الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 01:40 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الراحل الاستاذ الخاتم عدلان(Khatim)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-24-2005, 07:15 AM

عبد الجبار

تاريخ التسجيل: 11-21-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين!

    الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين!!

    * عبد الجبار عبد الله

    "أنا أم أنت
    أم زمن التداعي؟
    أكتب الآنَ التياعي...
    يرحل الأحباب من غير وداع
    يرحل الأحباب من غير وداع...
    اليوم نقتحم الغيابَ فلا تعزينا .. تماسك,
    قبل أن يهوي كلانا.
    هذه الدنيا بطوع بناننا تمشي
    ودمعك يجرح القلب المسافر والبقية...."
    قفزت إلى ذهني من مخبئها في مكان ما, من الذاكرة والوجدان, هذه الأبيات لشاعرنا مبارك بشير, لحظة أن دهمني خبر الرحيل الفاجع المباغت لصديقنا وعزيزنا الخاتم. وبين مصدق ومكذب لوقع الخبر الصاعق على أذني وروحي, مضت ساعات يوم سلحفائي بطيء متسكع, ثقيل الظل والخطى, وأنا أستعيد الذكريات والوجوه والملامح والمواقف, التي جمعت بيننا والخاتم, ووحدت بيننا مرة واحدة وإلى الأبد, على رغم تشعب الدروب والمسالك, وتباين الرؤى والخيارات لاحقاً, في الوصول من طرق متعددة مختلفة, إلى روما السودان, تلك الجميلة التي حلمنا بها جميعاً وشاطرنا في سبيلها الخاتم, السهر والسهاد, والأرق ومخاطر الطريق الشاق الوعر مع شتى الحكومات والديكتاتوريات البغيضة الباطشة. وكان عهد غليظ بيننا, ولقمة وملح وملاح...عشرةٌ, ومغامرات شقية لا تنسى, وغضبة وقهقهة, وكلمة صافية عذبة, توجهت دائماً بثقلها وعنفوانها كله إلى الوطن.. إلى تلك الـ "روما" الفاتنة الحسناء. يا لكل الأصدقاء ... يا وجع الغربة والرحيل المباغت الحزين.. يا لهذي الأيام!
    وبأذن الشاعر والمسرحي الألماني برتولد بريشت الملحمية التغريبية المفارقة –لا بأذني- أمضيت يوماً كاملاً من الترجمة والعمل, على خلفية السماع والاستعادة المستمرة لأغنية محمد الأمين "عيال أب جويلي" باعتبارهم رمزاً ومفخرة لكل ما هو أصيل وشديد الانتماء للسودان. وعلى رغم تباعد الجغرافيا وظرف الزمان والمكان الذي أنجب "عيال أب جويلي" ودفع بهم إلى دار كردفان, حيث "ضربوا الجوز عديل" و"اتغربوا وسدروا" والظروف التي أنجبت الخاتم, إلا أنني رأيت وجهه بينهم وهو "يكمبل" و"يعرض" مثلهم في حبه لأهل السودان, وفي التصاق قدميه بتراب السودان, وفي دفاعه الشريف الجسور عن شعب السودان. الفارق الوحيد أنهم كانوا يفعلون ذلك بنخوة الحناجر والسيوف والسياط وأذرع الفتيان القوية المفتولة. بينما كان يأتي هو وطنه خفيفاً سريعاً كخيول الريح, بالكلمة والفكرة الناصعة القاطعة الشفيفة. كانوا يقطعون عهدهم للسودان بالسيف, وكان يقطع هو عهده بحد الكلمة ومضاء القلم المصادم الجسور. وفي ذلك فقد كان مثلهم تماماً في حدائه الجميل وفكره الرصين. كما اتسعت حنجرة محمد الأمين وهو يتغنى بمآثر وأمجاد "عيال أب جويلي" لأمثال الخاتم, إذ يقول فيهم "ديل درب أب درق شقُو"! ومن باب الحرص على وضوح المعنى للجميع, فإن "أب درق" هو نوع من الثعابين الشرسة المقاتلة, التي تتحرش بالعابرين, كما تفعل الكوبرا. أو لم يشق الخاتم في حياته الطويلة العامرة بالصمود والمخاطرة في وجه العسف والديكتاتوريات, ما هو أشد خطراً من درب أب درق؟ ألم يكن موته هذا الحزين في بريطانيا, امتداداً آخر لدرب أب درق الذي آثر المضي فيه إلى آخر الشوط؟
    ثم امتد بي السهو بعيداً مع الحزن والغناء, حتى وصلت في الأغنية ذاتها إلى مقطع:
    "غنّي وشكّري يا ام قرقداً حسّو
    غنّي وشكّري يا خدرة الورتاب"
    وصولاً إلى "حقّيت الإسم يا السالم الأرباب, قيدومة العيال.. ركازة للمرغاب" إلى آخر كلمات الشكر ومديح الظل العالي. وقد يكون هنا بشكل خاص, مكمن الملحمية والتغريب في هذا المزج الغريب بين الطرب والغناء, والحزن العميق في آن. طربت في لجة حزني لهذه الكلمات بالذات: " غنّي وشكّري" و"حقيت الإسم" و"ركازة للمرغاب". أليست تلك هي أقصى الصفات والخصال التي يمجد بها أدبنا وتراثنا الشعبي كل "عيال أب جويلي" النابهين النوادر, في سوداننا الكبير الممتد من شرقه إلى غربه, ومن جنوبه إلى أقصى شماله؟ وفي تراثنا لا يشكر الإنسان إلا في موته, وفي ذلك زهدٌ وغلظةٌ وجلافة, على رغم ما فيه من سماحة كبيرة وترفع عن أدواء الأنا والذات. وفي التراث نفسه, يستحيل "شكر" الميت إلى غناء حزين, يقطع القلوب،يشق زرقة السماء ويزلزل الأرض تحت الأقدام الراسخة:
    "غرارة العبوس
    دار الكمال ونقاص
    دوبا حليل "أخوي"
    للعلوم درّاس"
    ثم تبلغ المناحة شأواً بعيداً في تمجيد مأثرة كبيرة من مآثر الفقيد:
    "بصّادم المغارة
    خيلاً بجن بالليل... إلخ". والأصل في هذه المناحة أنها قيلت في تمجيد وإعلاء شأن الشيخ عبد الباقي حمد النيل, رجل الصوفية المعروف. وبالتالي كانت كلمة "أخوي" التي أوردتها هنا, تحريفاً بائناً مني للأصل -أعترف به- حتى يتسق المعنى والسياق في إعلاء شأن فقيدنا الخاتم. ولكن ذاك وجهٌ صوفيٌ موّله عابد, وهذا وجهٌ يساريٌ علمانيٌ قاطعٌ كما حد السيف...فما وجه التلاقي؟ في رأيي الشخصي أن الذي كان لمحة, بين الشيخ عبد الباقي حمد النيل, والخاتم عدلان, هو في -وجه من الوجوه- نفس الذي كان بغتةً ما بين الشيخ قريب الله الصوفي الورع، والفنان البوهيمي كرومة على حد تعبير ووصف أستاذنا حسن نجيلة. فقد كان لصوت كرومة سحر خاص في وقته وزمانه. وكان ذات ليلة يهجج حفل عرس كبير في حي ودنوباوي بأم درمان. ولم تكن دار العرس بعيدة عن دار الشيخ قريب الله. وكان نسمات الليل الهادئ تحمل إلى الشيخ قريب الله ومن معه, صوت كرومة وألحانه الشجية الآسرة وهو يشدو:
    يا ليل أبقالي شاهد
    على نار شوقي وجنوني
    يا ليل... يا ليل...يا ليل!
    وينصت الشيخ إلى هذه المناجاة الحلوة العذبة لليل.. هذا الليل الذي يهواه ويقيمه تعبداً وتهجداً وتلاوة لآي القرآن والذكر الحكيم. وفي لحظة يستبد بالشيخ الفضول, إلى درجة جعلته لا يقوى على الصبر فيسأل: ما اسم هذا الفنان؟ فيقال له كرومة. وما كان من الشيخ إلا أن استعجل مريديه بطلب هذا الفنان والإتيان به فوراً إلى داره في عز ذلك الليل مشكوراً. فخف المريدون إلى دار العرس وهمسوا في أذن كرومة بطلب الشيخ. يجزع كرومة ويقفز قلبه من فجاءة الطلب وغرابته! ولكنه يذهب معهم على الفور بقلب واجف خائف, ويجلس إلى الشيخ, ويستجيب لطلبه الذي لا يرد. وهناك يطلب إليه الشيخ أن يردد على مسامعه ما كان يغنيه في بيت العرس. فيردد كرومة مضطرباً المقطع الأول من الأغنية:

