جامعه الخرطوم .
    ومن جانب أخر استغرقته الصوفية عندما سعى إلى استدعاء رموزها وشخصياتها ومصلحاتها طرائقها في الشعور والتعبير إلى حد ذوبان البرزخ الفاصل بين الشاعر والصوفي والانتقال من الشعر المستلهم للصوفية نفسها فأطلق قولته المشهورة " الشعر رزق من الله" ووزعت قصيدته " معلقه الإشارات" المطبوعة العام ">>>>>>>>>>>>"طبعه خاصة من قبل مصلحه الثقافة إبان توليه إدارتها في أيام الاحتفال بالمولد النبوي في ساحة العاصمة.واستعصم برأيه في انه أول شاعر حديث أعاد كتابه المديح النبوي.

    ** المصدر: مجله " الناقد "اللندنية العدد 30 ديسمبر 1990
    *** تنبيه
    هذا ليس المقال كاملا بسبب فقداني صفحه من المجلة

    **** أحمد محمد البدوى استاذ جامعى سودانى وناقد ادبى من طراز فريد له أكثر من اربعه مؤلفات يمتاز بتواضع انسانى وحسن خلق ويستحق ان يفرد له بوستا خاصا



    .

    (عدل بواسطة احمد الامين احمد on 01-21-2010, 10:20 AM)

                  

01-21-2010, 11:23 AM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسرة محمد عبد الحي في منتدي دال الثقافي ...30/ 12 ...( توثيق مصور ) (Re: احمد الامين احمد)

    Quote: لابد أن يكون عبد القدوس الموظف المتواضع واقفا في شموخ
    مع أولئك النفر وكلهم أكمل دراسته الجامعية وربما أربى عليها
    وكلهم وزراء وسفراء من العلية القابعة في قمة الهرم لتلك الوزارة
    المستهلبه التي تحتل أفخم المكاتب في كل عصر من عصور الخرطوم مثل
    السن الذهبية في فم ازدرد بلا أسنان لشخص جائع متشرد ,الوزارة
    المتنضجه المنتفخة كالديك الرومي ,العاطلة المربوطة العنق تأنقا
    خوائيا تفتح ذراعيا للضباط إذا تنكر لهم الجيش وأحالهم إلى
    المعاش من تزكيهم الأحزاب والطوائف والشخصيات والحكومات العسكرية
    المتسلطة ولكنها لأتعرف عبد القدوس إلا موظفا صغيرا إلى أن زهد
    فيها وهاجر إلى الخليج ...ولعبد القدوس مساهمات نقدية متنوعة
    تمتزج فيها اللغات والأمكنة والنفوس وتشي بمقدره نادرة على
    التذوق والتحليل والعرض. .
                  

01-23-2010, 07:22 AM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسرة محمد عبد الحي في منتدي دال الثقافي ...30/ 12 ...( توثيق مصور ) (Re: Mohamed Abdelgaleel)

    قبل عدة أشهر كتب عمر جعفر السوري عن محمد عبدالحي:

    حاضــرٌ رغـم الغـياب؛ عشـرون عاماً عـلى رحـيل محـمد عـبد الحي .. بقلم: عمـر جعـفر السَّـوْري

    العبقرية الشعرية هي تجسيد للإنسان الحق، كما أن جسد أو مظهر ذلك

    الإنسان منبثق من تلك العبقرية الشعرية ذاتها. (وليم بليك)

    في مثل هذه الأيام منذ عشرين سنة رحل عبقري ما فتئ يلهم أعداداً متزايدة من الناس، مبدعين ودارسين وغاوين؛ يثير فيهم روح التأمل، و يحفزهم على الانطلاق إلى رحاب واسعة، ويطلق منهم و فيهم مكنونات قرائحهم، و دفين مشاعرهم وأحاسيسهم. بقي محمد عبد الحي، ذلك السامق الجميل، حاضراً في عصفِ الغيابِ ريحَ عطاءٍ متجددٍ كلما نظر المرء إلى عمل من أعماله، إلى قصيدة من درره، بل إلى بيت من شعره.

    التقيت محمداً أول مرة في منزل كان يسكنه مع الصحافي جمال عبد الملك (ابن خلدون) في الخرطوم بحري. ففي ذات ليلة خريفية من أخريات ليالي الستينيات ترك ابن خلدون دار الرأي العام مبكراً، إذ لم يكن في الأفق ما يستدعي البقاء لملاحقة نبأ أو متابعة قصة صحافية بدأت في التدفق عبر المذياع أو المبرقة أو الراقمة. كانت ليلة راكدة خبرياً، مملة ناعسة. كنت عنده في المكتب، حينما بدأ كلانا يتثاءب ضجراً لا نُعاساً، فدعاني لمواصلة "الثرثرة"، في منزله، حول رواية لويس عوض "العنقاء: أو تاريخ حسن مفتاح"، و خصوصا الفصل الأخير منها. كان جمال يرى نفسه في فصولٍ من تلك الرواية، إذ انتمى في فترة من الفترات إلى الجماعات الماركسية المصرية؛ نشط في بعضها، وعرف أخرى، وتعاون مع غير واحدة، حتى قدومه إلى السودان. كانت تلك الرواية وأحداثها وظلالها وإشاراتها، وإنجيلها المقلوب محور أحاديث طويلة دارت بيني وبينه في أوقاتٍ مختلفة، كشف لي خلالها رموز أسماء وردت بين دفتي الكتاب، وفسر لي بعض ما جاء فيها من وقائع اختلطت بالخيال والسرد الروائي. لم أعرف وقتذاك انه شريك محمد في السكن حتى دلفنا إلى الدار.



