عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 10:39 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-03-2010, 06:13 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    المنفى مثل حيوان خرافي لا مرئي يكبر كلما طال أمده وتكبر معه حاجته التي لا تنتهي من أجساد المنفيين الغرباء وأرواحهم. إنه يحصد أجمل ما فيهم. يبدأ بالعين وينتهي بحاسة اللمس فإذا العالم يخف حتى يبدو وكأن لا وجود له. عندها تغيب الفواصل، تتداخل الحدود، يختل سُلَّم الأولويات، وتندثر القضايا الكبرى تحت ركام كثيف من الحروبات الداخلية الصغيرة. المنفى حين يطول أمد بقائه يتحول تدريجيا إلى مسرح تنسج حكاياته أيدي أرباب النميمة البارعة. السلطة المخولة ضمنيا لقتل الأذكياء وصناعة أبطال من ورق من على عرش الفراغ المكتظ بروائح المقاهي ومجالس الحجرات المؤجرة كمصانع خفية لالحاق الأذي بمن لا يزالوا يمتلكون عقولا حيّة وسط سهول الموات المترامية كالأسى.


    يتبع:
                  

01-03-2010, 06:56 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    جالت تلك الخواطر في ذهني، الوقت انتصف نهاره، بينما لا أزال أنتظر مها الخاتم، والمسافة من ضاحية مدينة نصر إلى ميدان التحرير حيث مباني الجامعة الأمريكية تأخذ وقتا. كنت في آن واحد أفكر وأحذف وأضيف إلى تلك القصة المختلقة بشأن الموت المتوهم لزوجتي المزعومة أحلام ذات الجذور السودانية المصرية وشعور قوي يعاودني من لحظة لأخرى. شعور صيّاد، جلس على حافة شاطيء نهر معتكر، رمى صنارته بمهارة ودِربة، فإذا الخيط يهتز فجأة: الضحية في طريقها الآن لابتلاع الطعم.

    هكذا، باكرا، أخذتْ تتراجع من ذهنها، قضايا الحرية والهوية وتحرر المرأة والتنمية المتوازنة والمساواة والحرب والسلام، ولم يعد يشغلها في "هذه اللحظة" سوى أحد أسراري الصغيرة: "زيارة المقابر نهار كل جمعة". لم تكن تدرك وقتها أنها بتلك الزيارة، والعالم غابة مليئة بالثعالب، كانت ترتقي سُلَّمةً نحو نقطة انتحارها المأساوي أعلى تلك العمارة السكنية الضخمة.



    يتبع:
                  

01-03-2010, 02:29 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22499

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    البرنس عبد الحميد

    كل سنة و إنت و الأسرة بألف خير

    أعاود المتابعة بعد العودة من الإجازة

    المنفى حين يطول أمد بقائه يتحول تدريجيا إلى مسرح تنسج حكاياته أيدي أرباب النميمة البارعة
                  

01-04-2010, 01:22 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: ابو جهينة)

    المبدع الحقيقي جلال "أبوجهينة":

    سلامة العودة بكل ذلك الألق المدهش:

    فرائس تبحث عن صياديها

    تلك لعمري منطقة خطيرة للكتابة من داخلها (إنتاج رؤية تثويرية للواقع من ركام حكايات تقليدية أوتراثية). أكثر النماذج حضورا هنا: أمل دنقل. أكثر ما سرني وأنا لا أزال أتابع معك القراءة هناك أنك تعلو كثيرا من مكان الاغتراب أوالمهجر. إنك تعمل على تطويعه على نحو إنساني ذي رؤية بديلة. كنت ولا أزال أدهش من عمليات الذوبان غالبا في طُرق الآخر للحياة ولعل الاشتراك أحيانا من حيث الجذر مع بعض الطرق لا يكون تبريرا لالغاء خصوصية. أحييك مرة أخرى كمبدع يشغله هم الكتابة والبحث عن مناطق مختلفة داخلها كثيرا. وهذا هو الرهان. وكما تقول: كن بألف خير.

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-04-2010, 01:25 AM)

                  

01-04-2010, 03:58 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: ابو جهينة)

    الشاب الذى فى البص بجوارى
    كان يطالع كتاب ابوجهينة .
    هذا ابو جهينة ؟
    نعم .
    قال لى الشاب : ابو جهينة .
    خرج الى كل بلاد الدنيا يا صديقى .
    كثيرين من قاطنى الأرض العربية ساقتهم
    أعمالك يا ابوجهينة .

    ..
    .. عام سعيد يا ابوجهينة يديك الصحة يارب
    كتير سلامى
                  

01-04-2010, 04:18 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
                  

01-04-2010, 05:02 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    نتابع الكاتب

    عبدالحميد البرنس الكاتب الذى تشعلق سلالم الجمال .
                  

01-04-2010, 05:34 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    الوجه مرآة الروح.

    حوالي الواحدة والنصف بعد منتصف ذلك النهار، طرقتْ مها الخاتم أخيرا باب مكتبي الفخم، للمكان تأثيره على مشاعر الناس وأفكارهم، لعل الوضع يختلف إذا جاءت لزيارتي قبل أكثر من عام في تلك الشقة الأرضية الضيقة كقبر. أحسُّ بتغير طفيف طرأ على نظرتي للناس والعالم. كنت قد آثرت السكنى في أحد الأدوار العليا. كان بوسعي أن أرى من كل ذلك البعد العلو المهيب لكُتلة جبل المقطَّم وهي تشرئب وسط المساكن الآدمية المتناثرة أسفل قدميها الصخريتين. لقد مرَّ من هنا ولا ريب، فراعنة، أنبياء، صحابة، فاطميون، أتراك، مماليك، جيوش نابليون، انجليز، وغيرهم الكثير، لكنَّ الكتلة لا تزال قائمة كشاهد على سير القوافل البشرية عبر التاريخ. لعل صمتها المطبق عما رأت وسمعت هو ما ظلّ يكفل لها الحق في البقاء حتى الآن.

    هناك، بين جدران تلك الشقة الأرضية الضيقة كقبر، من نواحي عين شمس الشرقية، كنت سجين الأشياء اليومية الصغيرة، لا أنظر عادة إلى أعلى مما أضع عليه أقدامي، أقل همسة تزعجني، أدنى إيماءة من عابر سبيل تثير الهواجس في نفسي، كنت في سبيلي لوضع نهاية مأساوية لحياتي في أية لحظة، لو لا الكتب.. زيارة المقابر من حين لآخر.. وتلك الطقوس المذهلة لممارسة العادة السرية على حواف اليأس أوالجنون. والوجه مرآة الروح.



    يتبع:
                  

01-04-2010, 06:39 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    كان على صفحة وجهها آثار بثور سوداء متفرقة هنا وهناك. لا بد أن جدار روحها قد أخذ يتآكل في غضون سنوات قليلة. التي تجلس قبالتي الآن، لم تكن مها الخاتم، تلك الحسناء التي رأيتها وهي تعبر وقتها بوابة مكتب الأمم المتحدة مثل حلم بعيد المنال. هي إذن التجربة، اللعنة، مقياس إنسانيتنا، وتيرموتر ضعفنا البشري العظيم، البعض يخرج منها قويا مثل طائر الفينيق يهب من رماد حرائقه، والبعض الآخر يخرج منها مثل قنطرة لا تغري سوى وقع الأحذية ووطأة الأجساد الثقيلة ليل نهار. لكنَّ جسدها بدا ممتلئا قليلا. جسد يشع منه نداء غامض. نداء رغبة مَن عرف وخوف مَن لا يزال يدفع ثمن رغبة لا ثمن لها سوى العار أوالضياع. بدا لي في أحيان كثيرة أن ثمة علاقة عكسية بين الروح والجسد. كلما زاد وهج الروح كلما زادت عتمة الجسد. كنت أتابع حياكة الشراك في حضورها هذه المرة، راسما علامات الحزن والأسى والحسرة على رحيل عشق وهمي ضيَّعه موت مختلق، كان دمع الحنين إلى مابين ساقيها يسعفني، اختلاج جسدي ذعرا من فكرة السقوط في براثن الفقر في مدينة كبيرة مثل القاهرة مرة أخرى يُضفي على نبرتي مسحة صدق، والمصائب يجمعن المصابين. أثناء حديثي، كانت تتوغل بعيدا داخل عينيَّ، لا يكاد يطرف لها جفن، لا عن حياء غادرها مرة واحدة وإلى الأبد في زمن مضى، بل عن محاولات خفية للبحث في مكنوناتي القصيَّة عن نثار حكاياتها القديمة مع عادل سحلب، هذا ما قدرته في سري، لكنني مع مرور الوقت وأنا أرى دمعة تعاطف عميق مع مأساتي تسيل فجأة من عينها اليسرى أدركتُ أن الضحية لا محالة واقعة، وقد كان.


    يتبع:
                  

01-05-2010, 00:51 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: نتابع الكاتب


    أشكرك أخي.
                  

01-05-2010, 06:15 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    كان عمر قد أخبرهم أشياء كثيرة عني. كانا قد حضرا داخل جلبابين أبيضين نظيفين بلا ميعاد مسبق بعد صلاة العصر في "مسجد المهاجرين" القريب مباشرة. عمر ورجل سوري في نحو الأربعين يدعى أنور الهاشمي. أحسنت وفادتهما ببعض الفاكهة الصيفية الطازجة. تنحنح الرجل في أعقاب التهامه لمجموعة من العنب الأخضر الخالي من البذور دفعة واحدة. حتى ذلك الوقت ظلّ عمر ملتزما الصمت وعلى مُحيّاه بدت آثار السجود سوداء داكنة. لم أشأ وأنا أخفي حيرتي من زيارتهما الغريبة أن أسأل عمر الذي زاد وزنه على نحو أخفى أي أثر لعنقه عن أسرته. كانت زوجته قد وصلت إلى كندا في صحبة بناتها الثلاث قبل نحو العامين تقريبا. بعد نحو العام تقريبا من وصولهم شاع داخل مجتمع المنفيين الغرباء في المدينة أن عمر لم يعد يُرى مع أسرته مرة أخرى. أخيرا، تناهى صوت أنور الهاشمي:

    نحن، أخانا في الدين الحنيف، أحببنا أن نزورك للتفكر معا في معاني وحكم ومواعظ قصة ظلت تحدث في كل زمان ومكان، قصة تحدث في حياة كل إنسان منذ عهد سيدنا آدم عليه السلام، قصة لن تتوقف إلى أن يرث الله سبحانه وتعالى الأرض بمن عليها، لن نطيل عليك، لكنها قصة ستشهد أحداثها أنت بنفسك بعد حين أوفي القريب العاجل. كان للرجل ما أراد: أن يأخذني منذ البداية إلى كلماته بكل كياني. حتى إنني لم أعد أتساءل بيني وبين نفسي عن ردود فعل "جيسكا" لحظة أن ترى عمر في طبعته الجديدة.


    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-05-2010, 06:19 AM)

                  

01-05-2010, 07:15 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    يُحكى أن رجلا طُلب في المحكمة، كان في حاجة لأصدقائه الثلاثة للوقوف إلى جانبه والشهادة في مصلحته، قال للصديق الأول إنني في حاجة ماسة إليك "يا اخي"، لكنه أجابه بكل برود معتذرا أنه لا يستطيع الذهاب معه إلى أي مكان، الصديق الثاني قال له "يا اخي، والله لن أذهب معك إلى داخل المحكمة بإرادتي هذه، ذلك مكان مخيف، لكني سأعمل على توصيلك حتى بابها، لن أتجاوز ذلك خطوة واحدة، هنالك أشياء لا يجامل المرء فيها الأخلاء"، أما الصديق الثالث والأخير فقد كان "نعم الصاحب"، قال له بكل جوارحه "ابشر، تالله لأذهبن معك، ولأكونن إلى جانبك حتى نهاية المحكمة، لقد وُجِدَ الأصدقاء لمثل اليوم، ولن أخذلك". تلك هي القصة ببساطة. "يا أخانا حامد، هل فهمت مغزى هذه الحكاية"؟.

    كان عمر مشدودا نحو رفيقه بكلياته. أحيانا، كان يتتبع أثر الكلمات على وجهي وعلى عينيه الضيقتين غلالة رفيعة من الدموع ويده لم تنفك من اجترار مسبحة حجازية خضراء. قال السوري بعد رشفة ماء مواصلا بصوت بدا لي لسبب ما لا يتناسب وهيئته العامة "يا أخانا حامد، المحكمة هنا هي قبر المرء، مثواه بعد الموت، الصديق الأول هو أموال المرء، الصديق الثاني هم أهل الميت وأصدقاؤه، يحملون جنازته ويودعونها القبر، أما الصديق الثالث فهو العمل الصالح"!.



    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-05-2010, 07:19 AM)

                  

01-05-2010, 02:38 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)
                  

01-05-2010, 05:08 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    "يا أخانا حامد، الرحلة طويلة والزاد قليل، وهذه البلاد يفتح فيها الشيطان للمرء ألف باب وباب، كل باب ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، نعم يا أخانا حامد، لقد علمنا من أخينا الفاضل عمر (وهو يحبك لوجه الله) أن جماعة من المبشرين بالمسيحية يزورونك هنا، بل وتذهب معهم لحضور صلواتهم في الكنيسة أحيانا، وفي هذا قال سماحة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين: لا يجوز للمسلم دخول معابد الكفار كالبِيَع والكنائس والصوامع والديارات وأماكن تعبدهم؛ لأن في ذلك إقرارا لهم على عبادتهم وتشبها بهم، ودعاية للجهال إلى غشيان أماكن عبادتهم مما قد ينخدع بهم بعض الجهلة، ويتقربون بمثل عباداتهم ويقلدونهم، لكن إن كان الداخل من أهل العلم والإيمان والمعرفة التامة بتعاليم الإسلام ودخل لسماع ما يقولونه حتى يرد عليهم، أو يعرف اختلافهم واضطرابهم ليحذر منهم، ويبين تفاهتهم وما يفعلونه من الخرافات والخزعبلات، ليكون على بصيرة من دينه، ويعرف الفارق الكبير بينه وبين أديان أهل التحريف والتبديل، أو دخل الكنائس للنظر في بنائها، وكيفية تأسيسها حتى يحذر المسلمين من التشبه بهم في معابدهم وخصائصهم؛ جاز له ذلك، والله أعلم".


    يتبع:
                  

01-05-2010, 06:20 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    "اللعنة على عمر"، قلت في سري، وفجأة تسربتْ من خلال احدى نوافذ الصالة الزجاجية المواربة أفقيا ذبابتان خضراوان أخذتا تحوِّمان حولنا بلا طنين، لقد بدا لي بمثابة أمر مثير للدهشة تماما: وجود الذباب في كندا. سنوات عديدة، مرت وقتها على وجودي في كندا، تجولت خلالها بين أكثر من محافظة، لكن تلك هي المرة الأولى التي أرى فيها الذباب، دهشة لا تقل عن دهشتي عند رؤية الجليد لأول مرة. كان اللهاث وراء "أماندا" والغثيان الذي أخذ يصيبني في أعقاب مضاجعة العابرات قد دفعني إلى الإقتراب كثيرا من جماعة مسيحية تدعى "شهود يهوا". كنت أذهب معهم إلى الكنيسة صباح كل أحد. أُرتِّل معهم أهازيجهم الدينية وصلواتهم بصوت منغَّمٍ تحمله الجوقة بعيدا داخل نفسي. ذلك القرب من الناس في أعلى تجلياتهم الروحية بدأ يهبني بعض السلام الداخلي لبعض الوقت لو لا أنهم أخذوا يزعجونني بزياراتهم المتكررة إلى شقتي متأبطين كتبهم ومجلاتهم ومواعظهم التي لا تنتهي. لكن شيئا آخر جعلني أُقلِّب لهم ظهر المجن فانقطعوا عن زيارتي بلا رجعة. لقد علمت منهم بمرور الوقت أن المرأة منهم تظل عذراء إلى أن تفض بكارتها بعد كتابة عقد زواج رسمي تباركه الكنيسة. "اللعنة"، لقد كانوا متشددين في ثياب برَّاقة من التسامح وعشمي منذ البداية قد بُنيت صروحه على أمل أن الإقتراب منهم في ثوب المريد قد يملأ فراش المنفي الغريب بعلاقة دائمة. كنت أتابع حديث الهاشمي بذهن غائم. عمر أخذ ينظر إلى ساعته. لعله يتهيأ لأن أصحبهم لآداء صلاة المغرب التي غدت غاب قوسين أوأدنى. فجأة طلبت أذنهما لدقيقة. أحضرت ثلاث كأسات زجاجية. واحدة لي، واحدة للهاشمي، وواحدة لعمر. عدت بزجاجة ويسكي ماركة "ريد ليبل". ملأت الكأسات بهدوء شديد. ثم جلست ووجهي ناحية الهاشمي كمن يتابع حديثا جرى قطع تسلسله. رأيتهما وهما يتبادلان النظر في دهشة وحيرة وغيظ مكتوم وبلادة قبل أن يغادرا الشقة من غير أن يلقيا عليَّ السلام حتى. لا شك أنهما ظنا أن الشيطان يتقمص روحي في تلك اللحظة. كان الظلام يخفي ملامح الأشياء وراء النوافذ الزجاجية الواسعة.

    يتبع:
                  

01-06-2010, 06:49 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    - "تصور، يا جيري، لقد أخبروني في فرع الشركة، هنا في أتوا، أن عليَّ أن أبدأ العمل معهم كحارس مستجد، قالوا إن الإنتقال من محافظة لمحافظة قد أفقدني الأقدمية وبقية الإمتيازات الأخرى، بمعنى أن كل سنواتي التي قضيتها في خدمة الشركة في "وينبيك" كحارس أمين قد ضاعت هباء، هذا غباء..

    قاطعني "جيري" بشيء من الضيق، قائلا:

    - "يا، إلهي، ألا تسمع هذا الصفير، يا هميد"؟.

    - "أي صفير، يا جيري"؟.

    - "لا بد أنني أفقد عقلي، هذا الصفير، اسمع اسمع"؟.

    - "لا شيء، فقط أسمع صوت أنفاسك اللاهثة، ربما أن سماعة الهاتف لديك بها عطل ما، هل أنت بخير، يا جيري"؟.

    - "أبدا، سماعة الهاتف جيدة، لكنني بعد رحيلك بيوم واحد من المدينة بدأت أسمع أصواتا وطنينا غريبا أقرب إلى الصفير، الآن الصفير يملأ أُذنيَّ، إنه يتابعني أينما ذهبت، الصفير الصفير، يا هميد، أكاد أفقد عقلي، ليتني كنت أصما، من غير المعقول ألا أحد غيري يسمع الصفير، هل يعقل أن الصفير يختارني أنا فقط من دون الناس كلهم؟، الصفير الصفير".

    - "جيري؟، كل شيء على ما يرام، فقط دعنا نتحدث بهدوء، ما المشكلة الآن"؟.

    - "حسنا، في البداية ظننت الأمر مجرد حالة عرضية، لكن الأمر بدأ يتحول خلال اليومين التاليين إلى جحيم لا يطاق، طبيب الأسرة المعالج كشف عليَّ بالسماعة وبأنبوب غريب أدخله إلى أذنيّ، قال لا توجد أي التهابات، أومادة شمعية قد تسد الأُذن، أجريت بعدها فحوصات عديدة بعد أن أحالني على وجه السرعة إلى أخصائي أذن وأنف وحنجرة، معدل الضغط طبيعي، الغدة الدرقية تؤدي وظيفتها على ما يرام، شكوكهم حول وجود خلل في الدورة الدموية تراجعوا عنها، لكن الأخصائي أمام حيرتهم وحيرتي سألني إن كنت قد تعرضت لدوي انفجار أوتناولت عقاقير معينة ، أجبته بالنفي، ثم شكك في احتمال أن لدي التهاب في الجيوب الأنفية أوفي الأذن الوسطى أوما بين الأذن والبلعوم، لا أدري، يا هميد، لقد فعلوا بجسدي ما لم يكن يخطر على بالي من قبل، لكن الصفير الصفير...".

    وضعتُ سماعة الهاتف في وجوم شديد. بالكاد أقاوم الرغبة القديمة في البكاء. قلت في سري: "مسكين "جيري" المحب". الصفير يملأ العالم الآن. كان ذلك آخر عهدي به.



    يتبع:
                  

01-06-2010, 01:50 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    عوالم صغيرة قابلة للهدم:



    يتبع:
                  

01-06-2010, 05:28 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    أقف خلف النافذة الزجاجية الوحيدة المطلة على منور البناية القاتم. لا أكاد أرى، أوأسمع شيئا، مما يدور داخل الشقة وخارجها، سوى صوت أفكاري، سوى وقع ذكريات متفرقة من هنا وهناك. الوقت عصرا. الشمس غائبة في مكان ما. ثمة شعور بأن كارثة مثل انهيار هذه البناية في طريقها إلى الوقوع في أية لحظة. أحاول تجنب الأمر ما أمكن. أغمض عينيَّ. أفتحهما ببطء. لا شيء تغير. نفس الشعور يتضخم. يتمدد نحو أعماقي. يغوص شيئا فشيئا. هكذا، دون مقدمات، ومثلما يفعل مد البحر في يوم عاصف ببيوت الصبية الرملية، قد ينهار البناء وينتهي كل شيء. هو الموت إذن. أنا، لا أهابه. قد أصافحه وقتها غير آسف مثل صديق أقبل بعد انتظار طويل. وجودي أوعدم وجودي بمثابة حدث لا يؤثر على حركة الأسهم في بورصة نيويورك أوطوكيو. مجرد حشرة أكملت دورة الحياة بين جدران شقة ضيقة على أطراف القاهرة. تلك مسألة لن تغير رحلات القطارات داخل بلجيكا. أمر لا يؤثر حدوثه على لقاءات العشاق المختلسة في بلادي. لن آسف حتى على مباهج أضحت مجرد رؤية مصحوبة بالحسرة لإغراء إعلان تلفزيوني شديد الجاذبية. ما أخشاه الرحيل كما جئت من قبل إلى هذا العالم من غير إرادة، ما يقلقني الرحيل من دون رأي مسموع لما يحدث، ما يقض مضاجعي الرحيل خلسة من غير وداع لقبر شقيق تنهض بيني وبينه آلاف الأميال.


