A B C .. Secularism

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 04:39 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة هشام ادم(هشام آدم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-20-2009, 04:44 PM

Al-Mansour Jaafar

تاريخ التسجيل: 09-06-2008
مجموع المشاركات: 4116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: A B C .. Secularism (Re: ناصر جامع)

    نقاط من تاريخ الثقافة الرأسمالية في بريطانيا، بعض تفاعلات الدين والعلم والسياسة
    http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=101805


    مشارق الأنوار... نقاط عن الحركة الإسماعيلية وجماعات إخوان الصفا ودورهم في تاريخ الحركة الثورية والتطور الإنساني
    http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=93450


    دراسة لأحد ملخصات المناقشة العامة
    http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=100861

    ما بعد الإيمان
    http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=68296


    ما بعد الإيمان

    المنصور جعفر
    الحوار المتمدن - العدد: 1598 - 2006 / 7 / 1



    ما هو مفهوم العلمانية؟ وما هي أهميتها؟

    و ما هي الأسس الإقتصادية والاجتماعية والفكرية التي يجب أن تتوفر لإشاعتها وترسيخها ؟


    ج
    ليست العلمانية كياناً صمداً كاملاً قائماً بذاته ومكتفياً عن غيره من الكائنات والعوامل، فهي كائن إجتماعي سياسي ولدته ظروف معينة وله أشكاله وممارساته التي تعددت تغيراتها وأطوارها عبر الزمان ضمن مختلف المراحل الإقتصادية السياسية للتقدم الإجتماعي للمجموعات البشرية.


    وفي هذه النسبية فالعلمانية ليست مفهوماً وممارسة علمية أو سياسية بديعة مطلقاً ذات كمال وجلال تصون كل الحريات والحقوق، وتحل كل المشكلات، كما إنها ليست إتجاهاً نزقياً أو عبثياً ضد القيم الإجتماعية، بل العلمانية كينونة إجتماعية عقلانية للنضال ضد الحكم الديني للأمور الحياتية، وهو الحكم المعروف في علم السياسة بإصطلاح "الثيوقراطية". وهو إصطلاح يوناني اللغة حضر إلى هذه اللغة من وقائع حضارية أقدم.


    وقد إتصل نشوء النضال العلماني وإرتقاءه في الحرية من الحكم الديني بسبب من إن النوع الديني للحكومات في الزمان القديم إتصل بنشوء وقيام الحكم الفرعوني بإستعباداته المقننة بشريعة الملك الإله ومتوالياتها الطاغوت التي إنتهت بتآكلاتها الداخلية والخارجية إلى ولادة حالات الإقطاع القديم بفتوحاته وخراجه وجزيته وسخرته ومحاكم تفتيشه وحروبه التي لم تبقي ولم تذر.

    وفي الزمان الحاضر فإن حال العلمانية يتصل بنشوء وتكثف حالات دولية للحركات "اليهودية السياسية"، أو"المسيحية السياسية"، أو"الإسلام السياسي" التي تواشج جملة وإفراداً نشاط الإمبريالية للتخلص من التناقضات البنيوية لنظامها العابد للمنفعة الفردية لرأس المال المقدس لمراكمته النهمة وكنزه للأرباح. وبهذه الحركات الدينية السياسية وما إتصل بها من شركات وبنوك وإعلامات وأحزاب ودول وقوات تحاول الكيانات الإمبريالية التغلب على ماتم من إنجازات أو ما يتوقع من تقدمات لحركات الحرية الطبقية أو الشعبية على مختلف الأشكال الإجتماعية السياسية المتنوعة التي كانت تأخذها هذه الحركات الحرية أو تتجه هذه الحرية أو تلك إلى التبلور فيها في مختلف دول العالم.


    وتتعدد فهوم العلمانية وتتنوع درجاتها بتعدد الفهوم المتداولة أو المحتكرة لإصطلاحات "السلطة" أو "السلطان"، وكذلك فهوم "الدين" الذي تترسخ به في المجتمع هذه السلطة أو تلك. بيد إن الفهم (العام) لإصطلاح "العلمانية" يواشج فهما موجباً لإعتداد السلطة السياسية وإستقلالها عن السلطة الدينية. وهو ما يدعو للدقة والتمحيص في فحص فهوم وأبعاد إصطلاح "السياسة" وفهومات "الدين" وأبعاده في طبقات المجتمع.


