تهافت (*)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-09-2024, 12:28 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة هشام ادم(هشام آدم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-21-2012, 05:46 PM

Muhib
<aMuhib
تاريخ التسجيل: 11-12-2003
مجموع المشاركات: 4084

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تهافت (*) (Re: قيقراوي)

    -1 أن الله لم يكن خالقا( قبل حدوث الكون والوجود) وأن صفةالخلق غير مطلقة أو أن صفةالخلق قديمةولكنها كانت معطلة ثم تفعلت مع خلق الكون
    >

    الاخ كمال عباس ,,الاستاذ الفيلسوف عوض سمعان لديه كتابه جيده في الموضوع من وجه نظر مسيحيه كتابيه ..سوف انقل الفصل كاملا للفائده ...في الحقيقه سوف انقل فصلين او فاصلان ( مساعده يا ناس العربي )




    فصل الثاني

    مشكلة أصل العالم

    أولاً - آراء الفلاسفة فيها

    اختلف الفلاسفة في أصل العالم اختلافاً عظيماً، فقال بعضهم إنه أزلي، وقال البعض الآخر إنه حادث. وفيما يلي أهم آرائهم :

    1- فلاسفة اليونان :

    قال هيرقليطس : العالم لم يصنعه أحد من الآلهة أو البشر، لكنه كان أزلاً، وكل ما فيه من نبات وحيوان صُنع بموجب قانون ذاتي ضروري هو قانون الحكمة . وقال أفلاطون : الجوهر الخفي اللامحدود الذي صُنع منه العالم المحس، هو أزلي أبدي . وقال أرسطو : الله لم يخلق العالم بل حرّكه فحسب . فالعالم في نظر أرسطو أيضاً كان أزلاً.

    2 - فلاسفة اليهود :

    قال موسى بن ميمون ما ملخصه : الله علة وجود العالم، والعالم حادث. لكن إثبات الحادث بالبرهان عسير. ولولا أن الوحي قد سبق وقال إن الله خلق العالم، لكنا قد قلنا إنه قديم . وقال سبينوزا : العالم قديم . ولم يجعله قديماً فحسب، بل كثيراً ما جعله هو والله واحداً، لأنه كان يرى " بسبب اعتقاده أن وحدانية الله هي وحدانية مجردة " أنه تعالى ليس قائماً بذاته.

    3 - فلاسفة المسيحيين :

    قال جون سكوت : الخلق قديم . وقال توما الأكويني : حدوث العالم مسألة يفصل فيها الوحي، ولا يتأتَّى إثباتها بالبرهان .

    4 - فلاسفة المسلمين :

    قال ابن سينا : العالم قديم، وسَبْق الله للعالم هو سبق العلة للمعلول، والعلة مع المعلول زماناً وملازمة له، غير متأخرة عنه . وقال ابن رشد : الله ليس فاعلاً بالطبع، ولا فاعلاً بالإرادة . وقال أيضاً : تقدم الله على العالم بالسببية لا بالزمان، كتقدُّم الشخص لظله . ومعنى ذلك أن الله حسب اعتقادهما، لم يخلق العالم من العدم، بل أن العالم ملازم له أزلاً.

    ثانياً - حججهم، وضعف الردود عليها،

    والحل المناسب للمشكلة :

    لم يُلقِ الفلاسفة الذين قالوا بأزلية العالم آراءهم جزافاً، بل أيدوها بحجج كثيرة. وقد حاول علماء الدين الذين يؤمنون أن حدوث العالم لا يتعارض مع اعتبار وحدانية الله وحدانية مطلقة، تفنيد حجج الفلاسفة، لكنهم لم يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً. وفيما يلي أهم هذه الحجج والردود عليها، ثم الحل المناسب للمشكلة.

    حجة الفلاسفة " 1 " : قال بروكلوس : بأي باعث صمم الإله على الخلق، بعد الصمت الذي ظل فيه منذ الأزل، إلى بدئه في الخلق؟ هل لأنه رأى أن هذا هو الأفضل؟ إن كان الأمر بالإيجاب، فهو إما كان يعلم هذا الفضل أو لا يعلمه. فإن كان لا يعلمه فعدم العلم لا يتفق مع الألوهية. وإن كان يعلمه، فلماذا لم يبدأه قبل ذلك العهد؟ .

    وقال ابن سينا ما ملخصه : الله إما كان كافياً لإيجاد العالم، أو غير كافٍ له. فإن كان غير كافٍ له، فلماذا أوجده في زمن دون آخر؟ هل كان عاجزاً ثم صار قادراً؟ هذا محال! أم هل كان العالم مستعصياً عليه، فلم تتعلق القدرة بإحداثه، ثم صار ممكناً، فتعلقت القدرة بإحداثه؟ هذا محال! أم هل كان حدوث العالم قبلاً عبثاً، فلم تتعلق القدرة بإحداثه، ثم صار حدوثه ذا غرض وحكمة فتعلقت القدرة بإحداثه بعد ذلك؟ هذا محال، لأن العلة واحدة، والأوقات متساوية. أم هل لم تكن آلة للإحداث، فلم تتعلق القدرة بالإحداث، ثم وُجدت الآلة فتعلّقت القدرة به بعد ذلك؟ هذا محال! أم هل لم تكن إرادة من القديم لإحداث العالم، فلم تتعلق قدرته بإحداثه، ثم صار ذا إرادة، فتعلقت قدرته به بعد ذلك؟ هذا محال، لأن الإرادة تكون في هذه الحالة حادثة. والخلاصة إن خلق العالم في زمن دون آخر، مرجح بلا ترجيح، ولذلك فالعالم أزلي .

    الرد عليها : قالت الأشاعرة : للقديم إرادة قديمة، اقتضت أزلاً حدوث العالم في الوقت الذي حدث فيه. فلم يحدث قبل ذلك، لأنه لم يكن مراداً بالإرادة القديمة. فذلك الاقتضاء القديم هو المرجح. لأن من إرادة الباري الترجيح، ولها أن تختار . وقالت المعتزلة : خلق العالم في وقت دون آخر، ليس لسبب يرجّحه بل لأمر يوجبه .

