|
Re: اسماء الحسيني في حوار شيق مع صوت الوطن وشاعر الغضب النبيل عبد الاله زمراوي ..جريدة الاهرام (Re: Medhat Osman)
|
[B]* حدثنا عن نشأتك وطفولتك الباكرة. شكرا سيدتي علي هذا السؤال.. فقد نشأت في بيئة يغلب عليها التواد والتراحم في قرية تسمي كرمة علي الضفة الشرقية للنيل وكرمة هذه هي عاصمة الكوشيين الذين حكموا السودان ومصر الملك النوبي تهارقا, وهي أولي العواصم الحضرية والإدارية في العالم, والبيئة في كرمة هناك تأخذك بالسحر الكامل, فمن مشاهدة الآثار النوبية كالدفوفة إلي مسامرة أشجار النخيل إلي مراقبة النمط الاجتاعي البسيط بدهشة تامة حيث التداخل السلس بين النوبيين والمصريين الذين يقطنون تقك القرية منذ آلاف السنين, لا فرق بينهم البتة في التقاليد والعادات. وبين هذا وذاك فقد كنت مولعا أيضا بزيارة قباب الأولياء الأجداد, بدءا من قبة جدي الشيخ زمراوي الولي, وانتهاء بحضور حلقات الذكر, وليالي المولد النبوي الشريف التي كان يحييها أهلنا من صعيد مصر. كانت الحياة تسير هينة سهلة, وكان الناس محبون وعطوفون وحييون ويكادون أن يصبحوا ملائكة من فرط الطيبة. * جئت إلي اللغة العربية من بعيد أستاذ زمراوي, إذ تعلمتها كسائر أبناء منطقتك في المدرسة, ولم تكن لك لغة أم كما يقول الفرنجة, من أين لك كل هذه الجزالة والصفاحة والجدة في اللغة التي تفاجأ بها من يقرؤك حتي ليخيل إليه أنك تبتدع اللغة ابتداعا؟ شكرا علي حالوة وطلاوة السؤال.. سئلت هذا السؤال كثيرا حيث إنني نوبي قح, لنا لغتنا القديمة, وهي اللغة النوبية, وهي مكتوبة الآن لمن أراد دراستها. كان النظام التعليمي في السودان مضرب الأمثال في المنطقة العربية, بحيث ينشأ الطفل منذ المرحلة الابتدائية متحدثا باللغة العربية ولبقا( عكس ما يشيعه البعض عن أهل السوداهن), وفوق هذا وذاك فإن ارتباطنا التاريخي والقرب الجغرافي والوجداني لمصر أتاح لنا نحن النوبيين أن ننهل من معين مبدعي الجارة الشقيقة, وكنا نتسابق لنتحصل علي مجلات روز اليوسف والهلال وصباح الخير, وكنا أيضا نحفظ أشعار الشاعر الكبير أمل دنقل, وصلاح عبدالصبور, وأحمد عبدالمعطي حجازي, وفاروق جويدة, وكنت مغرما أيضا بأشعار أمير الشعراء أحمد شوقي, وشاعر النيل حافظ إبراهيم. فالثقافة العربية بلغتها الرصينة كانت غير بعيدة عن تشكيل الذخيرة عندي, وكان ذلك حال معظم أهل السودان.
* يقولون إن طفلا أو شيئا من طفل يختبئ داخل كل شاعر ومتذوق للشعر, وإنه يمثل له مصدر الدهشة الذي لا ينتهي, ما الذي تبقي من ذلك الطفل النوبي في نفس عبدالإله زمراوي؟ تناولت كثيرا هذا الطفل المخبوء في داخلي في العديد من القصائد التي نظمتها, فقد نشأت في بيئة رطبة فيها النخل الباسق, والنيل الخالد, ومازالت دهشتي الأولي تتملكني بين حين وآخر وكأنني طفل صغير, وقد أري نفسي عديد المرات( في أحلامي) وكأنني عدت لقريتي الوادعة من ساحة المولد النبوي الشريف ومعي أختي, ومنذ أن غادرت مسقط رأسي( كرمة البلد) للدراسة, ومن ثم العمل بعيدا عنها, لم أحلم للحظة واحدة بمكان آخر سوي موطني, وكم سخر مني الأصدقاء عندما كنت أحدثهم عن ذلك, مما حدا بي أن أنظم هذه الأبيات: لا تسخروا مني إذا ما جئت أحمل ذرة من رمل قريتنا أعفر في لآلئها جبيني! أو فلنقل: إن جئت أحمل حفنة من تمر قريتنا أمرع في روائحها حنيني!
نواصل...
|
|
|
|
|
|