    يتبع:
                  

01-06-2010, 05:55 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    أقترب من النافذة أكثر. "الغرفة باردة كالشوارع"، لا تزال. أنفث ملء صدري على سطح الزجاج البارد كأنف كلب. بقعة من بخار كثيف تتكون. أتراجع من النافذة خطوة. أمد طرف إصبعي السبابة صوب البقعة. أرسم أشكالا من البشر. أقترب من النافذة نصف خطوة. أشرئب. أنفث مرة أخرى حول الأشكال بحرص شديد. أتراجع مفسحا حيّزا لمتابعة عمل اليد ومجالا للرؤية. أنشغل بخلق سماء وأرض ونهر يسير منحنيا. يدركني التعب. أتهاوى على سرير الحديد الضيق كجثة. أجذب بطانية الصوف السوداء الرخيصة. أحكم جوانبها حول جسدي. الظلام يتكاثف. لا أقوى على النهوض وإضاءة النور. مزيد من الظلمة والبرد وصوت الريح والمطر. هو الشتاء إذن. لا شيء باعث للذكرى، لا شيء يوقظ الرغبة في الأنثى، سوى لوعة هذا الفصل الحزين، والنساء في وحشة هذا المكان، حيث الكتب والعناكب وصراصير الصيف وآثار العادة السرية واللاءات الثلاث، مثل "عشم إبليس في الجنة".


    يتبع:
                  

01-06-2010, 06:34 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    أغادر السرير ببطء وإنحناء ممض. ثمة محيط يتراكم داخل مثانتي. تكاد تنفجر. أضغط على مفتاح النور. لا تزال الغرفة غارقة في فوضاها. بكل ذلك الثقل، تناهت إلى مسامعي برغم شدة الزنقة، خطى الشيخ إبراهيم العربي، وهي تصعد في طريقها إلى الطوابق العليا، حيث الشمس والدفء المقيم صيف شتاء، في مثل هذا الطقس يتضاعف أجر الصلاة في المساجد ولا ريب. أباعد بين الساق والساق. أجذب سروال الصوف إلى أسفل. أتنفس الصعداء أخيرا. جذبت السروال إلى أعلى. كان البول يتدفق دافئا متقطّعا ناثرا على قدميّ بعض الرذاذ.

    عقارب الساعة تشير إلى العاشرة ليلا. لا رغبة بي في طعام أوشراب أوخروج، لكني فتحت الباب وألقيت نظرة وسط دفقة من تيار بارد إلى خارج البناية، كان المطر قد توقف مخلفا وراءه بعض البرك الصغيرة الداكنة. أعود إلى الداخل. أغدو وأروح داخل الشقة مشبكا ذراعيّ حول صدري بلا سبب واضح. أتوقف بين الحين والحين خلف النافذة الزجاجية. أحاول النفاذ إلى ما وراء ظلمة المنور المطبقة. لا أثر لأرض أوسماء أووجه أونهر يسير منحنيا. كان يتناهى إلى مسامعي من وقت لآخر صوت أنابيب الصرف الصحي وهي تحمل من الطوابق العليا البول والخراء وأشياء أخرى قبل أن يغمرني الصمت من جديد.




    يتبع:
                  

01-07-2010, 03:35 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    يا سلام
                  

01-07-2010, 07:24 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    مر الآن، أكثر من ثلاث سنوات على أول لقاء لي بمها الخاتم. رأيتها قبل ثلاثة أشهر على الأكثر من على البعد. كان ذلك في ضاحية الميرلاند بمصر الجديدة. كانت خارجة للتو من مطعم لبناني في صحبة عادل سحلب. كان الوقت على مشارف الغروب. يتمشيان ببطء على الرصيف أسفل أشجار البونسوانا الكثيفة المتتابعة بزهورها الحمراء في اتجاه ميدان المحكمة القريب. هي تسند رأسها على كتفه وتضع يدها اليسرى حول وسطه في تراخ. هو يلف يده اليمنى حول خصرها النحيل بينما يتكلم. هي ظلت تمسح على شعرها الطليق بيدها الخالية من آن لآن دافعة برأسها كله إلى الوراء قبل أن تعاود النظر إليه بملامح حالمة. كانا في حالة استغراق عشقي تام. كنت وقتها أقف ملاصقا لعامود نور في انتظار مركبة عامة تقلني إلى ناحية حي عين شمس الشرقية. كان في عزمي شراء نصف زجاجة من خمر محلية يقوم بتصنيعها بعض المنفيين الغرباء في شققهم المؤجرة خلسة. كانت تلك الشقق تسمَّى "بيوت العرقي". لكن أكثر المثقفين وبعض من ذوي الحساسية المرضية الذين حولهم المنفى إلى شعراء في سبيل الحرية ظلوا يدعونها "واهبة الفرح المعبأ في الزجاج".


    يتبع:
                  

01-22-2010, 08:43 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    نتابع
                  

01-07-2010, 05:15 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    عبدالحميد البرنس _ كتابات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب
                  

01-07-2010, 06:09 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    كانت بيوت العرقي كشقق إيجار مفروشة تحتل موقعها في الطابق الأرضي أوالأخير من كل بناية سكنية لأسباب تتعلق بمحاولة إخفاء الروائح القوية المنبعثة من داخلها ما أمكن. لقد ظلت هذه البيوت تكتسب منذ البداية أهمية متزايدة بعد أن فقد عدد من المنفيين الغرباء الأوائل أبصارهم في أعقاب شراء خمور مصرية مرة واحدة وإلى الأبد.

    أذكر هنا أن بعض أولئك العميان بدأ يخبر معارفه الجدد تحوطا من حدوث اختراقات أمنية قد تتم من قبل النظام الديكتاتوري وعيونه الكثيرة التي جرى بثها في القاهرة وسط المعارضين أن يقوموا بالضغط على رسغه بصورة معينة إذا حدث وأن صادفوه في مكان عام. كان يقول "هذه شفرة تأميني".

    أذكر أنني تلقيت منه ذات مرة صفعة عمياء بعد أن قمت بالضغط عن طريق المزاح على مكان يقع ما بين صدره وبطنه. لا أذكر أنني عدت لاحقا إلى تكرار مثل تلك المزحة الثقيلة. لكن ما أذكره جيدا الآن أن للأعمى يد حَمَّال في الميناء. لم تكن أبدا يد عاملة خياطة في مصنع للملابس الجاهزة.

    أجل، هذا العالم من الجدية بمكان. لقد بدأ يفقد حس الفكاهة لديه منذ أمد بعيد. أحيانا أتساءل بينما أتحسس موقع تلك الصفعة عند منتصف وجهي تماما:

    ما الذي يمكن أن يحدث لو أنني قمت وقتها بالضغط على مؤخرته؟.

    لا شك أنه سيعتقد آنئذ أنه وقع هذه المرة في قبضة "ل.. و.. ط.. ي"، لا محالة.



    يتبع:
                  

01-07-2010, 07:21 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    أخيرا، وصلت إلى "بيت أشول" في نواحي "الألف مسكن"، إمرأة سوداء بدينة تلف ساقها اليسرى دائما بشريط طبي، ما إن تبادلك العرقي بالمال حتى تعود تجلس بلا مبالاة على كنبة في الصالة وتتابع النظر بمسكنة وتسليم غريبين إلى شاشة تلفاز صغير تتبدل مشاهدها المصوَّرة بلا صوت، لا تستجيب بعدها إلا لطرقات قادم جديد، كنت أجد عندها من حين لآخر بعض المنفيين الغرباء ممن يؤثرون تناول ما يعرف في "أدبيات العرقي" بمصطلح "كأس الطريق"، حتى هؤلاء لم تكن تتبادل معهم كلمة واحدة، اللهم إلا حين يطلبون مزيدا من الشراب، هذه المرة وجدت في معيتها ما بدا لي مثقفين غريبين في منتصف مناقشة حول ما أخذ يدعوانه في حوارهما المشتبك "مفهوم الحرية". كانا من الاستغراق بمكان أنهما لم يلتفتا حتى إلى وجودي على مقربة كما لو أن مسألة دخولي ومغادرتي لبيت أشول مسألة من شأنها أن تهدد استمنائهما الفكري في أية لحظة. لكنني لسبب ما رغبت في إيذائهما قبل مغادرتي مباشرة. قلت لهما وأنا أقف فجأة بينهما مستشهدا بأسماء مفكرين وفلاسفة من وحي خيالي المحض: "أيها الأصدقاء: ما سمعته منكم لمدة ربع الساعة لا ينتمي إلى مفهوم (المناقشة الايجابية) كما حدده وليم الإسبارطي، (فضاء المناقشة) يتم تصويره وفق جدلية ستيفن كولجاك الشهيرة كلقاء سريري يجمع بين إرادتين كما لو أن معركة صغيرة تنشب بين رجل عارم الشهوة وإمرأة شبقة لتوليد ما أسماه بيتر كوبنهاجن (الدلالة المثمرة)، ليلة سعيدة".

    تركتهما آنذاك وهما يتابعانني في صمت وحتى النهاية بنظرتين مختلفتين: واحدة مصدقة وأخرى متشككة.



    يتبع:
                  

01-08-2010, 05:35 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    لا بد أن الصيني قد أفشى له شيئا من أمري أثناء تلك الليلة المشهودة.

    حدست ذلك من وقع نبرته والطريقة المختصرة التي أنهى بها المكالمة الهاتفية.

    وقد كان.

    قال إنه يريد أن يحدثني عن أمر ما على انفراد.

    وحدد منطقة محايدة للقائنا عصر ذلك اليوم:

    مقهى في الهواء الطلق عند ملتقى نهري "أسيني بويني" و"الريد ريفر".

    حين رنَّ جرس الهاتف صباح نفس اليوم، كنت وحدي داخل الشقة، أشاهد برنامجا عبر إحدى قنوات التلفزيون الإخبارية يتناول من وجهات نظر تخصصية مختلفة مسألة "زيادة كمية الكربون في الغلاف الجوي"، وما نتج عنها من ظواهر جديدة مثل "الاحتباس الحراري"، لكن الذكريات قبيل أن أرد على مكالمة عادل سحلب بدقائق أخذت بالفعل تبعدني عن متابعة ما يحدث على الشاشة شيئا فشيئا.



    يتبع:
                  

01-08-2010, 06:35 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    في المساء

    كانت تحب حضور الاحتفالات الراقصة

    كيما تقتنص لحظاتها السعيدة.

    ...............

    ...............

    كانت تحب التدخين

    بينما تؤدي واجباتها المنزلية.

    .................

    .................

    كانت تحب ارتداء آخر الموضات

    في عالم الأزياء الجميل.

    ...............

    ...............

    وكانت تحب كل هذه الأشياء الصغيرة.

    كانت أغنيات "بوب مارلي" تتناهى من قلب ذلك المقهى على مدار الموسم الصيفي. ثمة شيء مثير للأسى يتخلل روحي كلما رحت أنصت إليه من حين لحين. "عند تحققات هذا المستقبل العظيم.. لا تنسى ماضيك.. ولا تحزني يا إمرأة". الشمس حانية. الأشجار تلقي بظلالها على المياه الهادئة والناس والأشياء بعدالة بدت لي في تلك اللحظة كدعوة صامتة للحب والإخاء والنسيان. عادل سحلب يجلس على مائدة طرفية في انتظاري على قلق، لا يتوقف عن التدخين بشراهة، أمامه زجاجتا بيرة باردتين من ماركة "ملواكي آيس" المحلية، أشار لي من على البعد، لكأنه يلفت انتباهي إليه، لقد بدا لي في أي وقت بعد حادث انتحار مها الخاتم وديعا مسالما وعلى قدر كبير من الطيبة، قلت في نفسي لسبب ما إننا نخطو في بعض الأحيان خطوة، نفعل ذلك بكامل وعينا وإرادتنا الذاتية، لكننا لسبب من الأسباب نفقد بقدر أوآخر قدرتنا على التحكم في ما يلي ذلك من خطوات، لعله سوء التقدير، لعله إغراء اللحظة وفتنة الإغواء.




    يتبع:
                  

01-08-2010, 06:56 AM

الطيب شيقوق
<aالطيب شيقوق
تاريخ التسجيل: 01-31-2005
مجموع المشاركات: 28804

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    ود موسى قلنا تجي نطلك ونسلم عليك سااااااااااى
                  

01-08-2010, 08:00 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: الطيب شيقوق)

    حللت أهلا ونزلت سهلا أخي الطيب.


    كنت أرتشف بيرتي متفقدا المكان من حين لآخر والمقرن يعج بحركة دائبة على غير العادة. كان هناك خيمة للرقص الفلكلوري تعاقب عليها راقصون من دول وألوان مختلفة، داخلون إلى المطاعم المتناثرة وخارجون منها يبحثون عن شيء أوآخر، "يوم كندا"، بداية الاستقلال القريب من بريطانيا، شيء ينفصل من جسد الانجليز، مثل كتلة الجليد الضخمة تبحر بعيدا ببطء ولا عودة، الأمر حدث في أمريكا بقذيفة مدفع، لكنه بدا هنا أقرب إلى تلك الآثار التي تحدث بفعل الزمن وعوامل الطقس والبكتيرياء على جسد قديم.

    كنت أصغي وسط تلك المباهج إلى عادل سحلب بلا مبالاة وهو يخبرني بآخر تطورات الصيني، لقد بدا لي جليا أنه عاجز عن الذهاب خطوة واحدة نحو موضوع جاد من غير أن يتزود بجرعة خمر وأخرى، فكرت في نفسي أنه دعاني لأمر آخر ولا بد، لا يمكن أن أطوي كل هذه المسافة لسماع أمر روتيني من حكايات المنفيين الغرباء. قال إن اليوناني قام بطرد الصيني من داخل النادي الليلي على نحو مهين. كل ذلك التدريب الشاق والشدة التي أخذ الصيني نفسه عليها لفترة طويلة وسعيه الجاد للعمل كمحترف في كندا ضاع هباء منثورا. قال الصيني "الآن" داخل الشقة، يوصد عليه باب غرفته أغلب الوقت، ونادرا ما يتبادل معه الكلام، "إنه مكتئب". أخبرني، حين سألته عن السبب، أن الصيني تبين له أن اليوناني كان يعده سرا لوظيفة أخرى، لا تلك الوظيفة المعلنة، لقد كان وقع المفاجأة عليه عظيما. قال عادل سحلب إن اليوناني حسب ترجمة الصيني كان يعده للعمل في وظيفة "الحفَّار الذهبي". ترجمت إلى الانجليزية حرفيا ما أخبرني به عادل سحلب للتو "غولد ديغر". ولم أفهم.



    يتبع:
                  

01-08-2010, 08:36 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    فجأة، أخذ عادل سحلب يتلوى في مقعده، ضاغطا على وسطه بكلتا يديه من شدة الضحك، بعد أن سبقني بثلاث زجاجات من البيره، قبل أن يخلد على حين غرة إلى صمت حزين، "لكأنه لم يضحك"، قلت في سري، وقد خطر لي أنه يتقدم في العمر بسرعة مثيرة للشفقة. بالنسبة لي، لم تكن واقعة الصيني مضحكة إلى تلك الدرجة، أكثر ما لفت انتباهي إليها أنني بدأت أفكر في وجود معارف في هذا العالم لم ألتفت إليها من قبل، "حتى هذا يحدث في كندا". وقتها أخذ عادل سحلب يسرد لي مجمل الحكاية ببراعة كادر خطابي سابق. قال إن هناك بعض النسوة العجائز يذهبن إلى النادي الليلي بحثا عن رجال في أعمار صغيرة ليمارسن معهم الحب لقاء مبلغ كبير من المال، يُطلق "على الواحد من هؤلاء الرجال" لقب "الحفَّار الذهبي حمانا اله ". وأخيرا سألني عما إذا كنت أعتقد أنه السبب المباشر في انتحار مها الخاتم؟.



    يتبع:
                  

01-08-2010, 05:35 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    أحسَّ منذ دقائق بالخدر يثقل باطن قدمي اليسرى. أبدأ في نفضها وتحريكها يمنة ويسرة. أجذب نفسا عميقا. أُبقيه داخل رئتيَّ لحظات. أنفث ملء صدري. بقعة كبيرة من البخار تتكون على زجاج النافذة. أرسم عليها هذه المرة رجلا وإمرأة في حالة عناق حميم لا يتسلل إليه ملل. تحتهما أُجري برأس البنصر اليمنى نفسها نهرا تحف جانبيه الخضرة. "هل أضع الشمس والقمر معا"، أتساءل. يدركني التعب. أتهاوى دفعة واحدة على سرير الحديد الضيق وأفرد الغطاء. الفراش بارد كما لو أن الملاءة نُسجت من مئات الأنوف الكلبية. لدي مقابلة غدا، في الجامعة الأمريكية، مع دكتور عراقي يدعى ريسان الكوفي، خلالها يتحدد مصيري إلى حد بعيد، هذه فرصة العمر والحياة أضحت باهظة التكاليف لتعاش.

    الظلام يتكاثف.

    المطر يعاود السقوط في الخارج بعنف.

    شيئا فشيئا، أغرق داخل موتي الصغير: النوم.




    يتبع:
                  

01-09-2010, 06:52 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    في صباح قاهري بعيد، من تلك الصباحات الصيفية الحانية، رأيتها تحمل في يدها أوراقا، وهي تعبر بوابة مكتب الأمم المتحدة، فجأة شعرت كما لو أنني أرى الحياة نفسها. عينان واسعتان، سوداوان، عميقتان، يشوبهما حياء غامض، تتوغل فيهما فتشعر وكأنك تتأمل سطح بحيرة هادئة في أوقات السحر. قمحية، ضامرة الخصر، ممتلئة الفخذين في تناسق ورشاقة، طويلة، صدرها مرتفع قليلا، عنقودا عنب وقت الحصاد. شعرها طويل، أسود فاحم، لكأنه يذوب في الهواء من نعومة، نسجتْ على جانبيه ضفيرتين، نيليتين، كانتا تسيران كغريمتين من أعلى وجهها المستدير في اتجاهين مختلفين، لكنهما تلتقيان عند مؤخرة رأسها في عناق حميم، قبل أن تتوحدا وتسقطا برفق إلى أعلى ردفيها بقليل.

    هكذا هكذا، قبالة مقبرة الصدقة الكبيرة، وهي ترتجف إلى جواري من جزع وخوف ورهبة، أخذتُ أستعيد في ذهني صورتها القديمة التي رأيتها عليها لأول مرة قبل نحو خمس سنوات تقريبا، وقد ملأت دموع الحنين إلى ما بين ساقيها مآقي قلبي وتحدرت على صفحة وجهي قطرة فقطرة. "هنا قبر زوجتي وولدي الوليد، يا مها". قلت لها ذلك وجسمي كله أخذ يرتجف من لوعة وحرقة وألم. لا بد أنني قد بلغت في تلك اللحظة أقصى قمة يمكن أن يصل إليها لسان كذاب أشر على مدى تاريخ هذا العالم قاطبة.

    كنت أعمل داخل الجامعة الأمريكية، مكتبي فخم، البنات الجميلات يحطن بي بثرائهن من كل لون وعمر ودين وبلد، مها الخاتم تنصت وهي مغموسة في جراحها، ولم يكن ثمة ما يدعو للحظة إلى التشكيك في صحة روايتي للأحداث، رواية نُسجت أحداثها من خيوط وحدتي وعذاباتي الخفية ولحظات اليأس والحرمان المحتدم بين جدران تلك الشقة الأرضية الضيقة كقبر. آنذاك، وقد آلمتها حالي، طلبتْ مني أن تكون في رفقتي عند أقرب زيارة لي إلى المقابر.

    وقد كان.

    كنا قد هبطنا من عربة الأجرة السوداء الصغيرة، وبدأنا نتوغل في صمت بين القبور خلال ذلك النهار القائظ، وهي تضع على رأسها طرحة بيضاء ووجهها شاحب حزين زادته حرارة الجو بؤسا ورهقا غريبين، بينما ظلّ العالم الذي نسير بين شواهده ساكنا صامتا لا نأمة تصدر منه، كان ميتا تماما. كان كلما زاد الشعور بوطأة تلك الوحشة، تقترب مني بمشيتها المرتبكة المتثاقلة أكثر فأكثر، وقد بدا وكأنها تعايش الموت من كل ذلك القرب الشديد لأول مرة، فجأة أحسست بيدها وهي تتسلل إلى باطن كفي اليمنى، كانت يدها باردة معروقة مرتجفة كجثة عصفور مبلولة، وهي كانت قد كفت عن أحاديث العزاء منذ أن غادرنا عربة الأجرة وبدأنا سيرنا المتمهل نحو أعماق ذلك الصمت الأبدي المطبق.

    قبالة قبر الصدقة، بكينا معا كثيرا وطويلا، كل يبكي على ليلاه، لعلها تبكي هزائم كثيرة، لعلها تعالج بالدمع آثار غزاة فتحوا باب مدينتها الحصين غدرا، استولوا على كنوزها المخبوءة، ثم تركوها نهبا للأقاويل والضياع وفداحة المصير. يا لقلبي، وقد قُدَّ من حجر منذ أمد بعيد، كان كلما زاد بكاؤها، كلما استولت على نفسي مراميها الدنيئة، وقد كان.