    نقد الفلاسفة لهذا الرد : قال ابن سينا : الإرادة القديمة باقتضائها القديم لا تصلح مرجحاً للحدوث في وقت دون آخر، لأن نسبة الإرادة القديمة إلى الحدوث في الوقت المشار إليه، وإلى الحدوث في وقت غيره سواء. فلماذا اقتضت الإرادة ورجحت حدوثه في الوقت الأول دون الثاني؟ إن ترجيح هذا على ذاك، أو ترجيح ذاك على هذا، نسبتهما إلى الإرادة إما سواء، أو لا. أما النفي فغير جائز، وإلا كان إحداث العالم إرغاماً لا اختياراً، وهذا باطل. وإن كانا سواء، فهل حدث أحدهما بدون ترجيح من الإرادة أو به؟ إن كان الأول لزم الترجيح بلا مرجح. وإن كان الثاني لزم التسلسل. وكلاهما باطل. ولذلك يكون العالم أزلياً . وقال أيضاً : القول بخلق العالم في زمن دون آخر يدل على أن الله يختار. والاختيار يؤدي إلى وجود كثرة في ذاته، لأنه يستلزم معرفةً توجب القصد أو ترجّحه. والتكثّر في الواجب محال . وأيضاً : القول بحدوث العالم يدل على أن الله كان غير تام الفاعلية أزلاً. وهذا ما لا يتوافق مع كماله التام .

    رد أغسطينوس على نقد الفلاسفة : لا تناقض بين قِدَم الإرادة الإلهية وحدوث المخلوقات، ولا محل للتساؤل : لماذا خلق الله العالم في زمن دون آخر، لأن الزمن لم يكن له وجود قبل خلق العالم، إذ أن بدء الخلق هو بدء الزمن، ولذلك فخلق العالم من العدم ليست فيه مفاضلة بين زمنين. فليس هناك زمن قبل خلق العالم كان الله لا يعمل فيه شيئاً.

    النقد والحل : قد يبدو لأول وهلة أن رد أغسطينوس يدحض حجة القائلين بأزلية العالم. لكن بالتأمل فيه يتضح لنا أنه رد جزئي فحسب، لأن حدوث العالم يدل على أن الله قد عمل بعد أن كان لا يعمل، وهذا ما يتعارض مع ثباته وعدم تغيّره. ولذلك فالاعتراض الذي يجب مواجهته بالذات هو :

    خَلْق الله للعالم يدل على انتقاله من حالة السلب إلى الإيجاب، أو من السكون إلى الدعوة للوجود، إذا يكون قد عمل بعد أن كان لا يعمل. وهذا يتعارض مع ما يجب له من ثبات تام .

    وللرد على هذا الاعتراض نقول : لو اعتبرنا وحدانية الله وحدانية مطلقة، لما كان مفرّ من التسليم بأنه كان موجوداً في حالة السكون أزلاً، لأن صفاته " إن كانت له صفات في هذه الحالة " تكون عاطلة أزلاً، ولتعَّذَر علينا تبعاً لذلك إسناد الخَلْق إليه، لأنه كان يتطلب منه الانتقال من السكون إلى العمل، الأمر الذي لا يليق بثباته تعالى وعدم تعرّضه للتغيّر أو التطوّر. لكن إذا نظرنا إلى وحدانيته كوحدانية جامعة مانعة، اتضح لنا أنه من البديهي أن تكون صفاته عاملة منذ الأزل، ولذلك لا يكون قد انتقل بالخلق من حالة السلب إلى الإيجاب، أو من السكون إلى العمل. بل بالعكس يكون الخلق مجرد مظهر من مظاهر عمل صفاته الأزلي بينه وبين ذاته. وهذا لا يقتضي حدوث أي تغير في ذاته، وبذلك تسقط حجة الفلاسفة من أساسها، ويتحقق لنا أن خلق الله للعالم لم يترتب عليه حدوث تغير في ذاته.

    وقد أشار الكتاب المقدس إلى أن الله كان يعمل قبل حدوث الخلق فقال : أَنَا الْحِكْمَةُ مُنْذُ الْأَزَلِ مُسِحْتُ، مُنْذُ الْبَدْءِ, إِذْ لَمْ يَكُنْ قَدْ صَنَعَ " الرب " الْأَرْضَ,,, كُنْتُ عِنْدَهُ صَانِعاً normal " أمثال 8 :12-31 " . فهذه الآيات، وإن كانت بها بعض المعاني المجازية، إلا أنها تدل بكل وضوح، على أن الله لم يكن عاطلاً قبل الخلق بل كان عاملاً.

    أما عن الاعتراض : لماذا خلق الله العالم في الزمن الذي خلقه فيه، دون غيره من الأزمنة؟ فلا مجال له إطلاقاً. لأن الزمن ليس له وجود في ذاته، وهو لا يوجد إلا إذا وُجدت الأشياء وحدثت. فالزمن كما قال أغسطينوس لم يكن موجوداً قبل الخَلْق، بل وُجد بحدوث الخلق، ولذلك فخلق الله للعالم من اللاشيء ليست فيه مفاضلة بين زمنين. كما أن التساؤل : لماذا كان العالم حادثاً والله قد أراد وجوده أزلاً؟ وما يريده الله أزلاً يعمله أزلاً، لأنه ليس هناك ما يمنعه من عمل ما يريد، بمجرد ما يريد ليس له مجال على الإطلاق، طالما أن حدوث العالم لم يغيّر شيئاً في ذات الله، إذ من البديهي أنه وإن كانت الأوقات والظروف هي واحدة بالنسبة إليه دائماً أبداً، إلا أنه لا يقوم بأي عمل من أعماله إلا بكل حكمة وفطنة، وذلك لخير خليقته التي تتأثر بالأوقات والظروف.

    حجة الفلاسفة " 2 " : قال أف########ن : الواحد لا تصدر عنه أعماله بالإرادة بل بالضرورة. وما يصدر عن الواحد صدوراً ضرورياً، هو مثل ذاته. فالعالم أما أن يكون أزلياً، أو يكون مثل ذات الله. ولما انتفى أن يكون مثل ذاته، لذلك يكون أزلياً .

    وقال الكسندر أوف هاليس : الواحد لا يصدر عنه إلا واحد فحسب. وبما أن العالم متعدد، إذاً فهو لم يصدر عن الله، بل إنه أزلي .

