|
اغتيال كسلا وموت آخر ذرة من ضمير الإنقاذ
|
اغتيال كسلا وموت آخر ذرة من ضمير الإنقاذ كسلا درة الشرق ، كسلا الوريفة ، كسلا بنت القاش . القاش يخترق كسلا منذ بدء الخليقة ، القاش يفيض كل عام ، القاش فيضانه يكون عارما ، الإنقاذ تعرف هذا ، لكنها تسد هذه بطينة وتلك بعجينة . وهي مشغولة باحتفالاتها ، ومرابطة لاقتسام نصيبها من السلطة والثروة . مأساة كسلا ، يعرضها التلفزيون السوداني على أنها مشكلة حي أو أكثر ، ومهما حاول التلفزيون تلخيصها ومنتجتها فهي مأساة مدينة بأكملها ، مأساة مدينة تم اغتيالها غدرا ، وخسة ، وعمدا ، وعن سبق إصرار ، تم اغتيالها ضحى وعلى عينك يا تاجر ، في كسلا انهار المسكن ، وتحطم السرير ، واندفن الغطاء تحت الركام ، ولم يعد في الزير ماء ، لم يجد التلميذ دفاتره أو حقيبته المدرسية ، لم تجد الأم حليبا لصغارها ، ولم تجد دقيق قمح لتصنع منه قراصة تقيم بها أود صبيتها ، اقتلع الفيضان أشجار كسلا من جذورها ، وليته اقتلع قتلة كسلا من جذورهم ، شرد الفيضان مواشي كسلا وليته شرد قتلة كسلا ولفظهم إلى الصحراء الكبرى . اغتالوا كسلا وجلسوا فوق تلها ، وتحقق للنظام ما أراد ، أن يجد مدخلا للاستجداء والجأر بالشكوى من شدة الابتلاءات ، فأصبحت كسلا في نظر النظام ( الهمام ) مدخلا لسؤال الناس واستجداء الدول والمنظمات . مأساة كسلا مأساة تدمع لها كل عين ما عدا عين البشير وشرذمته ، فتلك عين لا تدمع أبدا ، أليست هي عين حمراء وشرارة ؟ لماذا يكون لزاما علينا أن نكون تحت رئاسة رئيس جمهورية ، لماذا نقيم وزارات متخصصة ، لماذا نقسم بلادنا إلى وحدات إدارية ، لماذا يكون هناك والي ومحافظ ومساعدون لهم ؟ ، ولماذا تكون هناك وزارات إقليمية ؟ هل نقيم كل هذا لمجرد أن نصرف أموالا من ميزانية بلادنا ، هل نقيم كل هذا ليكون لدينا ميزانية من جانبين ، مصروفات وإيرادات ، ويكون لدينا شكل دولة ، ماذا نريد بهذه الدولة ؟ لتجبي الضرائب وتحصل الرسوم وتخنق المواطنين وتكبل حرياتهم ؟ ماذا نريد بهذه الدولة ؟ لنتفرج على رئيسها وهو يستعرض رشاقته وقدراته المذهلة في العرضة ، لنتفرج على الوالي وهو يكبر ويهلل لوصول المسئولين الذين أتوا للفرجة على عملية اغتيال كسلا ؟ هل رأيتم البنية الأساسية المنعدمة في كسلا ؟ هل رأيتم ضفاف القاش وهي لا تقوى على تحمل كأس ماء إضافي ؟ هل رأيتم منازل كسلا الهشة الضعيفة ؟ هل رأيتم أهل كسلا وأجسادهم المنهكة أصلا ؟ أهالي كسلا يواجهون المطر في العراء ، يواجهون البرد والرطوبة ، يواجهون الناموس والذباب ، يواجهون الشمس المباشرة ، يواجهون الجوع ، العطش ، الخوف ، البطش . المواطن في كسلا لا يستطيع أن يأكل ولا يستطيع أن يرفع صوته بالشكوى من الجوع ، ولا يستطيع أن يشرب ولا يستطيع أن يجأر بالشكوى من العطش . نافع هناك ، يسمع كل كلمة يقولها أهالي كسلا ، فلا حاجة لآذان الحوائط ، لأنه لا توجد حوائط أصلا . هل رأيتم صبر أهالي كسلا وصمودهم ؟ هل رأيتم أهل كسلا وهم يشيرون إلى القاتل ويتوعدونه بالثار . هل سمعتم هدير القاش وهو يهدد القتلة بثورة عارمة ، ويقول لهم : علي وعلى أعدائي . لو كانت الرئاسة والوزارة والمنصب الحكومي يجلب لصاحبه كنوز الدنيا لا ستقال شاغل المنصب لدوره في جريمة اغتيال كسلا ، لو كان المنصب الحكومي يدخلك الجنة اليوم ( هي لله ) لاستقال شاغل المنصب لدوره في جريمة اغتيال كسلا . أهالي كسلا ، جلسوا يقيمون مأتما لمدينتهم العزيزة ، يبكيها الأطفال ، وتبكيها النساء ، وتنزل أدمع الرجال العصية من أجل كسلا ، فرحيل كسلا أمر في أشد القسوة ، ورحيل كسلا يعني لأهلها رحيل دنياهم ، ويعني رحيل تاريخهم وتاريخ أجدادهم ، يعني موت ذكرياتهم ، ويعني موت أمانيهم . ولهؤلاء يعني بابا للسؤال والاستجداء والإعلان عن الابتلاءات ، ليتهم ماتوا قبل أن يقتلوا كسلا . اغتيال كسلا يعني اغتيال آخر ذرة من ضمير الإنقاذ ، إن كانت لهم ذرة من ضمير .
|
|
|
|
|
|
|
|
|