    رأيت محمداً راقداً في فناء البيت وعلى راحتيه كتاب تبينت فيما بعد انه ترجمة إنقليزية لرواية "موت مريح" لسيمون دوبفوار! صاحبة الفيلسوف الوجودي الفرنسي سارتر ورفيقته فكرياً وإنسانياً، وإحدى رائدات الحركة الأنثوية. في تلك الفترة أهتم كثير من "المثقفين" السودانيين بمتابعة الوجودية و كتّابها و أدبائها كما فعل نظراؤهم المشرقيين. كانت بيروت من روافد الترجمات العربية لذلك الفكر، لا سيما المكتوب بالفرنسية. إلا إن الخرطوم قد ذهبت أبعد من ذلك حينما أسس عدد من "المثقفين" تياراً وجودياُ نشيطاً، رغم صغر حجمه، نطقت باسمه مجلة "الوجود" التي لم تعمّر الا قليلاً، و احتجبت بعد صدور أعداد قليلة. لعل نقص التمويل، وضيق ذات اليد من بين عوامل التوقف. كان من ابرز وجوه ذلك التيار، بشير الطيب، الذي رأس تحرير المجلة، و المحامي كمال شانتير. حينذاك كان تلاقح الأفكار والتيارات وصراعها في السودان ثراً و متمدناً؛ و التسامح قائم على ترك الحكم للناس فيما يتلقون من معارف ومذاهب، وليس مرتكزا على قضبان الحديد والعصي الغليظة والعنف الغاشم الأهوج الأعمى، وإنزال العقوبات الجسدية بالرجال والنساء والأطفال، وقتلهم وإخفاء جثامينهم. كان للوضعية المنطقية – على سبيل المثال - أنصارها، و حتى البنيوية و كلود ليفي اشتراوس وجدا آنذاك من ينافح عنهما في محيط الصفوة.



    كانت تلك من خصال محمد: القراءة في كل وقت، فان لم يكن كتاباً مطبوعاً، فتصفح عقول الآخرين و آرائهم؛ حتى حينما أصبح التلفاز آفة العالم، غنيه و فقيره، المتعلم منهم و الجاهل، يسرق وقتهم، و يصرفهم عما يميط العُصب عن العيون. خصلة القراءة تلك تعدي من يخالط محمداً وتسري فيه. فحين التقينا في دمشق صيف العام 1980 لم أشاهد وجه هذا الغول الكاسر حتى غادرنا هو وأسرته عائداً بعد شهر أو بعض شهر إلى السودان، فعدنا نحن سيرتنا الأولى، نصرف ساعات ثمينة فيما لا يجدي!



    في تلك الليلة دار حديث تعارفٍ لمس سطوح مواضيع شتى. و محمد يسبر غور من يتعرف إليه لأول مرة بشفافية الشاعر المتبتل، و رؤية المعلم الحاذق، و نفس الكريم المعطاء.



    كنت التقي محمداً في أوقات متباعدة، الا إنني قضيت معه وقتاً طويلاً في دمشق، اقتربت منه وحاورته من غير إلحاح. كنت اذكر له شيئاً بصورة عابرة دونما أبيّن له بأني متقصد ذلك. لكنه كان يدرك قصدي، فإما يسهب في الحديث أو يختصر. قبل لقائنا في جُلًقْ الشام، استضافني في منزله بالخرطوم في أواخر سبعينيات القرن المنصرم حيث أفرد لي مجلساً عامراً بالود والأدب والثقافة بكل ألوانها وأشكالها وحديثاً مستطرداً يؤمه شاعر العربية والسودان محمد المهدي مجذوب، ثم أعقب ذلك، في وقت متأخر من الليل، بمأدبة حافلة بما لذ وطاب صنعته أيدي زوجه ورفيقة دربه الدكتورة عائشة. كان ثلاثتنا في انتظار عبدالله على إبراهيم. لكنه لم يأت مضطرا، فقد لبث (تحت الأرض) يومذاك، إذ كانت العيون و العسس تقتفي أثره. لعل الطريق لم تك آمنة و سالكة له ذاك المساء. قبل أن أغادر الخرطوم حمّلني شاعرنا مخطوطة دراسة له عن قصيدة بدر شاكر السياب "أنشودة المطر"، كتبها في ذكرى انقضاء ربع قرن على نظمها.



    طلب مني أن أحاول نشرها في سورية أو لبنان. اقترحت أن أقدمها إلى مجلة "المعرفة" السورية، وهي مجلة ثقافية شهرية راقية تصدرها وزارة الثقافة في سورية، كانت تذكرني بمجلة "الخرطوم" أيام مجدها. لقي اقتراحي قبولا لديه، بل ترك تقدير مكان النشر لي. حينما وصلت دمشق ذهبت على الفور إلى مقر المجلة في مبنى ملحق بالوزارة. استقبلني في مكتبه رئيس تحريرها يومذاك الصديق الأديب زكريا تامر. طلب فنجانين من القهوة. قلت له: زكريا، قبل أن نتحدث في أي شأن آخر، أود أن أخبرك بأنني قادم من الخرطوم و أحمل إليك منها هدية قيمة، هي دراسة للدكتور محمد عبد الحي لنشرها في "المعرفة"، و ناولته مظروفا يحوي ما كتبه محمد. أشعل زكريا لفافة اخرى من عقب سيجارته، فهي لا تفارق شفتيه الا وقت المنام. فتح المظروف وبدأ قراءة الدراسة. ظننته في البدء سيبدأ بتقليب أوراقها سريعاً أثناء زيارتي. الا انه أخذ يقرؤها، و مع كل صفحة يطويها كان يشعل لفافة اخرى و يرشف رشفة خفيفة من فنجان القهوة حتى آخر صفحة. لم يكلمني البتة أثناء القراءة ولم ينظر إلي. استغرق ذلك وقتاً طويلاً لم يكن في حسباني. حينما انتهى من القراءة نهض إلى مكتبه ورفع سماعة الهاتف وأمر من أجابه بالحضور فورا لأخذ مادة جديدة للعدد القادم الذي كان مقرراً صدوره بعد أيام. أخذت الدراسة طريقها إلى المطبعة مباشرة قبل أن نتبادل الأحاديث في شؤون وشجون شتى. ونشرت الدراسة في عدد ذلك الشهر.