    يا ليل أبقالي شاهد
    على نار شوقي وجنوني
    يا ليل... يا ليل...يا ليل!
    يهتز الشيخ, يصعقه الغناء ويرتفع صوته في صيحة من تملكته نشوة الحضور الصوفي: صاح الله ... صاح الله. ويغني المغني وكل على هواه!
    وما رأيته في هذه الحضرة الصوفية أن في وجدان الخاتم, في جيناته وتكوينه وسيرته, حظٌ وافرٌ من هذا الوجدان الصوفي المعذب المحترق بشوق النفاذ إلى عمق الأشياء والحقيقة. وفي قلبه رغدٌ من حب الناس والنقاء وسماحة الصوفيين, وقدرة التسامي على مرارة الخلاف والمناطحة السياسية. وفي صرخة صديقنا وصديقه بشرى الفاضل "يا شعبنا يا أحبابه.. رحل الخاتم" المدوية يوم أمس عبر هذا البورد, ما يشي بهذه المعاني ويغريها ويؤكد هول الصدمة والفجيعة والفقد الجلل, كما النهر الذي تجري مياهه أمامنا ومن تحت أقدامنا, فلا نستطيع أن نسبح فيه مرتين, على حد قول أحد فلاسفة الديالكتيك الإغريق. وفي جلال الحضرة الصوفية البهية, في وداع الخاتم, أود أن أردد لمن في قلبه "شيءٌ من حتى" من رفاق الدرب والحياة, أصداء تلك المعاني الإنسانية الخالدة، التي نضحت بها حكمة الثوري الألماني المبدع بريشت:
    "نحن الذين جئنا لنضع قواعد الرحمة...
    فكيف لا نستطيع أن نكون رحماء فيما بيننا"
    ومن جانبه فقد أظهر الخاتم حتى آخر مقالة جادت بها قريحته قبل أن يلفظ روحه وأنفاسه الأخيرة, قدراً كبيراً من روح السماحة والتراحم هذه, بل وقدراً كبيراً من الثبات والصمود المستمر في خندق الوعي والاستنارة والفضيلة ونكران الذات. وإلى تاريخه وسيرته, ما بصق الخاتم يوماً وما حدث نفسه "أن أنظر وراءك في غضب"! وهل في ذلك ما هو أدل من دفاعه الناصع الصميم عن سيرة اليسار السوداني, ورمزه الخالد أبداً ... عبد الخالق؟
    "هو الموتُ:
    سهمٌ منطلقٌ في الزمن الآتي
    منطلقٌ، منطلقٌ، منطلقٌ
    ( لا يصل)
    الموتُ:
    ساقيةٌ تغرف ماء البحر
    لتسقي عشب البحر!
    الموتُ:
    عينٌ كحلاءُ الرمش
    مزججةُ الحاجب
    ( لا تبصر غير الدهر)
    الموتُ:
    ألفٌ تعدو في الصحراء
    عبر الباء وعبر التاء
    ( لا تصل النون, ولا تصل الهاء, ولا تصل الياء)
    كما قال شاعرنا الراحل عبد الحي. العزاء الحار لزوجته تيسير ولأطفاله ولأخيه عدلان, ولأسرته السودانية الكبيرة الممتدة. والعزاء لأصدقائه وأحبابه الكثر, الذين ما عاد لهم أن يعيدوا السباحة في ذاك النهر الصافي الرقراق.