    وقال شلينج : الفلسفة عاجزة عن تفسير خروج الكثرة المتنوعة من الواحد المطلق . فبناءً على منطقه يكون اعتبار العالم أزلياً أقرب إلى العقل من اعتباره مخلوقاً. وقال ابن سينا : الموجود القائم بذاته لا يمكن إلا أن يكون واحداً من كل وجه، والواحد من كل وجه لا يصدر عنه إلا واحد، وإلا تعددت جهات ذلك الواحد بتعدّد ما يصدر عنه . فبناءً على منطق ابن سينا لا يكون العالم قد صدر عن الله، بل يكون أزلياً، لأن العالم متعدد النواحي.

    الرد عليها : قال القديس أغسطينوس : القول بصدور العالم عن الله صدوراً ضرورياً معناه أن الله يتجزأ، والحال أنه لا يتجزأ. ولذلك فالعالم لم يصدر عن الله صدوراً ضرورياً، بل صدر عنه بإرادة . وقال توما الأكويني : العالم لم يصدر عن الله بالضرورة، لكن صدر عنه باختياره. وما يصدر عنه باختياره لا يشترط فيه أن يكون واحداً . وقالت المعتزلة : الفاعل هو الذي يفعل بقصد واختيار، والقول بقِدَم العالم ينفي الاختيار عن الله . وبما أن الله يتصف بالاختيار، فبناءً على منطق المعتزلة يكون العالم مخلوقاً به.

    النقد والحل : لو اعتبرنا وحدانية الله وحدانية مطلقة، لتعذَّر علينا إسناد الإرادة أو الاختيار إليه، لأننا إن قلنا إنه كانت له إرادة أزلاً، أسندنا إليه التركيب من مريد ومُراد، أو افترضنا وجود كائنات أزلية معه كان يريدها أزلاً، إذ لا إرادة مع التركيب أو الكثرة.

    وقد يقول قائل إن النفس البشرية واحدة، ومع ذلك فهي مريدة بغض النظر عن اتصالها بالإنسان. وللرد على ذلك نقول إن النفس وإن كانت واحدة، لكنها تشتمل على ملكات ومميزات كثيرة " كما ذكرنا في الباب الثاني " . ولذلك فإنها وإن كانت واحدة، إلا أنها مركبة. بينما الله مع وحدانيته لا تركيب فيه على الإطلاق.

    وإن قلنا إن الله اتصف بالإرادة في الزمان، أسندنا إليه التطوّر والتغيّر، إذ يكون قد صار مريداً بعد أن كان غير مريد. وهذا ما يتعارض مع ثباته وعدم تعرضه للتطور والتغير. لكن إذا نظرنا إلى وحدانية الله كوحدانية جامعة مانعة، اتضح لنا أنه من البديهي أن يكون متصفاً بالإرادة منذ الأزل، لأن الإرادة تلازم هذه الوحدانية، وتبعاً لذلك لا يكون العالم قد صدر منه بالانبثاق أو الضرورة، كما يقول بعض الفلاسفة، أو وُجد من تلقاء ذاته أزلاً، كما يقول البعض الآخر، لأن المادة لخلّوها من العقل لا توجد من تلقاء ذاتها، بل لابد لها من موجد. وهذا الموجد لا يمكن أن يكون مادة مثلها، لأن المادة لا تخلق مادة أخرى من تلقاء ذاتها. فيكون العالم قد خُلق حقاً بإرادة الله واختياره، وبذلك تسقط حجة المعترضين من أساسها.

    حجة الفلاسفة " 3 " : قال ابن سينا ما ملخصه : القول بحدوث العالم يؤدي إلى استكمال الله بالغير. واستكمال الله بالغير يؤدي إلى وجود نقص فيه، والنقص بالنسبة لله محال. ولذلك يكون العالم أزلياً .

    النقد والحل : لم يتعرض أحد من القائلين بخلق العالم لمواجهة هذا الاعتراض برد قاطع، لأنهم يعتقدون " على اختلاف الأديان التي ينتمون إليها " أن الله خلق العالم ليُظهر ذاته، أو يستثمر صفاته، أو ليصير معروفاً عند غيره. وكل هذه الأغراض إن صحّت، أدت " والعياذ بالله " إلى وجود نقصٍ فيه، وإلى رغبته في استكمال هذا النقص بالغير " كما قال ابن سينا " . وهذا ما لا يتناسب مع كماله واستغنائه بذاته عن كل شيء سواها.

    لكن إذا نظرنا إلى وحدانية الله كوحدانية جامعة مانعة، اختفى كل مجال للظن بأن الله قد خلق العالم ليظهر ذاته أو صفاته، لأنه على أساس هذه الوحدانية تكون ذاته متعيّنة بتعيّن واضح، وتكون صفاته عاملة أزلاً بينه وبين ذاته إلى درجة الكمال، وبذلك لا يكون خَلْقه للعالم وسيلةً لإعلان ذاته أو صفاته، بل يكون نتيجة طبيعية لعمل صفاته الأزلي بينه وبين ذاته.

    حجة الفلاسفة " 4 " :قال ابن سينا ما ملخصه : القول بخلق العالم يؤدي إلى دخول الله في علاقة بعد أن لم تكن له علاقة. وبما أن الله لايطرأ عليه تغيير ما، يكون العالم أزلياً .

    الرد عليها : قال جيوم دوفري : حدوث العالم لا يغيّر شيئاً في ذات الله، لأن العالم صادر عن الله بإرادة قديمة . وقالت المعتزلة والأشاعرة : الله خلق العالم بإرادة قديمة . فبناءً على رأيهم تكون لله علاقة قديمة بالعالم، وبذلك لا يكون بخلقه إياه قد دخل في علاقة جديدة.

    النقد والحل : لو كانت وحدانية الله مطلقة لما كانت له في ذاته إرادة أو علاقة، لأن وجودهما لا يتناسب مع ما لهذه الوحدانية من خصائص، ولكان خلقه للعالم قد عرّضه تبعاً لذلك للتغيّر والتطوّر، إذ يكون قد أصبح مريداً بعد أن كان غير مريد، وذا علاقة بعد أن كان بغير علاقة، الأمر الذي يتعارض مع ثباته. ولذلك فالرد المذكور لا يدحض حجة المعترضين.