    بعدها بأشهر قليلة جاء محمد وأسرته إلى دمشق، وأتينا على ذكر دراسته فقلت له أنها نشرت في المعرفة ذات الشهر الذي تسلمتها منه وله أن يأخذ نسخاً من ذاك العدد من دار المجلة التي انتقلت حينذاك من مقرها قرب مبنى وزارة الثقافة إلى شارع فرعي من ساحة النجمة حيث ملتقى الأدباء والمثقفين في مقهى الاتوال (النجمة)، و كنت اختلف إليه. صحبت محمدًا إلى مقر المجلة ورجوته أن يصعد إلى مكاتبها وحده وسأنتظره في المقهى أو نلتقي في المنزل إذا ما طالت جلسته هناك. عرفت منه فيما بعد أنهم احتفوا به أيما احتفاء. أطالوا الجلوس إليه فلم يوافني في المقهى ولم انتظره سوى نصف ساعة ثم مضيت إلى موعد لي وانصرفت إلى شغل كان ينتظرني.


    رغم مضي ساعات على تركه مقر "المعرفة" ، الا أن الدهشة ظلت ترتسم على وجهه حينما رأيته في البيت ذاك المساء. بادرني بالقول انه أمر غريب يحدث في هذه البلاد. لقد زودوه بنسخ من العدد الذي نشرت فبه دراسته وطلبوا منه قبل مغادرتهم أن يعرّج على محاسب المجلة ليتسلم المكافأة المقررة له واعتذروا منه لعدم إرسالها إليه قبل ذلك التاريخ لأنهم لا يعرفون له عنوانا وليس لديهم حسابه المصرفي في السودان. لم يكن محمد فرحاً بالقيمة المادية للمكافأة - إذ لم تكن في حسبانه - ولكن في القيمة المعنوية وفي التقدير الذي يلقاه العمل الفكري، وفي أن هذا التقدير المادي جاء بدون مطالبة، وأن انقضاء الشهور الطوال عليه لم تلغه أو "تشطبه من الدفاتر". قارن محمدٌ ذلك بما يجري في الصحافة السودانية. تدفق حديث ثر ممتع تلك الأمسية من جداول أحاديث محمد الرقراقة الجزلة.

    كان بعض المثقفين والشعراء السوريين على دراية بجماعة الغابة والصحراء. فقد دار حديث استغرق وقتاً طويلاً عنها يوم احتفى الشاعر السوري علي الجندي بمحمدٍ. كان لقاؤهما حميماً وحاراً أطلق قريحة علي الجندي وتعليقاته الظريفة ودعاباته وسخريته الودودة. كان لون بشرة شاعرنا هو منطلق الحديث عن تلك الجماعة وشعرها، قبل أن نخوض في حال الشعر العربي الحديث، وحال العربية نفسها. تذكرت يومئذ أبياتاً للشاعر والتشكيلي الانقليزي وليم بليك فيها جرعة كبيرة من العنصرية، و تناقض واضح، يقول فيها:

    لقد حبلت بي أمي في برية الجنوب

    وأنا أسود اللون، آهٍـ! لكن لي روحاً ناصعة البياض

    أبيضٌ مثل ملاك ذلك الطفل الانقليزي.

    غير أني أسودٌ، كأنما حرمتُ من نعمة الضياء.

    كم يبدو محمد عبد الحي أكثر وضوحا وانسجاماً في قصيدته "العودة إلى سنار"، حينما يشير إلى ذات الامر!

    انحصرت غالب الدراسات و المقالات والرسائل الأكاديمية التي تناولت هذا العبقري في عمله الكبير "العودة إلى سنار" الذي أعاد كتابته أكثر من مرة. ورأيت أنها أيضاً لم تشر إلى مغزى تلك الإعادة، أو بالأحرى تلك العودة إلى القصيدة منذ أن كتبها أول مرة إلى أن رحل. و بعضهم مر عليها مرور الكرام! يقول في نسخة منها:
    عربي أنت؟ لا.
    من بلاد الزنج ؟ لا
    و لكن أبدل ذلك فيما بعد:
    بدوي أنت؟ لا
    من بلاد الزنج ؟ لا

