عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 05:47 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-23-2009, 04:27 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)


    كان المنفيون في تلك المدينة الكندية الصغيرة كثيرا ما يتبادلون بأسى متزايد خبز ذكرياتهم حول منافي وسيطة في مكان ما من العالم كانوا قد مروا بها أوأقاموا فيها لفترة في طريقهم إلى الحرية قبل أن ينتهي المطاف بهم إلى أبعد نقطة من الوطن في وظيفة هامشية كغسيل الأطباق في مطعم فخم عدا الأمنجي السابق الذي ظل لسبب ما محتفظا بصمته حول هذه المسائل وقد لف وجوده خلال سنوات ما بعد سقوط المشير بغموض ملغز وغير مبرر تماما في بلد عادة ما يتبادل عشاقها القبل والأحضان الساخنة في ميادين عامة ولا يبالون.

    واللافت أن أغلب الذين جاءوا من منفى وسيط مشترك كانت علاقاتهم فاترة يشوبها شعور ما بالمرارة وقد بدا وعلى الدوام أن ثمة حواجز غير مرئية كالخيانة كانت تنهض فيما بينهم في أكثر لحظات إندماجهم في منفاهم الجديد تسامحا. أجل.. الآثار تبقى على جدار الروح. ولابد أن أشياء حزينة قد حدثت في تلك المنطقة من الذكريات لايتم الكلام حولها سوى عبر ذلك الهمس المثقل داخل غرف مغلقة بمشاعر لو سارت نحو جبل لأحالته إلى هشيم وندف صغيرة كابية. لقد كان البأس على أشده على وجه الخصوص بين أولئك المنفيين الذين سبق وأن جمعتهم مدن كبيرة مثل القاهرة وكانوا سوى النضال الذي تحول بمرور الوقت إلى حروبات داخلية صغيرة طاحنة بلا موارد مالية تكفي حتى للبقاء على قيد الحياة أحيانا. ربما لهذا كان الهمس يدور غالبا حول بيع صداقات بوجبة طعام رخيص بدم بارد وضمير خال تماما من الرأفة أوالتأنيب.

    ويبدو لي الآن وأنا أتأمل تفاصيل هذه اللوحة من بعد أن الدعاة إذا ما فقدوا رسالتهم إلى العالم في يوم ما سيتحولون رويدا رويدا إلى كائنات جحيمية صغيرة مهمتها أن تصنع الأذى مدفوعة برغبة لا نهائية في التدمير أوالإنتقام. لعل ذلك ما يقودني أحيانا إلى التفكير في تلك الخطورة التي يولدها الشعور بفقدان المعنى في حياة الناس. أجل.. لابد أن أشياء بائسة كتلك ستحدث. على أية حال بدا المشهد يتكشف برمته مثل أرضية ملائمة أعادت إلى الحياة وبقسوة تلك المواهب الميتة للأمنجي السابق وصاحبه الخليفة.




    كالأسى، لايزال الجليد يتساقط وراء النافذة الزجاجية. الشقة دافئة. وهناك، في مكان ما داخل نفسي، أشعر ببرد غريب، جلبت له منذ قليل صور ماركيز وهيغل وأمي، وضعتهم أمامي على المكتب، وربما أجلب لوحة فان جوخ (نجوم الليل) من الصالة. ومع ذلك، البرد ما ينفك يزداد. ولا أدري الآن من أي مكان من الذاكرة ولأي سبب يتناهى في هذا المساء المقبض الحزين صوت نيتشه عابرا بقوة لحظة الميلاد حطام كل تلك السنوات والذكرى: "الحية التي لا تستطيع أن تغير جلدها.. تهلك. كذلك البشر الذين لا يقدرون أن يغيروا آراءهم.. لا يعودون بشرا. بقدر ما نصعد عاليا.. نبدو صغارا لهؤلاء الذين لا يعرفون أن يطيروا".




    يا لحصاد السنوات!!!.




    كنت قد هبطت إلى تلك المدينة ذات مساء ممطر بعيد ضمن فوج صغير من اللاجئين بعد رحلة طويلة وشاقة تماما. ولم يكن يخطر في ذهني أبدا أن يكون الأمنجي السابق قد سبقني إليها بأعوام كنت خلالها أحاول عبثا الشفاء من آثار حروق طبعها تعذيبه على روحي في زمان برز أمامي دفعة واحدة حالما وجدته في استقبالي ضمن مقيمين آخرين وكنت قد ظننت أن ماهربت منه قد تركته ورائي مرة واحدة وإلى الأبد. أجل.. هذا زمان المهازل وغربة الأرواح النبيلة ولاعزاء.
                  

11-23-2009, 06:27 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    العزيز عثمان:

    لعل ما طرحته حول ماركيز هنا يجذب نقاشا. للأسف لا توجد لدي هنا صورة للراحل بشار. سأعمل في سبيل ذلك. فقط ألفت الإنتباه إلى أن إعادة نشر النصوص هنا ليست مطابقة تماما لما هو متواجد في الإرشيف. إنني دائم العمل على نصوصي حذفا أوتعديلا أو اضافة مثل هذه:



    حوالي الثالثة صباحا، والعاصفة الجليدية المستعرة لا تزال تولول في الخارج مثل حرب ضروس لا أبطال لها، تناهى طرق على باب غرفة النوم ذات النوافذ الزجاجية الواسعة، قبل أن يطل وجه "سمانتا" من داخل تلك العتمة. "وليم.. أماندا... أشكركما..... لا بد لي أن أنصرف الآن". بعدها تناهى صوت باب الشقة وهو يفتح ويغلق. كنا قد تركناها تنام في صالة المعيشة على كنبة درجنا أحيانا على ممارسة الحب في رحابها. كانت قد جاءت وقتها للمرة الأولى والأخيرة زائرة على بعد خطوات قليلة من الغروب. بدت متعبة جائعة وعلى درجة من خوف غريب وغامض. كنت أتمعن في ملامحها العشرينية، حين تنهمك في حديث عائلي أوآخر مع "أماندا"، محاولا جهدي كله أن أعثر على تعبير واحد من تلك التعابير التي يمكن أن تلوح على وجه عاهرة محترفة. كانت ملامحها تبدو طفولية في كل نظرة. كانت تلوح لي دائما أشبه بطائر قضى سحابة يومه في عراء أصابته عاصفة رعدية. بدأت شيئا فشيئا أعود إلى النوم من جديد، حين تناهي صوت "أماندا"، مبددا أدنى إمكانية للنوم، قائلا برنّة أقرب إلى الرثاء: "مسكينة "سمانتا"، لم يتبق لها الكثير في هذه الحياة، لقد أصيبت العام الماضي بالإيدز".





    يتبع:
                  

11-23-2009, 07:04 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    كان لسان حال عمر، خلال ذلك المساء، وعلى مدار تلك الجلسة داخل شقتي ذات الغرفتين، ساعة بساعة ودقيقة بدقيقة وثانية بثانية، يتمثل في هذه العبارة: " وبعدين، يا حامد، متين تخلسوا نضميكم دا، عشان أقوم أسوق القحبة دي لأقرب سرير". كان يقصد صديقة "أماندا" ذات الأربع والعشرين ربيعا: "جسكا".

    لقد فعل يومها كل شيء لقتل الوقت. لم يترك نافذة وإلا أطل منها. دخل الحمام. توضأ. أدى صلاة العشاء في غرفة أستخدمها كمكتب. أخذ الهاتف وأجرى مكالمة دولية ما. ومع كل مساعيه الحميده تلك، ظلت الفتاتان تشربان كلما تقدم المساء مثل حوض رمل جاف في نهار قائظ. وكاد ذلك كله أن يذهب بعقله في ما بدا لي بغير رجعة. وقد اتضح لي تماما أنه لا يعرف لذلك الأمر سبيلا آخر سوى سبيل ديك الجن.

    أخيرا، عدنا، أنا وأماندا، إلى الشقة، بمزيد من الشراب. كان يبدو على وجه عمر أنه قضى وطره من "جسكا". ولم يتبق له في عرفه سوى تناول طعام العشاء. "أماندا" لا تعطي نفسها بسهولة. ذلك ما رسخ في ذهني أثناء ذهابنا لجلب المزيد من الشراب. كان عليَّ لأرى النبع أن أنتظر لأكثر من عامين. كنت صيّادا بارعا لا ينقصه الصبر. وكانت فريسة شديدة المراس ولا هوادة.





    يتبع:
                  

11-23-2009, 08:16 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    9-1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com








    9-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com






    bashar21.jpg Hosting at Sudaneseonline.com




    http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&b...560833&func=flatview



    هذه الحياة أخذت من بشار الكثير وأعطته القليل. كان رحمه الله مثالا شديد الندرة لما ينبغي أن يكون عليه الطليعي في مجتمع نام. أكاد أقول: "لم ار إنسانا آخر يعادله في روعة اتساق القول والفعل سوى أحمد عبد المكرم". بكلمة واحدة: يساري!.
                  

11-23-2009, 01:20 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    يا عزيزى عبدالحميد
    فى أنتظارك .
    فى أنتظارك وبشار ذلك الجبل الضخم الذى رحل .
                  

11-23-2009, 03:56 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    [redJack Armytage. Forward – an excellent player, a brilliant leader, and best remembered as the man who first organized a hockey in the City of Winnipeg on November 3, 1890 was the captain until retirement after 1897 season – one of his greatest games was on February 14, 1896 in a sudden death game for Stanley Cup when Armytage scored the winning goal in 2-0 victory over Montreal]


    يتبع:
                  

11-24-2009, 02:07 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)


    هذه الحياة أخذت من بشار الكثير وأعطته القليل. كان رحمه الله مثالا شديد الندرة لما ينبغي أن يكون عليه الطليعي في مجتمع نام. أكاد أقول: "لم ار إنسانا آخر يعادله في روعة اتساق القول والفعل سوى أحمد عبد المكرم". بكلمة واحدة: يساري!.
                  

11-24-2009, 04:16 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    تسع ساعات بالتمام. هي عمر الوردية. عايشت خلالها زوال ذلك الوجود لحظة لحظة. منذ البداية قلت لزميلي "رايان" الذي أوصلني بعربة الشركة إلى الموقع (هذا مكان ميت). أومأ برأسه موافقا. وسرنا في العتمة المطبقة نتفقد الحضور الأكثر ميتة للأشياء. كان ذلك مشهدا من الحياة الأخيرة لأستاد هوكي الجليد العتيق في المدينة. "مراقبة الموقع، هذا كل ما عليك فعله". أوضح لي "رايان" مهامي كحارس خلال تلك الوردية، وانصرف. كان قد مضى نحو العام منذ أن تعرّفت على "أماندا". كانت تلاعبني عبر الهاتف من حين لآخر. مرة، تفاجئني بزيارة صحبة صديقتها "جسكا". نغلق علينا باب غرفة النوم. تضع صدرها الوافر المكتنز فوق صدري. تسند ذقنها المستديرة على ظهر يديها المشبكتين. تتأملني بعينيين واسعتين لا تكادان تستقران طويلا على ملمح من ملامح وجهي. هكذا، دائما، يبدأ حوارنا الجسدي المحموم بلغة خالية تماما من قواعد النحو أوالأخطاء الإملائية. كنت أصعد وأهبط بين وديانها إلى درجة الغليان أوالتشظي. لكنها أبدا لم تمكني من رؤية النبع لثانية واحدة. أثناء ذلك، كانت "جسكا" تصل إلى ذروة السعادة وهي تلتهم آخر ما تبقى لي من طعام داخل الثلاجة وخارجها.



    يتبع:
                  

11-24-2009, 06:22 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    كانت قد تبقت أيام معدودة على وجود ملعب هوكي الجليد القديم. كانوا في سبيلهم إلى إزالة عصر كامل من حياة لُعبة. كنت أتحرك وحيدا في مساحة تسع لأكثر من خمسين ألف متفرج. أية أفراح، أية هزائم، أية مآلات، أية آمال مرت عبر هذا المكان؟. النُصب التذكارية لكبار اللاعبين، أسعار الوجبات والمشروبات على قوائم الكافتريا الداخلية تشير بخطوطها اليدوية البارعة إلى ما قبل سيادة الحاسوب الآلي، مقصورات علية القوم الخاصة، دورات المياه العامة، غرف تغيير الملابس، عربة تكسير الثلج على الميدان المحاط بشبكة من القوائم الإعلانية القديمة، مقاعد المتفرجين التي تراكمت عليها طبقات سميكة من الغبار، موقف عربة الإسعاف الداخلي، أبواب الطواريء المتآكلة، صدى آلاف صيحات الإعجاب بحركة حاذقة من لاعب أوآخر، خطط المدربين. كل ذلك، سيذهب بعد أيام قليلة، مرة واحدة، وإلى الأبد. هناك، مثل صفعة رقيقة حانية، صفعة أشبه بتأنيب الضمير في صدر عابد زاهد أسكره رحيق إمرأة عابرة، أخذ ينبعث من داخلي صوت خفيض ساخر ظننت أني تركته ورائي في مجتمع أولئك المنفيين في القاهرة:

    حامد عثمان، يا صديقي العزيز، أكاد أتخيلكم، يا معشر اليسار، جالسين ذات مساء، في أحد أيام الآحاد، بين أحضان ذلك "الامبريالي القابع وراء المحيط"، موائدكم عامرة بخيرات "العم سام"، تدينون "نظام العسكر"، بينما تحتسون الكؤوس المترعة بنشوة النبيذ الأحمر المعتق والوايت والبلاك والريد ليبُل والشيفاز. تثملون ببطء. على الطريقة الحديثة طبعا. وحين يشتد بأحدكم حنينه الثوري، يقف على رؤوس الرفاق القدامى التي أحناها السُكر، مرددا كلمات ذلك الإنسان الصادق النبيل:

    أبانا الذي في المباحث
    كيف تموت
    وأغنية الثورة الأبدية
    ليست تموت؟.




    يتبع:
                  

11-24-2009, 02:49 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    In Ottawa- go to the corner of Gerald ST. and Towle Ave and have your picture taken under the street signs





    يتبع:
                  

11-24-2009, 08:28 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    تابعت
    الكاتب عبدالحميد وهو قد
    كتب الكثير فى غربته . كاتب صاحب صنعة
    ورائد فى حرفة كتابات المهاجرين الجدد .
    .. عبدالحميد يعزز ذلك بما يتوفر لديه من امكانيات وحماس ولغات وخيال .
                  

11-24-2009, 10:15 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    العزيز عثمان موسى:

    أشكر لك ماقلته للتو في حق أخيك. هذا كرم حاتمي بامتياز أعتز به عن صدق شديد. بيد أني حين أكتب شيئا ما لا أكتب وفي ذهني أحد من الناس. إنني أبحث فقط عن معنى خاص لهذا العالم. الكتابة لدي في المقام الأول موقف من العدم. أحيانا تستهويني كلمات بورخيس "أكتب فقط كيما يخف مرور الزمن". تحية متجددة.
                  

11-25-2009, 06:43 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    - "المجد قمة جبلية باردة، يا مستر هميد".
    - "وكيف ذلك، ياجيف"؟.
    - "كلما صعدت إلى أعلى تتساقط من حولك شبكة العلاقات الحميمة".
    - "كالصداقة مثلا"؟.
    - "ربما!، أتدري؟، أحيانا أتخيل العباقرة كمقامرين عظام، باعوا حاضرهم مقابل آتٍ مجهول، ولكن ما معنى أن تبيع اللحظة الراهنة مقابل شيء لم يولد بعد"؟.

    كان ذلك بعض حوارات "جيف" المتقطعة معي. حارس من نوع غريب. أطلق عليه في سري أحيانا لقب "رجل التساؤلات المستحيلة". بعض الزملاء مثل "وين" الرئيس ظل يتعامل معه تعامله مع آلة يمكن الوثوق بها حين يتعلق الأمر بتنفيذ الأوامر بدقة. آخرون مثل "ليليان" كانوا ينظرون إليه نظرتهم إلى مرآة سحرية ما فتئوا يطالعون عبرها كل ما هو غريب الأطوار وغامض. كان "جيري" كلما رآه يرسم على جبينه شعور من يريد دخول الحمام على عجل. وهو لم يكن يكترث كثيرا. كنت تراه حين تكون الأوضاع في الموقع هادئة يطالع في كتب تحمل عناوين ظلت تدفع "ليليان" في أحيان كثيرة إلى مشاكسته بجدية تخفي الكثير من الخبث: "مستر جيف، بحق السماء، كم دفعت ثمنا (أعذرني) لهذا الهراء"؟.

    ظل طلب "جيف" يشغلني طوال الأيام الماضية. ما إن أعبر سؤالا حتى أجد أمامي سؤالا آخر كبحر لا ساحل له. ما معنى أن أذهب إلى تقاطع شارعين أتخذ فيهما صورة وأرسلها له بعد ذلك. صديق قال حين أخبرته بطلب صاحبنا من دون أن أذكر له هويته إن ذلك طلب وراءه شخص عبيط ولابد. أدركت من إجابته برغم إهانته لشخص لا يعرفه أن المكان الذي أشار إليه "جيف" غير مهم إلى هذه الدرجة. لكني حين قلبت الطلب مرة أخرى تبين لي أن أحد الشارعين يحمل إسم عائلة "جيف". هكذا، أراد "جيف" أن يجعلني بعد تفكير عميق أن أبحث في تاريخ الشارع، لأتبين على نحو ما أنه من عائلة أحدثت أمرا هاما في التاريخ الكندي، وما وضعه الحالي كحارس بائس سوى خلل حدث فجأة في مسار جينات عبقرية. ومع ذلك، وكيما تكتمل الصورة في ذهني، تلزمني زيارة ميدانية في القريب إلى الموقع الذي أشار إليه "جيف" بغموض شديد.

    أمس أصيلا، أجريت مكالمة هاتفية، أمكنني خلالها سماع صوت" جيري" الطيب المحب، بعد أيام من شقاء متصل بين مكاتب بيروقراطية عليك أن تجيب على أسئلتها المرهقة كشرط واجب للعبور نحو أية محطة تالية بوضوح ودقة، حتى أنني رأيت في المنام قبل يومين، وقد سألتني موظفة عجوز بمكر عن عدد الشعرات المكونة لفروة النمر الهندي في البنجاب على وجه الخصوص، قلت لها أن في جسد الإنسان مليون شعرة وقلب واحد، قالت أعرف تلك الحقيقة العلمية، لكنك لم تجب على سؤالي حول عدد الأقدام البحرية ما بين سدني وجزر القمر، عندها صحوت من نومي مكتظا بإرادة غامضة لمهاتفة "جيري" خلال اليوم بأية وسيلة. وقد كان.

    كان "جيري" سعيدا وهو يلمس جدوى النصائح التي أسداها لي كصديق، بينما أحزنه أني لم أنصت جيدا لنصحه حول النظافة المطلقة لشوارع "أتاوا"، عندما علم أنهم فرضوا عليَّ غرامة لحظة أن وقع من جيبي منديل ورقي سهوا، وعلى أية حال تلك كذبة كان لابد منها لترسيخ الصورة الزاهية المتكونة في ذهنه عن المدينة منذ عقدين أويزيد، ولو أن "جيري" كان خبيثا لسألني عن قيمة تلك الغرامة، لكنه ظل على عهدي به مهذبا حتى النهاية. "جيري" عادة لا يتحدث عن الناس بخير أوشر، ربما لذلك آثرت ألا أسأله عن أحوال الناس هناك، خاصة ما حدث للعزيزة "ليليان" من تطورات في غيابي.






    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 11-30-2009, 09:16 AM)

                  

11-25-2009, 08:36 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    Hey baby....wats up....Why are you hating on my friends...you are the only one i go to bed with so you dont have to hate...Me and you are husband and wife so why are you trying to think that i am talking all the time to my friends.You are the one that is always on that stupid sudaneseonline....... So you shouldnt even talk!!!!!!! JUST REMEMBER I LOVE YOU AND ONLY YOU...





    يتبع:
                  

11-25-2009, 09:24 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    [Bفي تلك الليلة، كان بيني وبين عمر قليل من الصبر. كلانا سليل كبت مزمن عريق. السنوات العجاف مضت. واحة التحقق قاب قوسين أوأدنى. وتلك ثلاثون سنة. أمضيناها في صحراء شمسها الحرمان مشتعلة على مدار اليوم. رمالها نار الرغبة. ودابتها أمل في الله لم ينقطع.

    كانت تشير إلى السابعة مساء، حين رن جرس الهاتف، وجاءني صوت عمر كالبشير، قائلا إنهم الآن في الطريق، قلت له "ابشر يا سيدي، فالطعام طيب، الشراب وفير، إضاءة حالمة، المكان نظيف، وبي توق إلى ونسة عجمية وغناء أعجمي ورقصة عجمية ، ثم الذوبان مع سيدة الغيب في لغة عالمية حتى مطلع الفجر". كنت متخما بقراءة مئات الرويات والشعر في وطني صنارة المثقفين على بوابة الإغواء. أخيرا جاءني صوته كضحكة طيبة أطلقها فم صائم في أعقاب نهار قائظ: " يا أخوي، كلامك سمح، علة يا زول جنس شِعرك دا، الليلة دي، سيبو تب، وعلي كمان الله إن شوفتهن بعد شوية علة تبول في لباسك عديل، يا زول أنا شغلة ما نجيضة ما بسويها تب، إنت عارفني كويس، وأنقول لك تاني: الشغل كلو حا يكون الليلة دي بس أمسك لي أضبح ليك من غير ففلصة كتيرة، اتفقنا يا زول"؟.


    هكذا بدأ عمر ينسج أسطورته الخاصة في الإيقاع بالفتاتين، وقد تناسى أن الصدفة وحدها أوقعتهما في طريقه ليلة أمس، لكنها الرغبة العميقة التي كانت تظهر في ونساته للقيام بعمل بطولي خارق في زمن تلاشت فيه البطولات الكبرى تماما أوتكاد.

