روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 00:36 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-28-2009, 11:14 PM

ود محجوب
<aود محجوب
تاريخ التسجيل: 04-22-2003
مجموع المشاركات: 7643

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين (Re: ود محجوب)

    إذا كانت حياة مصطفى سعيد الإنسانية قد نشأت على الفطرة ووسمتها تصاريف القدر وتشكلت بإمرة نفس أنانية مادية ذات خواء روحي محض...فإن الطيب، في سعيه لإيجاد المعادل الموضوعي (سلوكيا على الأقل) استطاع بناء شخصية موازية نشأت كذلك على الفطرة ووسمتها تصاريف القدر ولكنها امتلأت بروح إنسانية وحكمة ربانية...الطاهر ود الرواس خلافا لمصطفى سعيد بقي ملتصقا بالأرض ..يعتاش من النهر صائداً للأسماك ..اكتفي من فرض الصلاة بصلاة زوجه فاطمة بت جبر الدار..كان صادقاً محباً محبوباً ..خلق منه الطيب صالح مرآة للذين هاجروا والذين تعلموا والذين أدمنوا السلطة فاسكرتهم خمرها نشوة وظفراً واحرقتهم نارها خسراناً وهزائم.



    الطاهر ود الرواس هو حالة الثبات واليقين عند الطيب ...استمد قوته من المحبة الإنسانية لا غيرها ..يقول عن أمه حواء بنت العريبي "ما رأيـت حباً مثل حب تلك الام. وما شفت حنان مثل حنان تلك الأم. ملأت قلبي بالمحبة حتى صرت مثل نبع لا ينضب"..هذه العبارة على إيجازها حملت كل مضامين ورؤى الطيب صالح التي بشر بها : الأم والانتماء، الحب، الحنان والمحبة.



    بدأ الطيب يبني معمار هذه الشخصية منذ "الرجل القبرصي" التي يقول فيها : "جاء صديقي الطاهر "ود الرواسي" وجلس إلى جانبي على الكنبة أمام متجر سعيد كان متهلل الوجه نشطاً ممتلئاً عافية قلت له: "صحيح ليش ما كبرت أو عجزت مع أنك أكبر منهم كلهم؟". قال: "من وعيت على الدنيا وأنا متحرك ما أذكر أني وقفت من الحركة أشتغل مثل الحصان وإذا كان مافي شغل أخلق أي حاجة أشغل نفسي بيها. أنوم وقت ما أنوم بدري أو وخري، شرط أصحي على المؤذن أول ما يقول "الله أكبر الله أكبر" لصلاة الفجر".



    - لكنك لا تصلي؟. قال:"أتشهد وأستغفر بعد ما المؤذن يخلص الأذان، وقلبي يتطمن أن الدنيا ماشية زي ما كانت. آخذ غفوة مثل نص ساعة، العجيب غفوة ما بعد الأذان تساوي عندي نوم الليل كله. بعدها أصحي كأنه صحاني منبه".



    أقوال وحكم الطاهر ود الرواسي بشأن الدنيا وبشرها وعلاقاتهم الاقتصادية والاجتماعية تؤسس لمنظومة متكاملة من القيم الاخلاقية التي هي أكثر تعبيرا عن الكاتب بسماته وسلوكه المعروف...هذه الأقوال والحكم تمثل دليل الطيب صالح الذكي و"كاتلوجه" لبناء عالم من المحبة الواقعية القائمة على الإنسانية في أسمى معانيها.



    إذا كانت شخصية مصطفى سعيد قد بهرت الناس ببنائها المحكم فإن الطيب قد أجاد في تكوين خلفية وملامح وسمات الطاهر ود الرواس بالقدر والوجه الذي جعل الحكم والمقولات الصادرة عنه عنوانا لنمط سلوكي مختلف تماما وقد استطاع الطيب صالح ببنائه الدرامي الشامخ أن يهييء ود الرواس للعب دور الضمير الإنساني بصدق كبير وشفافية آسرة جميلة.