    لكن إذا نظرنا لوحدانية الله كوحدانية جامعة مانعة، اتضح لنا أنه من البديهي أن تكون بينه وبين ذاته علاقات خاصة منذ الأزل، وأن يكون متّصفاً بالإرادة منذ الأزل أيضاً. فقد اتضح لنا أنه من البديهي أن يكون بهذه الإرادة قد قصد أن يخلق العالم منذ الأزل كذلك " لأن كل أعماله معروفة لديه أزلاً " . وبناءً على ذلك تكون له علاقة مع العالم منذ الأزل، بجانب العلاقات الخاصة الكائنة بينه وبين ذاته أزلاً. ولذلك لا يكون بخلقه للعالم قد دخل في علاقة لم تكن موجودة في ذاته من قبل، كما يقول المعترضون.

    حجة الفلاسفة " 5 " : قال أرسطو : إذا أحدث الله العالم، فإنما يُحدثه ليبقَى هو كما كان، أو يُحدثه لما هو أفضل، أو يُحدثه لما هو مفضول. وكل هذه أغراض بعيدة عما يُتصوَّر في حق الله، ولذلك يكون العالم أزلياً . وقال ابن سينا بهذا المعنى تقريباً : الفاعل لا يأتي عملاً إلا لفائدته الشخصية، أو لفائدة تعود على غيره، أو لأن الفعل حسن في ذاته. لكن الغرضين الثاني والثالث لا يدفعان وحدهما الفاعل على العمل إلا إذا كانت له مصلحة خاصة. وبما أن هذا الغرض لا يليق بالله، يكون العالم أزلياً .

    النقد والحل : لم أعثر بردٍّ قاطع على هذا الاعتراض فيما قرأته من آراء الذين يريدون التوفيق بين خلق الله للعالم، واعتبار وحدانيته وحدانية مطلقة. وطبعاً يرجع السبب في ذلك إلى أنه لو كانت وحدانية الله مطلقة لما كان له غرض من خلق العالم سوى الحصول على فائدة خاصة، مثل إظهار قوته وسلطانه، أو على الأقل إعلان ذاته وصفاته. ولما كانت هذه الأغراض لا تليق بكمال الله المطلق واستغنائه بذاته، لذلك يجب أن نعتبر العالم أزلياً، كما قال الفلاسفة، لأن هذا يكون أقرب للصواب، أو بالحري إلى كمال الله، من اعتباره في حاجة لشيء من الأشياء.

    لكن هل العالم أزلي؟

    الجواب : طبعاً لا، فالأدلة الدينية والمنطقية والعلمية تثبت جميعاً أن العالم مخلوق، لأن الأزلي غير مركب ولا يتحيَّز بمكان، ولا يتغيَّر، ولا ينقرض، بينما العالم مركب، ومتحيز ومتغير ومعرض للانقراض. فقال الإنجيل إن الأجرام السماوية تنحل ملتهبة، والعناصر تذوب محترقة " 2بطرس 3 :12 " . وقال العلماء : إن الشمس تحترق ببطء والنجوم تتضاءل وكل حرارة في الكون مصيرها إلى الإشعاع، وإن الكون على الإجمال يتقدم نحو الانحلال أو الاحتراق. وماله نهاية له حتماً بداية، أو بتعبير آخر لا يكون أزلياً، بل مخلوقاً. فضلاً عن ذلك فقد أجمع أشهر العلماء " كما ذكرنا في الباب الأول " على أن العالم مخلوق. وقد ذهب رجال الجيولوجيا إلى أن العالم وُجد منذ 2 بليون سنة. ونحن لا نكذّبهم في تقديرهم، لأن الكتاب المقدس وإن كان لم يعلن لنا التاريخ الذي خُلق فيه العالم، لكن يُستنتج منه أن هذا التاريخ أبعد من أن تستطيع عقولنا إدراكه، فقد قال : فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللّهُ السَّمَاوَاتِ وَا لْأَرْضَ " تكوين 1 :1 " .

    أما الدعوى بأنه لو كانت المادة حادثة لاحتاجت لمادة قبلها توجَد منها، كما قال ابن سينا وابن رُشد وغيرهما، فلا نصيب لها من الصحة، لأن هذه الدعوى تؤدي إلى التسلسل إلى ما لا نهاية له، والحال أنه يجب أن ننتهي إلى علة أولى هي أصل جميع الأشياء، يجب أن تكون عقلاً لا مادة، لأن المادة لا تعمل شيئاً من تلقاء ذاتها، أما العقل الذي لا حدّ لقدرته فيستطيع أن يعمل كل شيء بدونها.

    ويواجهنا سؤال آخر :

    كيف يكون العالم مخلوقاً، ولا يتعارض خلقه مع عدم حاجة الله لشيء من الأشياء؟

    الجواب : إذا نظرنا لوحدانية الله كوحدانية جامعة مانعة، اتضح لنا أنه من البديهي أن يكون منذ الأزل متصفاً بصفات مثل المحبة والإرادة والقدرة، وأن تكون هذه الصفات ليست في حالة السكون بل في حالة العمل، وعملها هذا لا يمكن أن يُخفَى، بل لابد أن يظهر ويتجلى. ولذلك كان من البديهي أن يخلق وأن يعتني بما يخلق. وخلقه في هذه الحالة لا يكون من باب العبث أو الرغبة في إعلان ذاته، أو إضافة مجد جديد لمجده الأزلي، أو الإقلال من مجده هذا " كما يتصور المعترضون في حقه " بل يكون نتيجة طبيعية لعمل صفاته أزلاً. وبذلك تسقط حجتهم هذه كما سقطت غيرها من الحجج.

    مما تقدم يتبيّن لنا أن الاعتقاد بأن وحدانية الله مجردة أو مطلقة، يؤدي لاعتبار العالم أزلياً مع الله، أو اعتبار العالم والله شيئاً واحداً، أو يؤدي لحدوث تغيّر وتطوّر في الله عند قيامه بخلق العالم. أما الاعتقاد بأن وحدانية الله جامعة مانعة، فيدل على أن الله خلق العالم دون أن يتعرض سبحانه للتغيّر أو التطور.