    ما أثار إنتباهي بعد ذلك أن عمر كان غالبا ما يعبر عن تبرمه على رأس كل ساعة قائلا بالعربي الفصيح: "حامد، يا أخوي، الخدم ديل ما كفاهن شراب".

    كان لون بياضهما في ط ز ا ج ة الحليب!.
    ]




    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 11-25-2009, 09:29 AM)

                  

11-25-2009, 04:54 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    نتابع لوحات البرنس
                  

11-25-2009, 06:26 PM

elham ahmed
<aelham ahmed
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    العزيز عثمان
    العيد مبارك عليك
    ربنا يحقق ليك الاماني
    دي صورة من جامعة وينبيك
    من امنيتي ازور كل الاماكن
    التي مر بها البرنس



    3408961298_40773b42d1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

11-26-2009, 05:17 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: elham ahmed)

    الأخت العزيزة الهام
    كل عام انتى والعيال والبرنس فى امان .
    وربنا يحقق كل الامانى .
    ..
    كتابات عبدالحميد يجب أن توثق وتعلق .
    أرجو دعمنا بالصور
    تحياتى لكم جميعا
                  

11-26-2009, 06:40 AM

Ahmed al Qurashi
<aAhmed al Qurashi
تاريخ التسجيل: 08-28-2006
مجموع المشاركات: 4263

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    كل سنة وانت طيب عثمان موسى

    وكل سنة وانت طيب عبدالحميد البرنس

    وعبركم العيد مبارك لكل زوار هذا البوست الفخم
                  

11-26-2009, 07:10 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Ahmed al Qurashi)

    أم العيال:

    كل سنة أنتِ وعثمان والقرشي وزوار هذا البوست والناس بألف خير.

    Quote: من امنيتي ازور كل الاماكن
    التي مر بها البرنس


    لقد كنتِ معي داخل جامعة وينبيك وفي أماكن أخرى كثيرة كحُلم غدا أخيرا حقيقة معاشة، فإذا الوحدة أنس والغربة وطن والحصار عوالم لا حدود لها. أحبك.
                  

11-26-2009, 08:52 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    لم تكن مهنتي كحارس داخل ذلك المجمع التجاري الضخم خالية من متاعب. أحيانا، مقابل تلك الحفنة من الدولارات، كنت أقف، من الموت، على بعد خطوة واحدة. ذات مرة، تناهى طرق حاد على باب المكتب. لكأن أمرا جللا قذف بتلك المرأة الأربعينية إلى صميم واجباتي. كنت أقرأ وقتها بدافع الملل شيئا من كتاب كارل ماركس "الآيديولوجيا الألمانية". مجلّد قديم من الأسفار القليلة التي ظلت ترافقني من مكان لمكان. العلاقة ببعض الكتب، في حياة المنفيين الغرباء، تنمو شيئا فشيئا، إلى أن تتحول، بمرور الوقت، إلى روابط متينة أقرب إلى صلة الدم. بدا لي كتاب ماركس، في الآونة الأخيرة، بمثابة شيخ طاعن من أفراد الأسرة. لا جدوى عملية ترجى منه. لكن وجوده في حد ذاته أمر لا غنى عنه حين الحاجة الماسة لما يدعونه "الجذور". بينما تنتظر ابنتها لتقلها إلى البيت في سيارتها "الفورد"، سألتني عنه، "ليليان"، وهي تراه معي لأول مرة، وقد حاولت جاهدة فك طلاسم حروفه العربية، بلا جدوى. نظرت إلى صورة ماركس الباهتة على ظهر الغلاف. كانت ملامحه غائمة وراء الآثار المتراكمة لأصابع يدي. حين بدا لي في تلك اللحظة أشبه براهب طيب، قلت لها: "هذا، عزيزتي "ليليان"، كتابنا المقدس". قالت:


    - "وهل يؤمن به الكثير من الناس هناك"؟.

    - "بل ويعتقدون أن مجرد ترتيله سبب كاف لتقليل الفقر وفساد الحكام".

    - "للأسف الناس هنا لا يبالون بالسماء كثيرا، هل تؤمن بالله"؟.

    - "فقط، حين لا ينوب عنه الآخرون".

    كانت مسيحية برأس ممتلئة بتفاصيل دقيقة عن فتيان أحلامها في زمان لم يعد له من وجود. إنها فرقة "البيتلز". آنذاك بدت متفهمة لإجابتي الأخيرة. كنت أدرك أن حيز المعلومات الضخمة في دماغها عن "جون لينون" و"بول مك كارني" و"جورج هاريسون" لم يتح لها في نهاية المطاف سوى هامش ضئيل للتفكير خارج ساعة قمار واحدة من كل أسبوع. فجأة، وهي تنظر إلى السقف متبرمة من تأخير ابنتها، وثمة شعور خفي بحب غامر يجتاحني صوب الله ، شرعت تغني بصوت أقرب ما يكون إلى الدندنة:


    Ev'rybody's talking about
    Bagism, Shagism, Dragism, Madism, Ragism, Tagism
    This-ism, that-ism, is-m, is-m, is-m.
    All we are saying is give peace a chance
    All we are saying is give peace a chance
    C'mon
    Ev'rybody's talking about Ministers,
    Sinisters, Banisters and canisters
    Bishops and Fishops and Rabbis and Pop eyes,
    And bye bye, bye byes.
    All we are saying is give peace a chance





    يتبع:
                  

11-26-2009, 07:49 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    Dearest The Love Of My Life,


    Hello baby!! I missed you all day today. I just wanted you to know that I will try my hardest to succeed in school and work. I want to be able to buy our children beautiful things that he or she desires.....
    I love you so much Willim. I have to wait for my forms from back home. I will call my old work on Monday. Also I will call that school to see what their decision is on when I would start. Well your going to be home any time now I cannot wait. I want to kiss your




    Love always your wife







    يتبع:
                  

11-26-2009, 11:43 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    اسعدنى كثيرا الدخول والتجوال
    فى عالم الكاتب الجميل البرنس .
                  

11-27-2009, 07:12 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    في ذلك المساء الخريفي البعيد، جلسنا حول مائدة داخل صالة المعيشة، أنا وعمر و"جيسكا" و"أماندا"، كانت تطل علينا، من جوانب مختلفة لوحة شقيقي فان جوخ "نجوم الليل"، أية أسطورة ملحمية للألم كانها، وزيتية لأخي "رينوار" تصور أوراقا نباتية تطفو فوق بحيرة ساكنة أول الفجر، لكنها تبدو متعبة بعد رحلة مع تيار كسول توقف بعد مسيرة استغرقت الليلة كلها، بينما مثلت صورة "بيكاسو" الأصلع قبل عقد أويزيد من موته نشازا لا أعرف كيف قمت بوضعه بيدي نفسها على الحائط الأوسط للصالة، كانت له هيئة محتال من نواحي "تورنتو"، لاحقا أخبرتني "أماندا" أن ملامحه تكاد تطابق ملامح رئيسها السابق في العمل. كان من المستحيل عليَّ، وأنا أسبح في وجه "أماندا" ذي البراءة، أن أتخيل، ولو للحظة واحدة، أنها كانت تعمل لبعض الوقت كتاجرة مخدرات صغيرة.

    كنت قد قررت بيني وبين نفسي قضاء السهرة مع "جيسكا". لا يعقل أن أستأثر بالفتاة الأجمل: "أماندا". كانت نظرتي إلى جهود عمر في هذا الشأن أقرب إلى نظرة راهب. لقد أنفق جهدا طيبا وهذه ساعة الغنائم. لكني كإنسان أدمن فنون العيش في مكان ومراقبته في آن لمحت "أماندا" وهي توميء لصديقتها "جيسكا" أن تقوم من مكانها حول المائدة وتجلس مجاورة لمقعد عمر الذي فرغ في تلك اللحظة لقيامه بإعداد طبق طعام ل"جيسكا" التي أعلنت منذ الوهلة الأولى عن شراهة بدائية للطعام. "أماندا" عللت ذلك في ما بعد بأنها شعرت دفعة واحدة بوجود شيء يربط بيني وبينها، وأضافت بكثير من الصراحة أنها أحبت دائما رجالا من ذوي قامات طويلة. خفت أن تعلن رأيها هذا لعمر. لشقائه كان لا يعشق على قصر قامته سوى المرأة الطويلة. أنا أعشقها كيفما كانت. ولا أبالي حتى بوجود عاهة واضحة في موقع ما من جسدها الملغز مثل سر مكوَّن من آلاف الطبقات.. كل طبقة لها مفاتيحها الخاصة وأنغامها المختلفة.

    لحداثة عهدي بالمكان، أولجهلي وقتها بأساليب عيش القوم، بدا لي بُعيد حضورهم أن اختياري لصانع الفرح، "موتسارت"، كخلفية موسيقية شديدة العذوبة، كان خطوة غير موفقة تماما، عندما أخرجت "أماندا" من حقيبة يدها أسطوانة غنائية جديدة للأمريكي "فيفتي سنتس". وطلبت بلباقة أن أقوم بتجريبها. خطفتها من يدي "جيسكا" التي شرعت منذ وقت في دفع جرعات متتالية إلى بطنها من "فودكا" محلية بنكهة البرتقال. وهي عائدة متمايلة مع لحن "الراب" الصاخب رفعت رأسها المثقلة، ورأت صورة الأصلع مفكرا، سألتني عما إذا كان "بيكاسو" وكانت تجهله تماما ينتمي لي بصلة قرابة ما، ويبدو أن مثل تلك الملاحظة قد دفعت عمر إلى الضحك بصوت دفع الفتاتين لثوان إلى التطلع إليه بدهشة وحيرة.

    بدا واضحا، مع مرور الوقت، أن "أماندا" أخذت تلعب دور مندوبة مبيعات، وهي تسوِّق نفسها، على نحو بدا لي غامضا وقتها، لا كبضاعة إستهلاكية، ولكن كشيء دائم أبدي. كنت سعيدا في قرارة نفسي برغم شبح المبيت بلا عشاء تلك الليلة. لقد آن الوقت أخيرا ليعثر المنفي الغريب على من ستفتح له باب بيته من الداخل وتسأله في غضب مصطنع حميم: "أين تأخرت كل هذا الوقت"؟.






    يتبع:
                  

11-27-2009, 06:28 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    Hello baby! I was just missing you.... Your at work so I thought I would send you a sweet little e-mail!! Here is a poem I wrote especially for you.....




    يتبع:
                  

11-28-2009, 07:14 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    كنت في الصالة، والوقت ظهرا لا شمس له، حين غابت "أماندا" في غرفة النوم لدقائق، قبل أن تعود، وتجلس ملاصقة لي على تلك الكنبة. كانت ترتدي قميص نوم أحمر قصير أحاطت به حواف مشرشرة من الساتان الأبيض المورَّد. كانت حمالتاه الرقيقتان تبين وتختفي أسفل شعرها المنسدل على كتفيها في تراخ وكسل. وأنا أحس بدفئها يسري هناك، في دواخلي، مبددا بقايا وحشة بدت حتى عهد قريب مثل داء عضال لا فكاك منه، لمحتها من زاوية عيني اليمنى، وهي تفتح ما بدا لي بعدها ألبوم صور قديم، أخيرا تناهى صوتها بطيئا مثقلا بكل ذلك الأسى أوالحنين: "هذه صور العائلة، يا وليم"!.

    كان وراء كل صورة حكاية ونظرة ساهمة إلى قطع الزمن المتجمدة.

    "أماندا" في بص المدرسة الأصفر أيام الحضانة في رحلة ترفيهية إلى نواحي "شيروودبارك". كانت في نحو الخامسة، تعتلي كتف والدها أثناء مهرجان غنائي أقيم وقتها في حدائق "الفوركس"، ملتقى نهري "ريد ريفر" و"واسيني بويني"، تشير بيدها اليسرى إلى نقطة تقع خارج إطار الصورة، لكن وجهها بدا متجها إلى وجه أبيها الذي لم يظهر منه سوى حاجبيه الكثيفين. "أماندا" في نحو التاسعة، صحبة شقيقتيها "مليسا" و"مليشا"، يجلسن متقاربات أسفل شجرة آش عريقة نواحي "أوسبرن فيلدج".

    أكثر ما أثار انتباهي، من كل ذلك، كان تلك الصور التي تجمع بينها وبين "سمانتا".

    "مسكينة "سمانتا"، لم يتبق لها سوى القليل في هذه الحياة".





    يتبع:
                  

11-28-2009, 09:35 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    [redNOTHING UNUSUAL HAPPENED TO REPORT AT THIS TIME]






    يتبع:
                  

11-28-2009, 01:58 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    نتابع الرسم
                  

11-28-2009, 03:13 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    العزيز عثمان:

    إذا نظرت إلى ما حدث حتى الآن، حين يتعلق الأمر بنص (أيام في حياة حارس وحيد)، تجد أني قمت حتى الآن بتحويل ما تم في بوست "كنت في رحلة داخل كندا... (الإرشيف)" من صعيد دردشة أسفيرية إلى قالب سردي، سأمضي في العمل على هذا النص هنا كمرحلة تالية لتلك المرحلة ذات الدردشة، إلى أن أقوم تاليا بنقلة نوعية ثالثة تحتاج إلى الكثير من الوحدة والوقت، لكن قد يكون العمل هنا من الآن فصاعدا متسما ببطء أوآخر، سأصبر هذه المرة على هذا النص، لا أريده أن يكون مثل النص أدناه (تداعيات في بلاد بعيدة)، لقد لامني بعض أصدقائي الكتاب في القاهرة لحظة صدور مجموعتي الأولى أني لم أصبر وقتها على نص (تداعيات في بلاد بعيدة) حتى يصير رواية، على الرغم من أن البعض ذهب مغايرا. لا أدري لماذا لم اصبر وقتها على (تداعيات في بلاد بعيدة)؟. إنني أتحدث هنا عن النص الذي تحمل المجموعة اسمه لا عن المجموعة برمتها. على أية حال كل شيء قيل وتم All said and done بشأن تلك التداعيات. أشكرك على تنشيطي للقيام بالخطوة الثانية في مسار هذا النص. وهما خطوتان تمت كتابتهما على الهواء مباشرة. المرحلة الأولى كانت بواسطة لوحة مفاتيح مالك الموقع المهندس بكري أبوبكر. كنت أنقر على لوحة المفاتيح حرفا حرفا. لا سبيل هناك لحفظ أية مادة لإعادة تنقيحها لاحقا. لم يكن لدي برنامج للكتابة بالعربي حتى وقت قريب. مرة أخرى، أشكر لك عبء متابعة هذا البوست بمحبة. في ميزان حسناتك أبا عفان (وجه ضاحك). كثير تقديري واحترامي.
                  

11-28-2009, 03:14 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    تداعيات في بلاد بعيدة

    ثمة أشياء في الحياة ، قد نقترب منها تزجيه لساعة فراغ ، أو لمجرد قتل الدقائق في مدينة لا يحدث فيها أمر ذو بال ، نفعل ذلك في العادة مبتسمين ضاحكين ، يغرينا بريق مرح زائف، يلتف حولها كهالة من الضوء ، حاجباً ما خلفه من عذاب ، قد ننفق العمر كله محاولين الخروج بلا جدوى من أسر ويلاته الحالكة.

    لو علمن ما يتبع ذلك السؤال ، لاعتصمن بحبل الصمت ، لما ألقت السائلة ما ألقت ، بل لتبدلت مصائر إلى غير ما ذهبت إليه أقدام أصحابها طواعية من شقاء ، ولست أدري حقاً يا أصدقائي إن كان ذلك ما يدعونه " الفخ "، أو سعي الضحية إلى حتفها راضية.

    ما زال أمامنا وقت طويل ، لتجف بحيرة الدمع في أعماقنا، لنرى جوانب الصورة الأخرى ، لنتعلم عبر سعير المحبة متى يكون التجاوز بديلاً لانتحار القيم ، ربما أبصرنا آنئذ الجمال داخل ما يبدو ظاهره من الدمامة بمكان ، ربما أدركنا أن في العمر متسع لغير النزاعات الصغيرة، أو لربما أعرضنا حتى عن العميان الخالدين " الذين ما كان ينبغي أن نضع في أيديهم مشعل النور السماوي".

    تلك إذن حكمة السنوات، عصارة التجارب ، وثمن المعرفة العتيق ، ومع ذلك ، لست على يقين من أن كل شيء كان لابد له أن يتم وفق ذلك النحو، الذي زلزل ثوابت مدينتنا الإقليمية الصغيرة الواقعة عند ضفاف النيل الأبيض مرة واحدة و إلى "الأبد"..... قد لا أخالني قلتها هكذا، دون غصة في الحلق، "الأبد!"، تلك الكلمة، ما إن أذكرها ، حتى يتغلغل في داخلي أكثر فأكثر ، جمرُ الأسى ، أو الشعور بزوال الناس والأشياء..... علىَّ الآن أن أدع أفكار الوحدة السوداء جانباً ، و أن أدلف إلى بيت الذكريات دون تردد ، أفتح نوافذه ، أبدد عتمة النسيان ، أكنس بأصابع الحنين ما تراكم من تراب الزمن ، أعيد للوجوه الغائبة رونقها القديم ما أمكن ، ولا أدري من أين أبدأ تفاصيل تلك الحكاية ؟!.




    " كما يشاع لم يكن للكلب غرة بيضاء على جبينه " ، هكذا أخذت تستعيد ذات نهار قائظ بعيد تفاصيل فضيحة أحمد حسن ، التي حدثت أيام مراهقته ، و لم يتبق منها شيء ، في أذهان معظم الناس ، سوى ذلك " الاسم " ، الذي رافقه بعد مقاومة قصيرة و محدودة من جانبه إلى يومنا هذا : مُسيلمة الكذاب .

    كانت الشمس تشتعل في منتصف سماء جرداء ، شجرتا النيم تقبعان على جانبي مدخل الدار ، تطلان على الشارع المقفر في هدوء ، لكأنهما سقطتا على حين غرة من لوحة رسّام أراد تصوير الحياة كبستان خال من الهواء ، و ثمة ديك حزين يرتفع صوته من مكان ما، أما أرض الفناء الترابية الكابية فكانت تلتمع بعشرات الشظايا الزجاجية الصغيرة المتناثرة هنا وهناك ، " إنه الصيف " ، علا صوت إحداهن لحظة صمت وهي تتأمّل العالم المحترق خلف النافذتين ، وبينما الحوائط تختزن الصَّهد لتنفثه بعد ساعات رئة المساء المعتمة ، ما كان بوسع أكثر الناس مقدرة على التوقع أن يتنبأ بما آل إليه مجلسهن من حوادث تبدو لي الآن مثل نغمة حزينة من أنين القوافل البشرية السائرة عبر القرون بلا توقف أو عزاء .

    آنذاك كن مجتمعات داخل إحدى الغرف، أمي وأختاي الكبريان وجارتنا فاطمة وعانس على مشارف الخمسين تُدعى " وكالة رويتر المحلية " ،كن صامتات أغلب الوقت ،و الحق كانت هي من النوع الذي يشد إليه انتباه مستمعيه بخيوط محكمة من المتعة والسكون وإثارة الأشواق الدفينة، تعرف جيداً متى تصمت ، كيف تستعين بأصابعها النحيلة أو الرقيقة أثناء الكلام ، بل و أين تلقي بالمغزى الكامن داخل الحكاية ... أية حكاية ! .

    لكأني أراها الآن ......

    كسنابل القمح أواخر الشتاء ، ذاك لونها ، ممشوقة القوام ، ذات شعر ناعم ينسدل إلى أعلى ردفيها بقليل ، لها ابتسامة تثير الذعر والمسَّرة في آن ، فمها يتخذ في مناسبات عديدة هيئات الوَدْع تُلقيه على الرمل يد العرَّافة ،لا تكاد عيناها الواسعتان تستقران طويلاً على حال ، ولا أحد يعلم على وجه الدقة متى وأين وكيف محا ذلك الاسم اسمها القديم .

    مازلت أتذكر توهج السعادة على وجهها حين يحدث في المدينة أمر ذو بال ، فذلك معول وحدتها ك " ابنة " وحيدة تعيش فيما يُشبه القصر ، أتذكر ذلك ، أتذكر حتى ما يُحكى عن موت أبويها الثريين في حادث غرق وقع قبل ولادتي بعام ، كل ذلك وغيره، مازلت أذكره بوضوح شديد ، لكنَّ أكثر ما يشيع الأسى في قلبي من هذه الذكريات ولا أدري لماذا هو علمي أن " وكالة رويتر المحلية " قد ماتت في منتصف العقد السادس من عمرها دون أن ينعم بستان جمالها الذابل لحظة بالماء المتدفق عبر قناة أحد أولئك الرجال ؟!.




    على غير العادة ، خرج الحاج محمود مبكرا ً، بعد أن رأى في المنام كلباً أسود يضع في فمه غليوناً يتصاعد منه دخان رمادي ، جلس داخل الفرندة على طرف السرير متصالب الساقين واضعاً رأسه بين كفيه ، يُقلب في ذاكرته ما قاله ابن سيرين عن الأحلام و عيناه ترنوان إلى شيء أبعد من العتمة و الفناء و ذكرى زوجته و بناته اللائى تزوجن تباعا و غادرنه مع أزواجهن إلى مدن بعيدة ، أخيراً طفق يتوضأ وقلبه يحدثه أن كارثة ما في طريقها لتقويض سلام المدينة، "اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه"، هكذا تمتم ملقياً بذلك الأمر كله على كاهل الخالق ونهض.