    ولكن بغلبة عنصر السوق والحياة الإقتصادية في النظم الإجتماعية – السياسية الحديثة، وما يتطلبه هذا العنصر من التعايش بين أحاد الناس وجماعاتهم وما يتطلبه هذا التعايش بدوره من سوية في الكرامة والحقوق بين الناس الآهلين، فإن أهمية العلمانية أوضح ما تكون في إتجاهها إلى ترسيخ وجود الإنسان كمواطن أي ككائن سياسي إقتصادي ذي حقوق وواجبات إجتماعية، إضافة إلى الأهمية الساطعة لعناية العلمانية بتشكيل الدولة ككيان إجتماعي، وهي أهمية وشيجة بتجنب آليات الإطلاق الديني في تأسيس الحكومات.


    وحد العلمانية من الإطلاق الديني في عمل الحكومات ودغم المصالح الطبقية الربوية بالدين وشرائعه حد مربوط في الحياة بقيام العلمانية وعنايتها بتأسيس الحكومات وأداءها لأعمالها كأجهزة إجتماعية مختصة بتنظيم عقلاني نفعي لأكثر عدد ممكن من الناس للمصالح الإقتصادية الضرورة لعيشهم وبتكريس هذا النظام الحكومي الجماعي المراقب الحديث لقسطسة الناس لمتطلبات هذه المصالح.


    وإذ تعلو العلمانية بطبيعتها العقلية الحسابية النفعية الإجتماعية على النزعات الإلهية في الحكم بطبيعتها الزوجية المتناقضة الفردية الإستئثارية في جهة الحكم وحوزه لخيرات المجتمعه والقدرية الإذعانية في جهة المحكومين وفقرهم وإستضعافهم بها في المجتمع فإن العلمانية في جهة هذا الإستضعاف تحد من قيام الحكومات بالأعمال الحياتية ككيانات مقدسة ومتعالية بطبيعة التقديس على وضع إعمال الحكم ضمن الأطر النسبية التاريخية للنفع الإجتماعي حسب مصالح وحقوق الإنسان المحكوم بهذه الحكومات وأعمالها.


    ومن هذه المصالح والحقوق حق الناس فرادى وجماعات في الرقابة على الأعمال الحكومية المرتبطة بمجتمعه ومصلحته وحقهم في النقاش حول فوائدها وأضرارها، إضافة إلى مصلحتهم وحقهم في نقد نواقصها وفي تعديل هذه الأعمال الحكومية بالحذف أو الإضافة، حيث يصعب تحقيق هذه المصالح بين الناس ودرء مفاسد فواتها إن كانت الأعمال الحكومية ماثلة في مجتمعهم بمصالحه المختلفة كأعمال إلهية مقدسة تعلو على الرقابة والحساب وعلى النقد والتطوير.


    وقد نشأت الإتجاهات العلمانية القديمة - الحديثة ضد الحكم المطلق للإقطاع وترسيخه الديني بالذات وضد إختصاصه وإنفراده بقوة هذا الترسيخ، بتقرير أمور الحياة وحكمه المطلق فيها لكيفية ومدى إقتضاء الإنسان للمنافع الضرورة لعيشه.

    وأكثر من كونه رؤية مبدعة كان نشوء العلمانية وتطورها ضد الإقطاع وملوكه الكبار والصغار المحفوفين بالقداسة ضرورة حياتية، حيث إن الحكم الديني في صوره الإقطاعية المختلفة وفي لبوساته اليهودية والمسيحية والإسلامية عبر القرون كان حكماً جباراً طاغياً على إرتقاء عيش الإنسان، محدداً بقوته حرية ضرب الناس في الأرض وكيفية إنماءهم حياتهم.


    وقد إتصل تحديد تطور كسب مجتمع البشري بواسطة الإقطاع بما فيه من تجبر وطغيان على عموم الناس ومصالحهم الآنية والعاجلة وما يتصل بذاك التجبر من كذب وزور وتطفيف وتبخيس وإستضعاف وإستئثار وإكتناز للموارد بالعملية المتسلسلة في الكيانات البشرية والمتوالية للإنفراد بالقوة الإقتصادية في المجتمع وحوزها شوكات الحكم فيه، ومن ثم التغلب بها على الناس وإختصاصها بذلك التغلب الباطل والبغي بشكل فذ وفرد مٌحصن ومٌطلق بالمٌلك الإلهي للأرض وما فيها من أعمال، حيث يصير هؤلاء الملوك في القرى كافة أرباباً لعيش الناس فيها يتحكمون في حياتهم ومماتهم وما بينهما من دون الله.