    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-09-2010, 07:27 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-09-2010, 07:44 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-09-2010, 08:19 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-09-2010, 08:33 AM)

                  

01-09-2010, 09:37 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    وحدث بعد ذلك أمر عجيب. كان كل شيء قد أخذ يتم بيننا في صمت وتواطؤ وسرعة غريبة حد الدهشة والحيرة. خرجنا من المقبرة والعصر يلملم بقاياه الأخيرة. لعلنا انتهينا عبر تلك الدموع من دفن أحزان الماضي مرة واحدة وإلى الأبد. لقد خيل لي للحظة ونحن نغادر آخر القبور بسيرنا الخفيف وكأننا دخلنا كشخصين وخرجنا كشخص واحد بمشاعر مختلفة. حتى القدر نفسه بدا سخيا لحظة أن عثرنا على عربة أجرة قرب كل ذلك الموات بسهولة ويسر والجو نفسه قد أخذ يرق ويلطف كما لو أن يد الثلج تمرر يدها على جبين النار المشتعل منذ فترة. لم نتبادل كلمة واحدة حتى انبثاق صرختي اللذة معا. التواطؤ والصمت سيدا الموقف. غادرنا القبر وقد جفت بحيرات الدمع في أعماقنا. كنا نسير بين القبور وقد تشابكت يدانا بحركة عفوية. هذه المرة، بدت يدها دافئة لدنة حُلوة الملمس ومطواعة. هبطنا من عربة الأجرة في صمت. كنا نجلس على المقاعد الخلفية متلاصقين وكل منا ينظر في اتجاه نافذة مختلفة وجسدها لا يكاد يتوقف من بث اشاراته الخفية. انتظرتني خارج صيدلية في شارع الطيران قريبا من حيث تسكن. أحضرت عازلا طبيا على عجل. لم تسألني عن شيء. تركتْ لي يدها اليمنى وذراعي اليسرى تحتك بدفء صدرها المكتنز بين كل خطوة وأخرى. صعدنا إلى الطابق الرابع. فتحتْ الباب كما لو أن الأمر جرى التدرب عليه في الخيال طوال حياة كاملة. أغلقتُ الباب ورائي كزوج يسير في أعقاب زوجته بعد حضور مناسبة اجتماعية عادية. رأيتها وهي تتخفف من ملابسها بينما تواصل السير صوب الحمام. كنت أتبعها بخطى تعرف طريقها جيدا كما لو أنها لم تكن أول مرة أدخل فيها إلى شقتها. الصمت والتواطؤ سيدا الموقف. كنت أساعدها في خلع ستيانها بتلقائية أدهشتني. انحنتْ تضبط توازن الماء الباردة والحارة. آنئذ أمكنني رؤية موضوعها الخاص لأول مرة وهو يطل من زاوية خلفية ولدت في جسمي رعشة خفيفة وقدا بدا حليقا حديثا. داخل حوض الحمام، والصمت والتواطؤ سيدا الموقف، أخذت أدران النهار.. رائحة العرق الزنخة.. وآثار الشمس المدبوغة على الجلد تتحلل وتتساقط وتذوب وتنجرف مع رغوة الصابون بعيدا. قمتُ بتجفيفها. سبقتني إلى غرفة نومها. وجدتها عارية تنتظر. رأسها ساقطة صوب الحائط. شعرها ملموم إلى أعلى. وساقاها متباعدتين. وقد كان حليقا. كانت تبكي بلا صوت ودموعي تتساقط أعلى نهديها قطرة قطرة.


    يتبع:
                  

01-09-2010, 05:09 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    نتابع
                  

01-09-2010, 09:39 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    كان ذلك بمثابة حدث فريد زلزل حياة المنفيين الغرباء الراكدة في تلك المدينة. لقد سرت شائعة قوية مفادها أنه تم إجراء تحقيقات دقيقة مع عمر من قبل جهات أمنية كندية رفيعة لما له صلة بتنظيم إرهابي يقوده رجل أعمال سعودي سابق يدعى "أسامة بن لادن". حتى أن أحد أولئك الغرباء المنفيين قد أخذ يعدد تفاصيل الحدث بأنفاس رجل أنهى للتو مسابقة للعدو السريع ما بين مدينتي موسكو وباريس. قال لهم في قمة الاستثارة إنه رأى "بعينيَّ هاتين اللتين سيأكلهما الدود بعد الموت" وجه عمر في سياق نشرة تلفزيونية وهو يطل من وراء أسوار غونتنامو في كوبا. لكنَّ الرعب قد بدأ يدب بالفعل في أوساط أولئك الرجال لحظة أن طالبوه بتفسير لحضور عمر المفاجيء في اليوم التالي مباشرة إلى "بورتج بليس".

    كان يتحدث بتأثير ذاكرة قديمة. كانوا مثله "في الهم شرق". أخذ يوضح لهم هذه المرة ببطء وثقة وحسم أن الأمن لا يسمح عادة بنشر مواد إعلامية حين يتعلق الأمر بقضايا خطيرة على المستوى القومي إلا بعد التأكد تماما أن "كل شيء تحت السيطرة الكاملة". لا تعتقدون أن "وكالة المخابرات الأمريكية المركزية بهذا الغباء". عمر هذا "مجرد سمكة صغيرة". لقد أطلقوا في الواقع سراحه "على سبيل التمويه". إنهم يعطونه حريته الآن ليكون بمثابة طُعم للأسماك الكبيرة "لذا وجب الحرص". كان عمله كمذيع سابق في احدى محطات التلفزة الإقليمية في السودان يضفي على وقع حديثه في نفوسهم مسحة من الصدق. لعلكم تعلمون طرفا من أمر الخلافات الشهيرة بين عمر وزوجته. لكن لا أحد منكم قد قام في الماضي بطرح هذا السؤال البسيط على نفسه: "أين اختفى عمر عن الأنظار خلال الستة أشهر الماضية"؟.


    قال رجل بدين منهم له صوت أرملة عايشت الحزن والصمت طويلا، وهو يشير إلى قامة عمر القصيرة، وقد رسخ في وعيه هول ما سمع للتو: " صدق المثل القائل: القصير إما حكمة أوفتنة". بعضهم أخذ يفكر في مغادرة المحافظة بأسرع قدم لديه. "المثل يقول: ابعد عن الشر وغني له". آخرون خلال مجلس للسُكر في شقة عادل سحلب فكروا مستفيدين من مناوراتهم السياسية السابقة في "جمع توقيعات من أفراد الجالية تؤكد للمسؤولين في المحافظة أن ما أحدثه عمر من مخالفة للقانون مجرد سلوك فردي منعزل.. الجالية تدينه وتطالب بتطبيق أقصى العقوبات على صاحبه". لقد بدا المنفيون الغرباء منقسمين حول طريقة التعاطي مع قضية عمر وكيفية احتواء تأثيراتها السلبية المحتملة على "وضعهم الآمن" مستقبلا. لكنهم أجمعوا على شيء واحد.



    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-10-2010, 06:03 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-10-2010, 06:08 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-10-2010, 06:38 AM)

                  

01-10-2010, 07:44 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    كان من الممكن التعرف على شخصية عمر في الآونة الأخيرة من بعد آلاف السنتميترات الضوئية. جلباب أبيض وعمامة بيضاء مرتفعة. ما إن تقع عينهم عليه من على كل ذلك البعد، حتى يسارعون بمغادرة مكان تجمعهم عن بكرة أبيهم، لقد بدأت تنتعش في تلك الأيام غريزة "النجاة بالجلد" في نفوس المنفيين الغرباء على مختلف توجهاتهم، وكثيرون منهم كانوا قد توقفوا تماما عن آداء الفريضة في المسجد من باب "درء المصائب"، لكن لا أحد منهم قد فكر ولو مرة واحدة في الاقتراب درجة من عمر للتأكد من صحة تلك الشائعة، لقد كانوا يقولون "لا دخان من غير نار". ذات نهار، حين قامت "جيسكا" بزيارتنا، أحببت أن أرى آثار تلك الشائعة على وجهها، وكان قد مر نحو ثلاث سنوات على آخر علاقة وثيقة بينها وبين عمر، أذكر أنها أخذت تنظر إليَّ بدهشة واستغراب، وقد بدت وهي تضع على وجهها تعبير مَن يحاول جاهدا تذكر ملامح شخص عابر من وراء ركام آلاف التفصيلات الصغيرة المترسبة على سطح الذاكرة.


    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-10-2010, 07:49 AM)

                  

01-10-2010, 04:53 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22499

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    *****

    متابعة لصيقة يا ابو محمد
                  

01-10-2010, 07:00 PM

elham ahmed
<aelham ahmed
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: ابو جهينة)

    sudansudansudansudansudansudan999004sudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    صورة عبدالحميد البرنس/ ادمنتون/ كندا




    ابو العيال


    فى قلبى انت بتكبر تكبر معاك معانى / امانى

    ام العيال

    (عدل بواسطة elham ahmed on 01-15-2010, 06:46 AM)

                  

01-10-2010, 07:35 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: elham ahmed)

    الأستاذ الطيب شيقوق
    يا سلام
    يا سلام على المرور الجميل .
    ادرى أخى الطيب توقفك
    وتمعنك العميق وتشعلقك وأنت تبتسم تلك الأبتسامة الراضية .
    عبدالحميد البرنس عالم عجيب .. نعم أخى الطيب .. عجيب .
    تحياتى وشكرى

                  

01-11-2010, 07:07 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    وصلت وقتها أسرة عمر من السودان، زوجته ذات القامة العالية وبناته الثلاث، وقد بدا عليهن تعب السفر بدرجات متفاوتة، على الرغم من تلك الأشواق المختزنة لرب عائلة غاب عنهن نحو احدى عشرة سنة متصلة، قلما اتصل خلالها بهن من منفاه الوسيط في أثيوبيا. لقد بدا وكأن الأمور عادت إلى طبيعتها الأولى. مُنحت العائلة بيتا حكوميا مكونا من ثلاث غرف مخصصا لمحدودي الدخل. عمر يعمل كعامل نظافة في شركة صغيرة يمتلكها أحد المهاجرين التشيليين الذين فروا في أعقاب سقوط سلفادور أليندي عام 1973. البنات التحقن بمدارسهن والأم بدت سعيدة بالذهاب لمدرسة تعليم الكبار في "الريد ريفر"، والاعانات (لا سيما خلال السنة الأولى) قد بدأت في التدفق على الأسرة المهاجرة من منابع حكومية مختلفة. كان أثر النعمة أكثر ما يكون وضوحا على جبهة عمر السوداء التي أضحت كما أخذ يعلق بعض المنفيين الغرباء خلال ساعات النهار الميتة في "بورتيج بليس" مثل جلد حذاء أسود جديد خرج للتو من بين يدي ماسح أحذية لا يعوزه الاتقان. كانت تلك المجالس تفيض في بعض الأحيان بالكثير من الروائح المزعجة. وثمة شيء جدير بالاحترام، شيء بدا لي غامضا لفترة، أخذ ينعكس من وجه عمر كلما رأيته، لعله المعنى الذي تمنحه الأسرة للرجل.


    يتبع:
                  

01-11-2010, 07:19 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: متابعة لصيقة يا ابو محمد



    طاب مقامك أينما كنت (أبوجهينة) أخي.
                  

01-11-2010, 07:29 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: ابو العيال


    فى قلبى انت بتكبر تكبر معاك معانى / امانى


    أم العيال:

    وجودك إلى يمين قلبي، يسار روحي، لا يزال يمنح عقلي نافذة للتمتع بجمال هذا الخالق. أحبك.
                  

01-11-2010, 07:38 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    عثمان أخي:

    Quote: يا سلام



    تلك الكلمة ثقيلة في ميزان ما بعد القراءة. لعلها أقصى ما يطمح إليه كاتب من ردود أفعال مصدرها الحسّ. أشكرك، لكن الطريق لا تزال طويلة وشاقة. كل الأمنيات الجميلة لك أخي المبدع الإنسان وأنت تغوص في بحار حريتك الداخلية هنا وهناك فإذا للأعماق كنوز مخبوءة لا تراها سوى الأنفس المحبة.
                  

01-11-2010, 04:21 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    أستاذى الكاتب الكبير ابوجهينة
    سلام وكثير الاحترام
    مرورك يسعد الجميع
    ارجو أن تكون بخير
    تحياتى وجزيل شكرى
                  

01-11-2010, 08:46 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    لم يكن صباحا عاديا، حين استيقظت من نومي متأخرا بعض الشيء، الشمس لا تزال حانية وهي تضع أصابعها البيضاء بالكاد على عتبة النافذتين الزجاجيتين الواسعتين، "أماندا" لا تزال نائمة إلى جواري، أنفاسها خافتة منتظمة، وعلى ملامحها تعبير ميت، لعلها عادت على مشارف الصباح، بالكاد أتذكر طرفا من أحداث الليلة الماضية، ما يحضر إلى ذهني الآن أنني بدأت في تجرع البيره بعد غياب الشمس مباشرة، كنت أشرب وحدي في غرفة المكتب و"أماندا" وشقيقتها الكبرى "مليسيا" تستعدان بضجة أنثوية أليفة للذهاب وحدهما إلى أحد النوادي الليلية.

    أفكر أحيانا أن "مليسيا" لا تصلح لأن تكون حجر الزاوية في بناء بيت أسري، تركتْ في معية زوجها السابق وهي لم تكمل السابعة والعشرين بعد أربعة توائم ذكرين وأنثيين أصحاء وتفرغت تماما لمغامراتها العابرة، لا أتذكر لها الآن لحظة حنين واحدة، مثل ضيف، ألقى رحاله بين قوم مجهولين ورحل صوب المجهول بلا ذكرى، لا شوق لقُبلة من فم صغير، لا قلب يهف لنداء يتلمس طريقه في الليل نحو أمومة غائبة بلا جدوى، مثلي تماما، لا أكاد أرغب حتى في تذكر أشياء من حياتي الماضية، المنفيون الغرباء لا جذور لهم ، معنى حياتهم يتكون دائما عبر سلسلة متصلة من رحلات تتم غالبا بلا معنى، التفسخ هو الصلة الوحيدة التي أخذت تربطني بهذا العالم.

    منذ البداية، كان لدي شعور غامض أن طريق "أماندا" لن تفضي في نهاية المطاف إلى شيء.

    لعل في داخلي نزعة دفينة للانتحار.

    أذكر أنني اعتذرت من مرافقتهما، كنت مُتعبا، والبيره في نحو التاسعة كانت قد حولتني إلى مجرد خرقة على طرف حوض في مطبخ جرى للتو غسل آخر أوانيه. ومع ذلك، ظللت أواصل السُكر بعد ذهابهما مدفوعا من قبل وعد حميم همست به "أماندا" في أذني قبيل ذهابهما: "بعد عودتي أريدك أن تأكلني حية". ذلك ما كان من أمر البارحة وبين الجنة والنار قيد أنملة.

    نفضت عني تلك الأفكار السوداء بهدوء. لا تزال رأسي مثقلة من أثر البيرة، كان مرأى "أماندا" وهي نائمة إلى جواري يخبرني أنني لا أزال أسيرا لهواجس أحاول عبثا التخلص منها. طبعتُ على جبينها قُبلة خفيفة. وسرت بخطى حافية صوب الحمام. كنت دائما أترك باب الحمام مفتوحا. الوحدة أرض خلاء لا أبواب لها. لكنني لا أزال أواصل نفس العادة مع "أماندا". هكذا، بدأت أفهم بمرور الوقت معها أن التوحد بستان ينطوي على الاختلاف والعزل بين أنواعه يُميتها. أفرغت أمعائي بتمهل. أنهيت تنظيف فمي وأسناني مدندا أثناء ذلك بموشح أندلسي قديم:


    عَبِثَ الشوق بقلبي فاشتكى

    ألم الوجد فلبت أدمُعي

    أيها الناس فؤادي شَغِف

    وهو في بَغيِ الهوى لا يُنصِف

    كم أداريه ودمعي يكُف

    أيها الشادق من علمكا

    بسهام اللحظ قتل السبع



    يتبع:
                  

01-12-2010, 06:03 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    أنهيتُ أعمالي داخل الحمام، فقد عدلت في اللحظة الأخيرة عن حلاقة ذقني النابتة، يوم سبت آخر، لا يزال في الوقت متسع إلى أن تستيقظ "أماندا"، كنت أسير نحو المطبخ المفتوح على الصالة، لا شيء يعكر صفو الهدوء داخل الشقة، سوى أزيز الثلاجة المتقطع الرتيب، فجأة وقعت عيني على رجل غريب لم أره من قبل ينام بطمأنينة على ذات الكنبة التي ظللنا نمارس عليها الحب أحيانا، بنظرة واحدة لا أكثر أدركت تفاصيل ما حدث أثناء نومي العميق الليلة الماضية، كنت أواجه تحديات وجودي كرجل لأول مرة في حياتي على ذلك النحو السافر المستفز حد الغليان.

    يتبع:
                  

01-12-2010, 04:13 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    الأخت الهام
    بعد السلام على أخى عبدالحميد
    و بعد كثير سلامى عليك والولدين .
    ارجو التكرم بوضع صور المدينة .. المدينة فى عامها الجديد فى لونها الأبيض
    فى شهرها الأول من السنة .
    شهر الكتابة .
    شهر الاحلام ..
    مع جزيل شكرى
    وكثير سلاماتى
                  

01-12-2010, 06:16 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    كنا جالسين على حاجز الأمواج الأسمنتي، أقدامنا متخالفة معلقة في الفراغ، وأيدينا إلى حافة الحوض الخلفية مبسوطة تسند ثقل ظهورنا، بعد دقائق من مغادرتنا لتلك المائدة الطرفية حول المقهى المقام في الهواء الطلق. كان "أسيني بويني" يلوح أمامنا على بعد خطوات قليلة، مياهه راكدة معتكرة تقلقها حركة الزوارق النهرية الصغيرة من آن لآخر، على ضفته الأخرى تنهض غابة صغيرة من أشجار الآش بينه وبين "الريد ريفر"، وقد ذكرني موقعها لسبب ما بموقع جزيرة توتي في السوداني، وهي تنهض بطيبة بين نهري النيل الأبيض والنيل الأزرق، قبل أن يلتقيا ويتوحدا في مجرى نيلي واحد، وتلك بداية نهر النيل ورحلته في ما يشبه المعجزة عبر صحاري وكثبان رملية وأراض صخرية صوب مصبه على البحر الأبيض المتوسط في مصر، وأنا أعاني سريان البيره طفيفا على أطرافي، بدأت أتخيل مشهد هندي أحمر مر عبر ذات المكان قبل ألف عام، من المؤكد أنه لم يطرأ وقتها على ذهنه أن الحياة على جانبي النهر يمكن أن تشهد كل هذا التحول الدرامي. كانت أصوات المحتفلين بعيد "يوم كندا" تتناهى من غير مكان، "واسيني بويني" لا يزال يتككأ، لكأنه في تكاسله لا يريد أن يفوِّت عليه بهجة الألعاب النارية عند حلول الظلام، قبل أن يواصل طريقه للقاء "الريد ريفر" العارم المندفع في حياء وتهيب. كنت أتشاغل بمرأى أطفال صغار، أخذوا يتطلعون إلينا عبر ذلك الفضول العفوي الخالد والعالم لا يزال في عيونهم طازجا بكرا لا تشوبه الأحاسيس المعقدة، حين ألقى عادل سحلب ذلك السؤال، "هل تظن أنني المسؤول المباشر عن انتحار مها الخاتم"؟.


    يتبع:
                  

01-12-2010, 07:09 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    قلت في نفسي "الموت آخر ما يذكر في هذا المقام". أدرت رأسي صوب عادل سحلب ببطء وحذر. لم يكن ينظر نحوي. كان مطرقا يتلاعب بقدميه في الفراغ ومرأى الأرض من تحته بدا داكنا. أعدت بصري إلى مداره الأول متفقدا من حولي تلك الظاهرة الطبيعية الموحشة: "الأشياء داخل العتمة (تبدو ولا تبين)". حين التقيت نظرته، على ضوء المصابيح المتناثرة، والمحتفلون يضيقون مساحة اليابسة المنبسطة بعد النهر انتظارا لبدء الألعاب النارية الوشيك، لم تكن نظرة عاشق سابق على أبواب العزاء، كانت نظرة طائر ذبيح. قصدت أن أطيل مدى الصمت أكثر فأكثر. آناء ذلك، بدأت أدرك مدى الفجيعة بوضوح تام. عادل سحلب. إسم له شنة ورنة وسط مجتمع المنفيين الغرباء في القاهرة. لكنه يبدو الآن شأن الثوريين الآخرين في عالمنا الرابع، واجهة براقة ومحتوى معتم، وهو يعطي كل تلك الأهمية لعوامل خارج ذاته منتظرا بنفاد صبر أن تحدد إجابتها مصيره الخاص. قلت في نفسي "لا، لن أحل تناقضاته العالقة". لكنه عاد لتكرار نفس السؤال بالحاح طفل حائر هذه المرة. عندها فقط طلبت منه تأجيل إجابتي إلى حين الإنتهاء من رؤية الألعاب النارية التي بدأت وسط صيحات المحتفلين بالفعل. لم أكن أراه والأشكال النارية الجميلة تُزين سماء النهرين لكنني كنت أحسّ بوجوده البائس وقد بدا مثل لحن جنائزي نشاز من خارج جوقة الفرح العام، وتلك محنة السياسي السابق وحده.


    يتبع:
                  

01-12-2010, 07:36 PM

elham ahmed
<aelham ahmed
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    edmonton in the winter


    PBSYCAOBAONOCA6577VICA3E4VGLCALQA12PCA09CCU6CA6UF8MGCAX1XV75CA3UHO55CATXFH0CCAP9PVS7CAONZQ59CA9Q79KWCAS8HUS3CAX2ZRJICAGMS90UCAGXN38MCAJIU8RACAQB63DY1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com



    S3M9CACST4AACA8ZPT7ICAOZRA7UCAZ5DR75CA4PGGD7CATFTG2YCAHKY2AVCABA72JGCAPXQ0K7CAJ9H8Y4CA4HIVHHCANI5I13CAA4A032CAQ5WSBVCAIIARW9CAEOAEXACALEU9XUCALHPALY.jpg Hosting at Sudaneseonline.com



    العزيز عثمان موسى
    سلامي وتقديري
    ادمنتون في الشتاء
    تبعث في النفس الذكريات والحنين
                  

01-13-2010, 06:10 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: elham ahmed)

    كانت احتفالات الناس في ذلك العام باليوم القومي لكندا قد بدأت في التحول داخل نفوسهم ولما تنفض بعد تماما إلى صور لا مرئية وتسجيلات غير مسموعة يدعونها أحيانا "الذكرى". لا شيء يتبقى في نهاية المطاف. الأشياء خارج الإنسان تتآكل بمرور الزمن وخارجه عرضة للنسيان وزواله (المحتوم) هو نفسه. كان الناس يخلون ميادين المقرن زرافات ووحدانا سالكين طرقا مختلفة وعادل سحلب اقترح عليَّ أن أذهب معه إلى شقته لتكملة السهرة في صحبة الصيني الذي طرأ عليه تحول غريب "هذه الأيام". لقد كفَّ تماما عن تقديم الخدمات للآخرين. صار يتعاطى الخمر كما لو أنه يقوم بتصفية حسابات معقدة ظلت عالقة طويلا بينه وبين الاستقامة والصمت وأشياء أخرى. لقد تبدلت الأحوال على نحو درامي داخل شقتهما. عادل سحلب بعد حادث انتحار مها الخاتم أخذ يميل إلى الصمت أكثر فأكثر. الصيني في أعقاب صدمة اليوناني لا يكاد يترك أمرا إلا وقتله حديثا وتعليقا حتى أن عضلات وجهه أخذت تكتسب مرونة فائقة في فترة وجيزة فصار مثل عامة الناس لا تنقصه المشاعر المعلنة. لقد شرع وجهه الشمعي في الذوبان بلا عودة. حين هدم الصيني أسوار سجن "الساقي" داخله، بدا الأفق أمامه مليئا بالوعود، ومخزونه من الخيال بدا كما لو أنه احتفظ به كل هذه المدة ليكون بمثابة جسر يعبر به من عالم المنفيين الغرباء إلى الحياة في بر كندا، حتى أنه بدأ في غضون سنوات قليلة في التفكير جديا في شراء النادي الليلي من اليوناني نفسه.