    خشي محمد من أن العبارة الأولى قد تضع معولاً هداماً في أيدي من يريد سوءاً – بغير وجه حق – بالثقافة العربية في السودان. ورغم ذلك حدث ما كان يخشاه و ينفر منه، رغم التعديل الذي أجراه، حينما استشهد بتلك الأبيات منصور خالد (طبعة الحركة الشعبية لتحرير السودان) إظهارا للعداء نحو الثقافة العربية في ربوع السودان وأنحائه. بئس ما فعل حينما وقف عند "لا تقربوا الصلاة".
    لكن الكثيرين – إن لم يكن الجميع – أغفل نثر محمد الذي كتبه بالعربية والانقليزية، وتجاوزوا عمله الأكاديمي وجهوده الثقافية الموازية، مثلما عبروا فوق أعماله الإبداعية الأخرى. فقد خاض عبد الحي غمار النقد، كدراسته عن "أنشودة المطر" و التجاني يوسف بشير وغيرها. وله كراسة منشورة باللغة الانقليزية بعنوان "الشعر السوداني المعاصر" فيها نظرة عميقة نحو حركة الشعر في السودان. أهداني تلك الكراسة و ديوانه "السمندل يغني" حينما جاء إلى الفيحاء يستريح فيها قليلاً. لم أضن على أحد بكتاب أو مطبوعة من قبل ومن بعد، الا بتلك الكراسة، حتى غافلني أحدهم و أخذها. عدد من الطلاب السودانيين والعرب الذين كانوا يدرسون في قسم اللغة الانقليزية بكلية الآداب في جامعة دمشق استفاد منها في كتابة مشاريع وأوراق تخرجهم. كانوا يأتون إلى منزلي لقراءة الكراسة. لم يكن لأحد استعارتها البتة وإخراجها من المنزل! كذلك كتب محمد المسرحية. وحينما أراد أن يلج أبواب السياسة، فعل ذلك بأسلوبه الرفيع وعلى رؤوس الأشهاد، إذ نشر في الصحف رسالته إلى علي محمود حسنين التي يطلب فيها الانضمام إلى الحزب الوطني الاتحادي. أما ما فعله في وزارة الثقافة، فإنني أدعو غيري للكتابة عنه تفصيلاً، إذ لم أكن في السودان لأشهد بذلك.

    كان محمد المعلم حاضراً دوما حينما يدعى إلى الدرس و التدريس. تلقيت ذات مساء هاتفاً من وردتين شاميتين من الورد الجوري الذي تشتهر به دمشق. هما شاميتان من قلب حي الميدان الدمشقي العريق. طلبتا أن أشرح لهما أبياتاً من الشعر الانقليزي، حيث ستجلسان لفحص التخرج في اليوم التالي، اعتذرت منهما لأنني في حضرة ضيوف كرام، الا أنهما ألحتا إلحاحاً لا يجدي معه اعتذار، ثم قلت كيف أفتي ومالك في المدينة. فسألته العون، فأجاب من غير تردد. كنت في تلك الأمسية صحبة محمد وأسرته و الشاعر السوري، نزيه أبي عفش، وأسرته. جاءت الجوريتان فجلس محمد يشرح لهما أبيات الشعر ويحدثهما عن الشاعر والمناسبة لساعة من الزمان. استأذنتا بالانصراف بعدها، و لكن قبل خروجهما قالتا أنهما استوعبتا "الأدب الانقليزي في هذه الساعة بمقدار ما درستاه في سنوات الجامعة الأربع!" كنت أصيخ السمع لشرح محمد، فأدركت أن التعليم عنده إبداع كما الشعر والأدب. فهل يكتب تلاميذه عن محمد عبد الحي المعلم؟
    نزيه أبي عفش شاعر وتشكيلي وموسيقي ومتمرد من بلدة مرمريتا في جبال الساحل السوري. وهي بلدة تحدث أهلها عن الأمية كخرافة يوم كان المشرق يغط في نوم عميق. ارتحل سكانها إلى مشارق الأرض ومغاربها وهاجروا، لكنهم ما انفكوا يعودون إليها بما غنموا، وما كسبوا، يضعون فيها جنى العمر، حتى بدأت الهجرة بين أبنائها في الانحسار بينما تزايدت عند غيرهم. أبو عفش –وإن لم يكن معروفاً خارج بلاد الشام كما يجب – شاعر رائد يسبق غيره ويظل سبّاقاً في تجديده للشعر المعاصر من كل جوانبه لغة وموسيقى وغير ذلك.



    التقيت محمداً للمرة الأخيرة في العام 1981 حينما توقفت لمدة يومين في لندن عند عودتي من أكابولكو بالمكسيك حيث انعقد الاجتماع الثاني لوكالات الأنباء العربية والاميركية اللاتينية، بعد اجتماعها الأول في دمشق. و كالعادة كان السودان غائباً عن كل تلك المؤتمرات و الاجتماعات. كنت احرص على أن التقي بعثمان وقيع الله في المرات المتباعدة التي ازور فيها عاصمة الإنقليز. يومذاك اتصلت به فأنبأني بان صديقنا الشاعر الكبير محمد عبد الحي في العاصمة البريطانية للعلاج رفقة زوجه ووالدته. طلبت منه أن يصطحبني إليهم لأعوده، وازور أسرته الكريمة. كنت أقيم – كعادتي – في كيو غاردنز في منزل صديق وزميل صحافي أميركي، هو شارلس قلاس، تربطني به وشائج مودة قديمة. وشارلي حاول أن يسبر - من خلال رحلة برية قام بها – أعماق ما وراء سايكس – بيكو، فكتب "قبائل ترفع أعلاماً: رحلة مبتورة من الاسكندرون إلى العقبة". الكتاب مرجع مهم لفهم ظلال وخطوط تقسيم المشرق. وقد انقطع خط رحلته تلك في بيروت عندما خُطف صحبة علي عادل عسيران، نجل رئيس البرلمان اللبناني الأسبق، ثم أطلق سراحه من الأسر بعد عشرة أسابيع، أما السياسي اللبناني فقد خُلي سبيله بعد أيام ثلاثة!