    فبفضل الملك المقدس يقرر الإقطاع وملوكه بصورة مفردة وعامة عائدات عمل الناس من خلال تحديدهم المسبق لأنصبتهم في موارد الحياة من أرض وعمل ومن خلال تحديدهم لنصيب الإنسان في ثمرات عمله وتحديد ما ييبقى عنده من هذا النصيب بتقريرهم للمأخوذات الأخرى منه ووضعهم للضرائب، والأجور والأسعار بقسمة ضيزى وميزان طفيف وكيل خفيف يرابي مصالح الملاك ويبخس الناس أشيآءهم.


    وبهذا الميزان الطفيف لعلاقات الإنتاج ينفرد الملاك بكيفية توزيع الجهود والمنافع في الناس، بنسق يحيل فائدة وجود ونشاط المجتمع كله وقراه إلى قلة الملوك الداخلين إلى قرى عيشه بالقوة العسكرية وبالقوة الذهنية للتقديس بما تتصل به هاتين القوتين الأعظم من تغريب للوعي وإستلاب لكينونة الإنسان يلغي عقله ومناط تكليفه الديني بإعمار النفس والحياة بأسرها إذ يحور هذا التغريب والإستلاب الناس من بشر أسوياء إلى حيوانات عمل إن حمل بعضها الدين فإنما يحمله كالحمار يحمل أسفاراً.


    وفي صدد إطلاق القوة والسلطان والمدى الإستئثاري اللاغي لكل حق ودين الذي تبلغه تروى حكاوى عدداً منها إن أحد الأباطرة الرومان تكلم عن عدم غروب الشمس أبداً في إمبراطوريتـ((ـه) الـمقدسـة))، كما يروى إن أحد الخلفاء العباسيين في وثوقه بسطوة قوته وإتساع ملكه، سخر من مرور سحابة متكلماً معها بشكل مجاف للقدرية التي إتكل عليها حكمه قال: ((صبي ياسحابة إينما صببت يأتيني خراجك))، وعلى نفس المنوال المسدي تروى الحادثة الأشهر في التاريخ السياسي جهة "الملك الشمس" لويس السادس عشر حينما جودل حول نفوذ القانون وأحكام الدولة على سلطانه، حيث أجاب الملك على مجادليه بالصيحة الشهيرة للإقطاع: (( أنا الدولة..والدولة أنا)). وتدل كل حكاية من هذه الحكايات على إن القيمة العليا للحاكم الفرد وسلطانه كانت تسود في الأحوال المحيطة بها، متعالية وباغية على كل قيم التواضع والتعاضد والإيمان الديني بالضعف البشري.


    وفي شكل جيني خصيصي موروث لم يزل المغزى الإقطاعي الديني الجامع بين الدولة والحاكم لقولة لويس الشهيرة سيداً في كل الدساتير العلمانية: إذ لم يزل "رأس" الدولة يعد قائماً بالدولة كلها وممثلاً لها ولدستورها في كل المستويات الوطنية والدولية.

    وفي هذا الجبروت فإن النظم العلمانية تحاول ستر أثر الجينة الثيوقراطية الموروثة في الجسم الحديث للدولة، وهو الأثر الماثل في إطلاق السلطة السياسية نفسها وشرع إستبدادها في حالات الخطر السياسي أو الأمني أو الصحي ..إلخ مما يشمل جميع المواقف العامة.

    وجهة هذا الإستبداد إضافة إلى النظام المشكول لفصل السلطات وتواشجها تحاول العلمانية ستر فردية عملية "الحكم" نفسها، خاصة في وضعها غير البروليتاري في المجتمع بعبارة خلب تقوم بضبط أمور الحكم بإحالتها بشكل غير مباشر إلى رأسه!! وهي العبارة النطاق (في نطاق الدستور) أو (في نطاق القانون). فهذين التحديدن الضخمين الغليظين شكلاً هما تحديدين فارغين وهميين: فالدستور كقانون أعلى والقانون كناموس أدنى له يحيلان أمر تنفيذهما إلى نفس الحاكم أو السلطة الذي يفترض إن هذين التحديدين الواردين في العبارة يعملان على الحد من غلوائه أو غلواءها.