    الفصل الثالث

    مشكلة كيفية تكوين العالم

    أولاً - آراء الفلاسفة فيها :

    يقول الكتاب المقدس إن العالم تكوّن فقط بأمر الله، دون أن يستلزم ذلك حدوث تطور فيه، أو وجود وسطاء معه يساعدونه على تكوينه. لكن الفلاسفة الذين يعتبرون وحدانية الله وحدانية مطلقة، لا يؤمنون بهذه الحقيقة، ويذهبون في كيفية تكوين العالم مذاهب شتى. وفيما يلي أهم آرائهم في هذا الموضوع :

    1- فلاسفة اليونان :

    قال أفلاطون : الله أزلي أبدي، وهو منزّه عن الحركة تنزيهاً مطلقاً، وكان معه في الأزل كائن يدعى الديمورج " أي الصانع " ، هو صورة الخير " أو صورة الله " ، والنموذج الحي بذاته والحاوي لجميع المُثل. فكان من الطبيعي أن يتأمل الله فيه، لأنه تعالى خيِّر. وكان من الطبيعي أن يريد بعد ذلك صنع عالمٍ خَيِّرٍ على مثاله. فأثّر الديمورج في عالم الحس تأثيراً متوافقاً مع الخير الأعلى، وحوّله إلى النظام الذي تسمح به طبيعته. وأول ما ظهر من تأثير الديمورج، هو نفس العالم، ثم ظهر بعد ذلك جسمه . " و المُثل في نظر أفلاطون هي ماهيات الكائنات والوجود الحقيقي لها " .

    ويقول بعض الشراح إن أفلاطون اعتقد أن الله كان يتأمل في ذاته. ويقول البعض الآخر إنه اعتقد أن الله كان يتأمل في صورة الخير. ويرجع السبب في هذا الاختلاف بينهم لعدم معرفتهم بوجهة نظر أفلاطون في الديمورج معرفة دقيقة. فقال فريق منهم إنه وضع الله فوق الديمورج، وقال فريق ثان إنه اعتبر الديمورج والله شيئاً واحداً، وقال فريق ثالث إنه اعتبر الديمورج صورة الله، أو الله خارجاً من عزلته.

    وقال أف########ن : الله لم يخلق العالم مباشرة، لأن الخلق عمل، والعمل يستدعي التغيّر، والله لا يتغيّر. بل إن تفكير الله في ذاته نشأ عنه فيض، وتكوَّن العالم من الفيض. وأول شيء انبثق من الله هو العقل، ومن العقل انبثقت نفس العالم، أو النفس الأولى، ومن هذه النفس انبثقت النفوس الجزئية أي النفوس البشرية وغيرها .

    2- فلاسفة اليهود :

    قال فيلون : الله لعدم تنزله للاتصال بالمادة لم يخلق العالم مباشرة، بل أوجد وسطاء ليقوموا بالخلق. والوسيط الأول هو اللوغوس أو الكلمة أو العقل .

    و اللوغوس كلمة يونانية يُراد بها في الأصل القوة العاقلة التي تمد الكون بالحياة وتدبر كل أموره، أو العقل الإلهي الظاهر أثره في الكون. وقد تُرجمت إلى اللغة العربية الكلمة ، وتُرجمت إلى اللغات الأخرى بما يتفق مع معنى هذا اللفظ تماماً. وربما يرجع السبب في ذلك إلى أن كلمة الله " كما هو مصطلح عليه عند الناس " هي التي تعبر عن مكنونات الله، وتنفّذ مقاصده.

    وقال الفيلسوف اليهودي سليمان بن جبيرول : الله منزه عن الاتصال بالعالم، ولذلك كان لابد من وجود وسيط بينه وبين العالم. وهذا الوسيط هو المشيئة الإلهية .

    ولقد أحسن هذا الفيلسوف في عدم افتراضه وجود وسطاء بين الله وبين العالم، لكنه أسند إلى الله المشيئة. وإسناد المشيئة إليه لا يتفق مع اعتبار وحدانيته وحدانية مطلقة. كما أنه جعل الله شيئاً ومشيئته شيئاً آخر، فأسند بذلك الثنائية إليه. وهذا ما لا يتفق أيضاً مع اعتبار وحدانيته وحدانية مطلقة.

    3- فلاسفة المسيحيين :

    قال رافيسون موليان : الجزء المادي من الكون هو نتاج ثانوي لله، تولّد عن انتشار الروح الإلهية وانقسامها . وقال ألبرت : الله أوجد العقل بالصدور أو الانبثاق، والعقل عاون الله على إيجاد سائر العقول . وقال جون سكوت : الخلق من لا شيء معناه أن الله يخلق من كماله غير المدرَك، الذي هو في ذاته لم يكن شيئاً معيّناً. فهو إذ خلق الخليقة، يخلق ذاته من ذاته على نحو خفي يفوق التصور والتعبير، فيجعل ذاته منظوراً وهو غير المنظور، ويجعل ذاته مدركاً وهو غير المدرَك، ويتخذ لذاته ماهية وطبيعة وهو يفوق الماهية والطبيعة، ويصير عالماً مخلوقاً، وهو خالق العالم . ولذلك اتُّهم سكوت أنه من القائلين بوحدة الوجود، ولكنه برئ من هذا الاتهام، فقد كان من العلماء المتمسكين بأصول الدين. إنما اعتقاده بأن وحدانية الله هي وحدانية مطلقة هو الذي جعله ينفي عن الله التعيّن أزلاً.

    وقال فكتور كوزان : الله يستخرج الكون من ذاته بتطور إرادي، كما يستخرج الإنسان من نفسه فعله الإرادي . فجعل العالم هو الله متطوراً.