    ألح التشكيلي المبدع عثمان وقيع الله أن يصحبني من كيوغاردنز، رغم بعد المسافة، إلى حيث يقيم محمد عبد الحي. ولم أتمنع كثيرا، إذ عرفت إن تنقلنا من قطار إلى حافلة حتى نصل هناك سيمتعني بطلاوة حديثه وروائع حكاياته ورواياته. و كان كما حسبت. كان عثمان من جيل أبي و لكنه أبى إلا أن يأتي ليصحبني بدلا من أن نلتقي عند شاعرنا الكبير.

    تردني في هذه الذكرى أبيات للشاعر الانقليزي أدوين موير في قصيدته "إبراهيم"، فهو قد رحل غرير العين، رغم إن الوعد لم يتحقق بعد، و لم يقترب من دار أبيه في أرض كنعان البعيدة:

    لقد جاء، و استراح، و أصاب نجاحاً و ازدهاراً، ومضى
    مخلفاً وراءه ممالكَ رعاةٍ صغيرةٍ مبعثرةً هنا و هناك
    و فوق كل مملكة سماؤها المميزة.
    تلك السماوات لا تشبه السماء الكاملة العظيمة التي سافر عبرها.
    و التي ارتحلت معه، لكنها تغيرت لما استراح.
    فاض ذهنه بالأسماء
    التي تعلمها من غرباء يتكلمون ألسنة غريبة.
                  

01-23-2010, 07:29 AM

عمر عشاري
<aعمر عشاري
تاريخ التسجيل: 08-22-2009
مجموع المشاركات: 1777

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسرة محمد عبد الحي في منتدي دال الثقافي ...30/ 12 ...( توثيق مصور ) (Re: Mohamed Abdelgaleel)

    محمد ياصديقي


    مشتاقين

    ماهي الصداقة إذا لم تكن توسيع معارف الآخرين ومدهم بالأشياء المفيدة

    أشكرك على جعل هذا البوست مليئا بالمعلومات القيمة
                  

01-24-2010, 10:22 AM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسرة محمد عبد الحي في منتدي دال الثقافي ...30/ 12 ...( توثيق مصور ) (Re: عمر عشاري)

    عشاري/أحمد الأمين الاصدقاء جميعاً نتابع

    قال الشاعر/عصام عيسى رجب .. في الاحتفال بالذكرى العشرين
    على رحيل د. محمد عبدالحي - مركز الملك عبدالعزيز التاريخي
    بالرياض - المملكة العربية السعودية:

    "الليلةَ يستقبِلُني أهلي،
    أرواحُ جُدودي
    تخرجُ مِنْ فضةِ أحلامِ النَّهر
    ومِنْ ليلِ الأسماء
    تنفُخُ في رئةِ المدَّاح
    وتضرِبُ بالساعِدِ
    عبرَ ذِراعِ الطبَّال ......"


    نستقبِلُهُ وتطوي روحُهُ وأشعارُهُ الزمان، فهيَ لم تغِبْ وإن غابَ الجسَدْ .......
    ولا أجملَ مِنْ أنْ نستقبِلَهُ ونحنُ نقرأُ آثارَهُ الخالِداتْ، التي ما تزالُ بِكرَةً
    تنتظِرُ الكثيرَ مِنْ البحثِ الجادّْ، والقراءةِ النافِذةِ التي تُضيءُ ما اكتنزتْهُ
    قصائدُهُ مِنْ معانٍ ظهرَ مِنها ما ظهرْ، وخَفِيَ منها أضعافُ أضعافُ ما ظهرْ .......

    ولا أجدرَ بهكذا بحث وقراءة مِنْ مُحدِّثِنا الليلةَ الدكتور / بشرى الفاضل،
    القاص والشاعرِ والقاريءِ الناقد ........ والذي نرحِبُ به بيننا في ليلتنا
    هذه، باسمِكُمْ وبِسْمِ الجمعيَّتَينِ المُنظِمَتَينِ لحدَثِنا ذا: الجمعيِّة السُودانيَّة للثقافةِ
    والآدابِ والفنون بالرِّياض، وجمعيِّةِ الصحفيين السُودانيين بالسعوديِّة ....

    "حملَ العُودَ المُرِنَّا
    وامتطى مُهراً جموحاً،
    وتغنَّى .....
    بينَ غاباتِ النخيلْ:
    غِبتَ عنَّا
    لم تعُدْ،
    عادتْ عصافيرُ الأصيل
    غِبتَ عنَّا
    أيُّها الطِفلُ الجميل ......"

    غابَ الطِفلُ الجميلُ منذُ عشرينَ سنة، لكنَّهُ يعودُ الآنَ في هذه الليلةِ كأجملِ وأبهى
    ما تكونُ العودةُ جمالاً وبهاءَ، وكيف لا، وهي العودةُ إلى الشاعرِ العبقريّ محمّد
    عبد الحي
                  

01-26-2010, 09:05 AM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسرة محمد عبد الحي في منتدي دال الثقافي ...30/ 12 ...( توثيق مصور ) (Re: Mohamed Abdelgaleel)

    كتب محمد عبدالحي في (الرؤيا والكلمات - قراءة في شعر التجاني يوسف بشير):
    التركيز والنقاء هما الهدفان النهائيان للصناعة الشعرية عند التجاني (..)
    التركيز الشكلي يضمر محاولة متصلة لتركيز الوعي الشعري بالعالم (..) الى
    أن يتخلص الشعر من الموضوع، تخلصاً نهائياً، ويصبح (الحضور الشعري) محور
    عمل الشاعر.. وهذا يفسر لماذا كانت أكثر قصائد (إشراقة) عن طريق مباشر
    هي شعر عن الشعر
                  

01-27-2010, 01:12 PM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسرة محمد عبد الحي في منتدي دال الثقافي ...30/ 12 ...( توثيق مصور ) (Re: Mohamed Abdelgaleel)