    ووجه الفراغ والوهم في الكينونة العلمانية للإستبداد التي تناولتها الفقرة السابقة إن الحاكم مع إحالة أمور الدستور والقانون إليه يقوم من جديد بتطبيق النص الدستوري أو النص القانوني الضابط لسلطة الحكم وفقما وكيفما شاء خاصة مع إختصاص هذا الحاكم نفسه لذاته بتعيين مفسري هذا الدستور وحماته، وقدرته الكبرى على تعطيل وتسويف ضبطه حسب النظام التاريخي العام لوجود الدولة وتراتب ضباطها ومديريها، ومصالحهم، مما يعد به سلطان الدولة وأمرها أمراً مطلقاً، إذ لا يستوي أن يكون المطلوب تحديده هو المُحدِد أو أن يكون الخصم هو الحَكم.


    وكانت الإتجاهات الإجتماعية والإنسانية في الفلسفة والعلوم والحكمة قد إتجهت بتزايد فاعلية الناس ونشاطاتهم في إستثمار الطبيعة ومضاعفة خيراتها بأعمالهم ومعاملاتهم إلىتثبيت سمو البشر والإنسان في الطبيعة وربط هذا السمو ونشاطه بتفكير الإنسان وإرتقاء فهمه وعقله للأمور المبهمة والمطلقة أسباباً ونتائج وإمكانات تغيير وتثمير وإفادة مثلما إتجهت أيضاً إلى الإقرار بتساو البشر في الكرامة بفضل تمتعهم جميعاً بهذا العقل الناشئي والمرتقي من تطور نشاط الإنسان والإتساع المضطرد لخبراته وإمكاناته.


    وقد إرتبط تثبيت كرامة وجود الإنسان وفاعليته في الحياة بتجاوز تلك الإتجاهات الإجتماعية والإنسانية بإضطراد في الفهوم الفلسفة والعلوم والحكمة للمعضلات الملتبسة في التدين البائد والفلسفة القديمة وإكلالهما للنظر وبغيهما على العلم بطبيعة الأشياء وبطبيعة الحوادث التي يصطنعها الإنسان أو تتعارض مصالحه بسببها مع مصالح أخرى لغيره من البشر مثلما يبين في حالات إحالة الشر ورد حدوثه إلى الأقدار وفق حال ((قميص ألبسنيه الله)) وقد تطور هذا التجاوز والتقدم عن أحواله المظلمة مع تبيين سير الحوادث ونصوص القرءآن وجهود بعض "الأئمة" وأهل العقل وتابعيهم في الفهم الديني للأمور لسبحانية الله وتنزهه عن إيقاع الظلم على البشر، وإن الناس كانوا لأنفسهم يظلمون، سواء أكان ذاك الظلم مثالاً بتولي الحكم أو بالتخلي العفيف عنه وعن أهواله لغير من يستحقه.


    كذلك قام الحكماء والعلماء وأولياء الله سواء بشريعة المنطق وحكمته أوبمنطق الشريعة ودينها أو بالمقال الفصل فيما بين الحكمة والشريعة من الإتصال الذي أوقده إبن رشد بإيضاح الخطل في القيام بحساب الناس ديناً عن أعمالهم وحكمهم لها إن لم تكون لهؤلاء الناس مسؤولية عن أفعالهم. وهي مسؤولية مناطها "العقل" الموجب إبلاغه بتكاليف الدين ومحاسبته وفقها عليه مما يوجب تمام الحرية الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية في هذا العقل وكماله بكمال إمكانات إلمامه ومعرفته وتسويته وفرزه للأمور وحكمه عليها وتقريره لأمر معاملاته وفقاً للقيم الطبيعية لعيش الإنسان حراً كريماً في أمن وسلام.


    ويوضح طلب الحرية للعقل والكمال فيه إيضاحاً مباشراً الضرورة الحياتية والدينية لتوفير ما يتصل بهذه الحرية وهذا الكمال المطلوب في العقل لتكليفه بهذا الدين أو ذاك، من لوازم إقتصادية وسياسية إجتماعية تشكل بالكينونة الإشتراكية والشيوعية لموارد عيش الإنسان الثقافة الضرورة لحرية عقول الناس من الأوهام المتعلقة بحركة الطبيعة ومن الخوف العميق من نقص الموارد، ومن الخوف الظاهر والمألوف من مغبات مفارقة الأفراد للوضع السائد على المجتمع وفوات المصالح العاجلة الضرورة لحياتهم فيه. وإن كان ذلك الوضع الحياتي الحاكم لمعاملاتهم وضعاً ظالماً لاغياً للعقل ومفسداً لعيش الناس بأسلوبه التراتبي الطبقي بما في ذلك الأسلوب من تطفيف في موازين قيم العمل وأساليبه ومعاملاته تبخس جهودهم وترابي الطغيان فيهم.