    الطاهر ود الرواس القابع في قرية في شمال السودان استطاع ان يؤسس لعلاقة إنسانية مختلفة عن السائد والمالوف ..علاقاته مع نفسه وزوجه وأصدقائه ومع من يحب من الناس ..مع الدنيا واحوالها... موقفه من السلطة ومن الدين ...هذه كلها علاقات قائمة على وحدة الرؤية لما نريد من أنفسنا ومن الدنيا ...عن طريق قناع الطاهر ود الرواسي مرر الطيب رؤاه ومواقفه الأخلاقية والإنسانية والسياسية...في الحالات التي أراد فيها الطيب تعزيز رؤاه استعان ببعض البرازخ والجسور في عمليات إكمال بناء وتصدير هذه الرؤى... هذه الجسور والبرازخ اتخذت شكل أقرب شخوص روايات الطيب إلى سيرته الذاتية ..الراوي في "موسم الهجرة إلى الشمال" ومحيميد في "ضو البيت" و"مريود" ...في مواقف أخرى استعان الطيب بشخوصه الأخرى للعب أدوار مساندة محددة لبطله الكبير الطاهر ود الرواس لمساعدته على تطوير الرؤى وإعلان المواقف.
    إن مهنة "الحواتي" كسبيل معاش للطاهر ود الرواس تم اختيارها بعناية كبيرة من قبل الطيب صالح..هذه ليست مهنة حرة فقط بل مهنة ذات حرية مطلقة ..مهنة تاريخية ..لا علاقة لها بعلاقات وعوامل ووسائل الإنتاج التقليدية وخاصة المرتبطة مباشرة بالأرض والتي تمثل القيمة الأساسية الحقيقية للإنسان في تلك المجتمعات ..يقول الطاهر عن عمله اليومي "أعمل الشاي واصحي فاطمة. هي تصلي صلاة الصبح.. نشرب الشاي. أنا أنزل أقابل الشمس فوق صفحة النيل وأقول لصباح الله حبابك ومرحبابك. أغيب ذي ما أغيب أرجع ألقى الفطور حاضر نقعد أنا وفاطمة وأي إنسان من عباد الله تجئ به لينا القسمة أكثر من خمسين سنة على هذي الحالة".



    الطاهر منبت قبليا..والده بلال روّاس مراكب القدرة ..بلال "العبد" كما يقول عن نفسه..."الحكاية مو الطاهر ود الرواس...الحكاية الجد حكاية الطاهر ود بلال ..ولد حواء ..العبد".. الطاهر واعٍ تماما بموقعه في منظومة التراتيب الإجتماعية ..يدرك تماما أين يقف من مجتمعه ذاك وماذا يريد منه... لقد تحرر من ربقة علاقات الانتاج السائدة في ذلك المجتمع :"ما دام الواحد ضامن عشا ليلته، عليك أمان الله ما يهمه حكمدار ولا سردار ..الكلام انت يا محيميد . ضيعت عمرك في التعليم ولفيت ورجعت لي ود حامد السجم دي بخفي حنين. كانك بقيت أفندي بالغلط ،من زمان وأنت نفسك في زراعة الرماد دي"...تحرر من علاقات الإنتاج كما تحرر أيضا من إحساس العبودية الذي قايضه –في إطار تصالحه مع ذاته ومحيطه- بالمحبة فربح ونال النعمة مزدوجة :"أنا المولى عز وجل أكرمني بالحيل ..انعم علي بدل النعمة نعمتين..أداني صداقة محجوب وحب فاطمة بت جبر الدار".