    4 - فلاسفة المسلمين :

    قال أبو هذيل العلاف : إرادة الله في الخلق ليست أزلية، بل إن كلمة " كن " أو " التكوين " التي تعبر عن الإرادة الإلهية هي حادثة لا في محل. والإرادة تغاير المريد والمراد. وعلى هذا، فكلمة " التكوين " هي في المكان الوسط بين الخالق الأزلي والعالم المخلوق الحادث . وقال إخوان الصفا : العالم كله صادر عن الله. ومراتبالصدور هي " أ " العقل الفعال " ب " العقل المنفعل " ج " الهيولي الأولي " د " الطبيعة الفاعلة " ه " الجسم المطلَق " و " عالم الأفلاك " ز " عناصر العالم السفلي " ح " المعادن والنباتات والحيوانات المكونة من هذه العناصر - وهذه ماهيات ثمان، وهي والله، الذات المطلقة التي هي في كل شيء ومع كل شيء . وقال الإمام الرازي : هناك خمسة مبادئ قديمة هي : الباري تعالى، والنفس الكلية، والهيولي الأولي، والمكان المطلق، والزمان المطلق، وهذه كلها موجودة منذ الأزل لم يسبقها زمان . وقال الفارابي : نشأ عن واجب الوجود العقل الأول، ومن اتصال هذا العقل بواجب الوجود نشأ العقل الثاني، ومن تعقله لذاته نشأت السماء الأولى، ومن اتصال العقل الثاني بواجب الوجود نشأ العقل الثالث، ومن تعقله لذاته نشأت الكواكب الثابتة. وهكذا الحال مع بقية العقول، فقد نشأ عن العقل الثالث العقل الرابع وزحل، وعن العقل الرابع العقل الخامس والمشترى وهلم جراً . وقال ابن سينا : أول الفائضات عن الله هو عقل محض يُدعَى العقل الأول، وباعتباره عقلاً فهو يعقل الله ويعقل ذاته " هو " من حيث هي واجبة وممكنة. فبعقله لله صدر عنه عقل ثان، وبعقله لذاته هو، من حيث هي واجبة، صدر عنه نفس الفلك الأول، ومن حيث هي ممكنة، صدر عنه جسم هذا الفلك وهلم جرا... .

    ثانياً - الأسباب التي بنوا عليه آراءهم

    هذه هي آراء الفلاسفة في مشكلة كيفية تكوين العالم، وهي مع تنوّعها وتشعُّبها تتحد معاً في إنكار تكوين الله للعالم بطريق مباشر. ويرجع السبب في ذلك كما أرى إلى أنهم بعد إيمانهم أن الله واحد لا شريك له ولا تركيب فيه، وأنه كامل كل الكمال ولا يتغير أو يتطور على الإطلاق، وجدوا أنفسهم أمام مشكلات عويصة، هي : كيف يدخل من لا شريك له، والمنزّه تبعاً لذلك عن العلاقة بسواه في علاقات مع سواه؟

    وكيف يتغير الذي لا يتغير فيصبح فاعلاً بعد أن كان غير فاعل؟

    وكيف تصدر الكثرة عن الله وهو لا تركيب فيه على الإطلاق؟

    ولذلك اضطر معظم المؤمنين منهم بوجود الله الذاتي، إلى افتراض صدور فيض عنه، أو وجود وسطاء بينه وبين العالم، أو وجود عناصر أزلية معه، أو حدوث تطور داخلي في ذاته، حتى لا يسندوا إليه " حسب وجهة نظرهم " أيشيء يتعارض مع كمال الوحدانية المطلقة التي كانوا يؤمنون أنها الوحدانية المناسبة له. أما الذين لم يستسيغوا هذه الافتراضات، فقد قالوا إن الله هو عين العالم، ليتجنبوا المشكلات الناتجة من اعتبار وحدانية الله وحدانية مجردة أو مطلقة.

    ثالثاً - الرد على الفلاسفة والحل المناسب للمشكلة :

    لم يتعرَّض معظم الذين يؤمنون بخلق الله للعالم بطريق مباشر للرد على هؤلاء الفلاسفة بالحجة والبرهان. كل ما فعلوه هو الاستهزاء بهم ورميهم بالجهل واللغو والهذيان، الأمر الذي لا يتناسب مع نزاهة البحث. أما نحن وإن كنا نحاول الرد على الفلاسفة بالحجة والبرهان، فلا نريد أن نتعرض للأدوار التي مرَّ بها العالم، حتى وصل إلى ما هو عليه الآن، لأن هذا البحث خاص بعلماء الفلك والجيولوجيا.

    فمن رأي جيمز جينز مثلاً، أنه كانت في الكون في أول الأمر غازات متناثرة هنا وهناك، وأنه نظراً لأن جاذبية كل كمية من الغاز تؤثر على الكمية الأخرى، نشأت بين هذه الغازات تيارات متعددة. وقد ترتب على وجود هذه التيارات تكوين كتل غازية بعضها كبير الحجم والبعض الآخر صغيره. ولما كانت قوة الجاذبية عند الكتل الكبيرة عظيمة وعند الكتل الصغيرة ضعيفة، أخذت الأولى تجتذب الثانية إليها شيئاً فشيئاً، وبذلك تلاشت الكتل الصغيرة ولم تبق إلا الكتل الكبيرة. وبتأثير التيارات أخذت هذه الكتل " أو السدائم " في الدوران، وأخذت تبعاً لذلك في التكاثف شيئاً فشيئاً. وما تكاثف منها انفصل عنها وكوّن النجوم العظيمة. ومن بين هذه النجوم الشمس التي تضيء علينا. وبدوران الشمس انفصلت عنها الأرض وبعض الكواكب الأخرى. وكانت الأرض في أول الأمر كتلة من غازات ملتهبة لا شكل معين لها. ولكن بمرور الزمن بردت وتكاثفت ثم تكوّنت على سطحها قشرة أخذت في الصلابة يوماً بعد يوم. وبعد ذلك ظهرت الحياة عليها تدريجياً " النجوم ومسالكها ص 141-143 " . ويتفق معه العلماء العصريون على تحوّل الأرض من الحالة الغازية إلى الصلبة، ولكن لا يتفق معه بعضهم على انفصال الأرض من الشمس، لأنهم يرون أن الأرض تكونت بالاستقلال عن الشمس، لأسباب لا يتسع لنا المجال للتحدث عنها الآن.