    وبزيادة أعداد السكان ومواردهم وحاجاتهم وتنوع إمكاناتهم وتعقد الإنتاج تبعاً لذلك وتداخل تبادلاته وإضطرار الناس بذلك التعقد والتداخل بين المجتمعات والقوميات والأديان المختلفة والمصالح للتساكن والتعايش والإجتماع الذي تكثفت أعداده وحاجاته وضروراته عبر الزمان والمكان بحيث نمت أحوال عددا، تعززت الحاجة إلى إعمال العقل وإلى فتح إمكانات تقدمه وإزهار مجتمعاته بهذا التقدم وإعمار موازينها وإحسان بٌنى وحِساب معاملاتها.


    وتبعاً لحاجات وضرورة ذلك العقل لإسهام الناس العام في إعمار وجود المجتمع وخيراته، وحاجتهم في هذا الإعمار إلى تنمية موارد وإمكانات حياتهم وتلبية ضرورات تطورها قويت الحركات والجهات المتصلة ببشرية الدولة وإجتماعيتها ونشطت إلي هذه البشرية والعقلانية في تقدير أمورها الدعاوى الفنية والأدبية والحرفية والسياسية للسوية بين الناس في الحقوق والواجبات العامة.


    وقد تناولت هذه الحركات للسوية بين الناس في الحقوق والواجبات العامة: حقوقاً عدداً، منها الحق المشهور في مناقشة الأمور العامة بما فيها أمور جمع وتصريف الضرائب، وحقوق الإرتفاق والإنتفاع بمؤسسات الدولة من أرض وموارد وعمل فيها وتعليم وطب.. إلخ، وكذا حقوق الإقساط في توزيع وتولية الوظائف والأعمال العامة فيها والتناسب في تحمل أعباء الدولة وتوزيع الجهود والخيرات فيها، وذلك بحساب محدد لعوائدها ونفقاتها وميزانية مٌجمَلة مٌعلَنة لمواردها ومصارفها.


    كذلك زادت القناعات بحق الناس في التساوى جهة أداء الواجبات العامة في مجالات العمل بوظائف الدولة أو الدفاع عنها أو تساويهم النسبي في مجالات تمويلها بالضرائب بين شقي رحى التملك الإقطاعي للأرض والتملك الرأسمالي للأعمال الحرفية والإصطناعية، وكانت هذه السوية بين الناس والدعوة إليها أفراداً وجماعات حركية مختلفة الأشكال مجالاً للحد من الإمتيازات والسلطات الملكية القائمة على الفقه الهرمي الديني لتراتب الوجود البشري، وتمثيل الملك فيه لسلطة الإله، وتربب الملوك على الناس بهذه السلطة في قرى الأرض ومدنها طاغوتاً يوجب حسن العقل والتدين إزالته.


    وبفضل الظروف العامة والذاتية لهذه الحركات التي تولت قيادتها الجمعيات (الأحزاب) المعروفة بإسم الماسونية وما إستبطنته ثورات التحرر القديمة في أوربا من مصالح حيوية لوجود الطبقات العاملة والرأسمالية ومابينهما في وجه محدودية النظام الإقطاعي وطغيانه، نشأت الدولة العلمانية الحديثة بأطوار مختلفة تقلص فيها دور السلطات الدينية في الإجتماع والسياسة تدرجاً وذبولا إلى أن توارى هذا الدور السلطوي الديني وخفت.


    وكانت بداية ذلك التطور في التاريخ الرأسمالي الحديث من المناطق الشديدة المناخ والشديدة الصراع الإجتماعي في أوربا التي تداخلت فيها صراعات القبائل أو الجماعات أو الشعوب البدوية النورد والجرمان والفاندال والفرانك مع العناصر الحضارية اللاتينية اليونانية ثم الرومانية. وهي الصراعات التي واشجت تحالفاتها كسب المسيحية والتطورات السياسية المرتبطة بتمسيح وجود المجتمعات والحروب والسلطات الملكية للإقطاع في بلاد هذه الشعوب المتقاتلة بحكم فقر الطبيعة والأذهان والتصورات وضعفها وإستضعافها.


