فصل من رواية الخطوة الاولى - يوسف العطا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 03:03 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-18-2003, 05:18 PM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
فصل من رواية الخطوة الاولى - يوسف العطا

    تساءلت في بوست سابق - موجود بلارشيف ولا يمكن رفعه- عن الروائي يوسف العطا ولم اجد اجابة حتى الآن
    هنا أعيد الفصل الاخير من روايته " الخطوة الاولى" التي نشرت اولا بصحيفة الايام ثم صدرت عن دار جامعة الخرطوم للنشر

    -============


    الخطوة الأولى

    يوسف العطا


    *********




    بعد إغفاءة طويلة قامت النمال تزحف في قدمي. تدب بالصعود والهبوط حائرة بالدرب أحس بها في نخاع العظام والمفاصل والأطراف. تجيء وتذهب في بطء وبلا انتظام. ذات النمال السابقة التي كانت تنساب في طريق تمسحه لها زينب بالتدليك. والآن أشعر بها ملتصقة الأرجل في بقايا الدهون والشحوم، تنزعها عن اللزوجة فتشد أعصابي في ألم مبرح. ولابد أن هذا جميعه مرجعه إلى الحذاء الجديد في قدمّي. وقبله كنت أسعى طوال عمري الثاني حافياً. فعرفت آثاري المفطحة دروب القرية وميدان أبي قدم في الخرطوم. وقتها لم أجد أبداً نعالاً تناسب قدمي الراجعتين. ضاقتْ عنهما كل الأحذية للتسطح فيهما والتفطح. ولقد حار أطبائي في أمري هذا. ثم كان رأيهم أن تُدرس الظاهرة برمتها في منشئها. وبذا عدت إلى بلدتي الطلحة أعيش فيها حياتي الطبيعية. وفيما بعد لحق بي الأطباء والعلماء يرقبون نموي إلى أسفل. يرصدونني عن كثب كما لو كنت ظاهرة خسوف أو كسوف وشيك. وسبق مجيء هؤلاء حضور مبعوثين من قبل الحكومة: مهندسون وزراعيون وإداريون. وقامت بمقدمهم حركة إصلاح واسعة. يعدون الطلحة بشكل استثنائي لتستقبل العلماء القادمين إليها كفتاة تتزوج. جُلبت معدية حديثة تربط الضفتين، وأنشأ في الدبة مطار صغير. وفي الطلحة بنيت نزل حديثة. قامتْ مستشفى بها ومدرسة جديدة ولما كانت تلك الإنشاءات قد تمت بعد حضوري البلدة أطلق الناس اسمي عليها يتجاهلون أسماءها الرسمية.
    كان أمراً عجباً أن يشهد القرويون الوفود تترى تباعاً على الطلحة. يسمعونهم يرطنون بعديد اللغات ويبصرونهم يتزينون في ثياب مختلفات. يبدون ببشرات سمراء وبيضاء وفاحمة. كانوا في عملهم كما النحل في الخلية. ينكبون فوق آلاتهم وكتبهم. وكنت اختلف إليهم في نزلهم يقومون بفحصي كل يوم. يقعدون في مجلسي مع المرضى والمعوزين والمشلولين. يأكلون طعامنا ويشربون شرابنا. وكان شيئاً عجيباً حقاً أن رأينا في مجاهرهم ما كان خافياً. نبصر هذا العالم الثاني الذي يسقمنا ويقعدنا.