    آنذاك، أخذ الصيني يكتشف مواهبه الدفينة في التجارة. لقد بدأ بعادل سحلب نفسه. كان الأمر أشبه بالتواطوء والاتفاقات الضمنية. عادل سحلب يشتري الخمر مقابل تلك الترجمات التي درج الصيني على تقديمها له بصورة تكاد أن تكون يومية. عادل سحلب نظر إلى الأمر في البداية بنوع من شفقة يشوبها الغموض، ثم تحول موقفه منه إلى سخرية خفية، قبل أن يغرقه الذهول في بحر من الحيرة، وهو يرقب عن كثب إزدهار تجارة الصيني ورواجها. كان الصيني الذي هبطت عليه الطلاقة دفعة واحدة قد أدرك حقيقة هامة: تزايد أعداد المنفيين الغرباء في المدينة. لا يكاد يمر نصف العام حتى يتم بقذف أعداد جديدة منهم في طرقات المدينة وأحيائها المختلفة هنا وهناك. كانوا دائما منهكين حد الإعياء بتعب المنافي الوسيطة مثل نيروبي وأديس أبابا والقاهرة ومرضى بداء مزمن عضال يدعى "الحنين". كان بعضهم، في أحيان قليلة نادرة، يتحسس مظروف خطاب قادم من الوطن، ويتمعن فيه من وراء ستارة الدموع الخفيفة، كما لو أنه يشهد وقوع معجزة سماوية في زمن كثرت فيه أعداد الملحدين. أما الذين أُخبروا منهم أن ما يمضغونه الآن تمرة من نخيل الوطن فتمنوا لو أن الزمن يتوقف بهم عند تلك اللحظة.

    شيئا فشيئا، صنفا فصنفا، أخذت شقة عادل سحلب والصيني تتحول، بمرور الوقت، إلى محل تجاري صغير لبيع "مضادات الحنين"، بدأ الصيني ببيع كروت المحادثات الدولية، كان المنفيون بحاجة دائمة إلى تلك السلعة، الحنين لا وقت له، قد يهجم على المرء في أية لحظة، إذا لم يُخمد في الحال قد يؤدي إلى اعتلالات صحية خطيرة، قد تكون السوق موصدة حين تقرع أجراس الثانية بعد منتصف الليل، قد يكون البرد في عنفوانه عند السادسة صباحا، قد يخلو جيب المنفي الغريب في تلك اللحظة من دولار واحد، لكن الصيني دائما هناك، يُملي عليك شفرات ما تطلبه من كروت عبر الهاتف، ولا يهم متى يتم دفع قيمة ما خفَّ من ثقل الحنين من ذرات طالما يتم الدفع في نهاية المطاف. وطموح الصيني، لا يتوقف. كان لا بد من تغذية أرواح المنفيين الغرباء بألبومات غنائية لمطربي الوطن وأخرى دينية وثالثة تذكرهم بأن العالم الذي تركوه وراءهم لا يزال به مَن يلقي النكات ويُضحِك. كانت السلع تتكدس داخل الشقة المشتركة حتى الحمام وصلت أحد أركانه كومة من المسابيح الحجازية المضيئة وقد تم وضعها داخل شنطة بلاستيكية محكمة الإغلاق.

    لكن النقلة الحاسمة في سيرة تاجر "مضادات الحنين"، تحققت حين شرع الصيني في سد حاجة المنفيات الغريبات من مستلزمات تقاليد الزينة الضاربة في رُحم التاريخ، لقد جلب حتى الودك والحنّة وبخور الصندل والخُمرة وفركة القرمصيص وشعر الجورسي المستعار والخُمرة الزيتية والمحلبية والسرتية و"فرير دمور" و"الزمام أبو رمشة" والكُحل والمراويد وحلاوة شيل الجسم في عُلب بلاستيكية سمنية صغيرة بلا تواريخ صلاحية وأثواب السهرة الهندية، ناهيك عن سده لحاجة العجائز من أدوية عُشبية وتمائم مانعة للسحر وشر الأعين الخائنة، وحتى غرفة عادل سحلب اكتظت بثياب الرجال التراثية مثل الجلاليب والعمائم المختلفة والعراريق وسراويل التِكَة. والحال تلك، لم يعد أمام الصيني، الذي لم يفت عليه أن يسد حاجة المنفيين الغرباء من أطعمة الحنين، سوى الزحف إلى محل تجاري داخل مجمع "بورتج بليس"، وقد أضاف إمكانية تحويل الدولارات إلى الوطن إلى قوائم تجارته المزدهرة. لقد أعطى الصيني للغرباء المنفيين ما أرادوا: الشعور أنهم لم يغادروا موطن أجدادهم لحظة.




    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-13-2010, 07:27 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-13-2010, 08:07 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-13-2010, 08:35 AM)

                  

01-13-2010, 09:05 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    لقد كان الصيني واعيا منذ البداية بخطورة أن يقيم المرء قصرا وسط الأكواخ الماثلة.



    يتبع:
                  

01-13-2010, 05:23 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    نتابع
                  

01-14-2010, 09:47 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    كنا نسير في اتجاه شقة عادل سحلب ببطء وتمهل. كان قد اعتلى منبر النظريات الكبرى ومنصة الأفكار الكبيرة على حين غرة. لا يتبادر إلى ذهنك، يا رفيق حامد، أنني مجرد كادر جماهيري سابق، لست خطيبا دينيا في مسجد الحزب فحسب، ما كان من أمري في القاهرة ليس سوى دور في مسرحية هزلية كنت قد أتقنت القيام به مكرها من باب "العيش بالحيلة"، ولو إنني اتبعت وقتها ما يمليه عليَّ فكري وقناعاتي الحقيقية لمت من الجوع أوالتشرد. العالم لا يكاد يطيق وجود الأذكياء هذه الأيام وحكمته لاءات ثلاث: لا أرى.. لا أسمع.. لا أتكلم. لم أكن يوما في موقع الفيلسوف الآمن الذي يشير بسبابته إلى علل الأشياء بلا خشية. كان الخوف من المجهول لحظة النطق بالحقيقة ولا يزال يحكمني. أنت لا تعرف بأس الرفاق، لأنك لم ترَ حتى الآن سوى ابتساماتهم، لقد أوغلوا في تقديس الرموز حد تأليههم، ولو أنني أخبرتهم وقتها أن ما اعتبروهم مأخوذين ببريق تضحياتهم البطولية ليسوا في واقع الأمر سوى رجال دين في ثياب حديثة لانهد المعبد وتساقط على رأسي بما فيه. الماركسية وغيرها من النظريات الحديثة لا ينتجها سوى منهج عقلاني. نحن أسرى لمناهج ثنائية تقليدية قائمة على النقل والحفظ والالزام والتلقين. المأزق لا يبدأ من زعماء اليسار التاريخيين فحسب. المأزق تعود جذوره إلى رواد النهضة لدينا أنفسهم. قاسم أمين مثلا. حين نادى بحرية المرأة، أنتج ذلك بمنهج الخرافة السائد آنذاك ولا يزال، إنه حين يدعو أن تكون وضعية المرأة لدينا مماثلة لوضعية المرأة في أوربا من حيث الحريات العامة يستدرك قائلا عند كل نقطة "ولكن هذا لا يتعارض مع الاسلام"، إنه لا يحدث قطيعة تاريخية مع النظرة السائدة إلى المرأة، قاسم أمين للأسف لم يختلف مع المرجعية السائدة إلا على مستوى تأويل المرجعية نفسها، إن خطورة مثل هذه الدعاوى تكمن في كونها لا تفعل من داخل ثوب تقدميتها القشرية سوى إعادة إنتاج التخلف في قالب جديد. ما فعلته النهضة الأوروبية كان أمرا أكبر من ذلك وأكثر أصالة. إن الفعل الحاسم للنهضة الأوروبية تمثَّل في نقل تصورات الإنسان لنفسه والعالم من خارجه إلى داخله، من المقدس المطلق إلى النسبي التاريخي، وهذا جوهر العقلانية. لم يكن عادل سحلب وهو يفلسف الأمور فجأة على ذلك النحو "مثل رجل ثمل يمشي فوق جليد زلق". لقد بدا لي منطقيا إلى حد بعيد. لكنني لسبب ما لم أستطع أبدا أن أواصل الإصغاء إليه من دون التفكير في عمله كغاسل للأواني والصحاف في مطعم "سويس شاليه" ذي الشعبية الواسعة في كندا. لقد بدت لي آيديولوجيا اليسار أثناء حديثه مثل آنية حوت إيدام ملوخية لزج طَعِمَ منه الكبار ثم عبثت به أصابع طفل متخم مسافة قبل أن يترك ليجف ويتحجر على حوض غسيل جاف.


    يتبع:
                  

01-14-2010, 04:12 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    الأخت العزيزة الهام
    بعد السلام
    الشكر من بعد السلام على المرور الكريم
    ووضع صورة المدينة
    المدينة ( الهمبريب ) المدينة التى تهب القلب اكسجين الكتابة .
    ألف شكر جميل أن تتخلل الخيط صور المدينة وصور شقة السطوح وصور المقابر
    وصور الحبيبة عين شمس .
    .. عبدالحميد هو الذى شعلق صوت تلك المكانات .. نتابع
    تحياتى وجزيل شكرى
                  

01-14-2010, 05:49 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    كمن يُحلَّق بجناح قوي وحيد في سماء شاهقة العلو.

    هاتفتني مها الخاتم في صباح صحو جميل. كان صوتها دافئا مترعا منسابا يضج كعادته بالحياة. طلبت مني أن ألتقيها لتناول وجبة الغذاء معا في مطعم لبناني في مصر الجديدة شهد إعلان حبي وميلاد علاقة بدت واعدة. قالت بكلمات غامضة إنها ستقوم بعدها بصحبتي في رحلة العمر. وافقتها تلقائيا على تناول الوجبة. كان عليَّ في مساء ذلك اليوم أن أكون المتحدث الرئيسي في ندوة ينظمها "طليعة الشباب" موضوعها على ما أذكر "الأمثال الشائعة كآلية للسيطرة الاجتماعية السائدة". حين بدا صوتها فجأة مثل إناء زجاجي سقط من شاهق على سطح صلب، سألتها: "إلى أين ستكون الرحلة"؟. كان ذلك موافقة ضمنية مني بتعديل خططي المسائية بشأن الندوة والذهاب معها إلى نهاية العالم. كما انتهتْ، عادت نبرتها الآسرة تطرق مسامعي من جديد بمزيد من الغموض والإغواء. قالت "ستذكر ذلك طويلا". كما يقول الأدباء الروس: الشيطان وحده يعلم كيف قضيت ما بدا لي ساعات أشبه بقرون طويلة متفكرا في كلماتها مستعيدا حلاوة صوتها متخيلا أية رحلة يمكن أن تكون بعد تلك الوجبة؟.

    قبل أن تغلق سماعة الهاتف، قالت بكلمات شاعرية أدهشتني إنها ترغب لحظة حضوري أن ترى مدى أناقتي أفقا أزرق، هواء عليل وعاصف معا، سماء لا تشوب صفاءها سحب، نحن في طريقنا أخيرا للوقوف داخل محراب لحظة إنسانية خالدة. أتذكر آخر عبارة لها خلال تلك المحادثة التي أخفت في ثناياها الناعمة شيئا أقرب إلى الجحيم: "عادل!، أحبك بجنون".

    لو أن الحرية مسألة شخصية فقط لا علاقة لها بما يحدث في الخارج، يا حامد؟.



    يتبع:
                  

01-14-2010, 10:06 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    أثناء سيرنا المتمهل نحو شقة عادل سحلب، خيل لي للحظة وكأنني أتوغل داخل دهاليز كابوسية لا مخرج لها، مخلوقان بائسان، في بلاد بعيدة، لا يدرك أحدهما شيئا عن تاريخ رفيقه البعيد الموغل في القدم والنسيان، التقيا في القاهرة من على البُعد خلال مناسبات عامة عديدة، افترقا كما التقيا كغريبين ثم التقيا مرة أخرى وبينهما هذه المرة جثة فتاة ألقت بنفسها من أعلى نقطة في بناية سكنية ضخمة، قبل أن تنشطر وتتخذ طريقها إلى دواخلهما مناصفة في شكل ذكرى، أحدهما لا يريد حتى أن يتذكرها، الآخر يحاول عبثا أن يتقيأها بسؤال لا يُعيد إليها حياة. كان عادل سحلب بعد نفاد صبر يتوقع إجابتي في أية لحظة. لكنه لسبب ما اعتلى منبر النظريات الكبرى ومنصة الأفكار الكبيرة على حين غرة. أخيرا، وصلنا إلى شقته المشتركة مع الصيني. الأخير، لم يكن هناك. أحضر عادل زجاجة فودكا كبيرة من داخل المطبخ وكأسين وكان قد أعد مجلسا على البلكونة على عجل حتى أنه لم يهتم بتبديل ثيابه بأخرى بيتية. لقد بدا واضحا أنه يحاول جاهدا الإرتقاء عبثا بمواقف وضيعة حدثت في الماضي بروافع فكرية وجمالية مكثفة. كنت أراقب كل ذلك بغير قليل من عدم الارتياح ولو أنه تصالح مع جوانبه الوضيعة بمثل ما فعلت لجنبني مشقة مواجهة أكثر الأشياء احتقارا بالنسبة لي في هذا العالم: جلد الذات.


    يتبع:
                  

01-15-2010, 08:44 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    كانت علاقتي بمها الخاتم في الفترة الأخيرة قد بلغت منعطفا خطيرا.

    ظلت تدفعني على نحو متزايد للارتباط بها رسميا وبدا وكأني استنفدت كل حيلي للإبقاء عليها كعشيقة لأطول فترة ممكنة. أحيانا تبدو لي مسالمة وديعة شاردة، وهي تعطيني جسدها بسخاء المغلوبين على أمرهم، لا تقاومني إلا على نحو يفجر براكين الرغبة في داخلي، وقد بدأتْ تدرك رويدا رويدا توقيت اللحظة التي أكون فيها قاب قوسين أوأدنى من ذروة التحقق العليا، عندها فقط تفاجئني، وهي تدفع صدري عنها بعيدا، وثمة بريق مخيف يشع من داخل عينيها الغاضبتين. في مثل تلك الأحوال، أجلس على حافة السرير مطرقا، أنصت لصوت انفعالاتها الهادر بينما ترتدي ثيابها كيفما اتفق، أمسح غالبا بصاقها المشمئز من على وجهي وريقي جاف، أرقب عضوي الخاص وهو يتراخى إلى أن ينكمش تماما على نفسه مثل شيء بائس ملقى وحيدا في العراء، لكنها ما تلبث وأن تعود إلى الغرفة بعد فترة قد تطول أوتقصر، ترفع رأسي إليها بيدين مرتعشتين، تنظر إليَّ بعينين مليئتين بالدموع، ورائحة جسدها توقظ الرغبة في داخلي بعد موات.

    أنت لا تريد أن تبرهن لي على حبك. لعلك تراني مجرد عاهرة. لدي مثل كل النساء أحلام. بيت وزوج أفاخر به في العلن وأطفال يشعرونني بأمومتي. هذا الخفاء والإحساس المزمن بسرقة الحب يميتني في اليوم ألف مرة. غدا، نذهب إلى الشهر العقاري في الحي السابع. نكتب عقد زواجنا. الحياة لن تتوقف لفاقة. أنا حزينة وأنت سيد مَن يعرف الحزن. لك أن تتخيل حين نذهب إلى اجتماع الخلية متماسكين متقاربين متحابين. حتى الآن، لا أدري من أي أنواع الحجر قد قُدَّ منه وقتها قلبي؟.

    "الأنبياء وحدهم معدون لحمل الصليب في هذا العالم ولستُ منهم".

    تلك العبارة الشاعرية اليتيمة الغامضة، رثيت بها مها الخاتم في نفسي، بعد أن أنبأني عادل سحلب آناء تلك الليلة بانتحارها المأساوي، لم أستجب لما حدث مثله. لا وقت للبكاء، تلك واحدة من تعاليم المنفى، وإن وُجِدَ وقت للبكاء، لا توجد يد تربت على الكتف حاملة العزاء والسلوى، لكن للبكاء وظائف أخرى في كتاب المنفى. أتذكرها خلال أيامي الأخيرة معها على أرض الكنانة. كان حزنها يشبه مطر المناطق الإستوائية إلى حد بعيد، تارة يندلق ثقيلا متواصلا، وتارة أخرى يُهمي خفيفا متباعدا، وفي كلتا الحالين لا تدري متى يبدأ أويتوقف، ولم يكن يعنيني منها سوى الهرب إليها فرارا من نفقات أعياد الميلاد الباهظة في عالم ظلت تجتاحه اللاءات من كل حدب وصوب، والمنفى تحكمه الحاجة لا القيم. كان الإقتراب منها في تلك الأيام أقرب إلى الإقتراب من شيء قابل للانفجار في أية لحظة.

    ذات مرة، أخبرتني عبر الهاتف أنها تعد في شقتها احتفالا خاصا للمناسبة، بدا صوتها مشرقا مطهما بالدلال والإغواء، وسألتني وسط تلك اللحظة النادرة من الأمان الذي أتاحه لي القرب منها في الآونة الأخيرة: "لا بد أن لديك مفاجأة بالمناسبة كذلك"؟. أخبرتها "نعم". لكني بعد الإنتهاء من مكالمتها القصيرة شرعت أفكر لمعرفة تلك المناسبة بلا جدوى. كنت أعلم أن "لا" كفيلة بتبديل مشاعرها في أقل من ثانية واحدة من النقيض للنقيض. كانت مشرقة على غير عادتها أخيرا، شعرها مصفف بعناية فائقة، ترتدي فستان نوم أحمر بأكمام قصيرة، بدا على وجهها أنها أنفقت أمام المرآة وقتا طويلا لإخفاء أي أثر يدل على البثور التي أخذت تنتشر على وجهها بكثرة. كانت أضواء شمعتين ذهبيتين تُضفي على الصالة شيئا أقرب إلى لمسات الأحلام الحانية وثمة موسيقى خافتة تبثها "إذاعة البرنامج الثاني" ظلت تصدر من مكان ما أسفل نور الأباجورة الطولية الواقفة عند أحد الأركان كشاهد. على المنضدة المغطاة بمفرش بني فاتح ذي حواف جانبية مخرمة في شكل دوائر صغيرة متلاصقة لاحت بين الشمعتين تورتة بيضاء رُسم أعلاها بطبقة رفيعة من شوكولاته ذائبة قلب مخترق بسهم الحب وثمة كوبان مليئان بعصير البرتقال. قلت في نفسي لا يزال لها ذقن جميل. وسألتني إن كنت أعرف مناسبة الاحتفال.



    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-16-2010, 07:19 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-16-2010, 07:24 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-16-2010, 07:55 AM)

                  

01-16-2010, 07:57 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    في اليوم التالي مباشرة، منتصف نهار تلك الجمعة، بدا وكأننا على موعد، جاءت داخل رداء سابغ فضفاض، على رأسها طرحة، وجلست على الأرض إلى جواري قبالة ذلك القبر في هدوء شديد. قالت بصوت خافت إنها ظلت تهاتفني طوال الليلة الماضية و"هذا الصباح" لكن هاتفي ظلّ مغلقا "لا يرد". قالت "أنا آسفة". بعد قليل، أخرجتْ من شنطة يد سوداء مصحفا صغيرا وراحت تقرأ بعينين ملؤهما دموع. لم أعلق بشيء. بل لم أفه بكلمة واحدة. واصلتُ الاستغراق إلى القبر الحجري المصمت بعينين جافتين تماما. حاولتُ وقتها عبثا تذكر تلك المناسبة. كان عقلي صفحة بيضاء ورد فعلها فوريا مباغتا. لم أشعر سوى بقالب التورتة وهو يلتصق على وجهي بعنف وبكوبي عصير البرتقال وهما يفرغان على رأسي وقبضتي يديها وهما تتهاوان على جسمي كله بلا شفقة. حين غادرت شقتها، في حال يرثى لها، كانت هناك، على الأرض، تتلوى ويداها مضمومتان بين فخذيها وفمها يُزبد. "انظر"، تناهى صوتها وصوت شنطة اليد السوداء وهي تُفتح في آن واحد. أرتني خصلات شعر كثيرة قائلة إنها وجدتها على مخدتها هذا الصباح.

    كيفية الهروب من كيان آدمي آئل للسقوط في أية ثانية. ذلك كل ما فكرتُ فيه لحظتها. بدأ الصمت الثقيل المطبق يلف المكان مرة أخرى. قالت قريبا لن تكون على رأسي شعرة واحدة. رأيتها تزحف نحو القبر ببطء. وضعت خصلات الشعر عند حوافه وعادت إلى مكانها. خيل لي لوهلة أنها تبكي في صمت. لم يطاوعني قلبي لمعاودة النظر إلى وجهها. نهضنا في وقت واحد بلا اتفاق وسرنا متباعدين صامتين والشمس تنحدر صوب مغيب شاحب. قلت في نفسي لو إنني فقط تذكرت أن يوم أمس قد صادف مرور ثلاث سنوات من علاقتنا معا.