    وكان التطور العقلاني الحركي نحو العلمانية الذي شهد التاريخ تبلوره الأول في ممالك النوبة الفرعونية والممالك المصرية وفي كثير من ممالك الشرق التي قطعت الفتوحات الإيمانية والإستعمارية تطورها الطبيعي، قد نشط في العصر الحديث بدءاً من دويلات المدن الإيطالية والألمانية الفرنسية بتقاطعاتها العرقية والمالية والتجارية والسياسية، ومن ممالك شمال أوربا وشمال ألمانيا وهولاند وإنجلاند التي أخضعت جميعها الكنيسة الرومانية لسلطانها الوطني في فترات مختلفة خلال السنوات المتصلة بين (1500-1700) على وجه التقريب، وقد إمتد تقدم العلمانية وصولاً إلى الدول أو الولايات المتحدة الأمريكية التي إدعت الحياد بين الطوائف الدينية (1777) بعد الإعلان الماسوني لتأسيسها بإسم الله في وجه الهنود الحمر (الكفار) وفي وجه العزة الدينية للبروتستانت والكاثوليك و..اليهود ثم تقدمت العلمانية بعد نجاحها في تدويل أمريكا إلى النجاح نفسه في فرنسا متولية حكمها منذ ثورة (1789) التي أممت أملاك الكنائس ثم أممت الكنائس نفسها بما فيها من سجلات ونذور وزكوات ووظائف وعظات ومدارس وجامعات ومطابع ومعونات ومشاف طبية وأسرار، حيث أشهرت العلمانية في فرنسا الكينونة الجمهورية للدولة كعقيدة عقلية عامة حتى وصل الحال بجيوش نابليون بعد سيطرتها على أسبانيا وإيطاليا إلى القيام في العقد الأول من القرن التاسع عشر بعد موجة من موجات الثورة الإيطالية المدعومة فرنسياً بإعتقال البابا وسجنه ثم تحديد إقامته ونفوذه بعدما كان البابا عبر التاريخ فيضاً إلهياً مقدراً يحدد إقامة بلايين البشر وملايين القرى والمدن.


    وإن كانت محاولة نابليون لتأميم اليهودية في فرنسا وممتلكاتها وإخضاع مجلس طائفتها وأعماله ودفاتره للدولة الفرنسية العلمانية قد إنتهت بفضل التداخل الشديد بين الجماعات اليهودية المالية والتجارية والصناعية والجماعات الماسونية المنتشرة في العالم إلى إشتعال الثورات ضد نابليون في أنحاء العالم من تخوم القطب الشمالي في روسيا وبولاند إلى الهند والصين وأمريكا وألمانيا والبلقان وأسبانيا وفي مصر حيث إغتيل قائده كليبر على يد السوري سليمان الحلبي، حتى دحر نابليون بقيادة التحالف الدولي المسيحي.


    وكان جبروت المدفعية الفرنسية الحديثة آنذاك وتثبيت نيرانها لحكم الثورة الفرنسية رغم برجوازيته أو بسبب منها، ثم صعوبة نصر ملوك أوربا المقدسين على جيوش تلك الثورة العلمانية، قد أثبت بذلك الجبروت وهذه الصعوبة، دنيوية التملك والحكم وبشرية إمكانات النصر والهزيمة، مما عزز بجملة أحواله إنتشار أفكارها وإستقرارها في أفئدة الكادحين وسموها وخفقها في أذهانهم، وأدى جملةً إلى زيادة النشاط الثوري في أوربا وهيب الملكيات الإقطاعية في أوربا لمخاطر الثورات، وإرتفاق الناس بذلك الهيب وتطلع الشعوب المسومة ونشاطها إلى الفوز بكينونة الإنسان وحقوقه مما أدى إلى تحول الملكيات المطلقة للإقطاع بأشكال مختلفة إلى ملكيات متدسترة، ذات حكومات تقبل المحاسبة العامة على أدائها المعاشي على علة تمتع نظام الملكية بسيطرة مالية وسياسية على من يقومون فيه بهذا الحساب، مثلما تقبل حكومات الملكية المتدسترة بذلك الحساب العام جانباً معقولاً من الضبط الشعبي لأمورها العامة المتوالية والمٌطلقة.