    من جلد بقرة في الطلحة صنع العلماء نعلاً أحتذيه وذلك وفق مواصفات معينة من خامة وعمق وطول وعرض وسعة. كانت قدماي ترفضان كل جسم غريب وجديد كرفضهما المشي إلى الأمام. تقاتل النمال فيهما بضراوة كل حذاء. وفي حيرتهم يحقنني الأطباء بالمسكنات بفمٍ ووريدٍ يسكتون المقاومة. وما إن يزول أثر المفعول حتى تستأنف النمال القتال الضاري. تحطم أعصابي في مشيها في الوحل. وفي ألمي أقذف بالنعال إلى بعيد فتركن في التو جيوش النمل تلك إلى سكون وإغفاء. وبعد تجارب مضنية وأخذٍ وردٍ لم تعد قدماي ترفضان هذا الحذاء الجلدي الرفض كله. أشعر بالغثيان في جوفي والدوار في رأسي حين أنتعله. وأرجع ذلك كله إلى آثار جانبية غير ضارة. وأشار مَنْ حولي أن أحتفظ بالحذاء أرتديه في الوقت المناسب. ولقد اعتبر الأطباء أن ما توصلوا إليه بمثابة إنجاز عظيم.
    أقبل الليل وفي أواخره إرفضَّ السامر عن المجلس. نام مَنْ بقي من الجلوس عندي، رقابهم على الصدور فآويت بنعالي إلى فراشي أتركهما أسفل العنقريب. وهتف في نفسي هاتف أن خذ نعليك فأخذتهما. تحسست جلدهما البقري باليدين. استشعرت ملمسهما فراقتاني. وفي التو جعلتهما في قدمي وذهبتُ في سبات عميق.
    قبيل الفجر استيقظت الطلحة على صراخي وصياح الديوك. كأنَّ النار في قدمّي. وكأنَّ النار في أحشائي فما أدري ما أنا فاعله. ألفيت الجميع حولي وقد تراكضوا إلى داري في حارة أبي قدم. تسابق إليها العلماء والمريدون أحاطوا بمرقدي كالسوار. وبينهم كنت أتلوى بالألم المبرح. يغمر العرق كل جسدي. أنتفض كالعصفور الذبيح. تراءى لي أنها ساعة الصفر التي انتظر وينتظرون. أينجلي كل شيء بعد خسوف وكسوف؟! هذا ما توقعوه وانتظروه مني. ولأجله تقاطر الأطباء بآلاتهم والصحافيون بمصوراتهم. أبصرت حولي شيوخ القرية ونساءها يلبسون للظاهرة لبوسها. ينثرون في ذلك الفجر الآتي حبوب القمح والذرة وقرن الشمس لما يذر والقمر لما ينجلي. يدقون الطبول. يدرءون بالتعاويذ البلاء الماحق.
    كانت رقاب المحبين والضيوف تشرئب كمقامات النخل. تتحلق دائرتهم حولي وتستحكم. تقف أجسامهم على رؤوس الأصابع. والعيون ما تفتأ ترتكز على قدمي بحذاءيهما. وبغتةً احتدم النقاش. شب كالنار في هشيم الطلحة:
    - اخلعوا عنه حذاءكم هذا.
    - والله لا نخلعه أبداً.
    - أنتم به توردونه موارد الهلاك.
    - بل نحن بهذا ندفع به إلى موارد الخير والنماء والشفاء
    ثم قال في الناس قائل بصوت جهير:
    - أيها الناس أتينا بلدتكم هذه من كل فجٍ عميق نلتمس الطريق المستقيم. رجعنا إليكم لنذهب معكم وبكم. وما كنا نعتقد أن نجد ما وجدنا في غياهب هذه الصحراء. ظننا الأمر سراباً. ونأمل ألا نفسد هذا الذي بين أيدينا بالعراك الذي لا طائل من ورائه.
    ورد عليه من أهل الطلحة متحدث شاب:
    - نحن لا ننكر فضلكم أيها السادة فعن طريقكم عرفنا المستشفى والمدرسة والطائرة رغم أننا أسميناها بأسمائنا. ولكنها الحقيقة نقرُّها. ونحمد لكم إنهاضنا بعد القعود، بيد أننا لن نغفر لكم أبداً النيل من أبي قدم.
    - أبوقدم في حدقات عيوننا. نجده باستمرار نصباً وتذكاراً لجندي مجهول. ولكن هل نظل هكذا وقد أسقط في أيدينا؟ لا يا قوم.