    يتبع:
                  

01-16-2010, 09:04 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    أقف الآن على قمة جبل اللحظة الحاضرة. أحاول النظر إلى ما بعد الأجمة المنبسطة صوب السهل الواسع وعباب المحيط. لا أتعرف على ذاتي القديمة وراء ركام كل هذه السنوات. سوى ملامح غائمة تنحدر إليَّ أحيانا من خطاب صديق نسيت للأسف حتى ملامحه. "عزيزتي ليليان"، سألتني ذات وردية بعيدة "لماذا لم تقم حتى الآن بلم شمل أسرتك في كندا"؟. لكأني أقرأ وقتها من كتاب الحكمة "ليليان، عزيزتي ليليان، إذا لم يكن لدى المرء من الأسباب ما يجعله يغادر أرض أجداده، فلا يفعل". المنفى آكل الحواس. يبدأ بالنظر وينتهي باللمس.

    ما يتبقى بعد ذلك، لا شيء.

    قبل يومين، أثناء عملي الليليّ كحارس في وزارة الزراعة في "أتوا"، والساعة تشير إلى الرابعة صباحا، حدث أمر هزَّ كياني كله، كانت صورة العزيزة ليليان تتصدر كل الصحف اليومية.



    يتبع:
                  

01-16-2010, 06:19 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    نتابع
                  

01-17-2010, 12:33 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    كانت صورة مها الخاتم تتراءى لي لسبب ما أثناء القراءة.

    كانت رواية جميلة، للصديق "باولو كويلو"، تدعى "إحدى عشرة دقيقة"، وصورتها تبدو مثل صوت يُخاطبك وأنت على بعد ثانية واحدة من العطسة، لقد بدأتْ تستيقظ هذه الأيام وتطل بحزنها الأخرس من تحت جلدي كثيرا، مثل شيء مزعج، وددتُ لو أنه لم يعبر من سماء حياتي قطُّ، ولا أظن أن ذلك الشعور بالضيق مرده إلى مسألة تأنيب الضمير، قوانين المنفى في ذهني واضحة وقاطعة، وكانت هي تحمل فيروس الانهيار في جيناتها الوراثية منذ الولادة، العوامل الخارجية لا تفلح في غزونا إن لم نكن قابلين ذاتيا لذلك الغزو، لكنها ظلت تخترقني مثل وجه "لا أريد أن أتذكره" كلما أوغلتُ في القراءة.

    "أتوق الى فهم الحب . أدرك شعورى بأنى كنت مفعمةً بالحياة حين أحببت. وأعرف أن كل ما أملكه الآن مهما يبدو مهما لا يلهب فى قلبى الحماسة . رغم أن هدفى يتمثل فى فهم الحب.. العذاب الذى عانيته على أيدى هؤلاء الذين سلمتهم قلبى.. فإن بإمكانى القول: إن هؤلاء الذين لامسوا روحى لم ينجحوا فى إيقاظ جسدى من كبوته، وإنَّ هؤلاء الذين لامسوا سطح جسدى لم ينجحوا فى بلوغ أعماق روحى".

    حين وصلت إلى ذلك المقطع من يوميات بطلة الرواية، وهي في سن السابعة عشرة، وكانت تشير إلى الثانية بعد الظهر، رنَّ جرس الهاتف فجأة داخل حجرة نومي، فإذا بصوت "أماندا" يتناهى من على الجانب الآخر بعد فترة طويلة وممتدة من الغياب، لم تكن الأوضاع وقتها قد استقرت بيننا بعد، وكنت حانقا عليها بسبب تلك المواقف المتكررة. آخر مرة، غيَّرتُ جلدي كما يقولون لأجلها، لبستُ ما تريدني هي أن أكون عليه، تخلصتُ مرة واحدة وإلى الأبد من زيّ صحفي محترم بمقاييس القاهرة بعد سنوات عديدة من الألفة، حتى صرت موضوعا محببا للتندر وسط المنفيين الغرباء على مقاهي "بورتيج بليس"، هؤلاء قوم خلقهم الله غالبا من طينة التعليق على الأحداث لا صناعتها. وهناك، داخل النادي الليلي، ظلتْ تستنزف مواردي المالية المحدودة بلا مبالاة فتاة مستهترة، أصرف شقائي على كؤوسها وكؤوس صويحباتها بلا حساب، قبل أن تتركني في نهاية السهرة حائرا داخل تلك الملابس مثل قروي قام في زمان بعيد بشراء القصر الرئاسي مقابل عائد المحصول السنويّ برمته.

    صيغٌ جديدة لنصبٍ قديم.




    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-17-2010, 12:39 PM)

                  

01-18-2010, 01:33 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    نتابع
                  

01-18-2010, 07:35 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    قالت إنها تريد أن تراني على نحو ملح.

    وسألتني:

    - "ألا تفتقدني، وليم"؟.

    - "بلى".

    - "لا تقلق، سأحضر الآن، هذه المرة مختلفة، إنني جادة، أحبك".

    - "ولكن..

    - "ماذا"؟.

    - "إنني مشغول الآن".

    - "لا بد أن في الأمر فتاة أخرى، وليم"؟.

    - "أبدا".

    - "إذن سأحضر، كن في انتظاري، اتفقنا"؟.

    - "لا، أرجوك، في يوم آخر، لا بد أن أنهي المكالمة الآن، أحبك"؟.

    - "سأتصل مرة أخرى، وداعا".

    - "وداعا".

    كان اليوم الثالث في عطلة سنوية تمتد لعشرة أيام. لقد اخذت ساعات العمل الأساسية والإضافية معا الكثير من أحمال الحزن المتراكمة على كاهليَّ بمرور الأيام والسنوات. هكذا، بعد فترة طويلة، عادت ذكريات الماضي البعيد تهاجمني دفعة واحدة، ولم يكن ثمة من معين إلى جانبي، سوى النوم لساعات قليلة.. التفكير طويلا بلا جدوى في جدوى ما حدث هنا وهناك.. ما لا يحصى من أكواب القهوة السوداء المرة خلال النهار.. القراءة أحيانا.. وتجرع زجاجة ويسكي كاملة على مدى المساء والليل وساعات الصباح الأولى. لقد بدأت الشقة منذ نهاية يوم الاجازة الأول في التحول شيئا فشيئا إلى مقلب للقمامة. رائحة السجائر المحبوسة، أواني الطعام المتسخة وصلت حتى الحمام، أطفيء أعقاب السجائر على باطن حذائي البيتي السميك وأقذفها بحركة طفولية كيفما اتفق، قشر البصل متناثر على أرضية الصالة إلى جانب قشور خضروات أخرى، الملابس المؤجلة للغسيل منذ ثلاثة أسابيع تلوح أينما وقع البصر، لقد بدا المشهد برمته أشبة بعملية طقوس سحرية لتحضير روح شيطان رجمه نجمٌ منذ عهد عاد.

    لقد لهثتُ وراء "أماندا" قرابة العامين. سلكت إليها سُبل الأولين والآخرين. كل حيلي بدت معها عديمة الجدوى. كانت في كل مرة تقترب بقدر يسمح لها بالهرب في أية لحظة. كاد ذلك يدفعني إلى الجنون لو لا ركوب العابرات أحيانا وإبقاء الأمل بالذهاب إلى الكنيسة أحيانا أخرى طمعا في مؤمنة تُعيد للمنفي الغريب ورعه وتقواه القديمة القديمة. أخيرا، وطنتُ نفسي على نسيانها. لكن الله هداها بالذات في هذا اليوم الذي وصلتُ فيه إلى نقطة اللا رغبة في كل شيء. حين أشارت عقارب الساعة إلى الثامنة مساء كانت "أماندا" قد هاتفتني بالحاح لأكثر من تسع مرات. لم أكن أرفع سماعة الهاتف. أترك الجرس يرن ويرن إلى أن أسمع صوتها وهي تترك رسائلها القلقة بعد الرد الآلي. كانت تقول عند بداية كل رسالة "أعلم أنك هناك، أجبني وليم، لن أيأس معك، ألا ترغب فيَّ"؟.

    بعد الثامنة، أخذتْ تهب ريح عاتية، البرق يومض من آن لآن، المطر يتساقط بغزارة، يتوقف فجأة. لقد وقع المحظور حوالي التاسعة والنصف. كانت طرقاتها على باب الشقة تحمل تصميما غريبا. كانت مبتلة تماما من شعرها حتى أخمص قدميها وفي يدها حقيبة ملابس بنية صغيرة ومن داخل عينيها أخذ يومض حبّ أمومي غامض أقرب إلى الحنان لا يتناسب ورعشة متصلة ظلت تصدر لدقائق من شفتيها الرفيعتين، كانت أشبه بقارب إنقاذ صغير في يوم عاصف.



    يتبع:
                  

01-18-2010, 05:13 PM

elham ahmed
<aelham ahmed
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)


    على سبيل الحب
                  

01-18-2010, 08:01 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: elham ahmed)

    بعد مكالمتها الأولى، فاتني أن أدرك الطريقة الغريبة التي تم من خلالها إعلان ذلك الحبّ. طريقة عصرية بحتة. سمّها إن شئت "الحاجة". لا حاجة الذرات الموجبة والسالبة نحو اندماجها لإحداث طاقة ما، هي التكامل أوالحبّ، بل حاجة الذرات السالبة والموجبة معا لحماية وجودها العقيم المنعزل داخل فضاء من العلاقات الهلاميّة.

    كانت قد سبقتني إلى الحمام ريثما أنهي تسوية الفراش الذي بدا بعدها كحقيقة إنسانية وحيدة داخل معمل تحضير الشيطان المزري الذي تحولت إليه الشقة بين ليلة وضحاها. هناك بدت مرحة سعيدة وهي تحاول أسفل مياه الدش الدافئة صدَّ يدي المراوغة المتجهة لأول مرة نحو مناطقها الأكثر خصوصية. لقد أنعش ذلك شجرة الحياة التي ذوت في داخلي أوتكاد. أخيرا، أقبلت اللحظة التي حلمت بها طويلا، رأيتها على بعد خطوة، وهي تستلقي على الفراش مشرعة ساقيها، لكأنها أعدت بدورها للحظة نفسها وتهيأت منذ تعارفنا الأول، كان كيانها كله مخيّرا لإرادتي، وهو يكاد يضيئ داخل العتمة بنور ذاتي، لا تدري إن كان مصدره الروح أم شدة بياضها الحليبي؟.

    بدأتُ ألاطفها بمخزون شوق دفين، الثوان والدقائق تمر، حرارة جسدها الفتي وصلت إلى أقصى درجاتها، لكن "موضوعي الخاص" لم يُحرّك ساكنا، حتى وهي تستلم دفة القيادة بحذق أنثى لا تعوزها الحيل، لقد ظلّ بكلمة واحدة "ميتا"، بكلمتين "ميتا تماما"، بعبارة حاسمة "ميتا تماما كخرقة بالية". لم تبعثه من موته الذي بدا أبديا حتى ذكريات الحرمان ولاءات الحاج إبراهيم العربي وحفل عيد الميلاد الدرامي. بدأت أفقد توازني واليأس يعصرني، وهي بدأت تغمض عينيها، لعلها تحاول أن تعيد لي هدوئي، لكن الدماء لم تتصاعد إلى عروقه بعد وأعصابه ظلت مرخية، لا يحسّ حتى بقُبلاتها الجنونية، كما لو أن ما يحدث أمرا أشبه بتقوقعه أثناء محادثة رجالية.

    ما أخذ يضاعف من خيبة الأمل في داخلي، ليس لأنها المرة الأولى فحسب، ليس لأنها حدثت في أول لقاء لي بها على فراش، بل عظمة الاكتشاف في مثل ذلك الموقف وفداحة الحقيقة الماثلة قبالة كل ذلك العنفوان الأنثوي الموَّار: لم يعد "عضوي الخاص" صالحا للعمل مرة أخرى. قالت بعد أن استلقيت إلى جانبها مذهولا محطما مأخوذا بوقع المفاجأة وحدتها: "هذا أمر مرده الإرهاق ليس إلاّ". كنت أسمعها ساكنا مشلولا لا أقوى حتى على تحريك عينيّ الشاخصتين داخل العتمة كعينيّ ميت. في صبيحة اليوم التالي، دخلتُ على الطبيب بكل ذلك الفزع، سألني عن تاريخ العائلة المرضي، كشف على قلبي، طلب مني أن أسحب سروالي لأسفل، مرر يده مرارا خطفا على طول المنطقة الواصلة مابين الساق والحوض فجفلت، قال "أنت معافى، ذلك أمر يحدث أحيانا للرجال في مثل عمرك"، لكأنه أعطاني شهادة ميلاد رجولة جديدة. سألتني بعدها "أماندا"، وهي تراني أفتح باب الشقة سعيدا متحررا من كل تلك المخاوف، قائلة: "ماذا قال الطبيب"؟. قلت "لا شيء" وأنا أدفعها فجأة نحو السرير.

    وقد كان.



    يتبع:
                  

01-19-2010, 00:10 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: على سبيل الحب



    أم العيال:

    شكرا للصبر على خيالات الكتابة وأوهامها التي لا تنتهي، يا لكِ من سيدة استثنائية، أحبك.
                  

01-19-2010, 05:44 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    نتابع التدفق
                  

01-19-2010, 09:26 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    حين التقيت عمر لأول مرة، بدت شعرات التدين قليلة متفرقة مثل أنجم بيضاء وسط ليل شعره الفاحم. يعمل في سلام بقاعدة اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ولآخرتك كأنك تموت غدا. ما إن يفرغ من "جيسكا" حتى يهرع إلى سبيل المصلاة وكأن عزرائيل في أعقابه. إلى حين تشتعل الرغبة بين سراويله مرة أخرى فيرى بعد مقاومة قصيرة أنه مجرد "عبد لله فقير وقع في فخاخ شيطان رجيم" وباب التوبة لا يزال مفتوحا على أية حال. شيئا فشيئا، بدت شعرات التسامح القليلة المتناثرة على رأسه مثل جواهر سوداء وُضِعت متفرقة داخل غرفة بيضاء مضاءة بقوة في مستشفى للأمراض العصابية.

    كان عمر قد أعد نفسه وحساباته لسعادة أسرته في مهجره الجديد على نحو دقيق. لم يترك شاردة أوواردة وإلا أحصاها. لقد عزم منذ البداية على تعويض ما عانته أسرته بسبب من حرمان وفاقة وغيابه الطويل هو بالذات. كانت ثقته في الله كبيرة، وهو يسر لي قبل يومين فقط من وصول زوجته آمنة وبناته الثلاث هبة وإيمان وسلوى، قائلا إنه إذا حدث وأن "زنا" في الماضي تحت تأثير "شر الوسواس الخناس" إلا أن "الله غفور رحيم". كان يمتدح زوجته كثيرا، آنذاك تنفرج أساريره ويتهلل وجهه لذكرى وجه حبيبة لم يرها لسنوات طويلة، ولا ينسى في كل مرة أن يذكرني بعظمة "نسائنا المسلمات اللائي (لحكمة لا يعلمها إلا الله) يحفظن فروجهن حتى في حالة غياب أزواجهن لأكثر من نصف قرن". ربما لهذا ظل ينصحني على الدوام "لا تتزوج (يا حامد) إلا من مسلمة حتى ولو كانت صينية لا تعلم لغتها ولا تعلم لغتك طالما الدين واحد". لكنَّ شيئا واحدا أغفله عمر قد أحدث على صعيد حياته الخاصة دمارا هائلا.

    ذات عصر بعيد، طرق عمر باب شقتي على نحو غير متوقع، كنا في داخل الصالة، أشارك "أماندا" على سبيل المجاملة فرحتها بزيارة صديقتها القديمة "جيسكا" بعد طول قطيعة. كانت "أماندا" لا تزال ترتدي بدلة رياضية زرقاء بعد حضورها ظهرا من مبارة كرة قدم وديّة مستاءة مما حدث هناك، قالت إن أغلب البنات كنّ في حالة من عدم التركيز والتوازن بعد أن أسرفن الليلة الماضية في الشراب وممارسة الحبّ. كانت "جيسكا" ترتدي بلوزة صيفية حمراء بالكاد تغطي أسفل سُرتها الغائرة وسروالا أبيض قصيرا للغاية وفي كامل أناقة بدت لي غريبة ومستعارة إلى حد بعيد ولم يبدُ لي أنها ترتدي مشدا يسند نهديها الصغيرين. بدا عمر داخل جلباب أبيض قصير وعمامة بدت مسدلة حول رأسه مثل طرحة. لم يكن عمر قد توهط على مقعده المنعزل داخل الصالة بعد، حين عالجته "جيسكا" بسؤال، وهي تحتمي بجهله الكامل باللغة الانجليزية، قائلة:

    "هل أصبحت ل..وط..يّاً، يا أُومر"؟.

    كنت قد جلست على الكنبة إلى جوار "أماندا" التي لا تزال تحمل شيئا من عمر في نفسها منذ أن تجاهل تحيتها له لحظة خروجنا من دكان الأثيوبي. قالت لي وقتها بكبرياء أنثوي جريح إن الشيء الوحيد الذي سيظلّ يربطها بعمر هو ذكرى أول لقاء لي بها. حين عاتبتُ عمر بعدها على هامش مناسبة للمنفيين الغرباء، ضرب يديه ببعضهما البعض، وهو يهز رأسه بدهشة، قائلا "يا حامد، حتى الفاجرات في هذه البلاد لهن مشاعر". كانت "جيسكا" تجلس إلى يسار "أماندا"، على مقعد هزّاز أمام إحدى النوافذ الزجاجية الواسعة، ومن ورائها بدت الشمس باسطة يدها في تكاسل على قمم المنازل القريبة، في حين جذب عمر مقعد سفرة جلدي أسود، وجلس قبالتنا أنا و"أماندا" أسفل لوحة صديقي فان جوخ "نجوم الليل"، ناظرا إلى اليسار في اتجاه الثلاجة في بلادة ووجوم، وقد خيل لي أنه يظن أن سؤال "جيسكا" له ليس سوى مواصلة لحديث سابق قطعه حضوره. فجأة سألني إن كانت "هذه الفاجرة" ويعني "جيسكا" تتحدث عنه. قلت "نعم" والحيرة والترقب يعصفان بدواخل "أماندا" خلف ملامحها الهادئة. "قالت شنو"؟. سألني وهو لا يزال يغض الطرف عنهما معا. قلت هي فقط تراك مكتئبا وتريد أن تعرف لماذا تغيرت في الآونة الأخيرة ولم تعد تسأل عنها؟. مثل عاهرة حقيقية، بدت "جيسكا"، وهي تطلق ضحكة ماجنة على حين غرة، بينما تمد نحوي سبابتها، قائلة "وليم، أنت تكذب، أنت غير أمين، ذلك ليس سؤالي".

    في هذه اللحظة، جذبت "أماندا" صديقتها من يدها، وقادتها نحو حجرة المكتب في جلبة، قال "متى يتوب الله عليك، يا حامد"؟. قلت في سري "حين تموت براكين الشهوة في داخلي". قال وهو يقترب بمقعده قريبا مني "عندي مشكلة، يا أخي". أشعلتُ سيجارة، ورجعت بظهري للوراء، ومَن بدأ يشكو همومه الآن لم يكن عمر الداعية الذي سبق وأن زارني من قبل في صحبة السوري، كان نفس عمر القديم، يُعاقر الشيطان على خمر المعاصي تارة، ويبكي لله من خشية تارة أخرى، إنه الإنسان في قوته وضعفه وجماله الأبدي الذي لا ينتهي لحظة أن يشرع فقط في الحديث عن أشياء حقيقية تلامس عصب وجوده الحيّ.

    بعد مغادرة عمر و"جيسكا"، بدأتْ "أماندا" في تجميع الأواني المتسخة ووضعها على حوض المطبخ تمهيدا لغسلها، لكنني أمسكتُ بها من الوراء فجأة، وحملتها وهي ترفس الهواء بقدميها محاولة التملص مني بلا جدوى، قمتُ بوضعها على منضدة السفرة، وبدأنا نمارس الحبّ هناك، وسط صرير الخشب وأنينه المتصل وتداعياته المحتملة بالسقوط في أية لحظة، وكأن الأحزان لا وجود لها. كانت تعشق مثل تلك المفاجآت. وكنت ألجأ لها فقط حين يتكاثف الحزن على قلبي ويصل تلك الدرجة القصوى التي لا تحتمل.





    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-20-2010, 06:40 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-20-2010, 06:44 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-20-2010, 07:24 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-20-2010, 07:26 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-20-2010, 08:05 AM)

                  

01-20-2010, 05:48 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    كنت مستلق إلى جوارها داخل غرفة النوم الغارقة في العتمة. نتجاذب حديثا ناعسا أيقظته ذكرى ما حدث عصرا بين "جيسكا" وعمر. فجأة، سألتني "وليم، ألا يزال أبواك على قيد الحياة"؟. قلت لها "ربما". ما أذكره الآن أنني افتقدتها خلال السنوات الأولى التي أعقبت رحيلي. أمي بكت لحظة الوداع. أبي قال لي عند باب الحوش "لا تدع الغربة تنسيك أهلك". كان شقيقي الوحيد لا يزال نائما لحظة أن غادرتهم في ذلك الصباح. بعد سنوات قليلة، علمت أنهم ساقوه إلى الحرب ومات هناك. لقد تعودت أن أعيش منذ وقت طويل بلا جذور. لا أحد يسألني من أين أتيت وإلى أين ذهبت؟. كنت أقاوم حنيني للإنتماء بالقراءة تارة، بالشراب تارة أخرى، وبالعمل من داخل أحد الأحزاب تارة ثالثة. أجعل من فان جوخ وموتسارت ورامبو أصدقاء في زمن قلّ فيه الوفاء أويكاد. أنسج علاقة أمومة وأبوة بيني وبين الأم تريزا وغاندي ومانديلا. تزوجت في خيالي ممثلات وعارضات أزياء لا حصر لهن. أقمت علاقة عمومة وخؤولة بيني وبين ميخائيل بولغاكوف وصادق هدايت ومعاوية محمد نور وكافكا وديستوفيسكي وفرانتز فانون وألتوسير والتجاني يوسف بشير وأمل دنقل ووليم فوكنر وماركيز وغيرهم. كنت أسترسل في حديث بدا لي تلك الليلة ذا شجون. ولم أنتبه إلى شخير "أماندا" وهو يتعالى منذ فترة.