    رفرف التنين في ليل المدينة أخضر الجلدة وهاج الشعل
    فأضاء النهر ، فالأصداف في الماء أزهار غريبة
    د. محمد عبد الحي
                  

01-27-2010, 05:34 PM

احمد الامين احمد
<aاحمد الامين احمد
تاريخ التسجيل: 08-06-2006
مجموع المشاركات: 4782

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسرة محمد عبد الحي في منتدي دال الثقافي ...30/ 12 ...( توثيق مصور ) (Re: Mohamed Abdelgaleel)

    شاعر " أمتى" محمد المكى ابراهيم يكتب عن :
    القصيدة الضوئية
    معلقة الإشارات لمحمد عبد الحي

    صدرت هذه القصيدة أول صدورها على هيئة مطبق ذي ثمان صفحات احتلت القصيدة سبعا منها وآلت لثامنة إلى العنوان .وقد صدرت عن مصلحة الثقافة عام 1977 بعنوان إضافي هو:"قصيدة نبوية في مقام الشعر والتاريخ" وتحتوي على عناوين فرعية لكل مقطع وهي على التوالي:إشارة آدمية-إشارة نوحية-إشارة إبراهيمية-إشارة موسوية- إشارة عيسوية-إشارة محمدية-إشارة ختامية. وتبلغ أسطر القصيدة ستين سطرا تتوزع على العناوين الفرعية الثمانية. وأطول الإشارات هي الإشارة المحمدية ذات الأربعة عشر سطرا تليها الإبراهيمية باثنتي عشر سطرا وأقصرهن هي الإشارة الختامية المكونة من ستة أسطر.ولاشك أن ذلك التقسيم يخضع للترتيب التاريخي لبعثات أولئك الأنبياء الكرام ففي البدء آدم الذي جعله الله خليفة في الأرض وعلمه الأسماء كلها ثم نوح الأب الثاني للبشرية ، فإبراهيم أبو الأنبياء وفي هذا التسلسل وفي اختيار أولئك الرسل الكرام يخضع الشاعر لما هو مأثور ومعروف عند علماء السير المسلمين من إيلاء الأولية المطلقة لأولي العزم من أنبياء الله
    خلف هذا النص الشعري يختبئ نصان شعريان سيطرا على أجوائه وموسيقاه هما نص همزية البوصيري في مدح الرسول والتي يظهرها لنا الشاعر باستشهاده بأحد أبياتها في نهاية الإشارة المحمدية حيث يقول
    :
    وتوالت بشرى الهواتف أن قد
    ولد المصطفى وعم الهناء
    .
    اللهم صلي على الذات المحمدية
    واغفر لنا ما يكون وما قد كان
    أما النص الآخر المسيطر على القصيدة فهو لازمة المولد النبوي التي يرددها أهل السودان ليس فقط في ذكرى المولد النبوي بل في كل مناسبات الحمد والتوسل حيث يتلى كتاب المولد البر زنجي أو العثماني أو الاسماعيلي وتقدم الأطعمة والأشربة قربي وحمدا لشفاء مريض أو عودة غائب أو غير ذلك من أفراح الحياة. واللازمة المقصودة هي تلك التي تقول:
    سيطر هذان النصان على مناخ القصيدة وموسيقاها ففي كل مقاطعها تقريبا قواف همزيه تأثرا بقصيدة البوصيري .وفي الإشارة الإبراهيمية قواف مثل (الوردة الكوكبية) و(البشائر الوحشية) تأتي من استرجاع الروح الشاعرة لعبارة (الذات المحمدية) في لازمة المولد المذكور فهي بلا شك مما سمع الشاعر في غضارة الطفولة فتسللت إلى مكامن روحه وسكنتها سكنا أبيدا يعرب عن نفسه في حالة الصحو الصوفي حيث تستيقظ تلك المؤثرات القديمة وتفعل فعلها في الوجدان على نحو ما جرى لهذا الشاعر العظيم غب عودته من القارة الأوربية ليطوى روحه في جبة (مدني السني) الذي نشأ في مدينته وفي كنفه الروحي. وهنالك ملاحظة دقيقة على السطر الثالث في الإشارة الإبراهيمية وعلى كلمة الكوكبية بالذات فقد وضع الشاعر عليها علامة السكون بدلا من علامة الخفض وقد قصد إلى ذلك قصدا مدللا على بصره العميق بالفن الشعري. فلو أنه وضع علامة الخفض على تلك الكلمة المفردة لتحولت قصيدته إلى قصيدة تدوير (على نحو ما كان رائجا تلك الأيام) ولكنه باختياره التسكين كان يحافظ على إيقاع لازمة المولد التي تتنهد قائلة: (صلي وسلم على الذات المحمدية).
    تستدعي همزية البوصيري في الخاطر همزية شوقي .وهو استدعاء لا يحتاج منا إلى غلو ولا إلى ذاكرة شعرية واسعة فالقصيدتان مرتبطتان من حيث أن إحداهما استنصاص للأخرى أو معارضة لها كما يقول القدماء . والواقع أن همزية شوقي عميقة الارتباط في العقل العربي المعاصر بمولد الرسول وخاصة مطلعها المتفوق الذي يمثل وحده نبوية مادحة عميقة التأثير :
    ولد الهدى فالكائنات ضياء
    وفم الزمان تبسم وثناء
    وعبارة الكائنات ضياء تعني أن الدنيا كلها تتضوأ وتنير لمولده الكريم ولو أعمل المرء خياله مع هذه العبارة لرأى شجرا منيرا وجبالا مضيئة وبشرا مضيئين بل أنني أرى الشمس نفسها وقد أضيئت بنور غير نورها –نور إضافي يقدح حبورا بمولد المصطفى.
    هل من علاقة بين ذلك وبين أجواء الضوء والنار والاحتراق التي تسيطر على مناخ قصيدة عبد الحي؟ إنني لا أريد أن أقطع في ذلك برأي ولكنني اتخذه مدخلا إلى الظاهرة الضوئية في هذه القصيدة الفريدة في حسنها. وذلك انه ما من مقطع في هذه القصيدة يخلو من ذكر النور والنار والضوء والبرق والنجوم وكلها أجسام أو أطياف نورانية أو ذكر الرماد الذي هو من مخلفات الاحتراق:
    في الإشارة المحمدية يقول:

