أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان

أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان
قضيت أحلي الأيام في مدينة هي بكل المقاييس الجمالية والإثنية والثقافية والحياتية صورة كربونية مكبرة لوادي حلفا الموءودة - كنت أمر- وفي قلبي حنين ولهفه ممزوجة بمشاعر جياشة - دون التوقف عندها أثناء تسفاراتي القليلة التي كانت تأخذني إلي مصر وهي علي مرمي حجر من محطة السد العالي الشهيرة التي تنتهي إليها كل البواخر النيلية القادمة من حلفا – إنها أسوان الوجه الأخر لوادي حلفا العزيزة أو أكثر تحديدا الباك فلاش الحقيقي لها – لحظة هبوطي إليها اعتراني إحساس ودود لا يخلو من عاطفة بانني في بلدي ومدينتي وبين صنو أهلي السمر – أنماط البيوت والأماكن وسلسلة الجبال البنية الممتدة وسحنات الناس وطبائعهم وحتى الحناطير والدواب الساحبة لها تتمدد أشكالها وصورها النمطية استقرارا في الوجدان وتجعلك في هنيهة إستغراق قصيرة أمام فلاش باك غامر يجسد كل التفاصيل الصغيرة التي ترقد الآن تحت الثري المطور بمياه السد العالي بوادي حلفا – العامية المتداولة في شوارعها النظيفة وأسواقها الشعبية المبعثرة علي مقربة من الشاطئ النهري الساحر تحوي في كثير من جوانبها ذات المصطلحات والمفردات المهجنة التي قبرت بوادي حلفا – فبعد حوالي الأربعة عقود لم تكن غريبة علي مسامعي أن تلتقط إلتقاطا سريعا ومدهشا مفردات مثل القفطان والأتومبيل والكرنتينا والدخولية ( فناء مسور لتجميع الحيوانات خارج المدينة بغية المحافظة علي نظافتها ) وكلمات مهجنة أخري كثيرة تمشي بين الناس تماما كتداول العملات بأيديهم – قضيت معظم فترات وجودي بأسوان ورياح الأمشير التي وفدت مبكرا تضرب في كل الإتجاهات وذاكرتي المتداعية تجوب كل الأنحاء القريبة والبعيدة وتلتقط مسير الأحداث الأسوانية ليقوم عقلي الباطن المختزن بمقارنتها مع رتم الحياة الفريدة التي كانت تتداعي في وادي حلفا قبل سنون طويلة فأسوان وبرغم بعض من الحداثة التي غزتها في جوانب شتي - لا تزال تحتفظ بطابعها وملامحها النوبية القديمة التي أكاد أجزم إنها إنسابت إليها من حلفا أو إنها إنداحت إلي حلفا عبر هذا النهر القديم أول ما أسترعي إنتباهي - من مظاهر وأحداث - نقلت روحي إلي مراتع الصبا - فور ملامسة قدماي لارضها دونما رهبة أو وجل - بمعية مجموعة غرباء قدموا إليها لإجراء بعض الدراسات الميدانية حول مشروع تحديثي يودون إضافته في إطار سلسلة من المتغيرات الحضارية التي تشهدها أسوان في وقتنا الحاضر – العامية الهجين التي تنطلق من أفواه الأسوانيين بسلاسة محببة للنفس تستقر في الوجدان دون الحاجة إلي المرور إلي ميكانيزمات الذهن تفسيرا أو تأويلا نادي علينا أحد التكاسة وسط ضجيج هائل تحدثه محركات سياراتهم المألوفة – يا خواجة – يا زول انت – يا بتاع القفطان هوي - في إشارة لشخصي - وكنت وقتها ارتدي جاكيتا إتقاء لسعات البرد القارص - بدا له بطولة العجيب قفطانا نوبيا زاهي الألوان - مش عايزين أوتمبيل أجرة تروحكم البلد ؟ - تسمرت مشدوها في مكاني وأنا أهم بالإقتراب منه وسافرت بروحي محلقا في الشطر الجنوبي للوادي ( وادي حلفا ) – أخذتني المفردة الرنانة إلي موقف العربات ببلدتي الصغيرة عبكة - كانت لدينا سيارتان فقط في عبكة تنطلقان صباحا إلي حلفا وتعودا مساء محملة بكل الخيرات التي كانت تذخر بها وادي حلفا في ذاك الزمان الغابر – تذكرت عربة عمنا أحمد شقي والمساعد محمد سيد أحمد موسي يمارس هوايتة الصباحية بتسخينها وفحص لوازمها التشغيلية ريثما يأتي السائق أحمد شقي ويتجمع الركاب – تنادت في ذاكرتي شخوص مراحيمنا الأجلاء خاصة عمنا المغفور له عثمان صادق والذي كان هو الأخر يستمتع بهوايتة اليومية في موقف العربات طاردا الأطفال المتحلقين حول العربة المتأهبة للرحيل بصوتة الأجش وهو يخاطبنا بأعلي صوتة حتمشوا بعيد من الأوتمبيل ولا أوديكم وراء الشمس يا أولاد الحرام فيتشتت جمعنا ولكننا نعيد الكرة ونتجمع مرات ومرات مدفوعين بفضول وشقاوة أطفال فريدة – تداعت ذاكرتي وقدماي لا تزال محفورة في مكان هبوطها لا تقوي علي الحركة بإتجاه التكاسي الأسواني ذو القفطان الداكن اللون ودخان كدوسة القديم الذي سرعان ما يتكثف بفعل الضباب الشتوي الذي يلف المنطقة برمتها فتذكرت مدرسة عبكة الصغري التي كانت تقبع خلف جبل أشم وراء بيتنا الذي لا يزال يصرخ لمن يخرجة من تحت اليم وناظرها المهاب المرحوم خليل محمد خليل مرتديا قفطانة البني المميز المهيب وهو يقف وسط الطابور الصباحي بكرباجه المتأهب دوما للعقابات التربوية بقيت بأسوان فترة زمنية قصيرة قبل عودتي منها محملا ببعض الهدايا الأسوانية العتيقة لصغاري وبعض من ذكريات وتداعيات ستعلق بالذاكرة ما حييت وكم تمنيتها أن تطول ولكنها وبرغم قصرها حفلت بأحداث متلاحقة منها العملي والإجتماعي والسياحي ومع ذلك لم تستطع قدماي أن تأخذني لزيارة صنو أهلي في قراهم ومناطقهم في قسطل وكوم أمبو – عفوا أخي وصديقي صلاح أدم بقسطل لعدم تمكني من زيارته وأهله – فالمعايش جبارة كما يقولون - وشكرا للأغراب الذين وفروا لي في هذا الزمان الضاغط فرصة الالتقاء بأسوان القديمة وأتومبيلاتها وقفطانها وسلات التبضع المصنوعة من الخيزران وقناني عسل قصب السكر الأسود المصنوعة من الفخار والرسومات النوبية والأطباق المطبوعة علي أسطح جدران بعض المنازل التي لا تزال تقاوم رياح الحداثة وأهلها الطيبين (عدل بواسطة Faisal Taha on 01-30-2007, 01:12 PM) (عدل بواسطة Faisal Taha on 01-30-2007, 01:15 PM) (عدل بواسطة Faisal Taha on 01-30-2007, 01:24 PM) (عدل بواسطة Faisal Taha on 02-01-2007, 08:05 PM)