    "المسكينة"، لقد بدأتْ يومها بمباراة رياضية في كرة القدم.


    يتبع:
                  

01-20-2010, 07:25 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    كان على المائدة بيني وبينها، الفتوش، التبولة، أقراص من الكبة المقلية، سلطة البطاطا بالكزبرة الخضراء، ورق عنب محشو، باذنجان متبل بالطحينة، دجاج بالأرز، صيادية السمك بالأرز، وداوود باشا وأنواع أخرى من السلطة. ثم جييء إلينا بورد الشام ومربى البلح الطازج بالقريشة وشيئا من ليالي لبنان. حلويات ذات مذاق مدهش. كنا نأكل ببطء وتلذذ على أنغام فيروز الشجية الخافتة. كانت إضاءة المطعم حالمة، ستائر الواجهة الحمراء السميكة مسدلة، على الجدران المكسوة بورق برتقالي مقوّى ثمة لوحات لطبيعة صامتة تمثّل أنيات وخضروات وفواكه وزجاجات لشراب بألوان مختلفة. كنت أشعر كما لو أن المنفى لا وجود له. ولم يدر في ذهني وقتها أن ما يحدث داخل ما بدا لي نعيما سماويا ليس سوى البداية الحقيقية للمأساة. كان عليَّ أن أنتظر وقوع مثل تلك الخطوة لأكتشف خرائب قصوري الثورية.

    يا لضياع عادل سحلب، يا حامد.





    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-20-2010, 07:29 PM)

                  

01-20-2010, 07:52 PM

محمد عيد
<aمحمد عيد
تاريخ التسجيل: 05-03-2009
مجموع المشاركات: 2005

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    اخى عبد الحميد ..

    أتابع بحب عميق اندياق أحرفك الرائعة

    وعباراتك التى تشحذ النفس ألقا وأملا ..

    لا اريد اعتراض انسياب ابداعك .. .

    ولكنى وددت فقط ان احييك .. واجدد شوقى وأشواق كل الزقازيقاب

    وترقبهم لمرور محبب منك اليهم فى دارهم ...
                  

01-21-2010, 06:37 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: محمد عيد)

    Quote: ولكنى وددت فقط ان احييك .. واجدد شوقى وأشواق كل الزقازيقاب

    وترقبهم لمرور محبب منك اليهم فى دارهم ...


    محمد أخي:

    شوق لكم ولتلك الأيام، لا يحد. أطالع حروفكم كل يوم عبر زيارتي الصامتة فأطالع عالما بأكمله سبق لي وأن عشته بكل تفاصيله اليومية الحميمة. رهبتان تقفان إلى الآن بيني وبين الكتابة في وعن (ناس الزقازيق): فرحة وجودكم إلى جانبي عبر كل هذا القرب بعد تسليم لقانون الأيام وتقلبات الزمن. تخيل -مثلا- لدي أحاديث كثيرة أختزنها لمجتبى فاروق وفجأة أراه أمامي ولا أعرف من أين أبدأ ما انقطع ذات مساء بعيد. كنا وقتها في شارع متسع بين بيت الطالبات والاتحاد ناحية مساكن الجامعة. بعد أن افترقنا ناديته وودعته مرة أخرى. ورهبة مطالعة آثار الزمن على وجوه أصدقائي وصديقاتي مثل ما تكشف لي حال ودالجعلي. ثمة وعد بحضور معلن وكتابة مطولة لحظة أن أفرغ من كتابين أعمل عليهما منذ فترة. شكرا لحضور دال.
                  

01-21-2010, 08:55 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    كانت تفوح منها من آن لآن رائحة خفيفة من عطر يدعى "رُمبا". لم يكن التاريخ والمستقبل حاضران. وقد أصابني منها عدوى اللحظة وثمالتها. منذ أن صافحتها عند مدخل المطعم، بدا لي على خلفية مكالمتها التلفونية في الصباح وكأننا مقبلان على نهاية حياة وبداية حياة. لمسة يدها، شعرها الطليق، إيقاع نهديها عند الخطو، نبرتها، نظراتها الحالمة، كل ذلك وغيره، وشى لي آنذاك عن رغبتها الجارفة في التحليق عاليا تلك الليلة. بجرأة، عند منتصف الوجبة، وهي تضع عينيها الجميلتين داخل عينيّ، سألتني واضعة شرفي الثوري على محك التجربة إن كنت على استعداد للطيران إلى جانبها بعيدا بعيدا. لوهلة قصيرة، خيل لي أنني أسمع صوتا يتناهي من أعماقي القصيّة يخبرني أنني لا أملك الأجنحة الكافية للتحليق في فضاء أنثى مثلها تضع وجودها كله على كف المغامرة مدفوعة بمفاهيم غامضة عن الحرية والمساواة والعدل. كنت أنظر إلى مجرى نهديها الضيق العميق حين قلت "نعم". قالت وهي تهدهد مخاوفي الخفية إنني سأرى أن البستان لم يطأه من قبلي رجل. لعلي ظللت أسوقها في طريق الإيحاء لإتخاذ تلك الخطوة كما لو أن كل شيء يتم بإرادتها. الوقت يمر. للطعام شهية. فضاء الجذب بيني وبينها يتكاثف عبر ملايين الأمواج اللامرئية وللتأجيل إطالة أمد اللذة. وا.. أسفاه، يا حامد. جمال الأنثى يظل آسرا قويا، حين نتطلع إليه في الأعالي مدفوعين بحمى الرغبة وسعيرها، لكنه سرعان ما يبدأ في الذبول ويفقد بريقه شيئا فشيئا كلما زدنا من تملكنا له. اقترحتُ عليها أن نذهب إلى شقتي في ميدان المحكمة القريب بعربة أجرة. قالت تبرر رفضها إنها تفضل أن تسير بقدميها إلى جانب فارسها نحو أكثر لحظات الحبّ قداسة. كان الوقت على مشارف الغروب، حين بدأنا السير على الرصيف ببطء أسفل أشجار البونسوانا المتعاقبة، كانت تسند رأسها على كتفي وتلف يدها اليسرى حولي بيسر، بينما أحتويها من خصرها بيدي اليمنى. كنّا نتوغل على مدارج قرارنا بين جفن العالم ودهشته و"شرف المرأة في عقلها، لا بكارتها".


    يتبع:
                  

01-21-2010, 05:41 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    ألف مرحب أخى العزيز محمد عيد
    وألف شكر
    على المرور الجميل
    تحياتى
                  

01-21-2010, 08:13 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    في البدء، جذبني إليه حديثه في الندوات. وسيم يفيض جسده رجولة ظلت تخترقني كلما رأيته هنا وهناك. كل نظرة منه تفجِّر براكين الرغبة الكامنة في داخلي. أحادثه في العلن حول أمر عام. في الطريق، أكتشف أن صورته لا تغادر مركز تفكيري. أضع رأسي على المخدة. أتلهف لملاقاة حلم جميل ظلّ يتراءى لي أثناء النوم بنفس تفاصيله الحميمة. أرق وشعور قوي بصدى صوته المعدني وهو يداعب حلمة أذني. أحسّ بمرور الوقت بجوع هائل إليه. أريد فقط أن أبتلعه. مرة، جاء لتنويرنا في الخلية بأمر ما. صادف وأن جلس إلى جواري. كنت أنصت فقط إلى صوت جسمه الصامت. أثناء ذلك، لا مس ذراعي بحركة عفوية خطفا. لا، لم تكن مجرد ملامسة عابرة. كان الأمر أشبه بارتطام كتلة مشاعر هوت من فضاء إنساني بعيد. لعله أحسها بنفس العنفوان. لأنه صمت بعدها فجأة. وحدها هي الأشياء الباقية التي تستوقفنا على ذلك النحو. لحظتا الميلاد والموت. سحر معانقة أثر خالد. صارحته بحبي عبر الهاتف. كنت خائفة على كبرياء الأنوثة في داخلي. لم يطلب فسحة للتفكير. قال فقط إن جرأة مثل هذه وُجدت في قلب أنثى أمر يجعله يقابل مصاعب هذا العالم بإبتسامة. كانت كلماته كالعادة شاعرية ومثيرة ولكنها تعني هذه المرة أنه يبادلني حبا بحب. حين وضعتُ سماعة الهاتف، قفزت أرقص في الهواء فجأة، ولم يكن يبارح ذهني حتى خلال النوم سوى أمر واحد: التفكير في شعر صدره الكثيف. كنا نسترق في البداية القُبلات والأحضان. يحدث ذلك عند منتصف سلالم بناية غارقة في العتمة، حديقتي الميرلاند في مصر الجديدة والأسماك في المهندسين، على المقاعد الخلفية لقاعة سينما مظلمة. الحبّ حيوان هائل كلما أطعمته طلب المزيد. صحراء العشق عطش دائم. رواء ولا رواء. الرغبة الجارفة في ابتلاعه دفعة واحدة، لا تفارقني. عسى تسكن أسباب هواجس فقده الغامضة في داخلي. في ذلك الصباح، طلبت منه أن يحضر للغذاء في مطعم لبناني في مصر الجديدة بكامل أناقته. لم أعد أحتمل أكثر. كان قد استقر قراري بوضع حد لنقصان الحبّ. لم تعد تلك الملاطفات مجدية بين رجل وامرأة في سبيلهما إلى قلب نظام العالم. كنت أستعير كلماته للتفكير في حالتنا وقتذاك معا. أريد فقط أن أضع غشاء بكارتي أمام أطول الثوريين قامة على مائدة القيم والتقاليد الرثة. حاستي السادسة تخبرني أنه لن يخذلني. لو فعل لبكتْ شموع قلبي وسالت دموع كثيرة على خدود روحي المغدورة. كنت أسير إلى جواره مطمئنة ولحظة الاندماج الأبدي تقترب خطوة خطوة.

    كانت مها الخاتم قد بدأت تنتعش إلى جواري شيئا بعد شيء، حتى أنني شرعت في تبديل خططي تجاهها في لحظة إشراق ثوري عابرة، كانت قد أتاحت لي في استراحات الفراش المستعر أن أطالع دفتر مذكراتها، لعلي أتفهم جراحات الماضي من قريب، لكن معاشرة الضحايا مدى العمر أمر أخذ يتعثر دائما بصخرة تعاليم المنفى القابعة في داخلي، كنت أستفيد من تلك "اليوميات" في ترميم ما أحدثه الزمن على جدران تلك الخطط الحصينة، كنت ممتنا في داخلي لله الذي أودع في دواخلنا "التفكير السري" والقدرة المتقنة لوضع "التعابير الزائفة" على وجوهنا. لكنّ تعبيرا مليئا بالمرارة قد استوقفني طويلا عند مطلع يومياتها:

    "طريق الحبّ يقود أحيانا إلى كراهية العالم".




    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-21-2010, 08:18 PM)

                  

01-22-2010, 07:56 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    كانت تشير إلى الرابعة صباحا. منذ قليل، ألقى موزع الصحف الحزم المخصصة لوزارة الزراعة أمام الواجهة الرئيسية للمبنى. عليَّ أن أنقلها إلى الداخل ريثما يقوم الحرّاس في وردية الصباح بتوزيعها إلى أماكنها المخصصة داخل المبنى. يبدو دائما على عجلة من أمره. ملامحه لاتينية. في نحو الخامسة والأربعين تقريبا. له "فان" حمراء قديمة ماركة فورد. على مدى أربعة أشهر، هي مدة عملي كحارس ليلي في "أتوا"، لم تلتقِ عيني بعينه قطّ، يلقي فقط بحزم الصحف كمن يبصق في أعقاب نوبة سعال. قبل أن ينطلق بعيدا نحو مؤسسة حكومية أخرى.

    زميلي "مايكل"، الحارس الليليّ الآخر الملازم، لا يزال يتفقد الطوابق العليا للمبنى، يقوم عادة بأعمال الدورية بوجه تلميذ مهمل في صباح يوم الامتحان. تواطوء مدهش نشأ بيننا بمرور الوقت. أخذْ أقساط من النوم بالتناوب أثناء الوردية. يحدث ذلك دائما بالتساوي كما لو أن اتفاقا يتم بيننا في كل مرة. في كندا، بدأت أدرك، بتراكم الخبرة في مجال الحراسات الخاصة، ألا أحد يسأل في الغالب عن كيفية آداء العمل طالما أن المهمة انتهت بسلام. لكن هذا صباح غريب تصدرت فيه صورة العزيزة "ليليان" الصفحات الأولى من الجرائد اليومية. "الصن"، "قلوب آند ميل"، "ناشونال بوست"، وغيرها. كنت ما بين مكذب ومصدق ودقات قلبي تتصاعد في عمق السكون بقوة. قالت "إنها تنتوي القيام برحلة حول العالم بصحبة ابنتها وحفيدتها الوحيدتين"، مؤكدة أنها قبل ذلك "ستشرع في شراء حذاء جديد وتناول وجبة متكاملة في مطعم (الكيج) الفاخر"، وأضافت من باب الوفاء لهواية قديمة أنها فور عودتها من تلك الرحلة "سأقوم بتكوين ورعاية فرقة موسيقية محلية سأطلق عليها اسم (البيتلز الثانية)". وفي سؤال حول إمكانية عودتها إلى عملها كحارسة "لم تعلق بشيء، فقط "ابتسمتْ". لقد فازت "العزيزة ليليان" وقتها بجائزة "اليانصيب القومي" في غفلة تاريخية من حرّاس الألم. سبعون مليون دولار كندي لا غير. هذا العالم فكرة مجنونة. ثمة شيء يمنعني الآن من فكرة الاتصال بها مرة أخرى.

    "هذه كندا".

    مجرد عبارة تتكون من كلمتين. بدت كفيلة بتشتيت شمل" آل عمر" وهدم وحدتهم الأسرية على نحو درامي. "هذه كندا". خيل لعمر في البداية أن الأمر لا يعدو أن يكون مزحة ثقيلة. "هذه كندا". بدأ الألم الصغير المحدود يتكشف عن سرطان مدمر. "هذه كندا". الحالة ميئوس منها تماما.

    كان قد مضى على زوجته في مدارس تعليم الكبار نحو نصف العام تقريبا، حين سمعت بتلك العبارة لأول مرة، وعنّ لها أن تمارسها في البداية كتطبيق داخل البيت على أمر محدود، وقد كان. يومها سألها عمر كعادة روتينية تعود للوراء لأكثر من عقدين أن تعدّ له شايا. "هذه كندا". ذلك كل ما ناله من أمر الشاي. سألها بدهشة عن معنى ذلك. قالت من دون أن تحرّك ساكنا "هذه كندا، عليك من الآن أن تعتني بمثل هذه الصغائر بنفسك". أي دماء غلت في رأسه وقتها؟.

    كل ما قامت به وهي تتحسس آثار أصابعه على وجهها المسخن أنها أخبرته أنه إذا مد يده عليها مرة أخرى سترمي به بمكالمة هاتفية داخل السجن مثل "كلب طيب". كان العالم قد أخذ بالفعل يميد تحت قدميه. حين كرر فعلته في مناسبة أخرى، بدأ يدرك وسط جدران السجن المقبضة ملامح الوجه الآخر لكندا، وقد رسخ في وعيه تماما مدى القوة الضاربة التي يمكن أن تنطوي عليها عبارة مؤلفة فقط من كلمتين.

    "هذه كندا".

    كنت مستلق وحيدا داخل غرفة النوم، تخلصت من معظم أثاث الشقة البسيط، وهبت بعضه ورميت ببعضه الآخر داخل صندوق حديدي كبير مخصص للقمامة والمخلفات الأخرى إلى يسار مدخل البناية الخلفي، لم يعد لدي الكثير على بعد نحو ثلاثة أيام من رحيلي إلى "أتوا". فجأة، رنّ جرس الهاتف. ترددت مسافة في رفع السماعة. كانت مكالمة من "كنترول" شركة أمن الحراسات الخاصة في مدينة "ادمنتون" عاصمة محافظة البرتا. طُلب مني أن أعمل خلال وردية الليل في مستشفى جامعية تدعى "مركز علوم الصحة" ناحية شارعي "نوتردام" و"شيربرووك". كنت قد أخبرتهم عن رغبتي الملحة للعمل ساعات إضافية في أي وقت وأي موقع إلى أن يحين موعد سفري المرتقب. كنت خائفا من الوقوع فريسة سائغة لأشباح الماضي. لم أعد أحتمل سماع المزيد من أصوات الذكريات الصادرة من غير مكان داخل الشقة. كل شبر يذكرني بشيء من "أماندا". للخيانة طعم العلقم. الآن فقط، بدأتُ أدرك هول ما دار داخل مها الخاتم من مرارة وغبن. شجاعتها، الشيء الوحيد الذي ينقصني في "هذه اللحظة". لا، الأمر ليس كذلك. الشيء الوحيد الذي ظلّ غائبا عن محيط تفكيرها حتى الممات هو الرغبة العميقة في تمعن ملامح وجه القبح بمتعة. الإشمئزاز يتيح للقبح وقتا لتبديل صورته المعتادة. لقد جنبني النظر بثبات وجرأة في التفاصيل الدقيقة لقسمات وجه القبح ولا يزال مسألة السقوط في براثن اليأس حتى النهاية.

    كانت تشير إلى الحادية عشرة ليلا وثلاثين دقيقة بالتمام، حين تجاوزت البوابة الرئيسية للمستشفى، واتجهت إلى مكتب الأمن، حيث سيتم توجيهي برقم الوحدة والمهام المناطة بي خلال الوردية. هناك، طُلب مني أن أذهب إلى عنبر الأمراض العصبية والنفسية لمساعدتهم في السيطرة على بعض المرضى "الخطرين". لكأن المهنة ترغب في وداعي على نحو مختلف. كان قد جرى تدريبي في بداية الخدمة على السيطرة الجسدية على أفراد في حالة من "الهياج العصابي الحاد". لكنني لم أكن متأكدا تماما من مدى قدرتي على تنفيذ تلك الدروس النظرية في فن القتال على المستوى العملي التطبيقي. زاد من مخاوفي تلك، وأنا أقوم بتسجيل نفسي عند ديسك الاستقبال عند مدخل العنبر، أن ممرضة من أصل فلبيني أسرَّت لي أنني سأتعامل هذه الليلة مع "مريض شديد المراس". قالت "هو الآن في نوبة من الهدوء العميق الشامل بسبب الجرعة الكثيفة من الدواء". لعلها تمعن في تعذيبي من وراء لهجتها المناصحة في تعاطف "الأسبوع الماضي، أصاب أحد زملائك الحرّاس بلكمة على فكه الأسفل أسقطته أرضا بلا حراك، على كل حال خذ حذرك جيدا".

    مرت الساعة الأولى من عمر الوردية في سلام. لم يحدث أمر ذو بال. الممرضة المسؤولة طلبت مني في البداية أن أجلس فقط على أحد المقاعد وأترقب. بعد منتصف الساعة الثانية من الوردية عنّ لي وقد هدأت مخاوفي أوتكاد أن أخرج من حقيبتي كتاب سلاطين باشا "السيف والنار في السودان"، وأبدأ في إعادة قراءة سيرة الأسير الغريب. ""وكان أخي هنري في الهرسك فقضيت ثمانية أيام في فينا أودع أفراد أسرتي ثم ذهبت إلى تريستا في 21 ديسمبر سنة 1878 وأنا أجهل تماما أنه سيمضي عليَّ 17 سنة أرى فيها الأهوال والغرائب قبل أن أرى بلادي ثانيا. وكان عمري إذ ذاك 22 سنة".

    "وكانت جنود المهدي قد كثر عددها فكان العرض يحتاج إلى ميدان كبير جدا مفتوح مفتوح من ناحية واحدة يدخل منها المهدي ومعه صحابته. ويقول آخر إنه سمع أصواتا من السماء تبارك في أنصار المهدي وتعدهم بالنصر. بل بعضهم يقول ويؤكد أنه رأى الملائكة تبسط أجنحتها وتؤلف سحابة تقي الجيش وهج الشمس".

    حين وصلت إلى نهاية تلك الفقرة من القراءة، حدث أمر غير عادي، ثمة أربعة أشخاص ضخام الجثة يقفون أمام ديسك الاستقبال في حالة تأهب، وقد تنادت أصوات من هنا وهناك، كان من بينها توجيه الأمر لي بالاستعداد. كنت أتوغل معهم صوب القسم الخاص من العنبر. غرف قليلة متقابلة في صدر بابها كوة زجاجية سميكة تسمح بمراقبة المريض داخل حجرته الخالية من أي أثاث أوفرش قد تساعده على إنهاء حياته في لحظة تدهور مباغت على صعيد حالته العصبية والنفسية. كانت الغرف مضاءة بقوة لسبب أوآخر. "إنه ذلك المريض". همست لي ذات الممرضة الفلبينية. كان بعضهم يحمل بعض الأدوية وكوبأ من الماء. لا أثر لضوضاء تتناهى من الداخل. كدتُ أسقط من الصدمة لحظة أن فُتح الباب. كان المريض هادئا تماما في تلك اللحظة. ينطوي على نفسه عند أحد الأركان البعيدة. بدا وكأنه لم يشعر بمقدمنا. لم يلتفتْ إلى وجودي بينهم حتى النهاية. أخذ منهم الأدوية في صمت وتناولها عن طواعية تامة. قال أحدهم "ولد طيب". كان ذلك المريض عمر.

    حوالي الثامنة صباحا، حضر الحارس البديل، تمنيتُ له وردية خالية من المصاعب، قال كمن يتأكد من صحة أمر تم توضيحه له من قبل بعناية تامة "يقال إنه خطير للغاية، لكم أكره العمل هنا، هل هو خطير بالفعل"؟. قبل أن أتفوه بشيء، بدا لي وكأن صوتا مكتوما أشبه بصرخة الموت أوالحياة يتناهى من داخل غرفة عمر، قائلا بلغة عربية فصيحة:

    "هذه كندا".