    لم يدم انتظاره طويلاً ، ما إن فتح باب الفناء الخارجي وسار خطوات في طريقه لرفع آذان الفجر ، حتى تجمد الدم في عروقه و توقفت أنفاسه دفعة واحدة ، إذ انشقت الأرض أمامه عن كلب أسود ، وقف على قائمتيه الخلفيتين لحظات ، ثم تلاعب بعينين متقدتين كعاشق قديم لا ينقصه الحياء ، قبل أن يمرق بذيل معقوف إلى أعلى في الاتجاه المعاكس كبرق ، حين التفت لم يكن ثمة شيء سوى السكون المخيم على امتداد الشارع الطويل المترب ، " اللهم اجعله خيراً " ، هكذا بالكاد خرج صوته ، ومع ذلك ، سرعان ما هدأ من روعه وغذى الخطى مواصلاً السير كمؤمن حقيقي .

    كانت تقترب من الثالثة بعد منتصف الليل، ما زال في الوقت مساحة للتأمّل في مخلوقات الله والسير بتؤدة، المصابيح مطفأة داخل المنازل، أعمدة الكهرباء الأسمنتية المتعاقبة أعماها عبث الصبية النهاري " و لم يكن للمحافظ الطيب يد في كل هذا " ، أما البدر فكان يطل من حين لآخر خلل السحب السوداء السارية ببطء صوب الشمال، يختفي فتعتم الأشياء آخذة من جديد أشكالها المخيفة الغامضة، "الناس غافلون عن غايتهم، الآيات واضحة، لكن الحكمة لا يبصرها المبصرون، وتلك لعمري ساعة يذكر فيها اسم الله كثيراً"، هكذا همس الحاج محمود، مبدداً وحشة الطريق و بقايا الرؤيا المشئومة في خشوع، فاركاً بين يديه مسبحة الصندل الحجازية، ومغالباً تلك الدموع الحارقة التي ظلت تملأ عينيه كلما استشعر في أعماقه عظمة الخالق سبحانه وتعالى .

    فجأة انتبه إلى حركة مريبة كانت تتناهى لاهثة من كومة الأوساخ المتراكمة أسفل سور المدرسة الأميرية الحجري القصير، في البداية، لم يخالجه الشك لحظة أن الشياطين تتناسل داخل تلك الخرابة في غفلة من عين الإنسان "الذي يمتلك مفاتيح السر منذ أن حمل الأمانة"، ثم، وبيقين تام و مثلما حدث مع الكلب الأسود توقف غير بعيد من الخرابة و قال : "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم " ، ولكن "أي شيطان لا يفر إذا ما أطلق عليه اسم الجلالة"، تساءل الحاج محمود وبدا القلق يساوره ، إذ لم يتغير شيء ، وأكثر من ذلك ظل اللهاث يتفاقم شيئاً فشيئاً .

    شبحان غريبان من خيال العتمة، يلتحمان في وضع أكثر غرابة، لكأن القاذورات تحتهما سجادة حريرية يتمرغ فوق نعومتها جسدا عاشقين التقيا بعد طول غياب لم ينقطع خلاله نداء الشوق والوجد وظمأ رغبة لا رواء له، كان البدر محتجباً لحظتئذٍ وراء سحابة سوداء كثيفة، العرق يتصبب من جبينه وصدغيه مبللاً لحيته البيضاء المستديرة وقلبه يرتجف داخل صدره كأنف فأر حاصره قط في ركن ضيق، كان قد استنفد في تلك الدقيقة كل ما في جُعبته من آيات وأدعية مأثورة، وما إن قرر أخيراً مغادرة المكان بأسرع قدم لديه، وقد أدرك برعب مدى ضعف إيمانه الذي لم يصمد كثيراً إزاء "هذا البلاء الرباني اليسير"، حتى جاءه الغيث من السماء، حيث اندلق نور القمر المنير كاشفاً معالم الفصول الدراسية وتضاريس السور الحجري القصير و..... أدق تفاصيل الشبحين اللذين كادا منذ دقيقة واحدة أن يقلبا نظام العالم القائم في ذهنه رأساً على عقب .

    رويداً رويداً ، تنفس الصعداء ، لقد وضح له الأمر جلياً ، لبث ساكناً مسافة يلفه الغضب و الحنق و الذهول و تخاذل إيمانه في اللحظة الأخيرة ، أخيراً عقد عزمه فتقدم وسط الأوساخ شاقاً طريقه كثعلب يقترب من حظيرة الحملان بحذر وخفة، كان بينه وبين الشبحين خطوة واحدة، حين تبين وجه أحمد حسن على نحو شديد الوضوح، "ذلك الفاجر"، قالت "وكالة رويتر المحلية"، ثم رمت نظرة نافذة متناوبة على وجهي أختيَّ جعلت الكبرى تتأمّل أظافرها المطلية حديثاً بينما تغير وجه أمي قليلاً حالما رأت الأصغر تبادل "وكالة رويتر المحلية" نظرة الند للند بل صعدت إلى حصان جرأتها المعهودة حيث مدت عنقها إلى الأمام وقد خيل لي أنها قد تتحول في أية لحظة إلى أذن فيل ضخمة لا محالة ، أما جارتنا فاطمة فقد كانت لا تزال تبتسم بعينيها الجميلتين دون أن تنفك يداها من تهوية وجهها بكتاب : " ألف طريقة لصناعة الحلوى " !.

    كان نصفه الأسفل عارياً إلا من سرواله الساقط عند كاحليه، جلبابه يتكوم ما بين الصدر والعنق، عيناه شاخصتان في البعيد، بينما ينغرس فكه في الظهر المائل لحمارة أمينة الفراشة التي أغمضت عينيها نصف راقدة وأرخت أذنيها الكبيرتين وراحت تلوك شيئاً ما ببطء وتلذذ غريبين أثارا وزادا من غضب الحاج محمود الذي وطأ أثناء سيره الحذر داخل كومة الأوساخ على جثة فأر متفسخة، وبدا وكأن الحمارة قد تعودت على مثل هذه الممارسة الاستثنائية منذ زمان بعيد.

    كانت المنازل الساجية قبالة سور المدرسة شهود عيان، أوصدت الشماتة والخوف والدهشة آذانها، فبدت غير عابئة بضربات المسبحة المتساقطة على رأس أحمد حسن الذي انتزع نفسه وجذب السروال وأسدل الجلباب في ثانية متقهقراً نحو السور بما تبقى له من عقل، لكأن الحمارة التي لا تزال محافظة على هدوئها ، لم تسمع بدورها كل ذلك النداء الخافت المستغيث الحار: "الستر.. الستر الستر.... يا مولانا..... وربَّ الكعبة الشريفة.... لم أفعل هذا المنكر الشنيع بمزاجي....... كنت في عز نومي.... عندما خطفني الشيطان من سريري خطفا.. ثم........ ثم..... ثم أحضرني إلى هنا محمولاً على قرنه السابع" ، حالما أنهى بشق الأنفس مرافعته الدامعة المنكسرة حدَّ الرثاء ، زفرت الحمارة لأمر ما ، وبدا أن الحاج، الذي أنساه هول ما رأى أن يؤذن لصلاة الفجر، قد وجد داخل كومة الأوساخ متسعاً للحوار، فأخذ يتفكر في وجه المراهق الملتصق بالسور بينما صوت ديك ينطلق من مكان قريب قائلاً: "لماذا يا ابن الناظر نفسه!، لم يكن قرنه الرابع؟، أو حتى الخامس؟، لماذا قرنه السابع تحديداً؟!، وإذا كان للشيطان كما نعلم مائة رأس بالتمام والكمال، فإلى أي الرءوس كان ينتمي القرن الذي حملك إلى حمارة أمينة الفراشة؟!، أيها الفاجر، لماذا تصمت هكذا؟، ها أنت إذن تكذب أيضاً، خذ هذه ، و قسما بالله العظيم ثلاثاً، لأنت سيد الفحش، لا لا، أنت الشيطان نفسه في صورة إنسان ، لا بل ..... أنت مُسيلمة الكذاب ".

    كان في إمكان هذا الحوار أن يستمر بين كر و فر إلى ما بعد بزوغ الشمس، لولا أن فطن ابن الناظر الذي دأب على ركل عجيزة الحمارة بقدمه خفية إلى مراجعة موقفه، فأطلق العنان لساقيه الخفيفتين كساقي جواد، تاركاً الحاج محمود وسط نهيق الحمارة الذي علا على حين غرة ، ثم وبعد أن انغمسن في الصمت لدقائق، أضافت "الوكالة" باعثة نسمة أخرى من الضحك في خلايا ذلك النهار الذي بدا لغيظه بلا نهاية: "يا بنات!... سعيدة.... من تتزوج مُسيلمة الكذاب.....سعيدة حقاً ... فلو طلبني أنا شخصيا للزواج لوضعت ثوبي بين أسناني وركضت نحوه بلا تردد ...... لا تتضاحكن هكذا ... لابد أن مَن يفعل ذلك لديه مثل ما لدى الحمار " !.




    كانت ذرات الغبار الدقيقة تمرح سابحة على امتداد شريط الشمس العريض المتساقط عبر إحدى النافذتين، كن يرقبن ذلك دون سابق اتفاق راسمات على وجوههن بدرجات متفاوتة ذلك التعبير الأنثوي الحالم ،الذي ينم عن وجود رغبات دفينة داخل النفس تبحث خفية عن طريق ما للتحقق، وكان ثمة سرب من الذباب يتنقل في كسل بين أكواب الشاي الفارغة أعلى طبلية الخشب و أطرافهن شبه العارية في لهيب ذلك النهار ، وبدا بالفعل أن مثل تلك الحكايات القديمة لم يعد يحمل جديداً، حين بدأن في الاستغفار والتثاؤب تباعاً، عندئذ ، ألقت "وكالة رويتر المحلية" بصوت ناعس لا يثير ريبة ما حرَّك بـِركة الأنس الراكدة منذ فترة قائلة: "يا بنات...بحق الله....مَن هو مطربكن المفضل"؟.



    تحولت الأنظار نحو فاطمة آن استقر شريط الشمس المنسحب عند قاعدة النافذة ، كانت لا تزال تقلب في صفحات ذلك الكتاب الذي ظلت تحمله معها لأمر ما كلما أتت لزيارتنا، كان يرتسم على طرف فمها الأيمن طيف ابتسامة ساخر زاد من ألق عينيها الجميلتين اللتين رفعتهما فجأة نحو السقف قبل أن تمسح وجوههن القلقة بنظرة نصف مروحية بطيئة وامضة وتنكفئ مرة أخرى على كتاب "ألف طريقة لصناعة الحلوى" مؤججة بذلك نار الانتظار بلا طائل،وكن قد فطن إلى صمتها الملغز حين فرغن من إجاباتهن المتدافعة وشرعن في التطلع إليها متوقعات بنفاد صبر أن تُلقي باسم مطرب آخر ، ربما لتكتمل دائرة المقارنة الأنثوية القاتلة ، ربما ليأخذ الحديث مجرى مختلفاً ، وربما ليفتحن باباً يُفضي إلى خارج أتون الحرارة الذي لا يُحتمل .

    كانت أمي تتفرس في جارتها محاولة أن تحذر ما يدور في خلدها وفمها فاغر وعيناها مليئتان بالعجز والخوف والفزع من تحقق هواجس غامضة ، وقد تراقصت في ذاكرتها عفاريت هالة المجد الكاذبة التي أحاطت برفيقة طفولتها في زمان سابق لكم ودت أن يتلاشى من ذاكرتها دون رجعة ، وحين رفعت فاطمة رأسها أخيراً بدا ربما لكثافة صمتها وكأن لا وجود لـ "وكالة رويتر المحلية"..... البتة.

    كانت تلقي خطاب "طلائع المدينة"، وكانت في نحو الثالثة عشرة، حين مال الرئيس السابق برأسه أسفل الخيمة المنصوبة خلال زيارته الأولى و اليتيمة إلى المدينة نحو وزير "الموارد المائية" الجالس آنذاك إلى يمينه كمن يتأهب لدخول الحمّام في أية لحظة،وما إن همس في أذنه حتى رحلت علامات الملل عن وجهه فجأة وشرع ينصت لخطاب الحسناء اليافعة حالماً تارة ومُبدياً إعجابه عبر إيماءات عديدة تارة أخرى وإن بدا في كثير من الأحيان وهو ينظر إلى الصبية وفق ذلك النحو كمزارع يمعن النظر في أرض بكر إذا ما عُهد بها للرعاية ستنبت الكثير من الثمار الطيبة، لتنطلق فور انقضاء مهرجان الخطباء إشاعة قوية في المدينة يقال إن مصدرها المحافظ الأسبق نفسه تفيد أن الرئيس قرر تزويج فاطمة بعد عامين على الأكثر لوزيره "الشاب الأعزب الوسيم"، الجميع يذكرون كيف ازدحم بيت والدها إثر ذلك بأرباب المطالب وأصحاب الالتماسات الخاصة وكيف تقاطرت عليها هدايا ثمينة مجهولة المصدر قال رُسُلها إنها مجرد تعبير بسيط عن حب المدينة وتقديرها الخاص لابنتها "الواعدة "، كان الأمر من الجدية بمكان أن قام المحافظ وقتذاك بتعيين حراسة خاصة ظلت ترافقها أينما حلت ،وكان ذلك يقذف بأترابها من أمثال أمي في هوة سحيقة من ظلام الغيظ أو الغيرة، ذلك ما كان من أمر الأمس ، ولم يدر في ذهن أكثر الناس مقدرة على التخيل بعد ذلك أن ينتهي بها المطاف كزوجة لصلاح" بتاع الدكان "، لقد وُئد حلم فاطمة لحظة الانقلاب العسكري الذي أطاح بعالم الرئيس في ظرف أقل من عام من نهاية ذلك المهرجان ، وإن لم تغادرها حتى الممات نزعة التميز والشعور بالتفوق رغم ضيق ذات اليد والوسائل ، وكانت النتيجة أنها غدت متخمة بتطلعات نساء الطبقة الوسطى خلال الستينيات بدءاً من اقتناء الثلاجة "كولدير" ، مروراً بالنظر إلى عامة الناس من شاهق ، وانتهاء إلى مُناصرة جمعية " رائدات نهضة المرأة الحديثة ".

    هناك ، قبالة أمي و " وكالة رويتر المحلية " ، عند طرف السرير الموازي للحائط الخالي من النوافذ ، وبينما فاطمة التي توسطت مجلسهن توشك أن تتكلم ، كانت أختي الأصغر قد تحولت بالفعل إلى أذن فيل ، وهي تعلن بظهرها المشدود وصدرها اليافع المندفع إلى الأمام عن حرصها الشديد على متابعة أمر لا ترغب في أن يفوتها منه شيء، كانت الكبرى القابعة عند الطرف الآخر تجاهد في تلك اللحظة ما أمكن لطرد ذبابة خضراء لم تنفك طوال تلك الدقائق من الطنين حول رأسها والسير على صفحة وجهها كلما سكنت، "مطربي المفضل هو الموسيقار عثمان حسين"، قالت فاطمة بفخامة، وتهللت لسبب ما أسارير "وكالة رويتر المحلية"، في حين هبط على إناث الأسرة صمت ثقيل أمكن خلاله سماع صوت دبيب أقدام نظرات الحسد الخافتة، وما إن عادت أمي إلى رشدها، وأخذت تفكر في كلمة "موسيقار"، ككلمة عصّية على النطق، حتى هوى صوت الجارة، مزعزعاً بقسوة هذه المرة يقين الإجابات السابقة، كاشفاً في الوقت نفسه عن سعة إطلاعها على ما يستجد من أحداث داخل ما كان يحلو لها أن تدعوه في كثير من الأحيان: "عاصمة جمهورية السودان الديمقراطية"، قائلاً: "أحبه لأنه مطرب طلاب جامعة الخرطوم المفضل".

    كان الناس في تلك المدينة ينظرون إلى هؤلاء بوصفهم "ملائكة علوم الدنيا"، على حد تعبير ناظر المدرسة الأميرية، الذي تغيرت معاملته تجاه أمينة الفراشة بعد أن التحق ابن شقيقتها بكلية التربية، متناسياً بذلك وصمة العار التي أدركت ابنه "بسبب حمارتها"، وإن لم يتزحزح قيد أنملة "نكاية في الحاج محمود" كما يروج البعض عن اعتقاده الجازم في أن ما حدث " كان وراءه قرن الشيطان السابع ولابد ".

    تكهرب الجو داخل الحجرة تماماً، إذ كان من العسير على أمي أن تمضي إلى نهاية الشوط وهي تخفي استياءها من اختيار أختيَّ لمطربين "شعبيين" على الرغم من كونهما في "مقام" ابنة فاطمة الوحيدة "أمل" .

    قبل سنوات قليلة، أوصدتْ خلالها الغربة أبوابها أمامي، كنت أفتح صناديق الذاكرة الموصدة، أقلب بتفكر في تلك الأحداث، وشيئاً فشيئاً رسخ لدي وراء ستارة الدموع الضبابية أن اختيار المرء لمطرب ما تستجيب له أحاسيسه ما كان ينبغي له أن يحدث في نفس أحبائه الذين يتطلعون إلى رفعته كل تلك المعاناة! ، كنت أحكم على ما جرى بمقاييس الآن، لكنني بدأت أدرك حالما رأيت ذات مساء طفلاً في نحو الثامنة من عمره عند زاوية أحد الميادين وهو يرقب أقرانه بصمت وهم يتدافعون خلف الكرة أن الكون كله قد يتكاثف في لحظة بخيره وشره بمحيطاته وبحاره وأنهاره وأرضه وسمائه بأفراحه وأحزانه وصراعاته داخل ما يراه البعض شيئاً صغيراً تافهاً ثانوياً مثل أن يعكف ذاك الصغير في ذهنه كما بدا لي على استعادة الفرحة أو ساقه المفقودة بأسى .

    لكأن ذلك حدث في الأمس القريب...

    تثاءبت " وكالة رويتر المحلية "، وبدأت فاطمة تقرأ شيئاً ما من كتاب " ألف طريقة لصناعة الحلوى " ، وكأنها لم تدرك قوة الزلزال التي أحدثتها كلماتها تلك في نفوس " إناث الأسرة " اللائى أخذن ينظرن في اتجاهات الصمت المختلفة كطائر ذبيح ، ثم ما لبث صوت كليهما أن تناهى في وقت واحد إلى آذان أمي التي وضعت رأسها بين كفيها وراحت تنظر في شرود إلى ما فوق طبلية الخشب القصيرة طالبا الإذن بالانصراف ، هنا رمقت أختيَّ بنظرة معاتبة ، ثم نهضت بتلك الابتسامة الشائخة لامرأة في منتصف الثلاثين ، وشيعتهما إلى باب الحوش ، حيث عادت بخطوات أثقلها الصمت وذهنها منصرف إلى مكان بعيد لا يعلم إلا الله متى تعود منه ، ولم تظفر أختاي بكلمة واحدة منها طوال اليومين اللذين أعقبا ذلك المجلس ، وكان الأمر خارج حدود الاحتمال أو التفسير .

    قبل مغادرتها المجلس بوجه طافح فيما بدا لعيني أمي بـ "الأسرار والأخبار الطازجة المثيرة"، أثنت "وكالة رويتر المحلية" بدهاء على ما أسمته "ذكاء فاطمة الرهيب"، مؤكدة "في الحقيقة" أن "مطربها المفضل قد خطف بالحق قلوب بنات الخرطوم الراقيات "،و الجارة لم تصدق خبراً، وضعت رِجلاً على رِجل، ورويداً رويداً، شرعت في الانتفاخ مثل قاموس خال من كلمة "تواضع"، زارعة بذلك البذور الأولى لما سيقلب هدوء المدينة الصغيرة رأسا على عقب .

    كانت الأسرة قد استقرت في بيت جَديّ لأمي المغلق منذ ثلاث سنوات على وجه التقريب، آنذاك قرر والداي هذه الخطوة، بعد أن تقدمت أختاي في التعليم وصار لزاماً إلحاقهما بالمدارس الثانوية في المدينة، على أن يبتعث أبي كما ظلت أمي تردد في بعض الأمسيات أمام الجارات ضاحكة "حياة عزوبيته" كمفتش زراعي من الدرجة الثالثة "تضحية لمستقبل الأنجال" .

    ما أحزن أمي، ما أقض مضجعها، ما أحال ليلها إلى نهار وجعلها تختض من الغيظ، بل ودفعها إلى التفكير عميقاً طوال الأيام الثلاثة التي أعقبت ذلك المجلس في وسيلة مثلى للانتقام من جارتها "المدعية زوجة صلاح بتاع الدكان صاحب العينين الضيقتين اللتين تشبهان فرج السحلية"، أن ما اعتبرته " فضيحة حضارية " لا تليق أبداً بسمعة "عائلة كريمة" يُعتبر أحد مؤسسيها أول من بنى بيتاً من "الطوب الأحمر" في المدينة قد وقع تحت سمع وبصر "وكالة رويتر المحلية "، وهذا أمر "لا يُبشّر بخير على الإطلاق بالنسبة لمستقبل زواج البنات في مدينة بها عدد من طلاب جامعة الخرطوم الأذكياء"، أملت ذلك في رسالة عاجلة بعثت بها إلى أبي، معربة خلالها عن "عميق أسفي الشديد جداً لهبوط الذوق الحضاري لأفراد أسرتنا نتيجة النزوح معك يا سيادة المفتش الزراعي الثالث بين النجوع والكفور والقرى النائية طبعاً"، كاشفة بعبارات غامضة وكأنها تخشى من وقوع الرسالة في يد غريبة عن "خططي السرية الدائمة لتدارك ما يمكن إدراكه، لابد أن في أعماقها نزعة شكسبيرية ظلت حبيسة لعقود خلت فأفرج عنها مسار "تلك الفضيحة الحضارية الكبرى" حين ختمت رسالتها بكلمات جدُّ حاسمة وقاطعة مازالت أحرفها تتراقص أمام عينيّ: " لقد أصبحت الحكاية الآن مسألة حياة أو موت في هذه المدينة " .

