صه يا كنار كلمات: محمود أبوبكر
صه يا كنارُ وضع يمينك في يدي
و دعِ المزاح لذي الطلاقة و الدّدِ
صه غير مأمورٍ وهات مدامعاً
كالأرجوانة وابك غير مصفّدِ
ودِّع بدمعك من تحب فإنني
أنا إن دعوتك لن تعيش إلى غدِ
فإذا صغرت فكن وضيئاً نيراً
مثل اليراعةِ في الظلام الأسودِ
و إذا وجدت من الفكاك بوادراً
فابذل حياتك غيرَ مغلولِ اليدِ
و خذِ المطالبَ من زمانك و العنِ
العريف على الرعاف و لا تدِ
فإذا إدخرتَ إلى الصباح بسالةً
فاعلم بأن اليوم أنسبُ من غدِ
و اسبق رفاقك للقيود فإنني
أيقنت ألاّ حُر غير مقيَّدِ
و املأ فؤادك بالرجاءِ فإنها
بلقيسُ جاء بها ذهاب الهدهدِ
فإذا تبدّد شملُ قومِك فاجمعا
فإذا أبوا فاضرب بعزمة مُفرَدِ
فالبندقية في بداية عهدها
طلعَت بمجدٍ ليس بالمتبدِّدِ
صه يا كنارُ و دع يمينك في يدي
فكأن يومَ رِضاكَ ليلةَ مولدي
أنا كم رعيتُكَ و الأمورُ عصيةٌ
و بذَلتُ يا سودانُ ما ملكت يدي
و جرى فؤادي نحو قلبك سلسلاً
لكن قلبك كالأصمِّ الجُّلمُدِ
لكَ في فؤادي يا كنارُ مكانةٌ
أسمى و أقدسُ من مكانة أحمدِ
و لدي أحمدُ كالحياةِ و كالمُنى
من كل ممتنعٍ و كل مؤيِّدِ
قاسمتُهُ ظُلَم الحياةِ و ظُلمَها
و نشأتُ بين جِنانِه المتجدِّدِ
صه يا كنارُ فما فؤادي في يدي
طوراً أَضِلُّ و تارةً لا أهتدي
و لأنتَ أعلمُ كيف أقتنِصُ الهُدى
حتى قنصت به سهاد الجَّدجدِ
و أرى العواذِلَ حين يملكنا الظَّمأ
فأموتُ من ظمأٍ أمامَ المَورِدِ
و أرود أرجاءَ البيانِ مُداجياً
فأضيقُ من أنَّاتِهِ بالشَّرَدِ
أنا يا كنارُ مع الكواكبِ ساهرٌ
أسرِي بخفقِ وميضها المُتعدِّدِ
وعرفتُ أخلاقَ النجومِ فكوكبٍ
يهِبُ البيانَ و كوكبٌ لا يهتدي
و كويكبٌ جمُّ الحياةِ و كوكبٌ
يَعصي الصباحَ بضوئِهِ المُتمرِّدِ
إن كنت تستهدي النجوم فتهتدي
فانشد رِضاي كما نشَدت وجدِّدِ
و إن كنت لستَ تَطيق لومةَ لائمٍ
فأنا الملومُ على عِتابِ الفرقدِ
صه يا كنارُ فبعضُ صمتِك موجعٌ
حتى شدوتَ فجاء شدوُك مُسعِدي
و فضيلةٌ بين التبسُّمِ و البُكاء
لو تعلمون تجلُّدَ المُتجَلِّد
و تأملٌ ملأ التأملُ حسنَهُ
و كساه من حُلل الأصيلِ العسجَدِ
ألم تأجِّج في ثيابك لم يكن
ليزولَ دون إهابكَ المُتوَقِّدِ
غَرَبت به الأيامُ و هي عوابسٌ
فقضيتُهن مودِّعاً في الموعِدِ
صه يا كنارُ فبعضُ صمتِك موجعٌ
قلبي و موردي الردى و مخلِّدي
أرأيتَ لولا أن شدوتَ لما سَرَت
بي سارياتُكَ و السرى لم يُحمَدِ
أنا لا أخافُ من المنونِ و ريبها
ما دامَ عزمي يا كنارَ مُهنَّدي
سأذودُ عن وطني و أهلَكَ دونَهُ
في الهالكينَ فيا ملائكةَ اشهدي