    إذا كان الطاهر سليل بلال "العبد" أقل شأنا بمكاييل أهل الدنيا المطففين فإن الطيب صالح قد جعل له الرجحان بموازيين أعدل وأكثر عرفانا..الحوار بين الشيخ نصر الله ود حبيب وبلال والد الطاهر في "مريود" يضيء الامر برمته: "يابلال، أنت عبد الله كما انا عبدالله نحن أخوة في شأن الله . أنا وأنت مثل ذرات الغبار في ملكوت الله عزوجل . ويوم لا يجزي والد عن ولده يمكن أنت كفتك ترجح كفتي في ميزان الحق جل جلاله . كفتي أنا أرجح من كفتك في موازين أهل الدنيا ولكن كفتك يا بلال سوف ترجح كفتي في ميزان العدل. أنا أجري جري الابل العطاش يا بلال لكي أحظى بقطرة من كأس الحضرة، وأنت شربت إلى أن أرتويت يا بلال.. أنت سمعت ورأيت، أنت عبرت وعديت، ولما ناداك الصوت قلت نعم، قلت نعم، قلت نعم".



    صفاء النفس والروح وخلوها من الغرض والمرض وهبت الطاهر تلك الرؤية الثاقبة والبصيرة النافذة التي ترى ما وراء الأشياء ... آراؤه في البشر وقدرية المصائر:"تعرفوا يا جماعة الدنيا دى ماشيه بالعكس انت يا محيمد كنت عاوز تبقى مزارع بقيت افندى ومحجوب كان عاوز يبقى افندى بقى مزارع"...مقولاته النابعة عن معرفة أخرى كانت مطية الطيب صالح وزاملته في رحلة مراجعة الذات ...وجود الطاهر ود الرواس كان محفزا للطيب صالح( مرتديا قناع محيميد) لمراجعة ما فات من زمان وما انطوت من سيرة ماضوية اتسمت بقلة الحيلة امام الخيارات الحياتية والمسارات المهنية...هل يا ترى كان المتكلم محيميد أم الطيب صالح في "ضو البيت"(الصفحة 83):"وبعد داك كل شيء مشى بالعكس، الإنسان لازم يقول لا من أول مرة ...كنت فرحان في ود حامد..أزرع بالنهار وأغنى للبنات بالليل..أشرك للطير وأبلبط في النيل زي القرنتي..القلب فاضي وراضي.. بقيت أفندي لان جدي أراد, ووقتين بقيت أفندي كنت عاوز أبقى حكيم، بقيت معلم، وفي التعليم قلت ليهم: اشتغل في مروي قالوا: تشتغل في الخرطوم. وفي الخرطوم قلت لهم ادرس الأولاد قالوا تدرس البنات. وفي مدرسة البنات قلت ليهم ادرس تاريخ، قالو تدرس جغرافيا، وفي الجغرافيا قلت ليهم ادرس أفريقيا، قالوا تدرس أوروبا وهلمجرا".



    هذه لوحة سيريالية أكثر وأدق تعبيرا عن واقعية مسارات أجيال كاملة من اهل السودان...حين أطالع هذه اللوحة اتذكر شيخنا ابراهام ماسلو وأركان المدرسة السلوكية في علوم الإدارة... هذه سيرة تخرج لسانها طويلا هازئة بنظريات وقواعد واسس تؤكد على إختيارات المسارات المهنية والرضا الوظيفي وسلم الحاجات الإنسانية...أطالع حديث محيميد فترتد إلىّ حسيرة اجتهادات فريدريك هرزبرج حول نظرية العاملين وأوليات هاكمان واولدمان بشأن نظرية سمات الوظيفة...ومن على البعد يترنح سلم شيخنا ماسلو ... على يد الطاهر ود الرواس تعلمنا، يتقدمنا محيميد والطيب صالح، أن سبل كسب العيش في السودان تخضع لكل شيء إلا ما خططنا له.



    من إشراقات حوارات الطاهر ود الرواس التي تستوقف القاريء تلك المتعلقة بالسلطة مصدرا واستغلالاً وتلك المتعلقة بممارسات السلطة الوطنية ومقارنتها بممارسات الإدارة البريطانية ..كل تلك الآراء الخطيرة عمل الطيب صالح على تمريرها بمهارة شديدة من خلال الديالوج البديع بين ود الرواس ومحيميد العائد إلى المنبع في ود حامد بعد ان نال معاشه:"وشن قالولك يا محيميد؟ قالوا الحكام ألاد البلد صعبين اجارك الله. زمان الإنجليزي كان ينهرك ويقول لك أتلا باره (أطلع بره)..هسع قالوا أولاد البلد يضربو بالشلوت"!.