    في سعيها المحموم لتغيير الصورة العائلية مرة واحدة وإلى الأبد ، لم تكتف أمي بتوبيخ أختيَّ على سوء اختيارهن "بفصاحة" لمطربين شعبيين مثل "القادمات من الريف حديثاً"، بل شرعت هي نفسها في إعلان رأيها "الشخصي الخاص جداً جداً جداً"، زاعمة أن مطربها المفضل لم يكن "في يوم من الأيام" سوى مغني البوب الأمريكي الشهير "الفيس بريسلي"، وكان ذلك وحده كافياً لتدمير سمعة فاطمة كمثقفة إقليمية إلى "الأبد" ، على من أنها ظلت تؤكد في دعاية مضادة ، وهي تقلل من شأن المعارف الجديدة لغريمتها ، أن أمي لا تستطيع التحدث بطلاقة إلا في أوساط جمهور "أغلبه.. من الأميات... اللائى.. وا... أسفاه... لا يعرفن حتى ذلك الفرق الواضح... ما بين البوظة التركية والآيس كريم الألماني" .




    بعد طول قطيعة، وصلت خلالها العلاقة بين الجارتين إلى طريق اللاعودة ، قبلت فاطمة ضحى ذلك اليوم دعوة أمي لحضور حفل عيد ميلاد أختي الكبرى التاسع عشر، حيث كانت في انتظارها وهي تفتح باب الحوش الخارجي لبيتها في شرود مفاجأة أن تمحو غريمتها ما جرى هكذا ..... بكل بساطة ! .

    أجلست ْ أمي داخل الفرندة ، إلى يسار الثلاجة " كولدير " ، وعلى ذات المقعد الذي سيشهد المأساة ، ثم وقفت أمامها إلى اليسار قليلاً ، تماماً مثلما ستقف قبالته عند بداية تلك المأساة، قبل أن تحضر مقعداً ، وتجلس غير بعيد متطلعة إليها في برود وترقب ، امتصت أمي كل ذلك ، وهي تستعيد من ذهنها مقاطع من كتاب : " فنون حرب المجتمع " ، وحين لم تحرّك فاطمة ساكناً من آداب الضيافة ، بل ذهبت إلى مدى بعيد في معاودة النظر إليها من أعلى إلى أسفل وبالعكس ، تيقنت لحظتها أن " العدو " ما ينبغي له أن يفرض على المرء مكان و زمان المعركة ونوعية السلاح ، هكذا ابتسمت وهي تكسر حدة الصمت المميت قائلة بلهجة مَن أدركه ولع الخبث على كبر : " و البنت طبعاً قطعت دراستها في الجامعة، جامعة الخرطوم طبعاً، ثم جاءت لتحتفل بيننا، من العيب طبعاً أن ترانا نحن الكبار مرة أخرى هكذا، ويعلم الله وحده كم تدين لك بالمحبة والفضل في قلبها".

    ألان الصوت الذي بدا نابعاً من الأعماق وجه فاطمة الذي أعمى بصيرته وقع الزيارة المباغتة التي حالت دونه وفهم لهجة أمي التي انطوت في ظاهرها المتسامح على ما هو أسوأ والذي ظل محافظاً على قسوته لفترة ، حيث لاح طيف الابتسامة الساخر على طرف فمها الأيمن أولاً، ثم وفي لحظة واحدة نهضتا وتعانقتا وذابتا داخل الفرندة كجارتين جمعت بينهما ذكريات طفولة بعيدة، وقد ألقتا عبء ما حدث على كاهل "الشيطان الذي يفرق حتى بين المرء وزوجه "، عيناي تدمعان الآن ، لقد كان ذلك للأسف العناق الأخير لهما كجارتين قديمتين في هذه الحياة..... "وكالة رويتر المحلية"، أشاعت أن فاطمة أعلنت في نفسها حينذاك عن "قبولي للتحدي" وأنها لا تخشى على الإطلاق من الدخول في ما أسمته "مواجهة فاصلة"، مؤكدة أن جارتها "محدثة النعمة الحضارية" بهذه الدعوة "وا... أسفاه....... تحفر قبرها بيديها" .

    كانت الأقاويل تترى من كل حدب وصوب إلى آذان الحاج محمود، الذي لم يعد يدهشه شيء "في دار الغرور" كما قال "بعد كبيرة مُسيلمة الكذاب" التي اعتبرها بمثابة النذير المبكر لما يحدث في "هذه الأيام"، وعلى الرغم من أن "مصادر خاصة" رفض تسميتها أكدت له أن فاطمة عانقت جارتها فقط من باب "لا ينبح في فراشه إلا كلب"، بل وأضافت ( نفس المصادر) لاحقاً أنها جاءت إلى الحفل مرتدية فستاناً ضيقاً من المخمل وافق اسم الموضة السائدة آنذاك باسم " دموع أم كلثوم "، إلا أن الخبر الذي اتسم ببعض الطرافة كان من نصيب "وكالة رويتر المحلية"، التي أشارت إلى أنها أقبلت خلال ذلك المساء الحار بعينين لم تنفكا قبل بدء فواصل الرقص من القول يمنة ويسرة: "يا أهل المدينة .. انظروا .... ها هي..... فاطمة نفسها .... انظروا إليها.... ما أحلاها.... حضارية جداً.... تخطر في بيت غريمتها هكذا..... هكذا هكذا ".

    "وكالة رويتر المحلية" نفسها أكدت للمحافظ الذي جاء إلى حفل عيد الميلاد متأخرا بعض الشيء و الذي بدا لسبب ما حريصاً على متابعة تطورات العلاقة بين الجارتين منذ أحداث المجلس البعيد الذي شهد وقائع "هزيمة الأسرة الحضارية" أن أمي همست في أذن رئيسة تحرير مجلة " نهضة المرأة " المحلية قائلة بصوت تردد صداه بين جنبات السكون الشامل الذي ران لحظة دخول فاطمة فجأة: "هذا الفستان لا يصلح لرقصة السامبا " !.

    الحق ، "الحق أقول لكم" يا أصدقائي إنها جاءت في ذلك المساء مرتدية "رموش شادية"، لا "دموع أم كلثوم" ، فستان من الساتان الأسود اللامع أبان أدق تفاصيل جسدها اللدن المشدود حتى وهي تعبر عقدها الرابع بنحو العام ، كان بلا أكمام ، تلتف حوله خطوط فضية متباعدة ذات حواف مشرشرة ، وبينما تراءى فوق كتفيها فرو ثعالب أصفر باهت تفوح منه رائحة "النفتالين" ، بدت في ذهن الحاج محمود الغائب كما تخيل عدد من الخبثاء بالنيابة عنه مثل حورية خارجة للتو من كتاب "فضائل الجنة" ، كانت تخطر بخيلاء على أرض الفناء المرصوفة حديثاً بالأسمنت و كسار الآجر فوق حذاء أصفر ذي كعب عال أطلق عليه الحمّالون في الميناء النهري اسم " سفينة الشيطان " ،على الرغم من أنه قد اتخذ لدى الصفوة اسماً أكثر جاذبية : " أتهادى نحو أحلام قلبك الوردية " .

    كانت أضواء قوية تتلألأ على هامة الفناء كتاج أميرة ، نسائم واهنة منعشة لها رائحة التربة تراقص فروع شجرتي النيم بنزق، السماء خالية تماماً وراء الهالة الفضية، لابد أنها أمطرت خلف تخوم النهر حيث الأجمة المتناثرة من أشجار السنط تنحدر من جبال العاديات قبل أن يبدأ عشب السهل الأخضر الكثيف ذو الفجوات الحجرية الواسعة ، كان ثمة موسيقى تخللها آذان العشاء تطغى على لغط المدعوين الملتفين حول الموائد الصغيرة المتقاربة ، التي جُلبت نهارا من محلات " كزام للأفراح " ، و التي تراءت فوق مفارشها الزرقاء زجاجات المياه والكولا وأطباق الحلوى وسلال الفاكهة، كانت تنبعث من مكبرات الصوت على جانبي منصة خشبية قصيرة أخفتها سجادتان من الصوف الفارسي ذي التشكيلات الوردية الملونة منصوبة غير بعيد من منضدة طولية لاحت أعلى مفرشها الأبيض النظيف تلال من الأواني الصينية اللامعة، فضلاً عن تورتة المحتفى بها بطوابقها الخمسة الصاعدة في شكل هرمي علت قمته المزدانة بكريمة الشوكولاته السمراء شمعة منتصبة وحيدة، حالما أُشعلت توقفت الموسيقى وعم الظلام و راحت تتشكل على مرأى من عيون السماء النجمية الحلقة باعثة الأمنيات القلبية والهدايا ، قبل أن تُنهي الحناجر أغنية عيد الميلاد في تزامن عكس مدى الإلفة الذي عمّ المكان حينذاك ، "لماذا شمعة واحدة"، هكذا تساءل المحافظ بقامته البارزة وسط الحلقة لحظة أن عاد النور، وبينما تغضن وجه رئيسة التحرير الجاد في نشاز كاد أن يفسد الطابع المرح لسؤال المحافظ ويحول الحفل إلى حلقة نقاش ساخنة حول " الطابع الذكوري للسلطة " حسبما ظل يتردد في سياق الندوات الأسبوعية التي تقيمها في دارها مجلة " نهضة المرأة " ، اندفع في خضم الهمهمة المتصاعدة التي أثارها سؤال المحافظ والوجه الصارم الجاد لريئسة التحرير صوتُ أمين حزب التقدم معيداً الأمور إلى مجراها القديم : " تقول لماذا!... ها ها ها... تكتيكات السيدة السرية..... يا رفيق " .

    هكذا عاد المحتفلون إلى موائدهم، وبدا في ذلك المساء وكأن الكون برمته ضحكة مغناة يعزف لحنها رنين التعليقات المرح السعيد، إلا أن نمل الغيرة أخذ يأكل في قلب فاطمة ببطء وتلذذ متزايد سعيداً بالخفاء الذي ضربه الضجيج من حولها ، كانت ترقب الأنظار تنصرف عنها تباعاً غير عابئة بالمرة بزينتها الفريدة والمكتملة أمام بهجة حفل لم تشهد المدينة مثله قطُّ، ناظرة من مقعدها بين الحين والحين إلى "وكالة رويتر المحلية" التي كانت تتنقل بين الموائد تحت أنظار عيني أمي الفخورتين مثل فراشة قمحية في الربيع، إلى تناهى إلى مسامعها مثل طلقة الرحمة، صوت أختي ذات السبعة عشر عاماً، وهو يعلن من فوق المنصة عن بدء الحفل الراقص، وقد نشبت في أعقابه موجة من الصفير والتصفيق الحاد المتصل فيما بدا بلا حدود لانتهائه .

    مدت ذراعاً من داخل بلوزة بيضاء ذات أكمام قصيرة واسعة، كانت محشورة داخل بنطال من الجينز أزرق اللون ذي مقدمة مثلثة منتفخة قليلاً ومسحوبة إلى أسفل بشدة ، أزاحت الهواء الذي حبس أنفاسه فجأة بحركة نصف دائرية بطيئة متكسرة لامست الحلمة اليسرى النافرة خطفاً، قبل أن تأخذ رأس البنصر وضعاً مستقيماً شق طريقه بين الموائد متخطياً بلا هوادة المحافظ ومدير بنك الوحدة ورئيسة التحرير مشيراً بلطف ومحبة يعلم الجميع مقدار ما فيهما من زيف إلى عيني فاطمة الشاخصتين كعيني غريق بلا أمل في النجاة .

    في هذه اللحظة ، في هذه اللحظة تحديداً، يمكن للمرء وفق رواية "وكالة رويتر المحلية" لاحقاً أن يسمع "رنين إبرة الخياطة" إذا ما أُلقيت في "مكان ما داخل الحفلة"، حتى أن المحافظ نظر إلى عطسة مدير البنك المباغتة نظرته إلى رجل طرق باب بيته "أثناء الجماع"، ثم سرى صوتها الحاد الرفيع ذو المنحنيات المبحوحة عبر مكبرات الصوت أخيراً: "سيداتي آنساتي سادتي.. مشاعل حضارة هذه المدينة الواعدة... مساء الخير وبعد.... وإنه ليسُر الأسرة الكريمة تشريفكم لها بالحضور... بمناسبة حفل عيد ميلاد أختي الكبرى... وبسبب صداقة الأسرة لطيار ماهر يعمل في خطوطنا الجوية الحبيبة... أزفُّ لكم ذلك الخبر الجميل... خبر وصول أخر أغنيات فتى أسبانيا الذهبي "خوليو" وأنشودة الحبّ الفرنسي الساخن "جيلبير"... وأعتقد أمام هذين الرائعين لا مجال لمطرب متواضع آخر مثل عثمان حسين ...

    - "برافو... برافو برافو" .

    هكذا في الوقت الذي اتجهت فيه أنظار الجميع إلى فاطمة التي لم تحتمل أكثر وحمل وجهها من علامات الغيرة ما يكفي لإشعال غابة من أشجار السنط الغضة اقتحمت المشهد صيحة مدير البنك الذي نال درجة الماجستير في " اقتصاد الدجاج " من جامعة "السوربون "، والذي لم يستطع أن يتمالك نفسه فيما بدا أكثر من ذلك فأجهش في البكاء بغتة ، آنئذ ربت المحافظ الجالس إلى جواره على كتفه كمن أراد أن يعتذر بعد أن تسبب في أذى روح طيبة كان ذنبها الوحيد أنها عطست في موقف لا يحتمل سوى الصمت التام ، بينما أمكن للمقربين سماع صوت رئيسة التحرير وهي تهز رأسها كمن يتفهم عذابات الروح الخفية للإنسان .. أي إنسان وهو يقول : " البكاء ليس عاطفة نسائية فحسب "!، مثل تحية صادرة عن قلب ملء نبضه الحبّ والأسى والحنين، مثل نسمة أوروبية تلثم مدارات خطّ الاستواء القائظة، انساب حالماً مترعاً شفيفاً مطعماً بالأمل كيد المطر الخفيف الحانية ، لحنُ رائعة جيلبير: "إيه مينتونان"؟!.

    "وكالة رويتر المحلية " ، التي سبق لها وأن ذهبت إلى البنك ذات نهار قائظ بعد أن تزايد الجدل في المدينة حاملة في يدها مجموعة من " الطيور المريضة " قبل أن تدرك " الفرق " أو " الاختلاف القاطع " ما بين " اقتصاد الدجاج " وذلك المدعو " طبّ الدجاج "، سألته باسمة عن سر "تلك الدموع الغزيرة تفيض من عينيك أثناء الحفلة "، قال إنه تذكر وقتها " ليلة باريسية بعيدة "، و لم يُزد.




    هذا التحول في "ثقافة إناث الأسرة"، الذي أزعج عند بدايته "وكالة رويتر المحلية"، بل وجعلها بكلماته "العصّية" تنظر إلى نفسها في كثير من الأحيان كـ "هاتف بلا حرارة"، لم يكن وليد يوم وليلة، فما إن حلت إجازة ذلك العام الدراسي، حتى أرسلت أمي أختيَّ إلى الخرطوم، حيث يعيش خالي الفنان التشكيلي وبناته الثلاث المنحدرات من أم إنجليزية، وحيث كانت عمليات غسيل المخ تجري تحت شعار ورد أيضاً في رسالة أخرى رافقتهما إلى شقيقها الوحيد: "إنقاذ ما تبقى من شرف العائلة الكريمة"، بينما كاد مؤشر الراديو في غيابهما أن ينسى داخل البيت ملامح "هنا.. أم درمان"، وقد أدمن التجوال حتى خلال الإجازات الدراسية اللاحقة بين الأقسام العربية لإذاعات "موسكو" و "مونتي كارلو" و "صوت أميركا"، ولم يكن ميالاً للوقوف طويلا ًعند الطابع الإخباري المتكرر لهيئة الإذاعة البريطانية.

    والحق كانت أختاي من الذكاء بمكان أن أجادتا الأكل بالشوكة والسكين في وقت وجيز، فضلاً عن ارتداء البناطيل الضيقة، التي أدخلت أمي لفترة من الوقت في دوامة من المتناقضات الداخلية العميقة، "يا الله ... ما الفرق إذن ما بين العهر والحضارة"، هكذا تساءلت ذات أصيل أعقب عودتهما الأولى من الخرطوم بأيام ، وهي تراقب ظهريهما في حيرة وهما تسيران عبر الفناء إلى زيارة ما كعارضتي أزياء هبطتا للتو من سياق أحد أخبار الموضة الأوروبية المتلفزة، لكن الرغبة في الانتقام من غريمتها فاطمة كانت تطغى آنذاك على كل احتمال ينشأ داخل مركز تفكيرها المستثار منذ أن نطقتا باسم ذينيك المطربين الشعبيين تحت سمع وبصر "وكالة رويتر المحلية"، لكن ما بدا في أول الأمر شاذاً وغريباً، بل ومستهجناً من قبل ما أطلق عليهم المحافظ في إحدى خطب عيد الاستقلال اسم " ( بُقع ) الرجعية في ثوب المدينة الحضاري الأبيض الناصع"، سرعان ما تحول إلى حمَّى اجتاحت على فترات متقاربة "شبيبة المستقبل المشرق"، وهي عبارة ذكرت "الوكالة" أن أمي تقالتها أول مرة عند بدء سلسلة حفلات "الديسكو"، التي ظلت تقيمها في نهايات الأسبوع عادة ، غير عابئة بتحذيرات "البُقع" المتكررة من عواقب الاستمرار في: "أعمال الفجور جالبة البلايا والأهوال"، إذ كانت مشغولة وقتها بجهود "الصفوة" الحثيثة لإشاعة لُعبة " الكريكت " في مدينة لا تعرف "للأسف الشديد" على حد قولها سوى " كرة القدم وسباق الحمير " !.

    حين بدأ جمع التبرعات لبناء " مسرح يليق بسمعة المدينة الحضارية "، على حد تعبير أمين حزب التقدم النشط ، قالت أمي و هي ترجع بظهرها إلى مسند الكرسي وقد ظهرت عليها إمارات التعب جلياً إنها بدأت تشعر كمن يحلق في الفضاء بجناح قوي وحيد .

    أدرك أبي مغزى الرسالة فتقمصت روحه الرغبة الصادقة لتقوية الجناح الآخر طواعية، قائلا كمن يهب للقيام بإحدى المهام التي تتطلب استعدادا خاصّا : " لابد أن تحتفظ الأسرة بموقع الصدارة الحضاري "، هكذا اندفع بحماس "منقطع النظير" إلى المشاركة في "الأعمال المنزلية"، كأن يقوم بتنظيف الحمامات والمراحيض ليلاً، كان يفعل ذلك "إسهاماً شخصياً من جانبي" كما كان يحلو له أن يقول لحظة الانتهاء من تقطيع حزمة البصل إلى حلقات صغيرة في " دعم مجهود والدتكم الحضاري ".

    "وكالة رويتر المحلية" التي تكاد تشرف حتى على "تلاقح الضفادع في الخريف" وفق ما جاء على لسان ناظر المدرسة الأميرية "الذي غدا عصبياً على نحو واضح بعد كبيرة مُسيلمة الكذاب" أشاعت أن أبي كان يفعل ذلك "في واقع الأمر" مخافة أن يُدرج اسمه ذات يوم في "القائمة السوداء"، التي تنشرها من وقت لآخر مجلة "نهضة المرأة " بدعم شخصي من المحافظ كما يُردد في الخفاء عادة ، وهي قائمة تضم " أسماء الأزواج الذين يمارسون التمييز ضد المرأة داخل المنازل سراً " ، على الرغم من مظهرهم "الحضاري المُخادع"، حسبما ورد في إحدى افتتاحيات رئيسة التحرير، فيما هي تقدم لـ "السيدات القارئات/السادة القراء" باباً جديداً حمل عنوان: "نحو تعليم الرجال فنون المطبخ العصري"، وترد في الوقت نفسه على رسالة مطولة " موقعة بالأحرف الأولى فقط "، كانت قد بعثت بها "إحدى السيدات الثائرات "، تمنّت خلالها أن تتحرر المرأة في "القريب العاجل" وأن تشهد بنفسها "ذلك اليوم الذي تُفرغ فيه المرأة مثانتها على قارعة الطريق مثل رجل عادي "!!!.

    هكذا على خلاف صلاح "زوج فاطمة" الذي ظل لوقت طويل كمن يتأرجح على الهاوية، أدرك أبي من خبرة أسلافه التجار أن المسئولين أصحاب الحل والعقد في المدينة كانوا "وراء نماء شجرة المحصول الحضاري"، فبدأ مبكراً في إخماد نار التقاليد التي بدأت تشتعل خلف مظهره كمفتش زراعي من الدرجة الثالثة، متغاضياً عن انتهاك أشياء كان يراها من "الثوابت"، كأن يبارك رغبة أختي الكبرى في أن تعمل كـ "موديل" لطالب "موهوب" كان يدرس في "كلية الفنون الجميلة" أثناء دراستها في الجامعة ، "إسهاماً مني" كما كانت تقول متأثرة بآراء خالي التشكيلي في " استكشاف جوهر جماليات الجسد الأنثوي الذي أخفاه الثوب التقليدي لقرون خلت " .

    لربما... أو لهذا "الوفاء الحضاري"، حسبما أوضحت "وكالة رويتر المحلية" مخففة من شواظ ظهيرة ألمت بمدير البنك في إحدى لحظات انقطاع التيار الكهربائي المتكرر، مُنح أبي ترقية استثنائية داخل "الهرم الوظيفي" مهدت له الطريق إلى العمل في المقر الإداري للمؤسسة الزراعية بعيداً عن الريف بمياه شربه "الراكدة" وهيئة سكانه التي كانت تذكره دائماً بحظه "العاثر" في الحياة، "أيها السادة زارعو الحضارة من قال قبلي أنا إن حقول السعادة بلا أعشاب ضارة "، هكذا شرع أبي يتفلسف في عمله الجديد، مستشعراً وطأة الفراغ بين جدران مكتب فخم به ثلاجة صغيرة "فاضت قنواتها بُعلب المياه الغازية" تدخله فقط وعلى فترات متباعدة وجوه حليقة "معنوياتها لا تشبه نضرة الأزهار"، حتى أن أفكاراً غامضة حول الحياة والموت بدأت مثل الجراد " تُـداهـم تلك الحديقة المُبهجة في الربيع "، الأمر الذي لم ينقذه منه شيء سوى زيارة الأسرة إلى بيت مدير عام المؤسسة الزراعية في "عيد الحبّ" .