    ولذلك سنقصر ردنا على الناحية الإلهية الفوقطبيعية أو الميتافيزيقية، لنعرف فقط " 1 " هل صنع الله العالم من عناصر أزلية، أم كوَّنه من لا شيء؟ " 2 " وهل في تكوينه إياه أخرجه من ذاته، أم أبدعه من العدم إبداعاً؟ " 3 " وهل تعرض تعالى للتغيّر بسبب تكوينه إياه، أم لم يتعرض؟ " 4 " وهل خلق وسطاء ليعاونوه على تكوينه أم لم يخلق؟ " 5 " وهل كان معه كائن أزلي قام بتكوينه أم لم يكن؟ ولذلك نقول :

    1 - لا نستطيع أن نسلّم بوجود مواد أزلية صنع الله العالم منها، لأن المادة لخلوّها من العقل لا توجد من تلقاء ذاتها، بل لا بد لها من موجد. وهذا الموجد لا يمكن أن يكون مادة مثلها، لأن المادة لا تأتي بمادة أخرى من تلقاء ذاتها، بل لا بد أن يكون الموجد عقلاً لا حدَّ لقدرته، لأن مثل هذا العقل يمكن أن يكون قائماً بذاته، ويمكن أن يكوِّن شيئاً من لا شيء.

    2 - ولا نستطيع أن نسلم بأن الكون انبثق من الله، لأن هذا يؤدي إلى افتراض وجود تركيب فيه. ولا نستطيع أن نسلّم بأن كلمة أو روحاً أو عقلاً أو نوراً أو صفة قد انبثقت منه وقامت بتكوين العالم، لأن هذا يؤدي إلى حدوث تفكك في الله، وهو غير قابل للتفكك، إذ أنه لا تركيب فيه بأي وجه من الوجوه.

    3 - ولا نستطيع أن نسلم بأن الله في سبيل تكوين العالم قد تطور، فأصبح معيّناً ومدرَكاً وذا ماهية، بعد أن كان غير معيّن أو مدرَك أو ذا ماهية، لأنه كامل كل الكمال، ولا يتعرض للتطور أو التغير بأي حال من الأحوال.

    4 - ولا نستطيع أن نسلم بأنه خلق وسطاء ليقوموا بتكوين العالم أو يعاونوه على تكوينه، لأن تصرفاً مثل هذا يتعارض مع قدرته الذاتية على القيام بكل شيء بمفرده، كما يتعارض أيضاً مع حكمته ومقامه الخاص. لأنه ما دامت له القدرة على الخلق فليس من الحكمة أن يخلق كائناً آخر ليخلق العالم، بل يخلقه مباشرة. ولو أن كائناً غيره قام بهذه المهمة لكانت لذلك الكائن السلطة المباشرة على العالم، لأنه يكون خالقه والمعتني به، ولكان من الواجب على الناس أن يقدموا له العبادة والإكرام بوصفه خالقهم والمعتني بهم. والحال أن الله وحده هو الذي له السيادة المباشرة، وهو وحده الذي له الإكرام والعبادة.

    5 - وأخيراً لا نستطيع أن نسلم بأنه كان لديه كائن أزلي قام بتكوين العالم، لأنه لا شريك له على الإطلاق.

    لكن إذا نظرنا إلى وحدانية الله كوحدانية جامعة مانعة أدركنا أنه بسبب هذه الوحدانية يكون له تعيّن أزلي وصفات أزلية، وتكون هذه الصفات ليس بالقوة بل بالفعل أزلاً، وأنه بسبب عملها أزلاً تكون لديه أزلاً صورة كاملة لكل عمل من أعماله وللعالم من كل ناحية من النواحي، وتبعاً لذلك تكون له علاقة أزلية مع العالم، ويكون بتكوينه إياه وفق مشيئته لم ينتقل من لا تعيّن إلى تعيّن، أو من سكون إلى عمل، ولا يكون قد دخل في علاقة لم يكن لها وجود في ذاته من قبل، بل يكون تكوينه إياه قد جاء نتيجة طبيعية متوافقة كل التوافق مع ذاته، وما بها من خصائص أزلية.
                  