العنوان	الكاتب	Date
أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	Faisal Taha	01-30-07, 01:10 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	Muna Khugali	01-30-07, 03:07 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	فيصل نوبي	01-30-07, 03:42 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	Faisal Taha	01-30-07, 09:14 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	Faisal Taha	01-30-07, 08:54 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	bushra suleiman	01-30-07, 05:01 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	Faisal Taha	01-30-07, 09:44 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	abubakr	01-30-07, 06:00 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	Faisal Taha	01-30-07, 10:06 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	Faisal Taha	01-30-07, 10:22 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	Faisal Taha	01-30-07, 10:40 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	فيصل محمد خليل	01-30-07, 11:10 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	Faisal Taha	01-31-07, 07:15 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	Salah Waspa	01-30-07, 11:52 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	Faisal Taha	01-31-07, 07:11 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	abubakr	01-31-07, 05:07 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	Faisal Taha	01-31-07, 07:45 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	Faisal Taha	01-31-07, 08:08 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	abubakr	01-31-07, 07:54 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	Faisal Taha	01-31-07, 08:22 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	Faisal Al Zubeir	01-31-07, 09:23 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	الشفيع عوض شوشتا	01-31-07, 09:45 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	Faisal Taha	02-01-07, 09:16 PM
Re: أسوان حتما ستأخذني إليك دروب الحياة كمان وكمان	Faisal Taha	02-01-07, 07:55 PM

[رد على الموضوع]

صفحة 1 „‰ 1: << 1 >>

احدث عناوين سودانيز اون لاين الان

اراء حرة و مقالات	Latest Posts in English Forum
Articles and Views	اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases	اخبار و بيانات

الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة

About Us
Contact Us
About Sudanese Online

اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين

News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums

If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]