    يتبع، أوعلى مشارف نهاية هذه المسودة الأولية للرواية:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-22-2010, 06:47 PM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-22-2010, 07:24 PM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-22-2010, 08:41 PM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-22-2010, 09:42 PM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-22-2010, 09:45 PM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-22-2010, 09:56 PM)

                  

01-23-2010, 08:30 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    نشأتُ في بيئة قيل عنها إنها تجمع في آن واحد ما بين "قساوة المدن وجلافة الريف".

    يا للعبارة؟.

    ربما لهذا بدأت أفكر على مشارف الأربعين في ضرورة أن أزن كلماتي جيدا إذا ما أردت مواصلة العيش بسلام في هذا العالم. قرأت في مكان ما أن الكلمة إذا خرجت من فم صاحبها "لا سبيل إلى رجوعها". لعل كل ما تبقى لدي الآن من تراث الأمومة مجرد عبارة لم أفهم مغزاها إلا مؤخرا "الكلمة أطول من العمر، يا ولدي". الكلمة الكلمة. يتلفظها الإنسان، أويكتبها، ثم ما تلبث أن تستقل بذاتها، تحيا في ذاتها ولذاتها، وتظل أحيانا تثرثر لقرون حتى بعد موت صاحبها وفنائه. الكلمة خالق ومخلوق في آن. الشاهد الوحيد الذي لا تعلو وجهه التجاعيد. المحيطات تنوء بحمل مليارات السنوات، الجبال ترهق كاهليها خبرات البشر المتراكمة عبر التاريخ، لكن الكلمة وحدها كفيلة بحمل كل هذا العناء، ولا شكاية، أوتذمر. لعلي سأشعر ببعض الراحة إذا ما قمت في يوم من الأيام بوضع بعض أحمال هذا المنفى على وعاء الكلمة العتيق.

    لم يتبق الكثير على الوصول إلى شقتي في أنحاء وسط المدينة. كنت ممتنا لهما على رؤية الوجه الآخر للشتاء في كندا. كان "جيف" يقود بحرص وحذر. "دون فيشر" أنهتْ للتو سرد ذكريات بعيدة عن متعة التزحلق على سطح البحيرات المتجمدة خلال شهري يناير وفبرائر. لم يبدُ من نبرة صوتها أنها تأثرت بقصة زوجها لحظة أن غادرنا حيّ الأغنياء عن هويته كرجل ظلّ يعيش كل هذه السنوات وهو يجهل تماما وجود أبيه الحقيقي في هذا العالم. حين تمدد الصمت قليلا، سألتهما "هل لديكما أطفال"؟.

    كان جيف في منتصف العقد الرابع من عمره تقريبا. كانت "دون فيشر" في تلك السنّ التي يلتبث على المرء فيها تحديد مدى قدرتها على الانجاب بعد. لو أن تلك الكلمة شيئا ملموسا لقفزتُ ألتقطها قبل أن تطرق آذانهما القريبة. كان "جيف" غارقا أمامي في الصمت كما لو أنه لم يسمع شيئا. على ضوء مصابيح سيارة قادمة من الاتجاه المقابل، إلى يسار مقعد "جيف" وراء عجلة القيادة، أخذ يرتجف جانب وجه "دون فيشر" للحظات، قبل أن تجيبني بصوت مختنق "ليس لدينا أطفال، يا هميد". بعدها ساد صمت ثقيل ومطبق بدا لي خلاله أنني أفسدت بسؤال أخرق ما يقومان به تجاهي منذ فترة. لكأني من غير عمد نقلتُ أحزاني إليهما. ذلك شعور مقيت.


    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-23-2010, 09:40 PM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-23-2010, 10:00 PM)

                  

01-23-2010, 04:03 PM

elham ahmed
<aelham ahmed
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    ابوالعيال
    متابعة
                  

01-24-2010, 07:01 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: elham ahmed)

    تمنيا لي ليلة سعيدة.

    بعد أيام، اعتذرت له أثناء وردية جمعتنا معا. قال "لا عليك، أعرف أنك طرحت سؤالك بنوع من البراءة، لكنه جدد تلك المعاناة في نفسها، لقد ظلتْ تلح عليَّ بضرورة تبني طفل لأكثر من عقد، لكن المشكلة بالنسبة لي في الطفل نفسه عندما يكبر ويعي حقيقته. قد يسخط على أبويه الواقعيين. قد يصاب تجاهنا فجأة بالنفور كتعبير عن صدمته أن ما ظلّ يعتبره طوال سنوات عديدة أبا وأما أسفر عن شيء آخر. لقد عشت تلك المأساة بأدق تفاصيلها ولا أريد لشخص آخر أن يعايشها على يدي". كنت أنصت لوقع كلمات "جيف" وثمة شعور يتنامى في داخلي شيئا فشيئا بالرثاء تجاهه وتجاه "دون فيشر" ومها الخاتم وعادل سحلب وياسر كوكو وتجاهي.

    كان الصباح صحوا وجميلا خارج المستشفى. "هذه كندا". بعد أيام سينتشر نبأ مصاب عمر وسط مجالس المنفيين الغرباء العطشى لأخبار الكوارث، أوالسقوط. كان النعاس قد بدأ يثقل رأسي داخل البص. كان وجها "جيف" وزوجته "دون فيشر" يطلا من نافذة ذاكرتي المتعبة مثل نغمتين منسيتين من نشيد الأسى. لسبب ما، بدأت أتذكر قصة للكاتب "كارلوس فونتيس"، الأب الروحي لماركيز، كان عنوانها على ما أتذكر "قل لهم ألا يقتلوني"، قال الإبن لقاتل أبيه بعد أن عثر عليه أخيرا "كنا وقتها صغارا، لهذا لم يخبروننا بما حدث له، بيد أننا لم نكف نسأل عنه لسنوات طويلة، وليس من العدل أن نعلم في عمر متقدم أن ما كنا نبحث عنه طوال هذه المدة لم يكن له من وجود".

    كانت الطريق الساحلية إلى "أتوا" طويلة وفاتنة، اثنتان وثلاثون ساعة، تم تبديل البص خلالها ثلاث مرات أوأكثر، فقد كنت أسافر وقتها بلا مشاعر، ولم تفلح محاولاتي العديدة لملء ذلك الفراغ في داخلي، على الرغم من أن مرأى البحيرات في أوقات مختلفة ظلّ يغريني على نحو غامض من حين لآخر، لعلها الرغبة الثاوية في الانتحار، لعلها الحاجة الماسة إلى التطهر وطي صفحة الماضي مرة واحدة وإلى الأبد.

    خلال الأيام الأولى، بدا لي العيش في "أتوا" أشبه بالحياة وسط غابة على درجة عالية من الإتقان أوالتنظيم. منازل بحدائق على أحدث طُرز مختفية بين أشجار شديدة الخضرة وارفة، مصابيح تشرئب من داخل الأغصان كثمار مضيئة، نسائم تهب بلطف حاملة ألحان عصافير وهي تصافح الآذان كيد أم تمسح بحنو على شعر طفل وليد، وجوه فتيات جميلات يبتسمن في سيرهن الواثق المرح، سماء معطاءة، رعد أصمّ يذكرك بين الحين والحين أن الهدوء نعمة وسكينة، لا شيء يعكّر صفو الفردوس، سوى الذكريات، أو الحنين.



    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-24-2010, 07:42 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-24-2010, 07:58 AM)

                  

01-24-2010, 08:33 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: ابوالعيال
    متابعة


    أم العيال:

    أتابع معك، مع عثمان أخي، ومع آخرين، مشارف نهاية هذه المسودة الأولية، أحبك.
                  

01-24-2010, 04:23 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    نتابع
                  

01-24-2010, 10:23 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    ليس هناك وسادة يضع عليها المنفي الغريب رأسه، سوى أقدام القلق وطريق الريح الباردة، وهذا الذي بدا للوهلة الأولى بيتا ومأوى، قد تكشف مع مرور الوقت عن وجه آخر للخواء والعدم. "يا لغربة بورخيس. سافر عبر بحار اختلفت من العالم ورأى أشياء رآها الناس". لكنه أبدا يتذكر وجه فتاة من بيونس إيرس. "وجه لا يريدك أن تتذكره". كان في وعي "أماندا" منذ البداية أن تقودني ببطء وحذق أنثوى إلى نقطة القبول بلا خيار طوعي آخر متاح، على الرغم من تلك العلامات التي أخفاه عن ناظريّ كل ذلك الظمأ المقيم للحبّ أوالإنتماء. هكذا، مرة أخرى، رحتُ أبحث عن عزاء مستحيل على مدارج العبارات، متغنيّا هذه المرة في ظلمة اللوعة وفداحتها برثاء بورخيس لبورخيس.

    حين عدتُ من الطبيب، لم يفتني وأنا أدفع بها نحو السرير ملاحظة أنها قامت بقلب الشقة في غيابي رأسا على عقب، لقد بدا كل شيء مرتبا نظيفا موسوما بلمسة أنثوية، وقد تم إعداده وتهيئته لحياة مستقرة مشتركة طويلة الأمد، حتى أنني بدأتُ أفكر أن كل تلك العذابات المتولدة في الماضي جراء اللهث وراءها لمدى العامين تقريبا بلا طائل لم تكن سوى أضغاث أحلام. كانت لا تزال مغمورة بالعرق، تفوح منها رائحة المطهرات القوية وصابون تنظيف الأواني ذو رائحة البرتقال الأسيرة لنفسي، حين وصلنا للذروة معا وغفلنا راجعين بشعور طفلين متعبين، بينما غرفة النوم بنافذتيها الزجاجيتين الكبيرتين الخاليتين من الستائر غارقة تماما في ضوء ما قبل الظهيرة الحاد القويّ.

    ونحن راقدين على جنبتينا، واضعين رأسينا على راحتينا، ناظرين إلى بعضنا البعض عبر تلك المسافة القصيرة القصيرة، بدأتْ دموع "أماندا" تسيل فجأة، رأيتها تنحدر سريعا نحو كفها، قبل أن تنزلق صوب الفراش المعجون بلا صوت. ولأنني لم أعرف في الماضي، وحتى تلك اللحظة، سوى دموع الفراق والألم الكثيف، أحسستُ بقلبي يسقط صوب هوّة بلا قاع. لعلها أدركتْ مدى ما أحدثته دموعها في داخلي، حين ضحكتْ على حين غرة، قائلة "وليم؟، إنها دموع الغبطة".

    لكنَّ لمها الخاتم دموع أخرى.

    لقد بدا الأمر لها عند نهاية اللقاء الأول المكتمل في صورة نظرة لها ملامح البذرة وُضِعت على تربة الملاحظة على نحو غامض. ثمة إحساس بدأ يكبر ويكبر مع مرور الوقت في داخلها. الرجل الذي حلّق معها قبل ساعات قليلة داخل المطعم اللبناني في سماوات بعيدة، بدتْ لغته الجسدية غريبة وغير مألوفة تماما في دنيا أحلامها الوردية النقيّة كدمعة، لقد بدا سقوطه داخل أول نظرة لها بعد أن فرغ مدويّا، وقد هوى من كل ذلك العلو دفعة واحدة. لقد بدأ يتغلغل بعدها ذلك الإحساس في أعقاب كل ممارسة بينهما. لقد بكتْ وهي تشهده على دماء عذريتها. لم تكن تنظر لحظتها إليه. لقد فعلت ذلك لحظة أن وصل إلى قمة اللذة وحيدا. لم تكن بحاجة ثانية لذلك. لأن جسده قال وأوجز. كان جسدها يتحدث لغة وجسده يتحدث لغة أخرى. لجسده روح صيّاد، أحكم قبضته على فريسة أخذتْ تتهادى نحو فخاخه المخبوءة بطمأنينة، لكأن ذلك حدث عند بدء الخليقة، حين لم تحكم الريبة بعد قانون العلاقة ما بين الصيّاد والفريسة. لجسدها روح بحث دائم متصل عن المشاركة في أرقى معانيها. وهما يسيران أسفل أشجار البونسوانا بزهورها الحمراء الآسرة، أخذتْ الطريق إلى شقته في ميدان المحكمة القريب تبدو لعينيها كمسار تصاعدي صوب الحرية، حتى أن أصوات التقاليد التي أخذت تتناهى إليها في شكل مخاوف غامضة بعد أن رأته يسقط داخل نظرته بدتْ لها مثل توابل فاتحة للشهية عند محراب الحبّ المختلس، لقد كانت ترفض التسليم منذ الوهلة الأولى بحقيقة ما شعرتْ وأحسَّت به. لكنّ الأمر اتخذ مسارا آخر، لحظة أن بدأتْ تلك الأصوات تتكشف لها عن أشياء يدعونها أحيانا "الحقيقة بلا رتوش". تلك كانت الخطى الأولى على طريق الانتحار.


    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-25-2010, 06:01 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-25-2010, 06:31 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-25-2010, 07:47 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-25-2010, 07:48 AM)

                  

01-25-2010, 04:56 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)


    ليس هناك وسادة يضع عليها المنفي الغريب رأسه، سوى أقدام القلق وطريق الريح الباردة، وهذا الذي بدا للوهلة الأولى بيتا ومأوى، قد تكشف مع مرور الوقت عن وجه آخر للخواء والعدم. "يا لغربة بورخيس. سافر عبر بحار اختلفت من العالم ورأى أشياء رآها الناس". لكنه أبدا يتذكر وجه فتاة من بيونس إيرس. "وجه لا يريدك أن تتذكره". كان في وعي "أماندا" منذ البداية أن تقودني ببطء وحذق أنثوى إلى نقطة القبول بلا خيار طوعي آخر متاح، على الرغم من تلك العلامات التي أخفاه عن ناظريّ كل ذلك الظمأ المقيم للحبّ أوالإنتماء. هكذا، مرة أخرى، رحتُ أبحث عن عزاء مستحيل على مدارج العبارات، متغنيّا هذه المرة في ظلمة اللوعة وفداحتها برثاء بورخيس لبورخيس.

    حين عدتُ من الطبيب، لم يفتني وأنا أدفع بها نحو السرير ملاحظة أنها قامت بقلب الشقة في غيابي رأسا على عقب، لقد بدا كل شيء مرتبا نظيفا موسوما بلمسة أنثوية، وقد تم إعداده وتهيئته لحياة مستقرة مشتركة طويلة الأمد، حتى أنني بدأتُ أفكر أن كل تلك العذابات المتولدة في الماضي جراء اللهث وراءها لمدى العامين تقريبا بلا طائل لم تكن سوى أضغاث أحلام. كانت لا تزال مغمورة بالعرق، تفوح منها رائحة المطهرات القوية وصابون تنظيف الأواني ذو رائحة البرتقال الأسيرة لنفسي، حين وصلنا للذروة معا وغفلنا راجعين بشعور طفلين متعبين، بينما غرفة النوم بنافذتيها الزجاجيتين الكبيرتين الخاليتين من الستائر غارقة تماما في ضوء ما قبل الظهيرة الحاد القويّ.

    ونحن راقدين على جنبتينا، واضعين رأسينا على راحتينا، ناظرين إلى بعضنا البعض عبر تلك المسافة القصيرة القصيرة، بدأتْ دموع "أماندا" تسيل فجأة، رأيتها تنحدر سريعا نحو كفها، قبل أن تنزلق صوب الفراش المعجون بلا صوت. ولأنني لم أعرف في الماضي، وحتى تلك اللحظة، سوى دموع الفراق والألم الكثيف، أحسستُ بقلبي يسقط صوب هوّة بلا قاع. لعلها أدركتْ مدى ما أحدثته دموعها في داخلي، حين ضحكتْ على حين غرة، قائلة "وليم؟، إنها دموع الغبطة".

    لكنَّ لمها الخاتم دموع أخرى.

    لقد بدا الأمر لها عند نهاية اللقاء الأول المكتمل في صورة نظرة لها ملامح البذرة وُضِعت على تربة الملاحظة على نحو غامض. ثمة إحساس بدأ يكبر ويكبر مع مرور الوقت في داخلها. الرجل الذي حلّق معها قبل ساعات قليلة داخل المطعم اللبناني في سماوات بعيدة، بدتْ لغته الجسدية غريبة وغير مألوفة تماما في دنيا أحلامها الوردية النقيّة كدمعة، لقد بدا سقوطه داخل أول نظرة لها بعد أن فرغ مدويّا، وقد هوى من كل ذلك العلو دفعة واحدة. لقد بدأ يتغلغل بعدها ذلك الإحساس في أعقاب كل ممارسة بينهما. لقد بكتْ وهي تشهده على دماء عذريتها. لم تكن تنظر لحظتها إليه. لقد فعلت ذلك لحظة أن وصل إلى قمة اللذة وحيدا. لم تكن بحاجة ثانية لذلك. لأن جسده قال وأوجز. كان جسدها يتحدث لغة وجسده يتحدث لغة أخرى. لجسده روح صيّاد، أحكم قبضته على فريسة أخذتْ تتهادى نحو فخاخه المخبوءة بطمأنينة، لكأن ذلك حدث عند بدء الخليقة، حين لم تحكم الريبة بعد قانون العلاقة ما بين الصيّاد والفريسة. لجسدها روح بحث دائم متصل عن المشاركة في أرقى معانيها. وهما يسيران أسفل أشجار البونسوانا بزهورها الحمراء الآسرة، أخذتْ الطريق إلى شقته في ميدان المحكمة القريب تبدو لعينيها كمسار تصاعدي صوب الحرية، حتى أن أصوات التقاليد التي أخذت تتناهى إليها في شكل مخاوف غامضة بعد أن رأته يسقط داخل نظرته بدتْ لها مثل توابل فاتحة للشهية عند محراب الحبّ المختلس، لقد كانت ترفض التسليم منذ الوهلة الأولى بحقيقة ما شعرتْ وأحسَّت به. لكنّ الأمر اتخذ مسارا آخر، لحظة أن بدأتْ تلك الأصوات تتكشف لها عن أشياء يدعونها أحيانا "الحقيقة بلا رتوش". تلك كانت الخطى الأولى على طريق الانتحار.

    ( نتابع التدفق )
                  

01-25-2010, 07:02 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    لسبب ما، بدا الغروب وراء النافذتين الزجاجيتين الواسعتين مخمليا، حين استيقظت من نومي، مطهما بالحضور الكليّ لها. "أماندا أماندا"، لم تكن تعي دلالة اسمها، لقد هزت آنذاك كتفها بلا اكتراث، لعل ما أثارها أكثر كان سؤالي نفسه. يقال إن "الأصل لاتيني ويعني قيمة الحب أوالشيء النفيس". أحيانا، يحدث مثل هذا. نتقبل الأشياء اللصيقة بنا كما هي. محاولة معرفة الأشياء اليومية في حضورها الدائم الحميم، هي مسألة لا تحجبها العادة وتقصيها خارج دائرة التفكير فحسب، بل الشعور الدفين أن مجرد التعامل معها كموضوع للمعرفة يعني فقدانها لمعناها الكليّ في حياتنا، إنها انفصلت عن ذواتنا بدرجة أوأخرى، وجودها إذن عرضة للزوال في أية لحظة حين لم يعد مطابقا لوجودنا، التفكير في الشيء يتطلب قيام قدر من المسافة بيننا وبينه، ربما لهذا يتقبل أهلنا العطايا من الأقربين كأمر مسلّم به، لأن الأصل واحد، تقديم الشكر في هذه الحال يعني الانفصال.. وجود المسافة.. أوفقدان الواهب بسبب الموت، أوالرحيل.

    داخل العتمة، مددتُ يدي اليمنى، أخذت أتحسس مكانها، بدا باردا خاليا من الدفء، لا بد أنها نهضتْ من النوم قبل فترة، كان صوتها يتناهى من ناحية الصالة والمطبخ عبر الطرقة الصغيرة الضيقة خافتا مدندنا بلحن خفيف من أغاني تلك الأيام العابرة. في اتجاه الحمام، بعد الخطى الأولى، بدا وكأن شيئا غريبا قد طرأ على مشيتي، لقد أخذ يتضاعف إحساسي بالأرض، كما لو أني ظللت أمشي قبلها لسنوات طويلة خارج قانون الجاذبية. كانت لا تزال تدندن، حين عدتُ إلى غرفة النوم بهدوء وصمت، وشرعت أتمشي حول السرير حافيا بلا هدف، سوى التمتع بثقل الأرض، لا بد أن حواسي الضائعة قد عادت إليَّ مجتمعة خلال ذلك المساء.

    إنه الحبّ.

    لا بد أنني كنت أسيرا وقتها لبقايا وحدتي القديمة، حين أغلقت باب الحمام ورائي، وجلستُ على مقعد المرحاض وفق عادة عريقة، متأمّلا على غير المتوقع بعض التفاصيل الحزينة. لكنها فتحتْ الباب فجأة. كانت تقف داخل فراغ الباب مبتسمة. قالت "أراك نمت مثل قتيل". انتبهتُ تماما لها. وقد شعرتُ في داخلي ببعض الخجل جراء استسلامي بغتة لمشاعر قاتمة في لحظة "أشرقت خلالها شمس الحب"، كما يقولون في مثل هذه المواقف عادة. قالت إنها تنتظرني بالأكل. كان يفوح منها عطر خفيف وبدت جميلة داخل روبها البنبي. رأيتها وهي تستدير، تسير بخطى خفيفة كخطى عصفورة مرحة عبر الطرقة المفروشة بسجادة فارسية داكنة، قبل أن تتوارى داخل المطبخ والصالة. قلت في نفسي "يلزمني وقت طويل للتخلص من عادات الماضي السيئة".

    لا، لم يكن حبا، كان شيئا آخر مثل الحاجة، أوالتداوي بأية أنثى تعيد للمنفي الغريب حواسه المتآكلة منذ وقت بعيد. ذلك ما أخذت أدركه صبيحة ليلة الخيانة داخل شقتي نفسها. وقتها، لم تجتاحني ثورة الأعماق، لم أطلب ثأرا من غريمي الماثل بين يدي، لم أقدم دم العاهرة على مذبح الغيرة الجريحة، كل ما فعلته وقلته ساعتها ظلّ يؤكد لي وجود الحقيقة الوحيدة القابعة داخلي كمشاعر بطل معتزل: إنني متُّ منذ اللحظة التي غادرت فيها الوطن. وما حدث بعد ذلك لم يكن سوى تقلبات الكائن المختلفة على مدارات الحنين، أوالذكريات.



