|
لا كرامة لنبى
|
لا كرامة لنبى
فى معرض مناقشة شأن و بعض امور معلقة ، التقيت و ( عزو) ذات صباح للتفاكر ساعة او يزيد قليلا ، فانضم الى مجلسنا جوع كافر انعقد له لواء الفوز ، و كان الجو ( جو فول) ، اقترحته فصدق ( عزو) عليه موافقا، قمت اعده باخلاص و صبرو اريحية ، وقبل ان اتمكن من الجلوس ، كان (عزو) قد سبقنى بمسافة نصف رغيف استقر فى جوفه ، اكلنا بنهم يقترب من حدود ( الزلعه) ، اكلنا حتى بهتت الألوان فى زهرة قاع صحن ( الصينى) و هو صحنى و انا لست بصينى ، هدا منا الروع ، فتبادلنا ابتسامات الامتلاء، هفت اعماقنا البركانية الملتهبة الى الماء البارد ، و كوب الشاى و جازت لنا التعسيلة ، الا اننى كنت اطمح فوق هذا و ذاك الى كلمة تقريظ و ثناء تبعث الأمل فى ( اناى العليا) المتهالكة ، جلست انتظرها فما خرجت من فاه ( عزو) غير ثؤبة حرى من اثر المخدر ، اتخذ متكا فى انتظار الشاى ، و تماديت انا فى التاخير ، علنى احظى بكلمة محفزة ، و لم تجد نظراتى المتسولة تبحث فى داخل عيونه عن معان للأمتنان، قلت اذكره بسؤال لطيف مباشر عله سها او انه ذاهل من جمال الفول ... رايك شنو فى الفولة النضيفة دى؟... و مضيت احلم برده مطرز بعبارات من نوع..رهيب...فظيع....جامد بحسب شكل ( اللنغوا) الحديثة ، بيد انه تلجلج و تململ ثم افصح ( و الله كان كنت حشيت ليك فيهو بصلة؟؟!!!) ...فاسقط فى يدى ، قالها وهو يلحس اصابعه العشرة باناة و تلذذ من اوكل اليه ( تشطيف) قدمى ( ليلى علوى) فى زمانها فخابت امالى مرة و الى الابد ، تجمد الدم فى عروقى ، و بدا لى الامر برمته كمزحة سخيفة او حلم مزعج ، فليس بكثير على الرجل ان يجامل بكلمة تحمل بعضا من معانى الرهابة و الفظاعة حتى ، يسبغها على وجبة تصيد فيها كل حبة شاردة وواردة حتى هممت الحاقه ب ( وصلة) ، و لكنه تابى على الاعتراف و انكر فضل اشمار و زيت السمسم و عقد شرطه على غياب البصل ، لم اقدر على تجاوز تعليقه طيلة النهار ليس لسبب سوى دلالة الحدث على ( تخانة) جلده الصديق ، لازمتنى هذه الصدمة زمنا حتى تبين لى بعد سنوات ، ان ( عزو) لا يعانى وحده هذه من هذه الحالة ، و لكننا جميعا نعانى منها و ان انكرنا ذلك ، نلحم شفاهنا ( باصبع امير) قبل ان ننطق بكلمة شكر او نعترف بفضل احد علينا ،( نقادون) بالفطرة ، نتلذذ باظهار وجه القصور فى انجاز الاخر حتى و لو لم نكن نعلم شيئا عن طبيعة انجازه ، فاذا قطب الاخر جبينه غضبا ، اسميناه (حساس) ،.. ياخى جانكوف ده حساس ما برضى!!! و الحساسية فى هذا المقام سبة و نقيصة اكثر من كونها دليل رقى وسمو و تشذيب ، و قد يسمعك الرجل كلاما لا ترضاه، يعقبه بتعليق زرىء ( اوعى تكون اتعقدت؟؟؟) وقد عاصرت فى حياتى فطاحلة فى تقصى العيوب و التعامى عن رؤية الفضائل فى انجاز الاخر ، و قد اتخذت متعة فى الاستماع الى عبارات مثل ( و الله لو كنت غيرت اللون الأحمر ده ..و رسمت ليك غنماية فى شارع الظلط اللوحة دى كان....) و بقية الاستشارة ، اشارات بالكف و الاصابع لا يقدر على فهمها دهاقنة صم العالم اجمعين ، و المدهش فى الامر ان كل حماة تقاليد الخطوط المستقيمة ، قوم من الذين يكتبون ب ( كراع جداده) فى افضل الحالات ، و لكن شيئا فى النفس السودانية يأبى الا ان يشير براى اذا سئل و اذا لم يسئل ، ان كان يدرى و ان لم يكن يدرى ، فالمازدا فاسدة ، يقول محدثى الذى لم يقتن دراجة فى حياته ( لا..