    لم يكتف الطيب بسوء استغلال السلطة بل عمد إلى إكمال رسم صورة الممارسات اللامسئولة من قبل السلطة الوطنية في تقسيم غنائم السلطة حيث أورد الطيب على لسان الطاهر ود الرواس رؤاه الثاقبة التي تلخص عبث أهل السياسة بالسلطة في سودان ما بعد الإستقلال حتى اليوم ..حين استفسر محيميد (المتعلم والموظف الكبير المحال للمعاش) عن إمكانية إيجاد وزارة للطريفي ود بكري قائلا:"من وين يجيبوا ليه وزارة البلد ما فضل فيها جنس وزارة؟؟" كان رد الطاهر ( وقد ارتدى قناع الطيب صالح) :"ما بيغلبوا حيلة يعملوه وزير الجمعيات الخيرية أو وزير الإجزخانات او وزير الوابورات اى شئ من جنس اللغاويص البنسمع بيها".



    لم يكتف الطيب صالح (على لسان بطله ود الرواس) بالسخرية من عبث السياسيين بالسلطة بل ذهب أبعد ليسبر غور معايير وأسس التعيينات السلطوية ...قال محجوب:"الطريفى ولد بكرى الجمعية التعاونية ما هو قادر عليها عاوز تعمله وزير؟"...كان رد الطاهر باهرا وقاطعاً:" إنت تفتكر الحكاية بالكفاءة الموضوع كله اونطة فى اونطة المهم تبقى فصيح لسان وقليل احسان بس كتر من يحيا ويعيش شوف الحزب القوى أدخل فيه شئ خطب وشئ عوازيم وشئ براطيل شويتين شويتين تلقى نفسك بقيت نائب فى البرلمان وبعد داك ارقد قفا"...مأساة السلطة في السودان منذ استقلاله وحتى يوم الناس هذا ونحن نسود هذه الصفحات أوجزها الطاهر ود الرواس في عبارته البليغة الدالة.



    بعد ان شرح كيفية الوصول للسلطة استمر الطاهر في إضاءة كيفية تعامل المسؤولين معها...قال له محيميد :"واذا كان ما دخلت البرلمان ما عملوك وزير تعمل شنو؟ قال ود الرواسى:"إذا ما عملونى وزير جملة الايمان اعمل فيهم انقلاب... قال محيميد:"وبعدين؟".. قال الطاهر:"وبعدين كمان شنو ..أرقد قفا اى حاجة عاوزها اضرب الجرس.. ادخل يا فلان وامرق يا علان.. فلان عينتك حكمدار فلان سويتك باشمفتش ..فلان حكايتك بايظة معاى دخلتك السجن.. فلان ما تورينى خلقتك، فلان حبابك عشرة ..وقتين امرق بالعربية الشفرولية وسط البلد الناس تهتف: يعيش ود الرواس يحيا الطاهر ود الرواس خلاص بقيت حاكم عام".



    الطيب صالح بعبقريته المسرحية قال على لسان الطاهر ود الرواس الكثير من وجهات نظره بشأن الشعارات السياسية ..سخريته تبلغ أوجها في حوار شديد الذكاء بين الطاهر وحاج سعيد (القانوني):"قلت لى يا حاج سعيد انت ياحاج العمال والفلاحين ديل بلدهم وين؟ قال لى:"يا مغفل العمال والفلاحين مو ياهن نحن"..أنا اخوك هسع نحنا اسمنا العمال والفلاحين؟.. قال لى:"ايوه"..."اها وزيادة الانتاج يعنى شنو؟".. قال لى:"الانتاج مو ياهو السجم البنسوى فيه ده وزيادة الانتاج يعنى تخت السجم فوق الرماد"...هذا مسرح كوميدي ساخر لخص رؤية قطاعات كبيرة من الناس بشان الشعارات الساسية الضخمة التي تقول كثيرا ولا تنجز شيئاً.