    عند هذا أوشكت أن تقوم داحس والغبراء. تقارعت الألسن بباطل وحق. وارتفعت الأيدي بوعد ووعيد. وعنهم غابت بي الذاكرة كأنما بساط انسحب من تحت قدمي. مادت الأرض بي. وغيبي جوف قبر فارغ فلا أسمع الضجة فوقي. أسد أذني عن كل تضرع وحمد. والرايات في خفقاتها تنبئ عن لا شيء في سكون الريح وهبتها. استعدت حلمي الذي ألم بي ليلة البارحة وقد ملأ بالصور كل رأسي. أذكره ضوءاً كاشفاً مشعاً في طيات ذاكرتي.غداً أول أيام العام الدراسي الجديد. وإذ أنتعل الحذاء قامت الرغبة تلح علي أن أذهب إلى المدرسة. في حلمي كان يعذبني أن قدمي لن تذهبا إلا للوراء والمدرسة الجديدة في طرق من القرية. بفتح جفني رأيت المآقي تبكي. والأبصار ترتكز عليَّ. في فَرقِهن تشقق نساء الطلحة الجيوب شقاً. والرجال ترتجف أطرافهم من فرط التأثر. ومن العيون ما كان عالقاً بالعنقريب. يحسبونه يوشك يطير بي من فوق رؤوسهم. من فوق هامات النخل ينطلق إلى البقعة التي اشتهى وما يدرون أهي مقابر الشيخ مسيد، أم مقابر ود شبو، أم ميدان أبي قدم بين النيلين وربما صعيد أبعد. ولكن مرقدي سرير خشبي لن يطير أبداً. وفوقه تماسكت رويداً رويداً. وفي غير ما توقع شعرت بقدمي تستديران كعقربي الساعة في نصف دائرة إلى الأمام تدفعهما مئات النمال كمركب ضخم راسب في الماء الضحل عند شاطئ الطلحة، تدفعه ظهور الرجال إلى مجرى التيار الحي. وظلت رأسي في التفاتتها اليسيرة إلى الوراء كأنها تتكئ على ماضي أيامي. تذكرت لحظتها والناس حولي أن اليوم سبت. مذ أمس باتت تلحُّ علي رغبة في الذهاب للمدرسة بعدما نسيت كل شيء. نزلت عن السرير معافى فهرع مَنْ حولي يمسكون بي لئلا أقع.
    قلت في جمعهم الحائر:
    - أريد الذهاب للمدرسة.
    فنهضوا يحملوني إليها. تتبادلني في الطريق سواعدهم. ومضى بي موكبهم برجاله ونسائه، بسوقته وعلمائه. وفيما هم يمشون بي أحسست بذاكرتي يلفها الخدر. كأنما غفوت بالنعاس في تلك الساعة. لم أعد أميز أي شيء فقد ألفيت نفسي محمولاً بالسواعد. وفي عيني بدا الجميع عائلة كبيرة. أحسست أن كل الرجال آبائي، وكل النساء أمهاتي. وجميعهم تجمهروا في فناء المدرسة الرملي. جعلوني أقف في صف التلاميذ. كنا في انتباه. ولدهشتي الكبرى والجرس يقرع ألفيت قدميَّ في حذاءيهما الجديدين، بعد أن استدارتا إلى الوضع الطبيعي، تخطوان الخطوة الأولى إلى الأمام في جمع من التلاميذ الجدد.

    انتهت
    الطائف : مارس 81 مارس 1982م.
                  

العنوان الكاتب Date
فصل من رواية الخطوة الاولى - يوسف العطا sympatico07-18-03, 05:18 PM
  Re: فصل من رواية الخطوة الاولى - يوسف العطا rummana07-19-03, 01:21 PM
    Re: فصل من رواية الخطوة الاولى - يوسف العطا sympatico07-20-03, 09:23 PM
      Re: فصل من رواية الخطوة الاولى - يوسف العطا rummana07-21-03, 10:59 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de