    كانت سانحة طيبة أهداه خلالها المدير مجموعة أعداد "نادرة" من مجلة " مودة " اللبنانية، حيث بدأت تتكشف لديه شيئاً بعد شيء تلك "الموهبة"، التي ظلت مطمورة مثل كنز "تحت تربة بستاني" لسنوات قضاها "يا لضياع حصاد شبابي..... بين ضراط بهائم الفلاحين"، لقد بدأت تتكون لديه كما قالت أختي الأصغر التي كانت بدورها تستعد لدخول الجامعة "ثقافة حضارية رهيبة"، انصبت بدرجة أساسية على معرفة مختلف "أنواع وخصائص وأسماء العطور العالمية"، كان ينتهز في مجالسه أدنى بادرة، كأن تقول أنت لا قدر الله "إن الهواء منعش ولطيف هذا المساء"، حتى يمطر آذانك بأسماء عطور لا يعلم إلاّ الله ما هي، ثم لا يهم وهو يشرع في بيان مميزات عطره المفضل نظريا إن كانت لديك وقتها الرغبة الأكيدة و الملحة في الدخول إلى المرحاض بأسرع قدم لديك!.




    بالمقابل ، كان لهذه"الحضارة" دموع قلّما رآها عالم المدينة الضيق ، وإن سمع عنها حدَّ الرثاء والشماتةً أحيانا، تلك كانت دموع الجارة ... أو أحزان فاطمة ، التي كاد أن يفضي بها "نجاح ماما المذهل" إلى "جنون لا عودة منه"، على حد تعبير أختي الكبرى التي عادت ذات إجازة بوجه مستثار حاملة لأمي أنباء عن أهمية قيام مظاهرات طلابية في " العام التالي " تطالب الحكومة بإصدار قوانين صارمة تتيح للزوجة أن ترفع ضد الزوج قضية طلاق وتعويض مالي ضخم في حالة ما إذا " ركب رأسه وصمم على ختان البنات " ، لكنها أبداً لم تحدثها عن الخطط السرية لتلك المظاهرات بشأن " المثليين " ! .

    زاد الأمر تعقيداً أن زوجها صلاح عاد في ذلك الصباح إلى البيت يشمله حزن ثقيل، دلف صافقاً باب الحوش وراءه، و "سيبقى صدى هذه الصفقة المدوي يتردد طويلاً " في أنحاء المدينة! ، حدث ذلك بعد ذهابه إلى الدكان بنحو الساعة أو أكثر قليل اً، كانت وقتها داخل المطبخ، تعد " طعام الغداء "، ظنت في البداية أن ابنتها الوحيدة "أمل"، التي غادرت منذ دقائق إلى مدرستها، قد نسيت شيئاً ما، ثم عادت لتسترده على عجل، لكنَّ هاجساً غامضاً دفعها إلى الخروج ...... "المسكينة... لم يرد إلى ذهنها... حتى تلك اللحظة.... أن المرحوم والد صلاح... الذي كان يمتلك نسخة أخرى من مفتاح باب الحوش... قد يعود غاضباً ذات يوم... وقد أضجرته رقدة المقابر الطويلة"، هكذا خرج الكلام من فم "وكالة رويتر المحلية"، وهي تحاول جاهدة أن تضع بعض التوابل على حكايتها في محاولة لتبديد ما تبقى من كرب ارتسم على وجه المحافظ عقب "زيارة ذلك الوزير المتعجرف التفقدية... المفاجئة"، و لاحظ لأول مرة الشُعيرات البيضاء التي غزت رأسها في وقت وجيز عندما قالت : "وذلك المسكين أيضاً... يا سيادة المحافظ... بعد أن قفل باب الحوش... مشي ببطء ... وقد أحنى رأسه... حتى أنه تجاوزها... دون أن يُلقي عليها نظرة واحدة... و "قسماً بالله ثلاثاً"... كما يقول الحاج محمود... لو بُعث والده من القبر حياً ... لما تعرّف عليه داخل تلك الملابس... التي فرضتها عليه فاطمة... كما تعلم... بعد عودة بنتي جارتها من إجازتها الأولى في الخرطوم".

    كان يرتدي بنطال "كوردرايت" أزرق ذا نهايات واسعة يعلوه قميص أحمر ذو أكمام جدُّ قصيرة أُطلقت عليه عبارة دراجة طويلة مفادها: "ذراعاه المشعرتان تحتضنان صيف حبيبة حضارية ماطر"، منتعلاً حذاء من "الكموش" الأخضر الباهت ذا قاعدتين مرتفعتين تحدثان لدى ملامسة الأرض "صوتاً مكتوماً"، ولربما... أو لهذا الصوت تحديداً، كان الرجال يقبلون على شرائه ، "صوت" أطلق عليه سادة الموضة في الخرطوم عبارة لا تقل اشتعالاً في جيشانها العاطفي عن سابقتها : "مشية الحضاري الرصينة المُتقنة"، لقد تبدلت أسماء أشياء عديدة في تلك الأيام ، حتى أن الحاج محمود تساءل ذات يوم بغرابة شديدة : "يا وكالتنا... من أين يأتون بأسماء الشيطان هذه " .

    سارت وراءه ، وقد وافقت خطاها إيقاع خطواته البطيئة المثقلة ، "لابد أن كارثة أخرى في طريقها إلى تدمير ما تبقى من سلام المنزل"،هكذا حدست فاطمة، وهي تتابع تطاير ورقة صفراء نُزعت على نحو من الأنحاء من كتاب "ألف طريقة لصناعة الحلوى"، حقا ما عادت الأشياء هي الأشياء ، كانت "الهزائم الحضارية المتتالية"، على حد تعبير ناظر المدرسة الأميرية المعني بتدريس "تاريخ حروبات المهدي"، قد حفرت في نفسها عميقاً، لقد أصابتها بنوع من "اللامبالاة"، كان ثمة ريح شمالية جافة واهنة شيئاً ما، تزيل ما تبقى من نداوة ذلك الصباح، وهي تتخلل أغصان شجرة الليمون في أقصى الحوش، ثم تدفع بأوراقها المتساقطة الجافة نحو "مشية الحضاري المتقنة" البطيئة الحزينة هذه المرة، أخيراً تهالك على مقعد داخل صالة المعيشة، غائم النظرات، مشبكاً يديه فوق رأسه، ماداً ساقيه الملتفين نحو طرف سجادة فارسية شديدة الحمرة، بينما علا أزيز الثلاجة "كولدير" الجاثمة على يمينه في تزامن مع صوت الريح التي أخذت تولول في الخارج على حين غرة، كانت لا تزال واقفة إلى يساره داخل "قميص النوم الوردي الشفّاف"، تنظر إليه بعينين واجمتين، ولا تدري أية مصيبة ستقع على رأسها الآن ، "يا ترى.. بعد مرور كل هذه السنوات... ألا تزال ذكرى والده تؤلمه إلى هذه الدرجة ! ... أخبرني بالأمس فقط أنه ظل يزوره في المنام كثيراً... قال إنه يسأله بنصف لسان دائماً... يقول له... يا صلاح... يا ولدي العاق... لماذا تفعل هذا من بعدي.... ثم يؤنبه بوجه يسيل منه الدود... يا صلاح... يا ولدي... أمركم الآن لا يعجبني"، عندما أتت "وكالة رويتر المحلية" للمرة الثالثة على ذكر الموت " على هذا النحو المقزز " ، تلاشت ابتسامة المحافظ، وتقبض وجهه، فطفق ينظر مشمئزاً عبر نافذة مكتبه الزجاجية المطلة على ميدان الحرية الواسع، قبل أن يعود كما كان متابعاً مجرى الحكاية " الشهيرة " كبوصلة .

    في تلك اللحظة ، حين تراءى أمام عينيها مثل طيف حبيب آخذ في الذوبان والتلاشي شيئاً بعد شيء ، اقتربت منه خطوة ، ثم بصوت مرتعش خفيض ، خرج من بين شفتيها المرتجفتين ، السؤال الذي ظل يغلي في داخلها طويلاً كمرجل :

    - " ما بك ... يا (أبو أمل)" ؟!.

    وقد تدحرجت دمعته الخرساء أمام عينيها لأول مرة:

    - " لاشيء " .

    ما إن اقتربت منه أكثر ماسحة على رأسه براحتها التي كانت تعبق برائحة خليط الثوم واللحمة وشرائح البطاطس الطازجة، حتى حدث ما لم يخطر من قبل على ذهن امرأة ظنت نفسها إلى ذلك الحين أنها "قطعت في سباق الحضارة خطوات".

    هب واقفاً دافعاً إياها نحو السجادة بقوة أسقطتها أرضاً، ثم استدار بجزعه كله وأخذ يدق حائط الصالة بقبضتيه ناشجاً منتحبا، قبل أن يمزق على التوالي القميص الأحمر وبنطال "الكوردرايت"، قاذفاً بحذاء "الكموش" كيفما اتفق لتستقر إحدى فردتيه فوق رأس الثلاجة كولدير كما بدا لعينيها المذعورتين في " كآبة " ، كانت تحاول جاهدة أن تلملم ما تبقى لها من أعصاب، وهي تزحف نحو ركن بعيد وتراقب بعيني فأر بركان الغضب الذي تفجر داخل زوجها ..... بغتة ، كانت قسوة الحائط تضغط على ظهرها، المسافة القصيرة تضيق ، وكثيرة هي الدموع التي سالت على وجنتيها قبل أن يتوقف أخيراً و يُحكم قبضته على ذقنها المرتعش ، هكذا ، عوضاً عن تحقق كل تلك المخاوف، وجدت نفسها منطرحة فوق السجادة، عارية تماماً، ساقاها معلقتان على كتفيها، مسامها تتشرب ذلك الخدر اللذيذ الحارق، يداها تنقبضان وتنبسطان ثم تمسدان ظهر الثقل الجاثم فوقها بذهول ، بينما كان يعلو ويهبط بين أحضانها مثل ثور .

    هنا، هنا فقط، خطر على ذهن الحاج محمود ذلك السؤال: "كيف يتسنى الكلام لعانس.. لم تذق طعم الرجال قطّ... وتصف مثل هذه المسائل.... بمثل هذه الفصاحة والدقة التي يسيل لها لُعاب المراهقين"، عبر تلميحات غامضة وطرق ملتوية عديدة، طرقت النميمة في الأخير أذن "وكالة رويتر المحلية"،لم تغضب، أو تحاول نفي التهمة المبطنة عنها، بل ردت على السؤال بسؤال مضاد بعد أن وضح لها مصدر الهجوم الحقيقي عليها، قائلة بذات التهكم : " وكيف يتأتى لمُسيلمة الكذاب أن يعرف ما دار في ( ذهن) الحاج وقتها"؟!.

    في أماكن أخرى أشاعت "وكالة رويتر المحلية" أن "مصادر لا تكذب أبداً"، أخبرتها أن أبي "الذاهب إلى عمله في مكتبه المزدحم بنباتات الظل والمزدانة شرفاته بزهور الياسمين البيضاء" قد قضى في ذلك الصباح على صلاح "زوج فاطمة" بلكمة "حضارية معتبرة"، موضحة أنه كان يبيع شيئاً "لم تذكر المصادر اسمه" لمجموعة من "الشابات الحضاريات الذاهبات إلى عملهن في مجلة نهضة المرأة"، عندما توقف أبي "الذي بدا وكأن الأرض انشقت عنه فجأة" أمام الدكان، مخاطباً جاره من وسط الشارع بصورة "أثارت ضحك الحضاريات الساخر"، قائلاً: "أيها الجار الطيب.... ثم لندخل في موضوع الساعة الحضاري مباشرة... لقد شكا لي شباب المستقبل النابغة... مرير الشكوى طبعاً... أن البضاعة خاصتكم خالية من العطور الحديثة... وطبعاً أنا أعتقد جازماً منطلقاً من موقعي كحضاري نافع... أن لإصراركم على بيع عطور "بنت السودان"... ثم "خيول جيش المهدية"... وحتى طبعاً "كولونيا خمس خمسات المصرية"... لهو طبعاً أمر معيق لعمل المسئولين الكبار من أجل التقدم"، وأضافت "الوكالة" نقلاً عن "المصادر" أن صلاح لم يفعل شيئاً وقتها "سوى أنه فتح وقفل.. ثم فتح وقفل... ثم فتح وقفل فمه في بلاهة تسببت في بعث موجة أخرى من ضحك الحضاريات"، لكنَّ تلك بأية حال لم تكن مأساة فاطمة الأخيرة، على الرغم من أنها بحسب ما جاء في أحد المجالس قد "عادت عليها بفائدة ما"، وهو ذات المجلس المنعقد وقت الظهيرة داخل الميناء أثناء راحة الحمّالين أسفل إحدى أشجار الكافور الضخمة العائدة إلى أيام الإنجليز، حيث أشاد أحدهم آنذاك بما أسماه "شياطين وكالة رويتر المحلية" الذين "يخبرونها في الليل والناس في سابع نومة بأدق أسرار المدينة حتى لقد جاء أحدهم إلى الحاج محمود في هيئة كلب أسود ليُشهده على مُسيلمة الكذاب ويخبره بذلك عما يخجل هو نفسه من فعله حتى لا يصب بعد ذلك اللعنة عليه وحده".




    شيئاً فشيئاً أحياناً، وعبر قفزات نوعية أحياناً أخرى، بدأ "البون الحضاري" في الاتساع بين الجارتين، سوى حروب النميمة والشائعات، سوى تبادل الهجاء صراحة وضمناً عبر الجدار الفاصل من حين لآخر، لم يعد ثمة ما يصل بينهما خلال الآونة الأخيرة، عدا شخص واحد، لعلكم قد عرفتموه الآن يا أصدقائي ، أجل..... "وكالة رويتر المحلية"، التي ظلت تحتفظ على نحو ما وفي أحلك الظروف بعلاقات طيبة مع جميع الأطراف، وهو أمر توضح لاحقاً، حين ماتت أثناء النوم ورأى الناس: كيف سار أبي وصلاح وأمين الحزب والمحافظ وأعداء كـُثر خلف نعش واحد، حتى أن الحاج محمود توكأ على كتف مسيلمة الكذاب ومضيا هكذا متقاربين متأثرين، لكأنهما في طريقهما لدفن عداوات قديمة، أو لكأن قانوناً آخر كان يحكم تلك اللحظة العصيبة من حياة المدينة.

    فبينما موسيقى "البيتلز" و "جون ترافولتا" الصاعد بقوة آنذاك أو لربما كان ذلك "جيمس كليف" فضلاً عن أسطورة الغناء الفرنسي "أديث بياف" تصدح خلال حفلات "الديسكو" من جهاز أهدته المحافظة إلى أمي في أحد مهرجانات "عيد الربيع" - "تقديراً لجهودها الحضارية الرائدة"، كانت فاطمة تسعى في نفس التوقيت إلى إقامة "طقوس السحر وشعائر الزار البائدة" حسبما أشارت إليه مجلة "نهضة المرأة" أثناء حملة صحفية استهدفت "جيوب التخلف" ، إلى أن جاءت "قشة الغريق" في ذلك اليوم وتراقصت أمام عينيها كتراقص البرق أمام مزارع حرث الأرض وبذر ثم تسمّرت عيناه قبالة الأفق الشرقي في انتظار المطر بعد طول غياب أو محل طال الأخضر واليابس ولم يذر .

    "وكالة رويتر المحلية" أشارت إليها آنذاك بشيء قال عنه الحاج محمود: "هذه فكرة خارجة من رأس شيطان ما ولا ريب "، وفي مثل تلك الظروف، ما كان لقوى أن تمنعها من "تذوق طعم الانتصار الحضاري" مرة أخرى، حتى لو تعلق الأمر هنا بتنفيذ "فكرة خارجة من رأس شيطان أحمر"، وبدا أن مجتمع "الصفوة" وهو يتقبلها في صفوفه مرة أخرى كأب يفتح ذراعيه أمام "عودة الابن الضال"، إذ بلغها أن "رئيسة التحرير" الولود أخذت تديُر القلم من طرفيه، وهي تتلقى "نبأ انبعاثها" من جديد، وما إن تيقنت من "عناصر النبأ"، وكانت تضع هذه المرة رأس القلم بين شفتيها، حتى ابتسمت داخل مكتبها لأول مرة، وتساءلت : "وهل يمنع عُسر الولادة من تكرار المحاولة مرة ومرة "؟!.

    راقت صلاح فكرة " الانتقام التاريخي "، والحياة عادت تدب شيئاً بعد شيء في عروق شجرة الليمون، التي لم يذق حوضها المُزدان حديثاً بالطلاء الجيري وعلى مدى عام كامل شحَّ خلاله المطر سوى دم القرابين المقدمة أسبوعياً أثناء شعائر الزار وتلك الطقوس، وصورة والده المعاتبة، لم تعد تقلق منامه، حين عاد إلى ارتداء "الملابس الأفرنجية" طواعية، لكأني أراه الآن، يقتني موضة ذلك العام، مفاخراً على أبواب الستين بقميصه الوردي الذي أطلق عليه سادة الموضة في الخرطوم عبارة ساحرة مفادها "هاهنا.. حبيبتي..... مستقر حلمتيك"، مجادلاً الحاج محمود بين الحين والحين في "حرمة الذهاب به إلى صلاة الجماعة"، مؤكداً على الدوام أن: "النجاسة يا حاج.. ليست في التسمية.... بل في الملابس"، فانياً في عشق بنطال التيل البني ذي الجيوب الجانبية المنتفخة "مرحباً تكساس"، وأي صوت كانت تصدره قدماه عندما ينتعل في المناسبات الخاصة "حذاء خروتشوف الأممي الرهيب" ! .



    آنذاك، وقد لاحظتْ أن "السباق الحضاري" لم يعد "مثيراً" كما كان من قبل، أشارت "وكالة رويتر المحلية" قبل رحيلها بشهور معدودة إلى ضرورة أن تسافر ابنتهما الوحيدة "أمل"، كانت تتحدث بكلمات هزت نبرة الصدق فيها شغاف قلب فاطمة، موضحة بهيئة "الناصح الأمين" نفسها أن في" لندن " يمكنها أن تتعلم "النجاح الحضاري من منابعه الأصلية". هكذا، دون أن يدري، وقع صلاح تحت وطأة مطالب قادته في ظرف عام واحد إلى إعلان إفلاسه كتاجر صغير، بينما انقطعتْ أخبار ابنتهما بعد سفرها بنحو ثلاثة أشهر، وحتى الآن،يا أصدقائي، مازلت أتساءل: كيف ستقف " أمل "، إذا عادت في يوم ما، على قبر والدتها، الذي محتْ الأمطار معالمه منذ أمد بعيد؟!.
                  

11-29-2009, 01:36 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    [B"لماذا يسلك البشر أحيانا ضد مصالحهم الخاصة"؟.

    ذلك تساؤل، تركه ماركس معلقا في "الآيديولوجية الألمانية"، لعل الوقت لم يتح له لطرح المزيد من التصورات هنا، لعله انشغل بأمر آخر بدا وقتها أكثر جدوى في الطريق إلى فردوس البؤساء الأرضي، وذلك شأن العبقرية: لا تعي أحيانا عظمة ما تطرح. أي صرح في مجال صياغة وإعادة صياغة الذاتية البشرية قام أساسه على ذلك التساؤل. أذكر هنا "ألتوسير" و"فانون" و"غرامشي" و"جورن ثوربورن" و"بولانزاس" وغيرهم من الماركسيين "المنبوذين ماركسيا". أغلبهم رحل عن العالم على نحو مأساوي. كان هناك السجن والجنون والسرطان والإنتحار وأشياء فظيعة أخرى. كنت أتأمل في معنى ذلك التساؤل، ناسيا النظر إلى شاشات المراقبة أمامي، والملل قد بدأ يرحل شيئا فشيئا، حين تناهى طرق تلك السيدة الأربعينية على مكتبي. هكذا، وجدتني فجأة أنزلق من كرسي المفكِّر، هاويا بثقلي كله إلى وضعي الحالي كحارس داخل ذلك المجمع التجاري الضخم.
    ]




    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 11-29-2009, 01:37 AM)

                  

11-30-2009, 05:53 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    لأسباب غامضة، في ذروة سعادتنا معا، أنا و"أماندا"، كان ثمة ما يتهدد تلك العلاقة في داخلي على الدوام. كان وقع ذلك الإحساس أشبه بوقع مطرقة على رأس المنفي الغريب. ذلك ما يدعونه "الحرمان بعد عطاء". كلما فكرت في ذلك، خطرتْ في ذهني، ولسبب ما، تلك الصورة اليومية من حياتنا معا، مرأى "أماندا"، وهي خارجة من الحمام، لا يسترها شيء، سوى تلك القطرات البلورية تنساب منها كما تنساب قطرة ندى على جسد زهرة بُعيد بوابة الشروق.

    هكذا، بدا وكأن الوحدة نخرت في عظامي طويلا، حتى غدا الأمر وكأنني لا أصلح لأية رفقة بشرية من غير الوجود الكثيف لتلك الهواجس.


    "أيدوم لنا البيت المرح
    نتخاصم فيه ونصطلح
    دقات الساعة والمجهول
    تتباعد عني حين أراك
    وأقول لزهر الصيف.. أقول
    لو ينمو الورد بلا أشواك
    ويظل البدر طوال الدهر
    لا يكبر عن منتصف الشهر
    آه يا زهر..
    لو دمت لنا..
    أو دام النهر".