فيها مشكلة فى الصليب!!) ، اما اعظم تجليات الاحجام عن ذكر المآثر ، فقد اختصره البعض فى جملة واحدة ، اودت بسمعة امة كاملة ..( يازول اعمل حسابك من السودانيين ديل)..هكذا!! و بما اننى لم اكن احمل فى حياتى حجرا اخاف عليه من ( التغتيس) فقد تذرعت بقول الشاعر ( غريقة بن مسافع العبسى): اخى كان يكفينى و كان يعيننى على نائبات الدهر و هى تنوب و تمسكت بمفهوميتى ان السودانيون يتفوقون على خلق الله فى الوقوف الى جانب من نابه الدهر ، فلا فرق عندهم بين مستشفى ( مايو كلينيك) و عنبر شيخ العرب ، سيأتون حتما لزيارتك ، قبل المواعيد و بعد المواعيد ، سيبلصون الحارس و يقدون السلم و سيقفزون الاسوار مثل ابطال الاولمبياد ، و سيجيئونك بالعمود ، و ما لم تدركه من الشمار ، (مافى زهور) ، و لذلك قصة ، فقد حمل رجل ازهارا الى مريض سودانى ، فاستاء المريض و عبر عن استياءه بقوله ( يا محمد اخوى عينك فى البرتكان اب صرة و الموز الصومالى ، تجيب لى زهور؟؟ انت قايلنى قبر الجندى المجهول؟؟).. فاذا عن لك ان تفحط ، بكوك و صلوا عليك وتبادلوا آخر النكات فى الصيوان، و هكذا. و قد اخترع استاذنا الجليل ( محمد عبد الماجد) فى المرحلة العامة اسما لهذه الظاهرة فسماها ( يفلح) ، كان دائما ما يطلب من التلاميذ احدا يساعده فى حل المسالة (لايف) على السبورة ، فنصمت و نتوارى ، حتى يبدأ انكفاءه على التختة ، فتشرئب اعناقنا عند رؤية قفاه بجرأة و تحد ، ثم يبدأ فى تفصيل خطوات الحل بالصوت العالى ( نضرب الطرفين فى سين....) ، و ما يكاد يقترب من الحل الا و تتعالى اصوات المتبرعين ( سين تربيع صاد...) و هنا و فى هذه اللحظة يلتفت استاذنا الجليل الى الوراء و كل قبائل السخرية تهتف له بطول العمر، قائلا....يفلح!!! وقد ظلت هذه ( اليفلحية) بعبعا يتهدد كل عمل منجز فى حياتنا و فرصة لغير القادرين على تسلق انجاز غيرهم ( غناء المراحيم وحتى الأحياء مثالا) ،حدثتنى شقيقتى عن رحلتها داخل عربة تاكسى ، يقودها احد اعضاء فريق ( اليفالحة) ، ففى محاولة منه لكسر حاجز الصمت، اشار بيده الى كبرى تحت التسييد قائلا( الكبرى ده غلط) ، فما كان منها الا وان ردت عليه ( انت مهندس؟؟) ، و هنا ادركه الصباح الى بقية القول الماثور ( عليك الله ركز على تكسيك ده بلا فلسفة) ، وعلى ذكر الفلسفة ، فقد استقل استاذ فلسفة سودانى مشهور عربة اجرة من بحرى الى الخرطوم ، و حنما توسطت العربة الكبرى ، ابتدر السلئق الفيلسوف بملاحظة ( الكبرى ده ضيق يا استاذ) فما كان من الاستاذ الغارق فى صمته سوى اجابته ( الضيقة جوانياتك) ، و بقية القصة ان الفيلسوف اتم ما تبقى من المشوار راجلا تشيعه لعنات السائق (الحساس). كنت قد نشرت قصيدة فى موقع من المواقع قبل عدد من السنين ، غبت يومين عن الموقع ، و عندما عدت للرد على المداخلات ، وجدت قصيدتى و قد صفها قارىء كاملة معيدا ترتيب ابياتها مذيلا تدخله بعبارة ( مفروض تكون كده !!) ، و قد توقعت ان اجد توقيع شاعرنا العظيم محمد المكى ابراهيم فى نهاية الصفحة ، او على اسوأ الفروض توقيع المتشاعر الاكبر ( ود العيلفون) ، الا ان الصورة و الاسم كانا لرجل امتهن ( حدف الدراب) على رؤوس العباد منذ ان وطئت قدماه ارض وادى السمبر فظنه وادى عبقر ، فعكف منذ ذلك الحين على التنطع و ( التشوبر) دون كلل و لا ملل نرجو الله له الشفاء . اما قصة عمنا (عثمان) مهندس الرواكيب ، فقد كان ان ابتنى رجل الأعمال ( الشامى) ، عمارة فى ( مدنى) ، كانت محل اعجاب و فخر لمدينتنا الجميلة ، نتابع نموها فى شغف منذ مراحل حفر الأساس و حتى اكتمال بناءها ، الا ان عم ( عثمان) كان يضمر غير ما نضمر ، كان يضمر الكره لهذا المسخ الاسمنتى الذى تضاءلت اماما تسليحه و رسوخ اعمدته كل الرواكيب التى شيدها عم ( عثمان) فى حياته ، و تضايق من انصراف القوم عن ابداء الأعجاب به بل ووصل الامر الى التندر و السخرية منه ، ظل يتردد على الموقع كل يوم ، آملا ان ينهار البناء و يندك ، و حينما تبددت احلامه ، اتاه الوحى ذات نهار فصاح دون ان يطلب احد منه رايه ( اها....البيم ده ما عديل) مشيرا بكل اصابعه نحو منتصف العمارة ، و غنى عن القول ان العمارة لاتزال صامدة الى يومنا هذا ما انهارت وما انهارت منها ذرة رمل واحدة. اما اخطر مراحل ( اليفلحية) ، فهى مرحلة التبخيس ، و اهم اعراضها ، الحط من قدر اشياء الآخر ، مادية كانت ام معنوية ، و قد ساعد على توطيد اركان التبخيس ، ظهور اختراع المارسيدس التى تحمل تحت غطاءها ( مكنة هايلوكس) ، و تلك لعمرى عبقرية سودانية بحتة ، مثلها فى ذلك ( القبة) التى ليس تحتها فكى ، و كل ذلك اشارات الى استشراء الزيف و التمظهر و مالهما من تأثير كبير فى نجاح البعض و غبن الآخر، فأصاب الناس الشك فى ان كل معدن اصفر لامع ليس بالضرورة ذهب ، و اصبح بالامكان النيل من كل نجاح بنجاح مضاد من مصل التفكيك و الاستهانة ، و الاستهزاء و الازدراء ، و اخف الشرور جميعا ، عدم استحسانه، و ليس ادل على ذلك من قصة استاذة من علماء السودان ، ظلت تعلم الاجيال لاكثر من ثلاثين عاما ،عملا بمبدا ( كما علمنا السودانيون، فسنعلم ابناءهم) ، لم يجتذبها بريق الاغتراب و ان شاءت لفعلت ، افنت زهرة عمرها تكافح شدة العيش فى السودان ، حتى عينت عميدة للطلاب ، فكان ذلك ايذانا ببزوغ شمس اليفلحة ، و قد جرى بينى و بين احد زملاءها حديث حول تعيينها ، و بدلا من ان اسمع منه اعترافا باهليتها ، سمعته يقول ( الظاهر عندها –افيلييشن- مع الجبهة الاسلامية!!!) فكانما كل تاريخها العلمى نذرته لخدمة الجبهة فى انتظار تعيينها عميدة للطلاب ، و قد حسمت الاستاذة الامر برجوعها الى مقعدها الاثير ، تعليم الطلاب والاستغراق فى البحث العلمى، و لسان حالها يقول ، ومن كان منكم بلا افلييشن فليرمنى بحجر.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
لا كرامة لنبى | Tagelsir Elmelik | 06-07-08, 08:20 PM |
Re: لا كرامة لنبى | sanaa gaffer | 06-07-08, 08:37 PM |
Re: لا كرامة لنبى | Tagelsir Elmelik | 06-08-08, 01:58 AM |
Re: لا كرامة لنبى | Rihab Khalifa | 06-08-08, 03:38 AM |
Re: لا كرامة لنبى | محمد الطيب حسن | 06-08-08, 08:28 AM |
Re: لا كرامة لنبى | Tagelsir Elmelik | 06-08-08, 02:59 PM |
Re: لا كرامة لنبى | ممدوح أبارو | 06-08-08, 09:03 AM |
Re: لا كرامة لنبى | Tagelsir Elmelik | 06-09-08, 03:28 AM |
Re: لا كرامة لنبى | Tagelsir Elmelik | 06-08-08, 02:56 PM |
Re: لا كرامة لنبى | Isa | 06-08-08, 08:24 AM |
Re: لا كرامة لنبى | Tagelsir Elmelik | 06-09-08, 02:03 PM |
Re: لا كرامة لنبى | zumrawi | 06-08-08, 11:54 AM |
Re: لا كرامة لنبى | د.نجاة محمود | 06-09-08, 03:06 PM |
Re: لا كرامة لنبى | Tagelsir Elmelik | 06-10-08, 02:42 PM |
Re: لا كرامة لنبى | Tagelsir Elmelik | 06-09-08, 10:11 PM |
|
|
|