    فاجأتنا الحديقة،انعقدت وردا ونارا
    في قلبها الأضواء
    والخيول النورية البيضاء
    آس نار وموجة من بحار عميقة
    من لهيب ومن جمال ويمن
    وفي الإبراهيمية يصنع هذا الجمال الجيد الصقل:
    لامعا مثل صفحة السيف في لحم الظلام
    رغوة من دماء كبش ذبيح في بروج النجوم
    وخيول نورية في الغيوم
    لغة في الرياح من لهب أخضر على الأشجار
    طائر الليل هاربا يستحيل رمادا
    في مرايا النار.
    وفي الموسوية:
    الرماد
    في الصباح البكر يلتم ويعلو
    شجرا أخضر في النور النقي
    ثم العيسوية:
    هذا رنين قدم الفجر على التلال والأشجار
    يخبر كيف مرت الريح على القيثار
    واعتنق الملاك والعذراء
    تحت سقوف النار
    وفي الإشارة الختامية يضعنا بمواجهة هذا الجسد الإبداعي المكتمل :
    شمس من العشب وورقاوان
    تغنيان
    تحترقان
    على فروع البان
    (
    لاحظ أن محمدا لم يقل على غصون البان كما هو متواتر عند الشعراء وإنما انتقى لفظة مألوفة في السودان ومرتبطة تماما بذلك الشجر المياس هي كلمة فروع كقول المغنية: آه من فريع البان)
    هل أراد الشاعر أن يقول إن في كل تلك الرسالات والنبوات عنصرا من النور الذي جاء ليجلو ظلمات جهلنا البشري وحنادسه ولتلك الغاية اتخذ لقصيدته تلك الأجواء النورية التي تتكرر في كل مقطع . أم أن تاريخية تلك الرسالات هي التي فرضت على الشاعر أجواء النور والنار والضياء..إنني مع تأويل آخر يعود بالقصيدة إلى لاوعي الشاعر أو إلى جذوره التاريخية التي لابد أن تطفر دون تعمد أو قصدية كما كان الحال مع الموروث الصوفي الذي حرك يراعه لكتابة القصيدة في أول مقام. وظني أن القصيدة امتلأت بتلك المفردات بوحي من المقامات الجليلة التي يتحدث عنها فأسعفته الذاكرة الشعرية دون وعي منه بالمفردات النورانية والضيائية. ولذلك جاءت البنية الفنية محشودة بتلك الأجواء والمفردات دون وعي من الشاعر ودون تدبير.ويمكن تشبيه حال الشاعر بمهندس الإضاءة في خشبة المسرح إذ له الخيار بين أن يشيع النور في كامل المشهد ويعدم الظلال وأماكن الخفوت أو يلجأ لاستخدام الإضاءة المركزة(سبوت-لايت) ليظهر بها بعض المرئيات وذلك ما اختاره الشاعر فانه أضاء مسرح القصيدة بكامله ولم يلجأ للإضاءة المركزة واستطاع بذلك أن يصنع قصيدة مضيئة أو قصيدة ضوئية تشع جلالا وبهاء.
    اللاوعي /الموروث/التأثيرات القديمة تفيض في معلقة الإشارات وتطفر من كل أبياتها لتصنع تلك الإضاءة الشاعلة ولكن الاطلاع والمثاقفة هي نوع من الإرث التاريخي للمنشئ وكل تلك الساعات اللامتناهية التي قضاها عبد الحي بصحبة الشعر والشعراء لابد أن يكون لها تأثيرها على شعره وعلى خياراته الفنية النهائية وبعيدا عن علاقتي الشخصية بعبد الحي أحس بتأثير الشعر الفارسي على شعره بصفة عامة وعلى هذه القصيدة بالذات .ويأتي مصداق ذلك من استخدامه (غير الكثيف في هذه القصيدة)لرمز السمندل وهو بنظري يختلف عن رمز طائر الفينيق الذي –بالتقادم- أصبح مكشوفا وغير عميق الغور كما أن نسبة السمندل إلى شعراء فارس العظام (سعدي وحافظ وإضرابهم) نسبة معروفة ومؤكدة. وفي واحدة من أعظم ملاحم الشعر الفارسي) منطق الطير لفريد الدين العطار) يهاجر ثلاثون ألف طائر إلى جبل قاف بقيادة الهدهد ويتساقط معظمها في الطريق فلا يصل منها سوى ثلاثون طائرا هي في مجموعها السمندل أو السيمرغ في الفارسية وعند لحظة الوصول تنظر إلي نهاية سعيها القتال فلا ترى سوى ثلاثين طائرا أخرى تبادلها التحديق أي انها بحضرة نفسها-يريد بذلك وحدة الوجود. وهنا يمثل السمندل ليس فقط البقائية اللامتناهية والقدرة على اجتياز الصعاب بل يمثل أيضا قدرة التوحد والاتحاد التي طالما تحدث عنها الصوفيون .ومن يتأمل هذه القصيدة الباهرة يجد أن طائرها يختلف عن طائر الأسطورة الإغريقية الذي ينهض من رماده لينهض من جديد وذلك أن للسمندل هدفا يحققه من ذلك الاشتعال أعمق كثيرا من مجرد الاستعصاء على طارق الموت
    .
    يقول محمد في الإشارة الإبراهيمية:
    طائر الليل هاربا يستحيل رمادا
    في مرايا النار