    Email: [email protected]




                  

العنوان الكاتب Date
الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين! عبد الجبار04-24-05, 07:15 AM
  Re: الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين! Tumadir04-24-05, 05:05 PM
    Re: الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين! عبد الجبار04-25-05, 07:40 AM
  Re: الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين! hala guta04-24-05, 06:30 PM
    Re: الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين! benyya04-24-05, 10:49 PM
  Re: الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين! Sabri Elshareef04-25-05, 09:44 AM
  Re: الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين! Alia awadelkareem04-25-05, 10:07 AM
    Re: الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين! ABUKHALID04-25-05, 11:23 AM
      Re: الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين! بكرى ابوبكر04-26-05, 09:53 PM
        Re: الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين! عبد الجبار04-27-05, 00:07 AM
      Re: الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين! عبد الجبار04-26-05, 11:50 PM
    Re: الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين! عبد الجبار04-27-05, 00:03 AM
      Re: الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين! soma04-27-05, 00:16 AM
        Re: الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين! عشة بت فاطنة04-27-05, 04:35 AM
          Re: الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين! Tumadir04-27-05, 05:13 AM
          Re: الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين! Bushra Elfadil04-27-05, 05:18 AM
            Re: الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين! عبد الجبار04-27-05, 06:16 AM
          Re: الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين! عبد الجبار04-27-05, 06:23 AM
            Re: الخاتم ... نهرٌ لن نسبح في مياهه مرتين! Alia awadelkareem04-28-05, 00:45 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de