    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 11-30-2009, 09:27 AM)

                  

11-30-2009, 06:23 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    أمل دنقل، في أقصى درجات الألم، قام بتحويل الموت إلى تجربة جمالية، فعل ذلك بحياد تام، لم يجزع من غول السرطان، لم يتأوه، وكأن الأمر برمته لا يعنيه. "المرض منتشر في جسدك منذ أكثر من سنة، وأنت لا تأتي لمتابعة الكشف، تذكَّر أنك مريض بالسرطان، وأن الأمر أكثر خطورة من أن تتعامل معه بمنطق الشاعر، لقد تجاوز المرض الجراحة ولابد من ذهابك في الغد إلى معهد السرطان". كازنتزاكي، وهو يكابد الألم على فراش موته، آثر أن يواجه المجهول وحيدا، أعطى القس ظهره، وقد أدار وجهه إلى الحائط في صمت. لكأنه يتساءل مع بتهوفن: "رباه، ما سِرُ هذه التعاسة العظيمة"؟.

    فان جوخ، الذي أدرك منذ سنوات بعيدة خلوده الإبداعي، أخذ المسدس، ذهب إلى حقل قريب، لعله ألقى نظرة أخيرة على أحب موضوعات رسمه، "الوغد"، فعلها أخيرا. "سمانتا"، حين علمت أنها مصابة بداء "الإيدز"، تحولت إلى عاهرة، أقسمت أن تأخذ معها إلى الجانب الآخر أكبر قدر ممكن من الرجال. قبل عام من إصابتها، بدت في تلك الصورة ممتلئة، عفية، ضاحكة، وعيناها مليئتان بالحياة. ناقشت وقتها "أماندا" عن "ذنب أولئك الضحايا". قالت ببرود أثار حيرتي لفترة: "ذلك خيارهم".

    هذا عالم لا رحمة فيه.

    حين فتحت الباب، كادت تلك السيدة الأربعينية أن ترتمي بين ذراعيّ من شدة الهلع. بالكاد، تبينت أن رجلا وإمرأة من المشردين، قرب "اتحاد البطاقات الإئتمانية"، مصابان بمرض "الإيدز"، سلبا نقودها تحت تهديد إبر ملوثة. كان لا بد لي أن أتصدى لهما مقابل تلك الحفنة من الدولارات التي أتقاضاها كراتب. "لماذا، يتركون أمثال هؤلاء المصابين هكذا، طلقاء، بلا رقابة"؟. سألت "جيف" في أعقاب تلك الحادثة. قال:

    "كندا دولة حرة، يا مستر هميد".

    منذ أيام، هاتفتني "أماندا":

    "وليم!، "سمانتا" ماتت".

    لم تقل شيئا آخر قبل تلك العبارة أوبعدها.





    يتبع:
                  

11-30-2009, 06:35 PM

elham ahmed
<aelham ahmed
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    على سبيل الحب نتوقع منك الكثير.


    أنيس، محمد، إلهام
                  

12-01-2009, 03:09 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: elham ahmed)

    نتوسط مجلس البرنس العامر
                  

12-01-2009, 03:19 AM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    الأخ عثمان

    الف شكر للبوست حول كتابات حميد, كنت لصيق ما كتبه البرنس وخاصة ما كتب فى مدينة وينبييك,اكتشفت فيه سرعة البديهة فى كتاباته وعميق فكريا, وله مخزون فكرى هائل من معلومات من الكتاب العالميين,يعجبنى اكثر فيه ثقته بنفسه, ولكم التحية
                  

12-01-2009, 06:45 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: elsharief)

    "آه...

    لو تعلمين...

    أي حزن يبعث المطر،

    وكيف يشعر الوحيد بالضياع.. إذا انهمر"؟.



    قدمت إلى تلك المدينة الكندية ذات مساء ممطر بعيد. كان في استقبالنا عراقي من مركز "إعادة توطين اللاجئين الجدد" وسائق من شرق أوربا وُجِدَ بعد عدة أشهر مذبوحا في شقته من الوريد إلى الوريد. قيل وقتها إن في الأمر إمرأة. الموت هنا أمر عادي قلما تشعر به. الناس لا يتوقفون عنده طويلا. لكني ظللت أفكر في ذلك الوجه العابر لمدى أكثر من عام. وجه مأكول مسحوب إلى أسفل بذقن مدببة حادة. تتصدره عينان كبيرتان تطل منهما دائما عذابات مجهولة تختبيء في مرات عديدة وراء دخان سيجارته الرمادي الكثيف المتصاعد في خطوط متعرجة أشبه ما تكون بالمتاهة. الغرباء يبحثون أحيانا عن قبور بعيدة وجنائز صامتة.






    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 12-01-2009, 08:10 AM)

                  

12-01-2009, 07:49 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    بعد نحو ثلاثة أيام من وصولي، سألني منفي كان قد سبقني إلى المدينة بنحو شهر تقريبا: "لماذ لا تتواجد في مجتمع المنفيين حتى الآن"؟. كنت لا أزال أقطن في السكن المؤقت التابع لمركز "إعادة توطين اللاجئين الجدد" بعمارة "كمبرلاند" الضخمة. عمارة يكاد يملؤها القوادون وتجار المخدرات الصغار وبائعات الهوى وما لا يعلمه سوى الله. "وكيف أعثر عليهم"؟، سألته بحيرة لا تخلو من غرابة. قال: "المسألة بسيطة. لديهم برنامج شبه ثابت. يتجمعون عصر كل يوم قبالة هذه العمارة هناك في حديقة "سنترال بارك". يمكنك رؤية الحديقة من هنا. ظهرا يتوافدون إلى محل تجاري ضخم يدعى "بورتج بليس". على مرمى حجر من هنا. ليلا عادة ما يسهرون في شقة عادل سحلب ناحية مقرن النيلين "الفوركس". وهكذا دواليك، يا صديقي". تلك ذات الشقة التي تناهى إليَّ فيها صوت "أماندا" عبر الهاتف لأول مرة. كان ذلك بمثابة نقطة تحول في حياتي كلها. تحول اتخذ مجراه العميق لاحقا، عندما طلبت مني "أماندا" أخيرا أن أنزع وصلة الهاتف عند منتصف تلك الليلة، قائلة بأجفان أسدلتها لذة السُكر على أبواب لذة أخرى: "هذا وقتي الخاص، يا وليم".



    يتبع:
                  

12-01-2009, 09:27 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    كانت صفحات وجوه أولئك المنفيين تتفاوت من منفي لآخر. ثمة صفحة تشعر كما لو أنها كُتبت تحت تأثير خوف غامض من أسفل لأعلى. صفحة أخرى رُسمت على حواف الملل بأحرف منمقة. صفحة ثالثة تتخلل كلماتها على خلفية من توجس لا مبرر له آثارُ شطب عديدة. صفحة رابعة بانت أحرفها ممحوَّة في أكثر من موقع من جراء دمع الحنين أوالأسى. كان ياسر كوكو، الذي جاء معي إلى كندا بطائرة واحدة، لا يزال يحتفظ بصفحة وجه بيضاء، كما لو أنه لم يغادر جبال النوبة في غربي السودان قط. كان يشعر على نحو ضبابي بوجود خلل على تلك الصفحات. ربما لهذا أغرق نفسه رويدا رويدا بين أفخاذ العابرات بتلك العمارة. لم يكن يفقه كلمة إنجليزية واحدة. لكن فراشه لم يكن يخلو منهن ليلة واحدة. كانت شقته مقابلة لشقتي. كان يتناهى ضحكهن في أنصاف الليالي متخللا ما يشبه الونسة. حين أسأله في الصباح عن سر ما تناهى إلى مسامعي. كان يجيبني بجدية وصدق حقيقيين أنه كان يلقي عليها نكتة بلغة النوبة. طرق باب شقتي مرة بعد الثالثة صباحا بصحبة كنديتين على قدر عال من الملاحة. قال وسط ضجيجهما المرح إنه عثر بهما في ناد ليلي وإنه يطلب أن أنضم إليهم. سألته في فحيح تلك الرغبة إن كان بحوزته عازل طبي لي. ضحك وقال "لا". لكنه أكد لي بجدية أثارت ذعري دفعة واحدة أنه قام مرة باستخدام كيس المخدة كعازل طبي. بعد أيام، سألته كيف وافقته الفتاة آنذاك. قال كانت ميتة من الضحك. كنت دائما أشعر بخيط إخاء متين بيني وبينه. كان محميا بقوة الصدق في أكثر لحظاته الكندية حلكة. لم يكن من عينة أولئك المنفيين الذين يجلسون في "بورتج بليس" ويطالعون العالم من حولهم وكأن بينهم وبينه حواجز غير مرئية.




    يتبع:
                  

12-01-2009, 02:22 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: على سبيل الحب نتوقع منك الكثير.


    أنيس، محمد، إلهام


    ما اجمل الطريق وأكثر الزاد معكم.
                  

12-01-2009, 02:56 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: نتوسط مجلس البرنس العامر


    بوجودك أخي عثمان.
                  

12-01-2009, 03:00 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: الأخ عثمان

    الف شكر للبوست حول كتابات حميد, كنت لصيق ما كتبه البرنس وخاصة ما كتب فى مدينة وينبييك,اكتشفت فيه سرعة البديهة فى كتاباته وعميق فكريا, وله مخزون فكرى هائل من معلومات من الكتاب العالميين,يعجبنى اكثر فيه ثقته بنفسه, ولكم التحية


    الشريف الشريف:

    لك هذا الأفق أمنيات وتحققها في مباركة صحة موفورة وحب عظيم.

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 12-01-2009, 03:18 PM)

                  

12-01-2009, 05:34 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    هذا العمل السردي (أيام في حياة حارس وحيد) ينطوي على الكثير من الخيال وبعض المواقف الواقعية والأمكنة. وهنا مشهد من "بورتج بليس"، أوportage place في وينبك، حيث تظهر البوابة الرئيسية للسوق التجارية خلال أحد أيام الشتاء:






    2547464170_7eb03a38a5.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

12-01-2009, 08:22 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    بدأت علاقة عمر و"جسيكا" تشهد منعطفا خطيرا.

    في الواقع، لم تكن ثمة علاقة بينهما. كان بينهما تعاقد خفي أقرب إلى الحاجة البحتة المجردة من أدنى قدر ممكن من المشاعر التي يمكن أن يعثر عليها المرء عادة بين عاشقين. كان عمر يرى في "جيسكا" مجرد عاهرة لا بد منها إلى حين وصول زوجته وبناته الثلاث من السودان في بحر عام أويزيد. لم يكن عمر بالنسبة لها في الغالب الأعم سوى محل صغير داخل العمارة يليها في الطبقة الدنيا يمكن أن تطرق بابه في أي وقت لتناول حاجتها كعاطلة من الطعام مقابل أن تباعد ما بين ساقيها لدقائق. "أماندا" أخبرتني مرة أن "جيسكا" لا تعود إليه عادة إلا في أقصى درجات حيرتها. كانت اللغة غائبة بينهما لكن مشاعر الاحتقار المتبادل كانت تفوح بينهما كلما التقيا. عمر كان يلقي باللوم عليَّ على خلفية من حسد غير معلن وهو يراقب بحسرة مسار العلاقة المتصاعد بيني وبين "أماندا". كان يراني "رجلا أفسدته الكتب". "يا حامد، كيف تعامل حتى ال(.........) بتهذيب وأدب"؟. "سيأكلنك لحما ويقذفن بك عضما". "كن مهذبا فقط مع المهذبين وود حرام مع السفلة". "الدنيا دي لو ما وضعت كل واحد في محله الصحيح سوف تندم حيث لا ينفع ندم". كان من مآسي عمر، منذ أن درج على مضاجعة إناث الحمير بعد بلوغه مباشرة في قريتهم صعيد خزان سنار، أنه ظل يغرق نفسه في غضب يأخذعادة شكل الإنفجار، كلما لم يجد تصريفا لبركان الشهوة المستعرة في داخله. وقتها لم تكن إناث الحمير يطالبنه بمقابل و"جيسكا" مثل حوض الرمل في نهار إستوائي قائظ. لا ترتوي حاجتها من الطلبات، البتة.




    يتبع:
                  

12-01-2009, 11:20 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    لم يتبق في عمر الوردية سوى القليل. كنت أتقدم تلك المرأة الأربعينية بمسافة تسمح لها بالهرب عند أدنى بادرة هجوم. حلقي جاف. أطرافي ترتعش كما لو أنني أسير عاريا في عاصفة ثلجية نشبت قاب قوسين أوأدنى من القطب المتجمد الشمالي. الذعر سيد العالم في هذه اللحظة. كانت غريزة البقاء تجذبني إلى الوراء بشدة والواجب الثقيل قوة غامضة تدفع بي إلى الأمام بلا هوادة. يا لمأزق المنفي الغريب. لعلي أسير صوب حتفي الآن. كان رأسي في تلك اللحظة خالية تماما من أشباح ماركس. كنت مهموما فقط بمصيري الخاص. أي شيطان دفع بذينيك المشردين إلى تخوم مسؤولياتي فلم يعد الأمن فجأة مستتبا داخل ذلك المجمع التجاري الضخم؟. كان هناك شيء يتدفق ببطء بين أقدامي. ربما هو البول. ربما كانت سوائل أخرى. لا أدري. كنت فقط أتخيل منظر إبرة تشهر نحوي في اللحظة الفاصلة بين الحياة والموت. إبرة ملوثة بداء عضال لا شفاء منه يدعى "الإيدز". هؤلاء الهنود الحمر ينتشرون في كل مكان مثل نفايات لا تصلح لشيء. إنهم الآن مجرد ضيوف في أرضهم لا رغبة فيهم. لم أتصور من قبل غريبا يمنعني من دخول داري الخاصة قبل أن يرميني إلى رحمة الشارع بأعصاب باردة حتى من غير أن يطرف له جفن. لقد تم تدميرهم من قبل هؤلاء البيض قبل مئات السنوات وها أنا فجأة كحارس قادم من وراء البحار للتو أقوم بدفع ثمن لشيء لم أناله. كنت أدعو الله مخلصا له الدين وقارب حياتي يتقاذفه الخطر من كل حدب وصوب. كان من الممكن الآن أن أكون كأبي مزارعا صغيرا في احدى قرى الجزيرة. أزرع القطن صيفا والقمح في الشتاء. أذهب إلى الصلاة في المسجد بانتظام. أشارك الناس أتراحهم وأفراحهم الصغيرة ولا شيء يحول بيني وبين النوم بسهولة. لكن الغرباء يبحثون أحيانا عن قبور بعيدة وجنائز صامتة. التفت نحو المرأة بصعوبة. كانت المسافة بيني وبينها كافية لأن ألتقط أنفاسي وأستجمع ما تبقى لي من قوى خائرة قبل أن أخاطبها بصوت لا يعلم سوى الله أي جهد بذلت في تلك اللحظة لأجعله يتناسب ووضع حارس في بلاد متقدمة: "ها أنتِ ترين، لا أثر لهما هنا بالمرة، لعلهما هربا منذ فترة".





    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 12-01-2009, 11:24 PM)

                  

12-02-2009, 08:19 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    كان العصر يقترب من نهايته. هذه لحظة يتجلى فيها إله الأسى على سويداء القلوب. الشقة يلفها سكون ثقيل لا قبل لي به، حتى صوت أزيز الثلاجة الرتيب توقف منذ فترة، عندما أغلقت "أماندا" ألبوم الصور، ووضعته على منضدة الزجاج القصيرة في هدوء. كانت ساكنة كميتة، تتطلع إلى أشياء داخلها، عيناها معلقتان على لوحة فان جوخ "نجوم الليل"، لا تكاد تطرف. لم اتخيل أبدا، أنا المغموس في نار الألم، لحظة أن رأيتها لأول مرة، أن الحزن يمكن أن يتوسد سرير جمالها، ويرمي برأسه على وسادتها الحريرية، هكذا، هكذا هكذا.

    الغرب ظل يفيض علينا على الجانب الآخر من العالم بمليارات الصور والأفلام. بعضنا حين رأى صورة الغرب عن نفسه قال بطيبة: "الأرض جنتهم وفراديس السماء لنا". الغرب في القاهرة عرض وقتها على المنفيين الدخول إلى جنته. لم يكن يطلب منهم زكاة أوصياما أوحجا أوإقامة صلاة. كان بحاجة إلى عمالة وتوسيع سوق داخلية. كان يتحدث بمكر تاريخي حاجبا مراميه بستار كثيف من الدعاوى الإنسانية. كان المنفيون يتسابقون إلى مكاتب الأمم المتحدة والسفارات فرادى وجماعات. الأعمى شايل المكسر. الشيوعي تبرأ من ماركسيته على طلبات الدخول إلى الجنة التي أتقن دهاقنة "هوليوود" وتفننوا في رسمها. سيدات من بيوت كبيرة على مرمى خطوة من أزواجهن بكين أمام المحلفين داخل السفارات. لم يبكين من قصة اغتصابهن المفبركة. بكين من شبح الضياع في مدينة مثل القاهرة تضيق حتى بسكانها. رجال زعموا أن النظام أفقدهم ذكورتهم فما عادوا يصلحون لشيء. كان بعضهم على أية حال يقرر واقعا. لكن الدخول إلى هذا الفردوس الأرضي لا بد أن يتم بأية وسيلة. لا بد أن يتم حتى بمعونة الشيطان نفسه.




    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 12-02-2009, 08:22 AM)

                  

12-02-2009, 08:50 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    كان الحزن بعد مطالعة صور "سمانتا" المبتسمة الضاحكة الممتلئة في تناسق المترعة برحيق هذه الحياة حد الثمالة أثقل من أن يحتمله كل منّا على حدة. فجأة، أفردت كف يدي اليسرى. أخذت أُسرِّحها على شعر "أماندا" بحنو شديد. مالت برأسها على كتفي. نامت. شيئا بعد شيء، أخذ الظلام يخفي معالم الأشياء وراء نوافذ الصالة الزجاجية الواسعة. كنت قبلها على وشك أن أسألها أين اختفى ذلك الآسيوي بعينيه المبتسمتين. كنت في الآونة الأخيرة، حين أسير في شارع "سيرجنت"، حيث المومسات على نواصيه علامات لا تخطئها عين، أراها واقفة هنا أوهناك، ترمي صنارتها للمارة والسيارات، وعلى بعد أمتار منها لا أثر يدل عليه مثلما جرت عليه العادة قبل نحو العام أويزيد. "أماندا" لم تكن تطيقه. كانت على قناعة تامة أن الآسيوي سبب بلوة شقيقتها الصغرى. لم أتوصل أبدا إلى معنى تلك الإبتسامة التي ظلت تطل من داخل عينيه برغم ظلال العتمة أحيانا.



    يتبع:
                  

12-02-2009, 04:09 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    العزيز د / أحمد القرشى
    عيد مبارك عليك
    وألف شكر على مرورك الكريم أخى .
    وأنت المتابع الدايم لكتابات الكاتب الجاد والناشط البرنس .
    تحياتى وكثير سلامى أحترامى
                  

12-02-2009, 07:42 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    تفاصيل ما حدث داخل شقة عادل سحلب ليلة أن هاتفتني "أماندا" لأول مرة (الرفاق القدامى):
                  

12-02-2009, 09:12 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    رأسي لا تزال مثقلة من تأثير الشراب وصخب الأصدقاء الليلة الماضية. يخالجني شعور جميل أن اليوم سيكون مختلفا عن سائر الأيام. شهر أكتوبر. أكاد أشتم رائحة العشب الخريفي في احتضاره. عمر، قال لي، في احدى تجلياته، إن كندا قوَّت إيمانه، "يا حامد، انظر إلى هذه الأشجار، تتحول في شتاء إلى حطب، قبل أن تعود إليها أوراقها في الصيف فتكون خضراء تسر الناظرين، هذا يذكرني بيوم البعث، الإنسان يموت ويتعفن داخل قبره ويجف، ثم يبعثه الله يوم القيامة بشرا سويا". كنت أعوده أثناء مرض ألم به. كان طريح الفراش وعلى طاولة خشبية صغيرة بالقرب منه لاحت صناديق أدوية وكوب من عصير الليمون وحافظة نقوده وصورة متوسطة الحجم داخل برواز خشبي أطلت منها صورة زوجته وبناته الثلاث. قال في تلك الأيام إنه لم يجد دائما الوقت اللازم لإخفاء تلك الصورة قبل مضاجعة "جسيكا". كانت تتركه في كل مرة مهدودا تماما ولم يبدُ عليها ما يشغلها بأمر تلك الصورة. كلاهما كان يدرك جيدا ما يريد من الآخر: الطعام مقابل الجنس، أوالعكس. في أعقاب كل مضاجعة، كان أكثر ما يشغل عمر أن يغتسل بسرعة، ويبدأ الصلاة في الحال، وفمه يلهج بمئات الأدعية المأثورة. كان كالمُدمن، يعلن التوبة، وبقايا الجرعة الأخيرة لا تزال عالقة بفمه.



    يتبع:
                  

12-03-2009, 08:55 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    حوالي الثالثة صباحا، أقلعت بنا طائرة الخطوط الجوية الهولندية من القاهرة في طريقها إلى كندا عبر أمستردام في هولندا. بدا العدد القليل من اللاجئين متعبا من جراء اجراءت السفر الطويلة والاثارة وسلطان النوم لا يقاوم. ذلك عالم مضى لحال سبيله. ذاك عالم أسعى إليه في حال من انعدام الحزن والفرح على حد سواء. الغربة سرطان الحواس. تبدأ بالنظر وتنتهي باللمس. حتى العودة إلى الوطن لا تُشفي منها. لكن المعجزات قد تحدث أحيانا. ربما لحظة أن يعثر المنفي الغريب على إمرأة من خارج قاموس هذا الزمان. إمرأة تضمه بسهولها ووديانها وجبالها وأنهارها وحقولها وسمائها. إمرأة تغسله ليلا مما علق به من غبار حروبات صغيرة هنا وهناك. إمرأة تلده في الصباح إنسانا جديدا في ط ز ا جة الأمل أوالحياة.