    مقتربا بذلك من السيمرغ وهو ينظر في مرآة بحثه عن الخالق الذي تخطى إليه الرحلة القاتلة وتحمل شراكها وأخطارها ويقول في الإبراهيمية:
    يسقط الطير قبل أن يدرك الساحل منها
    مستقبلا في ابتهاج حريقه

    ومن جديد يضيف إلى الطائر صفات السمندل الباحث المنقب الذي يلتحم بالذات العلية في نهاية كفاحه الرهيب.
    والمقطع الذي برهن فيه محمد على قدراته الشعرية المتفوقة هو الآخر تأكيد على الأبعاد الصوفية للسمندل والتي-بنظري على الأقل- تضعه وجوديا في مرتبة أعلى من الفينيق بلانهائية موته وبعثه المتكرر دون غاية محددة سوى تكرار ضجر الموت والبعث والاحتراق
    يقول حافظ الشيرازي
    :
    أقولها علانية وأنا من قولتي طيب الخاطر
    إني أسير العشق وقد تحررت من الدارين
    انأ طائر جمال القدس
    ويقول سعدي الشيرازي:
    هكذا نهاية العشق يا بني
    فطريقه إذا أردت أن تعلم هو الموت
    وحينئذ تحصل على النجاة بالاحتراق وحيدا

    إنهما - مع عبد الحي- يتحدثان عن المجاهدة التي ترفع صاحبها إلى أعلى درجات المعرفة ولكنها مجاهدة لا تسمح للموت نفسه أن يضع لها نقطة الختام قبل أن تدرك غايتها أو- كالسمندل- قبل أن تصل إلى جبل قاف.
    محمد المكي ابراهيم1977
    * المصدر: صحيفة سودانا يل الالكترونية فبراير 2009
    * حاشية على أعلاه:
    للمهتمين أكثر بالبعد الصوفي/ الديني في أشعار عبد الحي الذي شكلت هذه القصيدة النبوية قمته توجد دراسة أخرى حول هذه القصيدة تحت عنوان " معلقه الإشارات أو تفسير التاريخ بمنظور شعري " بقلم القاص والناقد والمسرحي الراحل عبد الله محمد إبراهيم الذي زامل عبد الحي بحنتوب وهى منشورة بالملف الخاص عن عبد الحي الذي اعده لمجله الدستور اللندنية مجذوب عيد روس وسامي سالم وقد نوه فضيلى جماع به في " قراءه في الأدب السوداني الحديث" كما أجرى معه الحوار قبل الأخير في حياه الثاني العام 1988 حول " ثنائيه الوحدة والوجود " ونشر بصحيفة السياسة السودانية ....
    * مناشده :
    من يملك الديوان الأول للشاعر الياس فتح الرحمن " صوت الطائف أخر الليل" الصادر منتصف ثمانين القرن الماضي عليه التفضل بنشر قصيده:
    " في مقام الشفاء" المهداة إلى " أخيه الشاعر محمد عبد الحي " وأول أبياتها يقول :
    في هياج الماء والنار
    وحمى الانقسام
    كانت ألمصلاه خيل
    إلى أن يقول لله دره :
    فلما خجل السيل
    ولامته العظام
    طلع البدر علينا
    لابسا تاج الكلام

    وجوهرها تعميد عبد الحي إماما وشيخا للشعر
    ** أخيرا تحيه لعمر عشارى واحترام لمحمد عبد الجليل " الاسم بالانجليزي" وعادل عثمان والجميع وبتثبيت مقال محمد المكي إبراهيم عن خدنه وصنوة عبد الحي ينتهي مروري بهذا البوست الممتع لان بعد محمد المكي إبراهيم لابد من إسدال الستار ومغادره إلى chorus مثلى المسرح بعد إطفاء المصابيح فالحديث بعد شاعر " أمتي" محمد المكي إبراهيم في حضرة عبد الحي لأقيمه له !!! والرحمة لعبد الحي وجميع أموات المسلمين
                  

01-28-2010, 11:42 AM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسرة محمد عبد الحي في منتدي دال الثقافي ...30/ 12 ...( توثيق مصور ) (Re: احمد الامين احمد)

    Quote: من يملك الديوان الأول للشاعر الياس فتح الرحمن " صوت الطائف
    أخر الليل" الصادر منتصف ثمانين القرن الماضي عليه التفضل بنشر قصيده:
                  

01-30-2010, 11:35 AM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أسرة محمد عبد الحي في منتدي دال الثقافي ...30/ 12 ...( توثيق مصور ) (Re: Mohamed Abdelgaleel)

    لقد عاش محمد عبد الحي طفلا في فردوس الشعر ، يحلم بذلك الزمان الناضر المشرق . ولكن إذا كان الموت قد طوى عبد الحي وهو في ريعان الشـباب ، فسيظل " السمندل يغنـي " وسنظل نحلم دائما بزمان ناضر وحياة متجددة

    عبدالمنعم عجب الفيا
                  


[رد على الموضوع] صفحة 2 „‰ 2:   <<  1 2  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de