    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-26-2010, 06:53 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-26-2010, 07:24 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-26-2010, 08:58 AM)

                  

01-26-2010, 09:22 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    news080406_4_g.jpg Hosting at Sudaneseonline.com




    "هل الطريق إلى البيت أجمل من البيت"؟.








    يتبع:
                  

01-26-2010, 04:20 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    نتابع
                  

01-28-2010, 01:16 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    عثمان أخي والأصدقاء والصديقات هنا وهناك: أعتذر من غياب بسبب مرض عابر ألم بالولدين أنيس ومحمد تباعا. مودتي. وعودة على مشارف نهاية هذه المسودة الأولية (أسير العبارة):
                  

01-28-2010, 07:45 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    كان له سمت داعر محترف. أسود البشرة، طويل القامة، في نحافته شيء من تواريخ الفقر المدقعة وراء البحار. ممدد على ذات الكنبة التي ظللنا نمارس عليها الحبّ من وقت لآخر. الصالة في هدوئها يغمرها ضوء الصباح المتأخر الكثيف. بدا حتى في نومته تلك واثقا جريئا غير هيّاب، أولا مبال. لا بد أن لديه وقت كاف الليلة الماضية لخلع ملابسه وارتدائها على نحو لم يفقده أناقته بعد. كنت أراه لأول مرة، كان يراني ولا ريب للمرة الأولى كذلك، حين فتح احدى عينيه، قبل أن يواصل نومته المطمئنة، وكأن شيئا لم يكن. لم ينسني هول الصدمة أن أرد على تحيته العسكرية الصامتة بإيماءة خفيفة من رأسي.

    يا للسخرية، قمتا الوقاحة والتهذيب في موقف لا يحتمل النقائض.

    أنتبه الآن فقط إلى خطورة اللغات الأخرى في هذا العالم، فأنتبه إلى تلك الرواية التي تمت صياغتها في السابق عبر لغة الإشارة بين "جيسكا" وعمر، لقد بدت لي ساذجة وقتها ومثيرة للضحك، شأن بدايات الكثير من الأشياء التي قلبت نظام حياتنا تاليا رأسا على عقب، وهذا جلد الذات بعينه. لا، لم أرفض تلك الرواية لغرابتها فحسب، لم أصدقها فقط لأنها حكاية طرفاها يجهلان لغة التخاطب في ما بينهما كتابة وحديثا وقراءة. لقد قمت آنذاك بدفنها حالا في مقبرة الطرفة لا أكثر، لأنني أحبتت "أماندا"، أوهكذا خيل لي، لقد صارت جزءا مني، وكان من الصعوبة بالنسبة لي أن أخرج من مرآة ذاتي لأرى صورة أخرى لا أريد أن أراها، لقد كان قبول تلك الرواية بمثابة وأد تلك الأحلام المتعلقة بها كوطن بديل في مهدها، الأرض والمرأة والحياة سواء في كتاب المنفي الغريب.

    تركتُه يواصل نومته المطمئنة لدقيقة أوأكثر. العاهرة، ضاجعته في الصالة أثناء نومي المخمور، ثم انسلت إلى جواري عارية تماما، ربما قامتْ بمغادرته وهو يتأهب للمغادرة بعد أن أخفتْ آثار جريمتها على عجل، لكنه لا يزال هناك بأمر سلطان النوم وأمير الوقاحة، لقد اختفت القاتلة وأدوات الجريمة وأطلت الجثة في الصباح على غريمها ممددا على كنبة الحبّ كدليل إدانة وشاهد اثبات لا تخطئه عين.

    ثمة علامات عديدة، أثناء تلك العلاقة، أخذت تدلني من حين لآخر على نهاية الطريق، لكنه عماء الحاجة الذي لا يرحم إلى مستقر يحط عليه المنفي الغريب رحاله. غضضتُ الطرف عن عزوفها النهائي عن العمل أوالدراسة. في الآونة الأخيرة، وقد استنزفتْ مواردي المادية الشحيحة أوتكاد، بدأت تحدثني بشيء من الحنين عن مغامراتها السابقة كتاجرة مخدرات صغيرة، لقد أخذتُ أفكر تحت تلك التأثيرات والإيحاءات العديدة في حاجة المنفيين الغرباء بأعدادهم المتزايدة بمرور الوقت إلى ما سيُذهب الحنين من صدورهم، كما لو أنهم لم يغادروا الوطن لحظة، لقد بدت لي سوقا رائجة ولا مراء.




    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-29-2010, 06:25 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-29-2010, 06:45 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-29-2010, 07:25 AM)

                  

01-28-2010, 08:09 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    ألف ألف سلامة .
    كثير محبتى أنيس ومحمد
                  

01-29-2010, 07:56 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    إلى نهاية هذه المسودة الأولية لرواية (أسير العبارة):
                  

01-29-2010, 09:21 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    لا أدري كيف وصلت وقتها إلى غرفة النوم. بركتُ قبالة وجهها تماما. كانت لا تزال نائمة. تفوح منها في آن رائحة خمر قوية وجسد غريب. هززتها من كتفها بعنف. قالت بين يقظة ومنام شأن الأيام الخوالي "وليم". هززتها بعنف أشد. أفاقتْ. سألتها ضاغطا على حروفي "هل ضاجعتِ الرجل الذي ينام على الكنبة الآن"؟. العاهرة، استوت قاعدة على رأس السرير. قالت "نعم". وجدتني أقف على رأسه. اعتدل من نومته جالسا كما لو كان ينتظرني. قلت له بصوت ميت "اخرج من بيتي الآن". بدا مترددا وهو يتقدمني بخطوة. يا للوقاحة، توقف فجأة داخل حيرته تلك. لكأنه يهم بوداعها وراء باب غرفة النوم الموارب. "من هنا"، أشرتُ إلى باب الشقة بحسم. وجدتها مرتدية ثياب سهرتها الليلة الماضية تنتظر ووجهها إلى الأرض. دعوتها للحضور إلى غرفة المكتب كما لو أنني بصدد اجتماع رسمي. بعد حوارنا ذاك، قالت إنها ستذهب "الآن". قالت إنها لم يعد لها مكان هنا "بعد ما حدث". قالت إنها ستحضر للملمة أغراضها ريثما تهدأ نفسي. في جلستي تلك، وصوت باب الشقة يفتح ويغلق، اجتاحني شعور لا نهائي بالوحشة، لكأن نفسي ماتت داخل جسدي.

    ظللتُ أكرع الويسكي بعدها لثلاث ليال. لا أكلم أحدا ولا أحد يكلمني. ظهر اليوم الرابع، بدا كما لو أنني قمت بتصفية أحزاني مع العالم، عندما مكثت طويلا داخل الحمام، وقد أمكنني بصعوبة التعرف على ملامحي المطلة من داخل الحمام، قبل أن أحلق ذقني وأخرج في ما يشبه البعث إنسانا آخر بصفحة بيضاء من الأحاسيس أوالمشاعر، ليس ثمة سطور من كراهية أوغلّ أوحقد على أحد، وليس ثمة سطور من فرح أوبهجة أوحبّ لأحد، كنت فقط صفحة بيضاء قابلة في أية لحظة لأية كتابة جديدة.

    كان العصر يقترب من منتصفه، حين أخذ يتناهى بوق سيارة صغيرة بالحاح غريب من أرض خلاء غرب البناية. حين نظرتُ من احدى نوافذ الصالة رأيت "أماندا". أشارت لي بمقابلتها على عجل. هناك، تبين لي وجود ثلاث فتيات على مشارف العشرين كن بصحبتها. قالت إنها حضرتْ كيما تسلمني النسخة الإضافية من مفتاح الشقة. قالت على نحو غامض إنني لم أصحو من نومي لحظة أن جاءت ليلا لأخذ متعلقاتها وإنها لم تؤذيني لأنها تحبني. كنت أنصت إليها ولم يثرني مرأى السيارة الألمانية الجديدة التي تقودها. ما أثارني فقط طريقة كلماتها العملية العجلى. لكن صوتها لان فجأة وتكسرت قساوته على ضوء الشمس الغاربة. قالت وهي ممسكة بباب العربة وقدم على الأرض وأخرى بالداخل:

    - "وليم، أ هذه النهاية"؟.

    - "أجل، يا أماندا".

    - "أ كل شيء انتهى"؟.

    - "لم يُترك لي خيار آخر".

    - "إذن، يا إلهي، ما زلت أحبك، مع السلامة، وليم".

    - "مع السلامة... أماندا".

    وقفتُ في تلك الفسحة الخالية من الأرض، أرقب العربة وهي تندفع دفعة واحدة محدثة صريرا عاليا، تابعتها وهي تستدير صوب شارع "سرجنت" بقوة، وحين اختفت عن ناظريّ تماما وتوارى صوتها في عمق الهدوء الحزين للغروب الذي حلّ وقتها، أدركتُ بشيء من الحياد أنه لم يعد لي "بعد اليوم" بقاء "في هذه المدينة".




    تمت المسودة الأولى
                  

01-29-2010, 05:53 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    رسالة إلى عثمان موسى:
                  

01-29-2010, 06:45 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    عزيزي عثمان:

    أشكرك بداية للاهتمام بما أكتب. للأسف ولحسن الحظ معا، لم ألتقيك من قبل على نحو شخصي، ولم أحادثك هاتفيا سوى مرة عابرة أثناء مأساة ورحيل الناقد سامي سالم قبل عامين تقريبا. للأسف إذ لم أحظ برؤية إنسان بمثل هذه الرؤية العدلية من قرب. لحسن الحظ إذ أعتبر اهتمام عثمان بما أكتب مسألة لا علاقة لها بمجاملة. "لقد أسرجت لي خيل الكتابة هنا" كما أشار صديقي حيدر حسن ميرغني. وذلك مرتقى صعب في مثل ظروف مرض إلهام والاهتمام بها وبالولدين محمد وأنيس. (كل منهما يشد على يدك محييا). ناهيك عن شقاء الكتابة نفسها. لم تكن لدي خطة واضحة هنا. فقط تركت نفسي منساقا لنفسي. لا أكتمك أنني أثناء الكتابة ظللت أعاني من الانصات لشخصية (حامد) في كثير من الأحيان. قد يلامس مسار حياته المتخيل بعض مساراتي الحقيقية في الحياة عند هذه النقطة أوتلك. لكنه ظلّ حتى نهاية كتابة هذه المسودة الأولية شخصية تحتوي على قدر عال من الكراهية. إنه إنسان حوَّله المنفى إلى كائن مجرد من القيم. لكن الأعمال الفنية في الأخير ليست بيانات أخلاقية. على المستوى الخاص الواقعي، تكاد تتقمصني تلك العبارة، التي وردت على لسان "أستروف" في عمل تشيخوف الرائع "الجد فانيا"، أجل "في الإنسان كل شيء يجب أن يكون رائعا: وجهه، وثيابه، وروحه، وأفكاره". لكنني أعي قدري جيدا ككاتب يقع بين مرحلتين، مرحلة فقدت القيم السائدة قدرتها إلى حد بعيد تاركة فراقا روحيا هائلا هنا وهناك، ومرحلة (هي ذات المرحلة السابقة) لم تولد فيها القيم الجديدة بعد على نحو يؤهلها كرؤية للعالم لملء ذلك الفراغ. لقد اختلطت الآن في أذهان الناس الكثير من المعايير. وهذا كما ألمحت شأن التحولات الاجتماعية العميقة التي تفرز قدرا هائلا من المشكلات المعقدة. إنه بعبارة واحدة: المخاض. لست معنيا من كل هذا سوى بالوفاء لموقعي ككاتب. مهمتي هي أن أحكي فقط. ربما وجد الناس في ما أكتب على تواضعه شيئا مما يحزن أويفرح. وهذا العمل، (أسير العبارة)، بمثابة مسودة تنتظر مني الكثير من العرق أوالجهد الشاق، قبل أن ترى النور مفسحة الطريق أمام العمل على مسودة روائية أخرى تدعى (الأمنجي السابق). أخيرا، أرجو أن تقيم هذه الكتابة أوتلك جسورا بيني وبين الناس لا حوائط.

    كما تقول أخي الحبيب:

    جزيل شكري وعميق امتناني وخالص احترامي ودمت.

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-29-2010, 07:51 PM)

                  

01-30-2010, 06:01 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    اليوم

    الحزن يتمدد فى حقل الشوفان .
                  

01-31-2010, 03:43 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    Quote: اليوم

    الحزن يتمدد فى حقل الشوفان .



    رحمه الله، حياة مديدة، قضى نصف قرن داخل عزلة أغرت بالتلصص كثيرا، شأن موسم الهجرة إلى الشمال، بعض الأعمال تطارد كاتبها إلى ما بعد الموت حتى، وذلك هو جي دي سالينغر، صاحب (الحارس في حقل الشوفان)، الذي رحل أخيرا (1919- 2010).



    http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today%5C29qpt88...6%ED%D4&storytitlec=

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 01-31-2010, 03:46 PM)

                  

01-31-2010, 04:05 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: رواية عن مراهق غيرت الأدب الأميركي

    خمسون عاما على صدور رواية «الحارس وسط حقل الشوفان» لديفيد جيروم سالنجر

    ابراهيم الخطيب
    لدى صدورها قبل خمسين سنة، أحدثت رواية «الحارس وسط حقل الشوفان» لديفيد جيروم سالنجر (1919) ما يشبه الرجة في مياه الرواية الاميركية الراكدة حينئذ. إن كاتبا آخر، وهمنغواي حي يرزق، لم يستطع ان ينسي النقاد الاميركيين تحفظهم ازاء كل اختراق استثنائي قدر ما فعل سالنجر في روايته الموما اليها، والتي اعتبرت منذ نشرها، أحد ابرز الانجازات الروائية في القرن الماضي. لقد قضى همنغواي نحبه قبل أربعين سنة (1961)، ومن المؤكد أن المفهوم التراجيدي للرجولة، كما عكسته رواياته، كان قد فقد اذ ذاك تأويله المهيمن على مقاربة الاميركيين لواقعهم الذين اخذت تساورهم شكوك بصدده. ان سالنجر لم يكتب سوى أربعة كتب ضئيلة الحجم من بينها رواية وحيدة، غير أن ذيوع صيته لا يعود في الواقع الى عزلته عن منصات الاعلام الادبي، التي غدت أسطورية، وانما لكون سروده استطاعت ملامسة مجازات راهنها المتسم بالقلق.
    لقد كان على سالنجر ان يبحث في ذكرياته عن صورة المراهق الذي يملك جرأة الاستخفاف بكل شيء: هكذا تبدأ رواية «الحارس وسط حقل الشوفان» على النحو التالي: «لو كان يهمكم حقا ما سأرويه لكم، وتريدون فوق كل شيء معرفة مسقط رأسي، وكيف مضت مباذل طفولتي، وماذا كان يفعل أبواي قبل أن أولد، وغير ذلك من الترهات التي يمكن العثور عليها في روايات من قبيل «دافيد كوبرفليد»، فإنه لا يلذ لي أن أروي شيئا من ذلك البتة». لم تكن هذه البداية لتندرج في أفق توقعات القارئ في بداية الخميسنات، وذلك لكونها اعتمدت أساسا على صوت راو يشي خطابه بأن ما يريد حكايته ليس هو العالم كما ينتظره القراء، وانما كما ينظر اليه مراهق مشبع بأنانية لم يستطع المجتمع تدجينها. من هنا لاحظ النقاد الاميركيون أن لغة «هولدن كوفيلد» كانت تعبيرا طبيعيا عما يفكر فيه كل المراهقين في مختلف الحقب: تفكير قائم على الضجر وعدم الرضى والصفاقة، لكنه ينطوي، في نفس الوقت، على نوع من الشفقة على الذات والحنين الى تجارب الطفولة التي رسخت الوعي بآفاق وهمية.

    إن سلسلة الاحداث التي شكلت مصير «هولدن» تبدو عادية، وليس فيها حدث واحد بارز يمكن تذكره بسهولة: فإثر طرده من معهد (بانسي) ـ بعد تجارب طرد اخرى ـ يقرر «هولدن» الافضاء بمشاعره لاحد أساتذته، ثم يستقل القطار الذاهب الى نيويورك فيلتقي هناك بوالدة زميل له في سنوات الدراسة، قبل أن يمتطي سيارة أجرة ويذهب الى أحد الفنادق الهامشية حيث يقيم في غرفة قذرة. يغادر الفندق للالتحاق باحدى الحانات، وأثناء عودته تتاح له فرصة التعرف على امرأة ، لكن الامر ينتهي نهاية سيئة. في اليوم التالي يتذكر «هولدن» صديقته «سالي» فيحدثها عبر الهاتف، ويقرران اللقاء مساء في قاعة سينما... على هذا النحو تتراكم الوقائع التي تشكل لحمة وسدى الرواية، دون ان تكون احدى تلك الوقائع بؤرة السرد إلا في حالة ما إذا اعتبرناها كافة مسرحا خلفيا لمزاج فتى يطمح الى اختبار انتظاراته على ضوء واقع أقل شاعرية، كما تجسده مدينة كبيرة مثل نيويورك. ان ذلك ما يبرر ايضا حدة لهجة السرد وجرأتها التي تحتل منصة خلت من كل واقعة استثنائية، عدا واقعة لقاء «هولدن» بشقيقته «فوب» التي تعتبر احدى أجمل لحظات الرواية، وحيث تغدو المكاشفة الوجه الآخر لخيبة الظن.

    يتحدث مارك صابورتا، مؤرخ الرواية الاميركية في القرن الماضي، عن استقبال رواية «الحارس وسط حقل الشوفان» فيبرز كيف استطاعت الظفر باعجاب القراء، سواء كانوا مراهقين أو بالغين، بحيث صارت علامة على جيل يواجه مصاعب وجودية متنامية، وذلك ما رفع بطلها «هولدن» إلى مرتبة رمز لرجولة قيد التشكل قائمة على انعدام اليقين. إنه من الضروري القول بأن نزعات التمرد التي ميزت عقد الستينات، في أفق التدخل الاميركي في حرب فيتنام، ساهمت في التأكيد على الوظيفة الاستشرافية لرواية سالنجر وتعبيرها الضمني عن شقاءات المراهقين ازاء حماقات الكبار في مختلف أنحاء العالم. لكن ذلك لم يجعلها قط تسقط في خانة رواية تسجيلية يعتصرها الحاضر، أو يقتصر هدفها على رسم لحظة تاريخية تتسم بالتوتر.

    لم تثر «الحارس وسط حقل الشوفان»، ككل نص مثير للجدل، اعجاب القراء والنقاد فقط، بل هناك من انتقدها بعنف ايضا: في هذا الصدد لا بد من الاشارة الى «ملحق التايمز الادبي الذي اعتبر الرواية «سيلا من البذاءات والكلام الفاحش»، بينما رأى ناقد انجليزي ان حساسية مواقف «هولدن» لم تكن تتطلب كل الحدة والقسوة اللتين ميزتا خطاب الراوي، فيما ندد معلق مجلة محافظة هي «العالم الكاثوليكي» بـ «دناءة اللغة التي تنم عن تلقائية غير متزنة». لكل ذلك كان من المنطقي تماما ألا تبرمج رواية «الحارس وسط حقل الشوفان»، كنص مدرسي، في المؤسسات التعليمية الاميركية حينئذ وعلى امتداد أربعين سنة: ذلك أن الرواية كانت، في العمق، تخييلا لكل المقاربات التربوية التي تستهجن استقلالية حق المراهق في ابتكار صيرورته الخاصة، ونهج سبل الذات.

    بيد أن احدا لم يجادل في جاذبية شخصية، «هولدن»، سواء عند صدور الرواية قبل نصف قرن أو اليوم. فهل تكمن تلك الجاذبية في سلوكاته التي تعاكس التيار؟ أم في وجوده على طرف نقيض من الحلم الاميركي؟ أم في موقفه الصريح من طهرانيه منافقة؟ أم في رغبته في فرض نفسه كمخاطب؟

    لم يكن ديفيد جيروم سالنجر رجل أفكار، بل كان يسخر من معاصريه الكتاب الذين أقحموا على تجاربهم أشكالا ذهنية غير مناسبة، لذا آثر الصمت دائما ازاء تحليل النقاد لاعماله الادبية. لقد أثرت ايحاءات الواقع القابعة تحت السطح تأثيرا بينا في نظرته القصصية، وانه من المنطقي الاعتراف بأن كتاباته رددت عميقا صدى التحولات التي كانت أميركا حبلى بها بعيد الحرب العالمية الثانية، وخاصة التحولات المتصلة بدور الفرد داخل نظام اجتماعي متكلس.




    http://www.aawsat.com/details.asp?section=19&article=89904&issueno=8489
                  

01-31-2010, 04:57 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)



    والله يا عبدالحميد
    انا متابع ومستمتع بالتنقل من غصن مزهر الى غصن اجمل .
    كتابات تتوشح بعديد الألوان .. نتابع
    ..
    ارجو التكرم بوضع صورة شيخنا سالينجر .
    مع كتير شكرى
                  

02-01-2010, 05:44 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    images7.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    Quote: «لو كان يهمكم حقا ما سأرويه لكم، وتريدون فوق كل شيء معرفة مسقط رأسي، وكيف مضت مباذل طفولتي، وماذا كان يفعل أبواي قبل أن أولد، وغير ذلك من الترهات التي يمكن العثور عليها في روايات من قبيل «دافيد كوبرفليد»، فإنه لا يلذ لي أن أروي شيئا من ذلك البتة».




    blogSpan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com




    Quote: وفي هوليوود ثمة اهتمام كبير خصوصا بتحويل "ذي كاتشر" الى فيلم. وقد بيعت اكثر من 60 مليون نسخة من الرواية التي دخلت ثقافة البوب الاميركية وتشكل مرجعا في كل المجالات من الافلام الى الاغاني الى كتب اخرى.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 4 „‰ 5:   <<  1 2 3 4 5  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de