    ورائي هناك، إلى الشمال، على بعد مقعدين أوثلاثة، جلس ياسر كوكو، وقد فصل بيننا ممر ضيق ممتد إلى نهاية الطائرة. لفت انتباهي أثناء الرحلة أن ياسر كوكو كان حريصا على متابعتي بدقة متناهية. كنت أحس بأثر عينيه الجاحظتين وهو يمسك بعنقي. تماما كمن يحس المرء بياقة قميص تلتف حوله باحكام في نهار قائظ. أخذ ذلك يزعجني بعض الوقت. مراقبة الناس هوايتي. كان من الصعوبة بمكان أن اتقبل لُعبة تبديل المواقع عن طواعية. أخيرا أدركت أن قاموسه اللغوي لا يحتوي كلمة انجليزية واحدة. كان يشرئب نحوي بعنقه دافعا برأسه إلى الأمام لحظة أن تمر المضيفة بعربة الطعام الصغيرة، أوحين يمر مضيف آخر بعربة أخرى للمشروبات الروحية وغيرها، فيشير إليهما آنذاك صامتا بذات الأصناف من ألوان المأكل أوالمشرب التي سبق له وأن رآني أطلبها. لو طلبت وقتها سما زعافا لفعل.

    بدأت الطائرة، وهي تقترب من مطار أمستردام، تهديء من سرعتها، وتهبط صوب مستقرها شيئا فشيئا، كانت الأشياء على الأرض واضحة من على ذلك البعد، الأرض سهلية مخططة بدقة، القنوات تمضي في استقامة عابد، حتى غنج الريح لا يغريها بالاندياح، الطرق سوداء معبدة في تداخلاتها الهندسية الآسرة، كل شيء لامسته يد الإنسان آلاف المرات، يد منذ فجر الخليقة سوَّت وبنت وعدلت ونقضت وشرعت تعمل على ذات الشيء مرة ومرة، لا كلل يصيبها في سعيها المحموم نحو كمال مستحيل، "لا بد أن نسبة الانتحار عالية في هذه البلاد"، ذلك ما طرأ على ذهني لحظة أن لامست عجلات الطائرة مدرج الهبوط آناء ذلك النهار البعيد.

    أذكر، حين عبرت الطائرة سماء اليونان، والعالم وراء النافذة لا يزال غارقا في ظلمة حزينة، أني ألقيت السلام في خشوع على "كازنتزاكي"، لعله كان يتبادل مع "تشيخوف" نخب انتصار الكتابة في ركن قصي من الجنة، لم أتصورهما وهما يحرقان بنار الله مطلقا. رحمه الله، كان يقول "الحمد لله الذي خلق لنا الخمرة الجميلة والنساء". أجل، الحمد لله الذي خلق لنا الخمرة الجميلة والنساء والكتابة والقليل القليل من الصداقات.

    "أخشى أن أموت، وتموت في داخلي كتب كثيرة".




    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 12-03-2009, 09:01 AM)

                  

12-03-2009, 09:22 AM

elham ahmed
<aelham ahmed
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    معك
                  

12-03-2009, 04:08 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: elham ahmed)

    العزيز متولى ادريس
    ارجو أن تكون بخير أخى ؟
    ألف شكر على مرورك الكريم . ولك الشكر وانت تتابع تداعيات البلاد البعيدة
    .. نعم يا متولى تلك القطع هى من تفانين عزيزنا البرنس .
    الكاتب الذى يخرج من اليراع هذا الشعاع وهذا الجمال ..
    لك جزيل الشكر
    وكل عام وانت بخير
                  

12-12-2009, 03:23 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    إلى حين عودة:
                  

12-07-2009, 04:28 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    نتابع مجلس البرنس .
    نستمع ونشاهد كيف يحكى ويلون صور الذين جاءوا من منفى وسيط .
                  

12-10-2009, 04:47 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    حضور
    نتابع المنفى الوسيط المشترك
                  

12-03-2009, 06:43 PM

عمران حسن صالح
<aعمران حسن صالح
تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 10159

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    عبد الحميد البرنس
    قلم أحبه ..
    أحس بالخجل حينما أكتب في مكان هو فيه موجود ..
    مثله وآخرين يملكون طيب الحديث وجميله ..
    أخاف التوغل في تفاصيل سرده ...
                  

12-03-2009, 11:08 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عمران حسن صالح)

    شغلتني الدنيا عن ياسر كوكو طويلا.

    كنت تائها في صحراء الرغبة. يكاد يقتلني الظمأ. "أماندا" ماء السراب. "تبدو ولا تبين". ظلت لمدى عامين تقريبا، بعد تلك السهرة مع عمر و"جيسكا"، تشعل الحرائق داخل سراويلي الناشفة، قبل أن تتسرب من بين أصابعي مثل ذرات الرمل الناعم. كنت أطفيء ما اندلع بعلاقات عابرة زادت وهج تلك الحرائق بسعير حرائق أخرى. لعل ذلك ما أرادت وخططت ونفذت بشوق سفينة تتهادى بين الصخور صوب مرساها الأحب بحكمة. آناء ذلك، كانت تشاركني الأنخاب، تجالسني لساعات، تمنحني إمكانية أن أكتشف مفاتيح قوامها المتناسق في رشاقة عارضة أزياء، لكنها أبدا لم تمكني من رؤية النبع لثانية واحدة. كنت سائرا على حافة اليأس والأمل. كانت تؤمن بحكمة أن الرجال إذا ما قضوا وطرهم يقلعون باكرا صوب مصبات أخرى.

    لا شيء يخفف من أوجاع المنفي الغريب قليلا سوى الغناء:

    بحياتك يا ولدي امرأةٌ
    عيناها، سبحانَ المعبود
    فمُها مرسومٌ كالعنقود
    ضحكتُها موسيقى و ورود
    لكنَّ سماءكَ ممطرةٌ..
    وطريقكَ مسدودٌ.. مسدود




    يتبع:
                  

12-04-2009, 00:18 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    عمران أخي:

    بارك الله في أيامك.

    ممنون
                  

12-04-2009, 02:32 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    العزيز عمران صالح
    يا مراحب
    تفضل يا عمران . البرنس موجود .
    نعم . صوت البرنس هنا .. تفضل . مكتبة لها رنين ولها عطر .
    كثير شكرى أخى عمران _ تحياتى
                  

12-04-2009, 06:03 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    سؤال خارج سياق السرد (كيف غرق ياسر كوكو في مستنقع "سمانتا"/ الدنيا ضيقة):
                  

12-04-2009, 07:16 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    متأنق. موفور الصحة. يبدو عليه دائما أنه أخذ قسطا كافيا من النوم. جلده لامع من أثر النعمة. يمضغ طعامه ببطء ومتعة. يؤدي وظيفته كحارس كما لو أنه يعمل مديرا للمخابرات الأمريكية. "اللون الأحمر عنوان هذه الوردية". "طواريء على جميع مداخل ومخارج المحل التجاري". "قابِلني بعد عملية المسح الشامل عند النقطة رقم 17". كان يحلو له كمتحدر من أصل انجليزي أن يحيط نفسه بسياج كثيف من قصص أقربائه الذين يتولون مناصب عليا في الدولة.

    في المرات القليلة التي رأيتها معه فيها، بدت نحيلة، متعبة، شاحبة، تتحدث فتحس كما لو أنها توشك على البكاء عند أدنى بادرة، لا تعني بثيابها كثيرا، عيناها حزينتان، لكن في نظرتها شيء أقرب إلى الحنان. شفتاها، حين تقابله أوتودعه، كان يشع منهما حب وديع مسالم، فلا تملك إلا أن تقول في قرارة نفسك: "يا لها من قُبلة خاطفة".

    "لكأنه يتغذى عليها، مصاص الدماء"!.

    هكذا، بعبارة واحدة، وهي تعبر عن ضيقها القديم به، لخصت "ليليان" علاقة "جيف" مع زوجته "دون فِيشر"، وقد ارتسم على وجهها تعبير طفولي غريب. "ليليان"، كان أكثر ما يزعجها في هذا العالم إلى جانب معاناتها من آلام اللثة أن يتم تغيير جدول العمل كما يحدث عادة وتعمل مع "جيف" في نفس التوقيت أوالوردية.

    "اللعنة، هذا الرجل ممل، اللعنة، هذا الرجل يتحدث مثل كتاب، اللعنة، من أين جاء هذا الرجل بكل هذا الشعور بالأهمية "؟.





    يتبع:
                  

12-04-2009, 08:07 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    جئت إلى كندا لاجئا، مترعا بالخيبات والأحزان، متخما بمشاكل لا حلول لها، غنيا عن صنع عداوات جديدة. الغرباء يمشون في خوف، يأكلون خائفين، يعاشرون بخوف، الخوف غريزة للبقاء في عالم المنفيين الغرباء. ربما لهذا، ظللت أشتري، بحكمة كاهن، من "ليليان" و"جيري" والرئيس "وين" و"جيف"، مشاعرهم تجاه بعضهم البعض كزملاء في بيئة عمل ضيقة. لم أكن أمتلك كغريب ترف أن أكون بائعا. كنت في كثير من الأحيان بمثابة مقلب القمامة المؤتمن على مشاعرهم السلبية. لا روائح تفوح مني. كل شيء يعتمل متعفنا في داخلي. كانوا كلما يقذفون بزبالة يمضون لحال سبيلهم وقد ارتسم على ملامحهم شعور بالراحة كما لو أنهم تخلصوا من شيء كريه. لم يكن يهمهم شيء من حياتي. لكن أغلبهم أبدى لحظة أن غادرتهم مشاعر طيبة. لعله إحساس الفقد بمقلب قمامة مؤتمن و"جيري" المحب نسيج وحده. حتى الآن، لا أدري لماذا يكون الناس، في لحظات الوداع، على هذه الدرجة العالية من المشاركة أوالطيبة؟.



    يتبع:
                  

12-05-2009, 02:46 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    فى
    أنتظار ليليان ..
    نتابع
                  

12-05-2009, 07:12 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    كانت "دون فيشر" تعمل في مصلحة حكومية غير بعيد من ذلك المجمع التجاري الضخم. كانت في بداية الثلاثين. لكنك حين تراها تضيف لها عقدا. البيض تظهر عليهم آثار السنوات. ينضجون ويهرمون مبكرا. تصادف فتاة في العشرين، أوحتى أقل بكثير، وأنت عند أعتاب الأربعين، تكون هي قد راكمت من خبرات هذا العالم ما يجعلك تطالب بحياة أخرى كيما تقوم بترميم البناء النفسي الهش في دواخلك. أذكر أني قابلت منفيا في القاهرة، كان في أواخر الأربعينيات، وقد قدم للتو من ليبيا، كان يتحدث بصورة غير مباشرة عن سمو أخلاقه، قائلا إنه لا يعرف حتى الآن كيف تبدو المرأة "من تحت". بعدها بأيام، أوردت الصحف المصرية نبأ رجل على مشارف الخمسين قام بقطع عضوه الذكري بعد أن أصابه اليأس من تخزينه كل هذه السنوات. كان محظوظا حين ترك باب الشقة مواربا ولحق به أخيه كرسول من القدر. أفادت "أخبار الحوادث" وقتها أن الأطباء قاموا في ما يشبه المعجزة بإعادته إليه. لم يوضح المحرر ساعتها إمكانية استخدامه لأغراض خارج وظائف التبول العادية. ما كان يشغلني وقتها إمكانية وجود قطة في المكان بعد عملية القطع البشعة تلك.



    يتبع:
                  

12-05-2009, 07:47 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    في الأيام، التي ظللت أعمل فيها مع "جيف" خلال نفس الوردية، كانت "دون فيشر" تأتي إلى المجمع التجاري، حاملة في يدها شنطة قماش خضراء متوسطة الحجم، تحتوي على طعام داخل عُلب بلاستيكية صغيرة وأكواب فارغة، كان وقت راحتها المخصص لتلك الوجبة النهارية ساعة بالتمام، بينما لا يتجاوز الوقت المخصص لنا نصف الساعة. كانت تقوم بتدفئة الطعام قبل أن تحضر مباشرة. تجلس على مائدة من موائد "كافتيريا" المجمع التجاري الجنوبية الواسعة في الطابق تحت الأرضي. تضع العلب على المائدة في هدوء. تزيح أغطيتها واحدا واحدا. تملأ كوبين بماء مغلي من ماسورة ملحقة بالكافتيريا. تسكب على الكوبين من صرة صغيرة مسحوق شوربة صينية مجففة تفوح منها رائحة بهارات قوية. كانت تفعل ذلك بتساو دقيق. لكأنها تزن أمرا أقرب إلى الذهب. لا ريب أنها كانت مليحة في مطلع شبابها. آثار الجمال القديم على وجوه النساء يصيبني بنوع من الأسى. أخيرا، حين يقبل نحوها "جيف"، قبل خمس دقائق من بداية وقته المخصص للراحة، وكان يسترق مثلها بعد انتهاء الزمن المحدد له؛ يجدها في العادة تنتظره مطرقة، تضغط على أصابعها بعصبية خفية، وهو كان ينحني، يقبلها خطفا، وقد ارتسم على وجهه ذلك التعبير الإنساني الخالد: الجلوس إلى المائدة


    يتبع:
                  

12-05-2009, 08:49 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: فى
    أنتظار ليليان ..
    نتابع


    والله (ياعثمان) أخوك كمان متابع. عمنا المبدع الكبير إبراهيم أصلان كان بقول في مثل هذه المواقف (ربنا يبعت). بفكر من أمبارح في كم خيط للمتابعة. احترامي وتقديري وممنون لك كتير.
                  

12-05-2009, 02:05 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    آثار الجمال القديم على وجوه النساء
    يصيبنى بنوع من الأسى .
    ...
    يا للسحر ويا للجمال . أرسم يا صديقى العزيز
                  

12-05-2009, 07:00 PM

elham ahmed
<aelham ahmed
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    sudansudansudansudan053sudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    Quote: شيئاً فشيئاً أحياناً، وعبر قفزات نوعية أحياناً أخرى، بدأ "البون الحضاري" في الاتساع بين الجارتين، سوى حروب النميمة والشائعات، سوى تبادل الهجاء صراحة وضمناً عبر الجدار الفاصل من حين لآخر، لم يعد ثمة ما يصل بينهما خلال الآونة الأخيرة، عدا شخص واحد، لعلكم قد عرفتموه الآن يا أصدقائي ، أجل..... "وكالة رويتر المحلية"، التي ظلت تحتفظ على نحو ما وفي أحلك الظروف بعلاقات طيبة مع جميع الأطراف، وهو أمر توضح لاحقاً، حين ماتت أثناء النوم ورأى الناس: كيف سار أبي وصلاح وأمين الحزب والمحافظ وأعداء كـُثر خلف نعش واحد، حتى أن الحاج محمود توكأ على كتف مسيلمة الكذاب ومضيا هكذا متقاربين متأثرين، لكأنهما في طريقهما لدفن عداوات قديمة، أو لكأن قانوناً آخر كان يحكم تلك اللحظة العصيبة من حياة المدينة
                  

12-05-2009, 07:21 PM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 25108

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: elham ahmed)

    شكرا عثمان ان اسرجت للبرنس خيل القلم
    وتحية لالهامه وصغارهم
    كم سر قلبي هذا البوست
                  

12-05-2009, 09:30 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: حيدر حسن ميرغني)

    الحنين:

    كذلك أحب هذا البوست لهدوئه. الصخب عادة لا يجعلني أعمل على نحو جيد. ومداخلتك ذهبت بقلبي بعيدا. تحية متجددة.
                  

12-05-2009, 11:47 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)
                  

12-06-2009, 08:46 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)
                  

12-06-2009, 02:24 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    سلامات
    يا عزيزى حيدر حسن ميرغنى .
    انا أشكرك أنت .
    البرنس هو الذى أسرج الخيل الى عالم ماركينز وبابلو والى تلك القرية التى على
    النيل . البرنس هو الذى ظل يتابع الاسراج من ضفاف أنهار تلك البلاد البعيدة .
    .. لك وله جزيل الشكر أخى العزيز .
                  

12-07-2009, 06:29 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    عثمان أخي:

    أجدني الآن أضع خطة للذهاب بهذا السرد بعيدا. ثم أعود إلى هذه الفكرة أوتلك تعديلا أوحذفا. لا أستقر على حال أمام طرح نموذج سائد لما يدعى "اليساري" في مجتمعنا. شخصية "عادل سحلب"، كما سنرى، في علاقته بالمرأة ممثلة هنا في "مها الخاتم" مسألة غاية في الأهمية على صعيد إعادة النظر في مفاهيم وتجليات سائدة عن "التقدمية" أو"الطليعية" ومهما كانت المسميات على رأي صديقي فرانتز فانون.

    على سبيل الجملة الاعتراضية: لا أرى الطائفية مسألة على قدر عال من الخطورة إذا وضعنا في الاعتبار مسألة تفريغ قيم ومفاهيم العقلانية أوالحداثة من الداخل من خلال تبنيها أوإنتاجها عبر مناهج مثالية أوتقليدية لا تفعل في نهاية المطاف سوى إعادة إنتاج التخلف في صور تبدو عقلانية للوهلة الأولى. هذا مستوى داخل رواية "أيام في حياة حارس وحيد" وهي كغيرها من أعمالي الأخرى أحاول خلالها ما وسع الجهد الجمع بين "العمق والبساطة والمتعة في آن".

    على مستوى آخر، حتى الآن أعمل على المضي في هذا العمل من خلال كتابة مباشرة أحاول عبرها معالجة خوفي من الكتابة نفسها. وهذه واحدة من حسنات هذا الموقع. لكن المعالجة النهائية وما يصاحبها من عمليات تنقيح وحذف وإضافة تحتاج مني إلى قدر عال من العزلة: العودة إلى وضعي القديم ككاتب تقليدي. هناك قد تبرز مسألة النسب والتناسب بين ما هو حكي وبين ما هو سردي.

    الكتابة مسألة شائكة.


    مودتي
                  

12-07-2009, 04:20 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: معك


    أم العيال:

    إلى نهاية العالم.

    تماما، مثل شخصيتين خارجتين من (الحب في زمن الكوليرا) لماركيز.
                  

12-08-2009, 02:20 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)


    كنت قد هبطت إلى تلك المدينة ذات مساء ممطر بعيد ضمن فوج صغير من اللاجئين بعد رحلة طويلة وشاقة تماما. ولم يكن يخطر في ذهني أبدا أن يكون الأمنجي السابق قد سبقني إليها بأعوام كنت خلالها أحاول عبثا الشفاء من آثار حروق طبعها تعذيبه على روحي في زمان برز أمامي دفعة واحدة حالما وجدته في استقبالي ضمن مقيمين آخرين وكنت قد ظننت أن ماهربت منه قد تركته ورائي مرة واحدة وإلى الأبد. أجل.. هذا زمان المهازل وغربة الأرواح النبيلة ولاعزاء _



    ونتابع
                  

12-08-2009, 06:10 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    -"هل تعرف مها الخاتم"؟.



    كانوا داخل شقة عادل سحلب. تلك الليلة المشهودة. خليط من منفيين وفدوا إلى كندا من شتى بقاع العالم. حتى الصين كانت حاضرة هناك في شخص كلما حفظت اسمه نسيته. لم تكن لديه علامة مميزة. إن شئت كان مثل ماء الوضوء. لا لون، لا طعم، لا رائحة له. لم يشارك في تلك الحوارات بشيء. لم يغن مع المنفيين لحظات أن استبد بهم وجد ورغبة فصدحت حناجرهم بترانيم خافتة أقرب إلى دندنة بحّارة متعبين على مشارف العاصفة. لم يكن يتعاطى أي نوع من الخمر. لم يلق قصيدة كما فعل آخرون. كان مهموما فقط وحتى النهاية بملء الكؤوس الفارغة وتوزيعها على المنفيين بدقة خط إنتاج في مصنع ياباني كبير.




    يتبع:
                  

12-08-2009, 07:57 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    حسوت كأسي الأولى، الثانية، الثالثة. لم أعد أحسب. كانوا يرفعون الكؤوس في الهواء قائلين "في صحة القادمين الجدد إلى كندا، يحيا الوطن". كان هناك "الويسكي"، "الفودكا"، "الشيفاز"، "المارتيني"، وما لا يعلمه سوى الشيطان. كنت أخلط كأسي ببعض الماء، فإذا بصوت عادل سحلب، كخطيب سياسي سابق، يتناهى من وسط ذلك اللغط، منشدا أبيات الحسن بن هانئ الحكمي الدمشقي:

    أثْـنِ على الـخَمْـرِ بآلائِهـا وَسَمِّهـا أحـسَـنَ أسْمـائِهَا
    لا تـجْعَـلِ الماءَ لَها قاهـراً وَلا تُسَلّطْهـا على مَـائِهَا

    كان حضور الصيني، ساقي الأرواح العطشى، يتمدد لحظة أن تفرغ كأس هنا أوهناك، بعدها ينحسر تماما، وكأن لا وجود له. حين استقر بي المقام في المدينة قليلا، علمت أن الصيني يشارك عادل سحلب سكنى الشقة، يتقاسمان النفقات مناصفة، وقد ظل عادل سحلب يذكرني باسم صاحبه في كل مرة بلا جدوى. كان اسم الصيني قد استقر في نفسي مرة وإلى الأبد. حكى لي عادل سحلب أن الصيني ظل يقوم بدور الساقي منذ فترة في أعقاب وعد قطعه له يوناني يدير سلسلة من النوادي الليلية بالعمل في وظيفة ساقي بعد قضاء فترة تطوع تمتد إلى ستة أشهر. كان شرط اليوناني أن يكتسب الصيني خلال هذه الفترة ما أسماه "عقلية محترف في كندا". قال له لا تكثر من الشراب فإذا توقفت عنه تماما تكون قد أوفيت بنصف الشروط الواجب توفرها في محترف. "لا تتحدث كثيرا". عملائك غالبا ما تدفعهم الوحدة القاتلة للحضور. كن مستمعا جيدا. كنت أفكر عند هذه النقطة أن الصيني أبعد ما يكون من إنسان يمتلك حسا عاليا للدخول مع محدِّثه في وحدة شعورية. كان يمتلك وجه دبلوماسي على مائدة مفاوضات شائكة. أكد لي عادل سحلب أن الصيني ظل يتقمص دور الساقي داخل الشقة حتى خلال الأيام التي لا يحضرها المنفيون الآخرون. كانت تلك سانحة طيبة بالنسبة لعادل سحلب كخطيب سياسي سابق. كان يتحدث والصيني يملأ الكأسات ويضعها أمامه كمحترف.