العنوان الكاتب Date
تهافت (*) هشام آدم09-11-12, 10:57 AM
  Re: تهافت (*) هشام آدم09-11-12, 11:03 AM
    Re: تهافت (*) هشام آدم09-11-12, 11:15 AM
    Re: تهافت (*) الرفاعي عبدالعاطي حجر09-11-12, 11:26 AM
      Re: تهافت (*) هشام آدم09-11-12, 12:07 PM
      Re: تهافت (*) عبدالوهاب علي الحاج09-11-12, 12:12 PM
        Re: تهافت (*) معاوية المدير09-11-12, 12:25 PM
        Re: تهافت (*) محمد عبد الماجد الصايم09-11-12, 12:27 PM
          Re: تهافت (*) عبدالوهاب علي الحاج09-11-12, 01:07 PM
            Re: تهافت (*) معاوية المدير09-11-12, 01:17 PM
            Re: تهافت (*) عمر موسي منجي09-11-12, 01:26 PM
            Re: تهافت (*) Mahmoud Mustafa Mahmoud09-11-12, 01:57 PM
              Re: تهافت (*) اساسي09-11-12, 02:49 PM
                Re: تهافت (*) الرفاعي عبدالعاطي حجر09-11-12, 03:36 PM
                  Re: تهافت (*) سارة عيسى أحمد09-11-12, 04:58 PM
                    Re: تهافت (*) عمار عبدالله عبدالرحمن09-11-12, 05:40 PM
                    Re: تهافت (*) عبدالوهاب علي الحاج09-11-12, 05:46 PM
                Re: تهافت (*) ombadda09-11-12, 05:24 PM
                  Re: تهافت (*) الرفاعي عبدالعاطي حجر09-11-12, 06:51 PM
                    Re: تهافت (*) محمد عبد الماجد الصايم09-12-12, 08:28 AM
                      Re: تهافت (*) تيسير عووضة09-12-12, 09:27 AM
                      Re: تهافت (*) قيقراوي09-12-12, 09:39 AM
                        Re: تهافت (*) الرفاعي عبدالعاطي حجر09-12-12, 11:54 AM
                        Re: تهافت (*) هشام آدم09-12-12, 12:01 PM
                          Re: تهافت (*) هشام آدم09-12-12, 12:13 PM
                            Re: تهافت (*) هشام آدم09-12-12, 12:16 PM
                              Re: تهافت (*) هشام آدم09-12-12, 12:18 PM
                                Re: تهافت (*) هشام آدم09-12-12, 12:20 PM
                                  Re: تهافت (*) هشام آدم09-12-12, 12:22 PM
                                    Re: تهافت (*) محمد على طه الملك09-12-12, 12:50 PM
                          Re: تهافت (*) عثمان رضوان09-12-12, 12:25 PM
                            Re: تهافت (*) هشام آدم09-12-12, 12:36 PM
                              Re: تهافت (*) Abureesh09-12-12, 01:12 PM
                                Re: تهافت (*) سارة عيسى أحمد09-12-12, 02:58 PM
                                  Re: تهافت (*) منتصرمحمد زكى09-12-12, 03:29 PM
                                    Re: تهافت (*) قيقراوي09-12-12, 11:15 PM
                                      Re: تهافت (*) عثمان رضوان09-13-12, 11:50 AM
                                        Re: تهافت (*) الرفاعي عبدالعاطي حجر09-13-12, 01:26 PM
                                          Re: تهافت (*) Ashraf el-Halabi09-13-12, 04:47 PM
                                            Re: تهافت (*) Abureesh09-13-12, 05:12 PM
                                              Re: تهافت (*) قيقراوي09-13-12, 06:30 PM
                                                Re: تهافت (*) الشفيع وراق عبد الرحمن09-13-12, 08:23 PM
                                                  Re: تهافت (*) الشفيع وراق عبد الرحمن09-13-12, 08:41 PM
                                                    Re: تهافت (*) الشفيع وراق عبد الرحمن09-13-12, 09:07 PM
                                                      Re: تهافت (*) قيقراوي09-13-12, 10:37 PM
                                                        Re: تهافت (*) الشفيع وراق عبد الرحمن09-13-12, 11:02 PM
                                                          Re: تهافت (*) قيقراوي09-13-12, 11:11 PM
                                                        Re: تهافت (*) كمال عباس09-13-12, 11:25 PM
                                                          Re: تهافت (*) كمال عباس09-14-12, 02:00 AM
                                              Re: تهافت (*) هشام آدم09-14-12, 08:40 AM
                                                Re: تهافت (*) هشام آدم09-14-12, 08:45 AM
                                                  Re: تهافت (*) هشام آدم09-14-12, 08:49 AM
                                                    Re: تهافت (*) هشام آدم09-14-12, 08:52 AM
                                                      Re: تهافت (*) هشام آدم09-14-12, 08:57 AM
                                                        Re: تهافت (*) هشام آدم09-14-12, 08:58 AM
                                                          Re: تهافت (*) هشام آدم09-14-12, 09:07 AM
                                                            Re: تهافت (*) هشام آدم09-14-12, 09:13 AM
                                                              Re: تهافت (*) قيقراوي09-14-12, 10:29 AM
                                                                Re: تهافت (*) وليد محمد المبارك09-14-12, 10:38 AM
                                                                  Re: تهافت (*) الشفيع وراق عبد الرحمن09-14-12, 10:50 AM
                                                                    Re: تهافت (*) قيقراوي09-14-12, 12:59 PM
                                                                      Re: تهافت (*) كمال عباس09-14-12, 02:32 PM
                                                      Re: تهافت (*) كمال عباس09-14-12, 06:10 PM
                                                        Re: تهافت (*) هشام آدم09-15-12, 07:10 PM
                                                          Re: تهافت (*) هشام آدم09-15-12, 07:23 PM
                                                            Re: تهافت (*) هشام آدم09-15-12, 07:30 PM
                                                            Re: تهافت (*) كمال عباس09-15-12, 08:09 PM
                                                              Re: تهافت (*) كمال عباس09-16-12, 03:18 PM
                                                          Re: تهافت (*) Muhib09-15-12, 07:32 PM
                                                            Re: تهافت (*) هشام آدم09-15-12, 07:40 PM
                                                              Re: تهافت (*) هشام آدم09-15-12, 08:31 PM
                                                          Re: تهافت (*) وليد محمد المبارك09-15-12, 08:39 PM
                                                            Re: تهافت (*) هشام آدم09-15-12, 08:47 PM
                                                              Re: تهافت (*) وليد محمد المبارك09-15-12, 09:13 PM
                                                                Re: تهافت (*) قيقراوي09-15-12, 10:00 PM
                                                                  Re: تهافت (*) وليد محمد المبارك09-15-12, 10:17 PM
                                                                    Re: تهافت (*) قيقراوي09-15-12, 10:34 PM
                                                                      Re: تهافت (*) الشفيع وراق عبد الرحمن09-16-12, 05:43 AM
                                                                        Re: تهافت (*) عثمان رضوان09-16-12, 10:15 AM
                                              Re: تهافت (*) Azhari Mohamed09-16-12, 12:23 PM
                                                Re: تهافت (*) هشام آدم09-16-12, 01:06 PM
                                                  Re: تهافت (*) قيقراوي09-16-12, 05:14 PM
                                                    Re: تهافت (*) الشفيع وراق عبد الرحمن09-16-12, 06:02 PM
                                                      Re: تهافت (*) قيقراوي09-16-12, 06:42 PM
                                                        Re: تهافت (*) محمد على طه الملك09-16-12, 09:27 PM
                                                          Re: تهافت (*) قيقراوي09-16-12, 10:17 PM
                                                            Re: تهافت (*) كمال عباس09-16-12, 10:41 PM
                                                              Re: تهافت (*) كمال عباس09-16-12, 10:55 PM
                                                                Re: تهافت (*) كمال عباس09-16-12, 11:17 PM
                                                                  Re: تهافت (*) كمال عباس09-16-12, 11:45 PM
                                                                    Re: تهافت (*) كمال عباس09-16-12, 11:50 PM
                                                                Re: تهافت (*) قيقراوي09-16-12, 11:20 PM
                                                                  Re: تهافت (*) كمال عباس09-17-12, 00:10 AM
                                                                    Re: تهافت (*) قيقراوي09-17-12, 00:22 AM
                                                                      Re: تهافت (*) كمال عباس09-17-12, 00:32 AM
                                                                      Re: تهافت (*) كمال عباس09-17-12, 01:01 AM
                                                                        Re: تهافت (*) هشام آدم09-17-12, 12:03 PM
                                                                          Re: تهافت (*) هشام آدم09-17-12, 12:15 PM
                                                                            Re: تهافت (*) هشام آدم09-17-12, 12:36 PM
                                                                              Re: تهافت (*) هشام آدم09-17-12, 01:00 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de