    ولعل أقرب مقولات ود الرواس ورؤاه التي اقترب بها كثيرا من الطيب صالح هي تلك المتصلة بالعودة للجذور..حوار ود الرواس مع محيميد العائد للإستقرار في ود حامد بعد رحلة العلم والعمل بعيدا عنها ربما تعبر بصورة أقرب لأشواق الطيب وحنينه الدائم للإستقرار في السودان...نعم محيميد لم يغادر السودان كالطيب ولكن قضية الغربة والابتعاد عن المنبع واحدة بكل حسابات أرباحها وخسائرها...ما ردده ود الرواس في مقام العائدين للأصول والجذور (الراوي في "موسم الهجرة إلى الشمال" ومحيميد في "ضو البيت") تمثل محاولات الطيب لبناء وتمديد الجسور بين المرتع والمنبع... عبر هذا الحوار استطاع الطيب توظيف تلقائية وبساطة ود الرواس لردم الهوة بين الشفيرين.. حديث ود الرواس المتسم بالمباشرة يكشف الغطاء عن ذرائع الطيب لسد باب التناقض بين المحلي والعالمي ..بين موقع القدم ومحط الآمال .. مناداة الطاهر ود الرواس لمحيميد الراغب في العودة للجذور ضربت على وتر استعادة الزمان لإعمار المكان..."أنت يا محيميد أما شاعر أو مجنون"..محيميد كان الصنو المحلي لمصطفي سعيد ..كان رمزا للهجرة الداخلية جنوبا..كان يحكي لود الرواس مسببات العودة للجذور: "وقتين طفح الكيل، مشيت لاصحاب الشأن قلت ليهم خلاص. مش عاوز.. رافض.. ادوني حقوقي عاوز اروح لي اهلي، دار جدي وابوي.. ازرع واحرث زي بقية خلق الله، اشرب الموية من القلة وآكل الكسرة بالويكة الخضرا من الجروف، وارقد على قفاي بالليل في حوش الديوان.. أعاين السما فوق صافية زي العجب والقمر يلهلج زي صحن الفضة".. محيميد يريد العودة للماضي لأوقات ولت ولن تعود "عاوز اعود للماضي ايام كان الناس ناس، والزمان زمان"...هل كان الطيب يكتب عن امانيه التي لم تغادره ... رد الطاهر ود الرواسي كان موجعا ليس لمحيميد ولكن لكل من غادر موطنه وقايض شبابه وعمره بأوطار وأماني ...فلما قضى وطره وحقق مطلوبه (أو لم يقضه ولم يحققها) وأزفت المواعيد نشد الجذور على هواه ...يريدها في انتظاره على وعدها القديم وأمكنتها التي درست وأزمنتها التي ولت:



    "انت يا محيميد اما شاعر أو مجنون او خرف الشيخوخة، لكن اهلاً بيك ومرحباً. ودحامد مسجمة ومرمدة. في الصيف حرها ما بينقعد، وفي الشتا بردها اجارك الله، النمتي وقت لقوح التمر، والضبان وقت طلوع المريق، فيها الدبايب والعقارب ومرض الملاريا والدسنتاريا، حياتها كد ونكد، ومشاكلها قدر سبيب الرأس، اسألنا نحن خابرنها زين .. الولادة بي كواريك، والموت بي كواريك، جنابك قضيت حياتك كلها منجعص في مكتب تحت المروحة، الموية بالحنفية والنور بالكهرباء والسفر درجة أولى....هلا ..هلا ! ما وقفت قَرَّاع عز الشتا، ما ركبت الحمير لامن جعباتك ورسن ...ما قعدت تعاين للتمر لا من ينجض.. يا الله السلامة، تصب عليه مطره واللا تحته هبوب، ما حرست القمح وايدك فوق قلبك يصيبه طير واللا دانقيل، وهسع وقت الصعيد جاب الهبوب مقلوبة، جيت تكوس رقدة الديوان تعاين للقمر يلالي في سابع سما، مرحبتين حباك وألف أهلاً وسهلاً".