    - "هل تعرف مها الخاتم"؟.






    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 12-08-2009, 08:04 AM)

                  

12-08-2009, 08:13 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    في صباح قاهري بعيد، من تلك الصباحات الصيفية الحانية، رأيتها تحمل في يدها أوراقا، وهي تعبر بوابة مكتب الأمم المتحدة، فجأة شعرت كما لو أنني أرى الحياة نفسها.

    عينان واسعتان، سوداوان، عميقتان، يشوبهما حياء غامض، تتوغل فيهما فتشعر وكأنك تتأمل سطح بحيرة هادئة في أوقات السحر. قمحية، ضامرة الخصر، ممتلئة الفخذين في تناسق ورشاقة، طويلة، صدرها مرتفع قليلا، عنقودا عنب وقت الحصاد.

    شعرها طويل، أسود فاحم، لكأنه يذوب في الهواء من نعومة، نسجتْ على جانبيه ضفيرتين، نيليتين، كانتا تسيران كغريمتين من أعلى وجهها المستدير في اتجاهين مختلفين، لكنهما تلتقيان عند مؤخرة رأسها في عناق حميم، قبل أن تتوحدا وتسقطا برفق إلى أعلى ردفيها بقليل.

    تلك، كانت مها الخاتم حين رأيتها لأول مرة.




    يتبع:
                  

12-08-2009, 04:14 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    تفضل
    ياعزيزى .
    دع اليراع يرسم لنا صور تلك الصباحات الحانية .
    كتير سلاماتى لكم .
                  

12-08-2009, 06:39 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    حين ألقى عادل سحلب ذلك السؤال، صمت أولئك القادمون من القاهرة فجأة، وبدا وكأن من تبقى أصابته العدوى فأخذ يتطلع إلى عادل سحلب بشيء من الفضول، كانت تلك التساؤلات لا تزال عالقة في ذهني حول قصة علاقتهما معا، تلك العلاقة التي أضحت بمثابة فاكهة لا تنفد في حياة أولئك المنفيين على مقاهي القاهرة، وقد أضيف إليها الكثير وحذف منها الكثير. كان أكثر ما يدهشني من تلك الحكايات أن الكثير من الرواة لم يسبق لهم رؤية (على الأقل) أحد بطليها. لكن ما الذي دعاه في تلك الليلة إلى أن يطرح أمرا خاصا في مجلس عام؟.



    يتبع:
                  

12-08-2009, 11:00 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    كان يوما عاديا من أيام شهر سبتمبر. كنت أسير في شارع "سرجنت" صحبة ياسر كوكو. "أماندا" كانت في زيارة لصديقتها القديمة "جيسكا". لم يكن لدي ما أفعله إلى حين عودتها آخر المساء. كان عمر قد أخبرني أنه فهم من "جيسكا" عبر لغة جسدية شائكة مليئة بالإشارات ومصحوبة برسومات توضيحية على أوراق دعاية كانت تصله مثل غالبية الناس بواسطة البريد أن "أماندا" لا تحبني وأنها هاربة من أناس لهم مسدسات وأنه بمجرد أن تعود الأمور إلى مجاريها ستتركني بلا أسف. كان من الصعوبة بمكان تصديق مثل تلك الرواية. بالنسبة لي، بدا الأمر برمته أشبه ما يكون بسيناريو فلم هندي سيئ الطبخ تماما. كنت أدرك ما يدور بينهما عند كل لقاء. "جيسكا" تطرق الباب ثملة أوتكاد. عمر يعرف طرقاتها المتسارعة جيدا. يتركها على كنبة في الصالة كانت قد جاءته مثل بقية المنفيين كدعم ضمن أثاث بسيط آخر من وزارة الهجرة. كان يعود من المطبخ بكمية من طعام تم طهيه بيد تدربت على العيش في الغربة طويلا. كانت تلتهم اللقم بعينين غائمتين وشهية لا تصدق. أثناء ذلك، كان ينظر إليها مثلما ينظر أعرابي إلى دابته وهي تعلف على أبواب رحلة وشيكة. ضحكتُ وقتها كما لم أضحك من قبل. أخيرا، سألته: "وكيف أوضحت لك "جيسكا"، وأنت لا تفقه حرفا واحدا من الانجليزية، أن "أماتدا" مطاردة من قبل رجال يحملون مسدسات"؟. قال "بسيطة، بعد أن فرغت منها، أمسكتْ بقلم، وأخذت ترسم على طرف جريدة، أشارت إلى الرسمة و قالت لي هذه "أماندا"، ثم وقفت وجرت داخل الغرفة في حركة تمثيل، ثم عادت ثانية ورسمت رجالا وراء رسمة "أماندا"، ثم قامت وجرت داخل الشقة في وضع مهاجم، وكانت تستخدم يدها مثل المسدس، وهي تقول: تشي شن طآآآآخ تشي، بعدها أشارت نحوي بإصبعها قائلة أنت وليم (يعني أنا حامد)، ثم أشارت بإصبعها إلى نفسها وهي تقول أنا "أماندا"، ثم حضنتني وهي تقوم بتمثيل دور الخوف". كان هناك دلائل من الحزن بدأت تظهر على وجه عمر، حين وجدني أتلقى تحذيره بتلك الضحكة، نهض بُعيد ذلك بتثاقل لم أعهده فيه، قال وهو يودعني عند باب شقتي: "أسأل الله، من قلبي، ألا تكون (يا حامد) قد ضممت إلى صدرك حيّة، جلد ناعم وأسنان سامة". شيئا فشيئا بدأت الأيام تكشف لي أن رواية عمر للأحداث على سذاجتها ولا واقعيتها كانت تنطوي على قدر لا غبار عليه من الحقيقة.



    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 12-08-2009, 11:05 PM)

                  

12-08-2009, 11:07 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    عزيزتنا الأخت الهام
    سلامات والعيال .
    ارجو التكرم بوضع بعض صور بورتج بليس .
    وصور شقة القاهرة .
    ونيل القاهرة .. شعليقيها لنا هنا فى قلب الكتابات . عنكليها هنا .
    صور للتاريخ . وللزمن .
    تحياتى وكتير شكرى
                  

12-09-2009, 06:29 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    get-5-2009-n8l4cq9t.jpg Hosting at Sudaneseonline.com




    لكأن إعصارا حلّ خطفا ببستان مها الخاتم.




    يتبع:
                  

12-09-2009, 03:59 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    مها
                  

12-09-2009, 06:08 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    كان شعور بالأسى غريب يرتسم على وجه "أماندا" من حين لآخر. في البدء، قلت إنه "الغروب"، لا ضوء، لا ظلام، فقط العتمة تغلف ملامح الأشياء، لكأن الفناء على وشك أن يتهدد بقاء هذا العالم. لكن الأمر أخذ يتكرر في أوقات أخرى أبعد ما يكون منها ذلك الشعور المقبض الثقيل.

    - "هل أنتِ حزينة، يا أماندا"؟.

    كنّا عاريين تماما، وقد فرغنا للتو من ممارسة ظلت تجأر خلالها باللذة أحيانا، وبالضحك عند ملامسة مناطقها الأكثر حساسية أحيانا أخرى، بعدها هبط عليها فجأة ذلك الشعور، شعور غريب على ليلة بدت رومانسية حالمة، شعور كنت ألمسه وهو يطل من عيون نساء انزلقن للتو نحو احدى وظائف العالم الموغلة في البعد والقدم. كان التلفاز يقبع في أقصى أركان غرفة النوم. تدور على شاشته أحداث سياسية صامتة في مكان بائس من الكرة الأرضية. كانت تجلس عند رأس الفراش، تثني ساقيها إلى أعلى، مصالبة ساعديها فوق ركبتيها المتباعدتين، تضع رأسها فوق رسغها، غلالة رقيقة تعشي عينيها، كانت تتمعن في نقطة بعيدة خارج نطاق البصر. ذات الشعور رأيته يطل من وجه مها الخاتم في مساء يبدو لي الآن بعيدا ونائيا تماما. كان حزنها خلال أيامها الأخيرة في أرض الكنانة، يشبه مطر المناطق الاستوائية إلى حد بعيد، تارة يندلق ثقيلا متواصلا، وتارة أخرى يهمي خفيفا متباعدا، وفي كلتا الحالين لا تدري متى يبدأ أويتوقف. إنه تعب المنفى.

    لم تُجب على سؤالي. فقط طلبت مني أن أملأ لها كأس الويسكي إلى الحافة قبل أن تخلد إلى صمت عميق أخذت تتفتق خلاله تلك الجراح المتقيحة واحدة واحدة.





    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 12-09-2009, 06:12 PM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 12-10-2009, 08:27 AM)

                  

12-10-2009, 08:16 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    كان عادل سحلب قد سبقني إلى كندا بسنوات عديدة. لم تكن تجمعني به في القاهرة سوى أنشطة المنفيين العامة. حتى هذا كان يحدث على فترات متباعدة. لكني بدأت أتعرف عليه، أكثر فأكثر، من تلك الحكايات التي ظلت إلى حين رحيلي سرا إلى كندا تنزف من قلب مها الخاتم. "شرف المرأة في عقلها". كان ينسج شباكه حول فريسته على هذا المنوال. "إذا سقط الشيوعي فانه يسقط عموديا". كنت أنسج شباكي حول ذات الفريسة بطريقة أخرى. لكنها لم تكن مها الخاتم حين رأيتها وهي تعبر بوابة مكتب الأمم المتحدة ذلك الصباح الصيفي البعيد. كان حطام مها الخاتم. لم يكن ثمة من سبيل لاستدراجها سوى بناء نفسي على أنقاض سقوطه الشنيع "في نظرها". كان كادرا خطابيا مفوها. كنت ولا أزال دودة كتبٍ مطهمة حتى الثمالة بمجموعة متفرقة من أشعار وحكم وأمثال وأقوال مأثورة وأعرف كيف أجعل زواحف الأرض تنظر إلى نفسها كما لو كانت تنظر إلى العالم من قمة جبلية. لكل منّا طريقته والهدف واحد.


    يتبع:
                  

12-10-2009, 02:39 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    تحية خاصة للأعزاء:

    أحمد عبدالمكرم

    عادل القصاص

    أحمد الملك
                  

12-10-2009, 07:59 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    قلت لها ناسجا شراك من خيوط العزاء الحريرية الناعمة "هذا الوغد، ظل يتشدق في الندوات واجتماعات الحزب قائلا إنه يندرج في تيار إحياء الإنسان، لكنه يُميتك أنتِ سليلة هذا المجتمع الأبوي آلاف المرات في اليوم، إنني أعلن أمامك الآن أنني على استعداد تام لرأب ما تصدع بجريرة غيري". كنت بمثابة بريق خادع تراءى لضال على حواف اليأس في ليلة ريفية حالكة. كنت أشعر في قرارة نفسي وكأني أضاجع جثة نضب ماء الحياة في داخلها منذ أمد بعيد. لم تكن مها الخاتم لحظة أن رأيتها لأول مرة وهي تعبر بوابة مكتب الأمم المتحدة في القاهرة على طريقة "واثق الخطو يمشي ملكا". لقد بدت فريسة لرسالي ما انفك يتشدق بضرورة إحياء الإنسان أينما اعتلى منبرا أوتصدر مجلسا. ربما لهذا لم أخبرها آنذاك بقبولي كمهاجر إلى كندا. لم يكن في عزمي أن أقضي ما تبقى لي من عمر صحبة "فطيسة". كانت تقاليد "فقه الضرورة" في منفى بائس وسيط مثل القاهرة سائدة كطريقة حياة. كنت أتعامل مع بقايا من أكل قبلي بنفسية ضبع. لم تكن تهمني كثيرا رائحة عادل سحلب التي ظلت تفوح نتانتها من جسدها المنهك كلما جمعنا الفراش المسترق معا. كنت أكتم أنفاسي وأبدأ الأكل وفي كل مرة كان يلازمني احساس غامض أنها وجبتي الأخيرة.




    يتبع:
                  

12-10-2009, 10:36 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    يجب التذكير أن هذا العمل السردي مجرد وقائع من الخيال وإن تشابه في بعض أجزائه مع الواقع.
                  

12-11-2009, 04:29 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    كيف رسمتها يا حميد ؟
    كيف ؟
    . ملامح وجه أماندا جميلة .
    جميلة يا حميد .
    ... نتابع
                  

12-11-2009, 05:07 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)

    حين أكتب شيئا ما، يا عثمان، أحاول تلقائيا قدر ما وسع الجهد أن أعطي أهمية قصوى لثلاثة: الحب، الحرية الداخلية، والخيال. الحب في تصوري يحول دون احكام القيمة المجانية، سمو نحو المطلق، قدرة لا نهائية على التسامح أوالتجاوز، وتعاطف عميق مع الضعف البشري. الحرية الداخلية من منطلق أن الكتابة لدي تشكل في مستوى فعلا ثوريا وعمل هو عرضة في أية لحظة للدخول في صدام مع أيا كان من أشكال التابو أوالمحرمات القائمة. الخيال يعمل على توسيع أبعاد الواقع الضيقة ويسمح بطرح احتمالات بديلة للحياة الراهنة على نحو يجعل العالم أكثر إنسانية أوقابلية للعيش. دمت أخي.
                  

12-11-2009, 05:51 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    "إن العفة، يا أخي ليو، تجلس لوحدها تماما على قمة حافة مهجورة من خلال عقلها تمر على كل المتع المحرمة التي لم تذقها، وتبكي". منذ ساعة تقريبا، أخلدت "اماندا" إلى النوم في صمت. هكذا، تركتني وحدي أتأمل في مغزى تلك العبارة، من كتاب كازنتزاكي "فقير الله القديس فرانيس الصقلي"، على ضوء شاشة التلفاز الصامتة. رأسي مليئة بالعبارات. وجه مها الخاتم لا يزال يطل من ثنايا العتمة كوجه من عالم بعيد "لا أريد أن أتذكره".



    يتبع:

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 12-11-2009, 07:40 AM)
    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 12-11-2009, 07:42 AM)

                  

12-11-2009, 08:34 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    كان رواد المقاهي من المنفيين الغرباء يحكون ما يتداعى به عادل سحلب لحظة أن تتمكن منه سلاطين السُكر. قال "لقد انزلقتُ عميقا داخل عسل تلك الفاتنة". كان ولا يزال مثلي مولعا بالعبارات الغامضة. شيئا فشيئا، بدأت حصانتها تتهاوى، توازنها يتأرجح، الحلقات حولها تضيق. هذه مملكة شامخة تداعت حصونها. في مثل تلك الظروف، لم يكن من الممكن نسج شراك أخرى لذات الفريسة من غير خيوط الاحترام. ذلك ما قد تبادر إلى ذهني في أعقاب أحد الاجتماعات الحزبية. "امنح الناس ما حُرِموا منه بعد عطاء". كان رأس الحكمة يشتعل داخل سراويلي الناشفة. كان لا بد من الإبقاء بطريقة أخرى على تلك الأسباب التي أحرق عادل سحلب سبل الوصول إليها: "قمة الثورة أن توافق إرادة أنثى إرادة رجل في عالم تتحدد فيه قيمة أحد الأطراف ببقاء غشاء البكارة أوزواله". وهذا ما حدث. خلال الأيام الأولى، بدا وكأني صدقت دور "المنقذ"، كنت ممثلا بارعا، لكني ما أن شبعت بعد عامين أويزيد، حتى بدأت تتسلل إلى أنفي من جسدها المبذول، تلك الرائحة النتنة، وموروث الأمثال الثقيل يرن في أعماقي مثل أجراس الخطر تتناهى من مكان بعيد: "لا تبل في شق بال فيه غيرك". أتذكر الآن أنها بدأت تنتعش إلى جواري رويدا رويدا. لم تكن تعلم وقتها أني لا أجيد السير خارج أرض العبارات كثيرا. أي بركان ثوري يعتمل في داخلي لم يمنحني حتى شجاعة أن أودعها في طريقي إلى كندا؟.



    "الكتابة هي الملاذ الوحيد لمن خان".




    يتبع:
                  

12-11-2009, 09:11 AM

elham ahmed
<aelham ahmed
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    العزيز عثمان
    سلام
    اسمح لي بصورة قديمة شوية للبرنس في الاسكندرية



    sudansudansudansudansudansudansudansudansudansudan33.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

12-11-2009, 01:52 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: elham ahmed)

    أم العيال:


    ربما كنت وقتها أتطلع إلى شيء جميل يدعى الأسرة بعد أن أضناني الحنين إلى أسرة تركتها ورائي.
                  

12-11-2009, 06:17 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    كان يوما عاديا من أيام شهر سبتمبر. كنت أسير في شارع "سرجنت" صحبة ياسر كوكو. "أماندا" كانت في زيارة لصديقتها القديمة "جيسكا". لم يكن لدي ما أفعله إلى حين عودتها آخر المساء. كان الوقت يعبر منتصف عصره حين تجاوزنا تقاطع "سرجنت" مع شارع "تورنتو".

    في وقت متأخر من صباح الثلاثاء الموافق الرابع والعشرين من شهر يوليو من عام 1934 فجعت مدينة "وينبيك" بمصرع "سرجنت جون فِرن" أثناء مكافحة سطو مسلح على صيديلة "نوربيردج" في العقار رقم 11 من شارع "ماري". كان ثالث رجل يلقى مصرعه من قوات البوليس. لم يتجاوز عمره وقتها تسعة وثلاثين عاما بعد. يكشف تاريخ خدمته أنه التحق بقوى صغيرة قوامها عشرة رجال تعمل في ضاحية "سان بونفيس". كان ذلك في العشرين من أغسطس من عام 1920. بعد نحو العامين تقريبا، ترقى إلى رتبة "سرجنت". لم تذكر المصادر تحديدا عدد الأطفال الذين تركهم لأرملته من غير وداع. كل ما خرجت به الأرملة آنذاك مرتب شهرين (400 دولار) ومبلغ (40 دولار) من مؤسسة تعويض العاملين التي خصصت كذلك مبلغا ضئيلا لكل طفل. المدينة التي أطلقت اسمه على أحد شوارعها لاحقا لم يغب عنها في بادرة طيبة أن تتكفل بمصروفات الجنازة.

    "سرجنت جون فرن"، حين تلقى في مكتبه تقريرا بالحادث حوالي الثامنة والربع صباحا، وحتى وهو يخلِّف على مكتبه أحد رجال المطافيء لنقص في القوى اللازمة من البوليس، لم يدر بذهنه قط أن الشارع الذي سيحمل اسمه بعد حتفه الوشيك سيتحول تدريجا إلى ملتقى دائم بين المومسات والباحثين عن لذة عابرة.




    يتبع:
                  

12-11-2009, 08:01 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    مثل تلك التواريخ المنسية داء أصابني منذ مدة. "عاش (95) عاما، وأنجب (153) ولدا و(51) بنتا، من (5) زوجات". هكذا، وأنا لا أزال في القاهرة، لم تكن تشغلني فتوحات رمسيس، لم يكن يشغلني ما ترك وراءه من أحجار تبدو كشواهد خالدة على عظمته، بقدر ما كانت تشغلني تلك الجوانب المهملة من تاريخه الشخصي. كان ياسر كوكو يسبقني في السير بخطوة. لم يكن يشغله من أمر هذا العالم شيء. كل ما كان يشغله في تلك اللحظة أننا غادرنا شقتي إلى حيث نقابل بعد دقائق بعض المنفيين الغرباء على مائدة للدردشة من موائد "بورتج بليس". كنت أسير على الدوام ملتقطا في طريقي أدق التفاصيل. أعقاب السجائر، فتات الطعام، غنج النساء حين تشي به الخطوة، حيرة العصافير على رؤوس الأعمدة، آثار الأقدام، رائحة الهواء عند الأزقة أوالميادين المفتوحة، العوازل الطبية التي يرمي بها المشردون أسفل دغل كثيف، شظايا زجاجية صغيرة عند منتصف الأسفلت في نهار مشمس تجاوز ثلثه الثاني بقليل أويكاد، ماركة العربات وتاريخ إنتاجها، وجه عجوز يطل من وراء نافذة زجاجية متسخة، أحاديث المارة العابرة، لوحات الدعاية، الشجر، البيوت، المحلات التجارية. لعلي بكل هذا كنت ولا أزال أقاوم في داخلي ما يدعونه "الحنين".



    يتبع:
                  

12-12-2009, 02:38 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)

    يا للجمال
    ما كنت أعرف البرنس
    حتى حدثنى عنه صديق منذ 8 سنوات .
    وقال . دع هذا البرنس يحكى لك عن ماركيز . منذ العام 1928 .
    دع البرنس يشرد ويسافر الى كولمبيا . دع البرنس يحلق ويرسم ويرسم ويرسم .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 2 „‰ 5:   <<  1 2 3 4 5  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de