|
الثقافة السودانية بين التشويه المقصود والتحول الأرادي ـ موضوع لنقاش
|
كلمة ثقافة في معناها الشمولي تعني كل ما ورثه جيل عن الجيل الذي سبقه في إطار جغرافي معين. والثقافة هي حصيلة التجارب والمعارف التي إكتسبتها جماعة معينة للتعامل مع البيئة التي تعيش فيها والإستفادة من الموارد التي تحظى بها تلك البيئة لخير ومنفعة الجماعة. وقد تفقد بعض سمات الثقافة معناها ودورها الإيجابي مع مرور الزمن وتغيرات البيئة أو تحولات إجتماعية فرضتها ظروف خارجة عن إرادة المجتمع ومع ذلك تظل تلك السمات جزءا لايتجزى من الثقافة وتقف شاهدا على المسار الذي سلكته الثقافة منذ نشأتها الأولى. والثقافة السودانية كغيرها من الثقافات مرت بالعديد من التحولات بعضها إرادي وبعضها قهري وجزء منها غير يسير فرضته ظروف قهرية إرادية. ولعل أهم العوامل في عملية التغيير الثقافي هما الإقتصاد والدين. وهناك عوامل أخرى لا تقل أهمية عن العاملين السابقين كالإتصال مع الثقافات الأخرى عبر قنوات التجارةوالزيارة وأجهزة الأعلام المرئية والمقروءة والمسموعة علاوة على الكوارث الطبيعية والبشرية. ونظرة عجلى على حركة مسار الثقافة السودانية، الشمالية منها على وجه الخصوص، تبديء لنا ما آلت إليه الثقافة السودانية من تشويه مقصود وتحولات إرادية أملتها الحاجة والتكييف مع مقتضيات كل عصر. ولا يختلف إثنان أن الثقافة السودانية ثقافة محلية سوداءيعود منشأها إلى حقبة زمنية ضاربة في القدم تربو على ألآف السنين قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام. كما لايجادل إثنان ممن لهما نظر أن مجرى الثقافة السودانية كان مصبا لمجموع الثقافات الكوشية المحلية، والثقافات السوداء المجاورة، والثقافات الوفدة القصرية والمرحب بها على حد سواء مما جعل الثقافة السودانية ثقافة ثرة ومتميزة عن غيرها من ثقافات القارة السوداء. ومجمل القول أن الثقافة السودانية ثقافة ذات منشأ محلي أعطت وأخذت من الثقافات التي إتصلت بها، ومع ذلك تظل السمات المحلية الأصيلة واضحة للعيان. فالعنقريب مثلا واحد من الملامح الثقافية الكوشية حيث كان يستخدم في مراسم الدفن الكوشية والنوبية، ونلاحظ حتى يومنا هذا دور العنقريب في مراسم الدفن السودانية.وهناك الكثير من الملامح الكوشية، ومؤثرات الثقافة النوبية المسيحية، والسمات القبطية وحتي اليهودية، ومؤثرات الثقافات الكوشية الأثيوبية والأفريقية الهندية والأفريقية الأخرى، لا تزال بادية للعيان في نسج متكامل غير منفرط مع الملامح الأخرى.فالقول أن الثقافة السودانية الشمالية ثقافة عربية مردود ولا محل له من الصحة.
|
|
|
|
|
|
|
|
|