    رسالة الطاهر ود الرواس ليست رسالة مخصوصة لمحيميد بل هي رسالة لكل منا ..لكل من اقتنص فرصة في زمن ما واختار الغربة ...عند منحنى العمر نقبض على مكامن الوجع ..نريد إرجاع الزمان والعودة لأزمنة وأمكنة وعلاقات اندثرت وطوتها تراكمات السنين ... نجاهد لنستعيد ومض بروق لمعت في سالف الأوان وترجيع رنين ضحكات جلجلت في خالي الاوان..أقاصيص واحلام طواها الزمان كما يطوي ملاح مرهق اشرعته في نهاية الرحلة... نتأمل وصايا مصطفى سعيد للراوي بشأن مستقبل ابنيه بعد تجربته المريرة في الاغتراب المهلك "أن تجنبهما ما استطعت مشقة السفر" ...قضي الأمر مستر سعيد ...ورحم الله سيدنا الشريف الرضي وهو يردد من "وَلَقَدْ مَرَرْتُ عَلى دِيَارِهِمُ":



    وَلَقَدْ مَرَرْتُ عَلى دِيَارِهِمُ ** وطلولها بيد البلى نهب



    فوقفت حتى ضج من لغب ** نضوي ولج بعذلي الركب



    وَتَلَفّتَتْ عَيني، فَمُذْ خَفِيَتْ ** عنها الطلول تلفت القلب



    غفر الله لنا ورحم الله الطيب وسيدي الشريف وآله والعترة الشريفة الطاهرة.


    انتهى بحمد الله الجز الثاني ويليه الجزء الثالث: "الياقوت في فصوص منظومة "ضو البيت": المتنبيء واللورد بتلر يترنمان مع التاج مصطفى في حضرة حاج الماحي والحاردلو وود الرضي"

                  

العنوان الكاتب Date
روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين ود محجوب05-28-09, 10:11 PM
  Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين ود محجوب05-28-09, 10:23 PM
    Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين ود محجوب05-28-09, 10:30 PM
      Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين ود محجوب05-28-09, 10:39 PM
        Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين ود محجوب05-28-09, 10:53 PM
          Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين ود محجوب05-28-09, 11:03 PM
            Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين ود محجوب05-28-09, 11:14 PM
              Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين ود محجوب05-29-09, 09:11 PM
                Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين عبدالعزيز الفاضلابى05-29-09, 09:32 PM
                  Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين ود محجوب05-29-09, 10:28 PM
                    Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين ود محجوب06-26-09, 05:20 PM
                      Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين ود محجوب06-26-09, 07:03 PM
                        Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين ود محجوب06-26-09, 08:05 PM
                          Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين ود محجوب06-26-09, 08:56 PM
                            Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين ود محجوب06-27-09, 08:58 PM
                              Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين صديق الموج06-27-09, 10:01 PM
                                Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين نصار06-27-09, 10:13 PM
                                  Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين طارق جبريل06-27-09, 10:35 PM
                                    Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين نادية عثمان06-27-09, 11:03 PM
                                      Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين ود محجوب06-29-09, 07:42 AM
                                    Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين ود محجوب06-28-09, 06:21 PM
                                  Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين ود محجوب06-28-09, 11:41 AM
                                Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين ود محجوب06-28-09, 08:46 AM
                                  Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين أبوبكر أبوالقاسم06-28-09, 10:06 AM
                                    Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين ود محجوب06-29-09, 10:53 PM
                                      Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين أبوبكر أبوالقاسم06-30-09, 08:48 AM
                                        Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين ود محجوب07-01-09, 07:53 AM
                                          Re: روّاس مراكب القدرة .. "ضو البيت": وداعا أيها الزين ود محجوب07-02-09, 11:51 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de