    وفي تجاوز التشكل البرجوازي للعلمانية في أوربا وقسم من آسيا وتديين هذا التشكيل لأحوال سلطة رأس المال والتقديس الحديث لمفاعيله نشطت الحركة الشيوعية، التي قادها لينين وستالين على هدى تجاوز ماركس بفهمه المادي للتاريخ وجدله الإقتصادي السياسي الإجتماعي الثقافي لما يعرف بـ"المسألة اليهودية" الرأسمالية الطابع، وتجاوزه كذلك لماسونية عصبة العدل وكينونتها الإعتقادية الرأسمالية، وللطروح الإشتراكية الديمقراطية القائمة على قدسية التملك الفردي الخاص لموارد المجتمع، إضافة إلى تجاوز ماركس للتصفية الدموية المشتركة التي قامت بها الدولة البرجوزاية الفرنسية العلمانية وقوات النمسا الإمبراطورية المقدسة لمشاعة باريس لصالح سؤدد التملك الفردي لموارد وقوى المجتمع في أوربا والعالم على الكينونة الإجتماعية لهذه الموارد والقوى.

    ففي ذلك النضال بقيادة لينين وستالين تجاوزت مؤسسات الثورة الشيوعية وآلياتها وأهدافها الكينونة الدينية الرأسمالية الجديدة التي أقامتها النضالات القديمة المختلفة ضد الإقطاع وحاكمياته الدينية، حيث أقامت الشيوعية بطبيعتها العلمية الثورية الإجتماعية التطبيقية وكينونتها العمالية والفلاحية حالة نضالية تعاضدية جديدة جمعت بطابعها التقدمي الإجتماعي الشمولي كثير من المسيحيين والمسلمين واليهود في تلك البلاد الشاسعة المترامية الأطراف ووحدتهم في حالة ثورية للإستغناء عن إلهية الإقطاع وإلهية رأس المال الإجنبي والمحلي وطغيانهما في روسيا والعالم والحرية من تقديسهم وظلمه وإلحاده، بتوحيدها كيل المنافع وإسلامها موازين تبادل هذه المنافع وقسطاس معاملاتها بقيم علمية جديدة للإجتماع البشري.

    وتمثلت القيم الشيوعية البديلة للعلمانية المقدسة لرأس المال في كينونة بسيطة سهلة ميسرة فحواها تقدير الحاجات الطبيعية لحياة الناس وعيشهم ولإمكانات إسهام الناس في الإنتاج في تلبية هذه الحاجات، وتحقيق المجتمع لنماءه من هذين الحالين بأسلوب منظوم مخطط عقلاني لمبادلة المنافع الفردية والإجتماعية في كينونة الإنتاج بحيث تشبع الحاجة الضرورة لحياة أكثر الناس قبل إشباع الحاجة الثانوية الأقل ضرورة لعيشهم.

    وبهذه السوية والربط السهل للإشباع بالإنتاج دون واسطة دينية أو مالية وتعقيدات ملكية تميز مفاعيلها بين الناس هاجمت الشيوعية نظرياً وإلى حد كبير في التطبيق الإجتماعي من روسيا والصين والهند إلى شرق وجنوب أفريقيا والصين وأمريكا الجنوبية وخربت النظام الهرمي التطفيفي التبخيسي والربوي للسوق والمتاجرة بضرورات حياة الناس في ظل التكالب للإستئثار بها وتملكها والإستضعاف والإستغلال والتربح في سدها، وفرعنة رؤوس الأموال وتربب بعض الناس والدول بها على كثرة الناس الكادحة ودولهم.

    فكان النجاح في إمكان تجاوز العلمانية لطابعها الرأسمالي الحديث معقوداً بشيوعية الموارد والأعمال والسلطات بين البشر التي تمكنهم من حكم أحوال عيشهم بصورة مباشرة وفقاَ لضرورات حياتهم وإعمارهم لأقانيمها وإحسانهم لموازين بنائها وحساب منافعهم ومعاملاتهم فيها بسوية بينهم في الموارد والسلطات، وقد إنعقد هذا النجاح بداية بنجاح الثورة الإشتراكية الأولى في التاريخ والعالم للعمال والزراع وعموم الكادحين في عموم روسيا وبلادها المسيحية والإسلامية سنة 1917، حيث تبلور الكيان العلمي التطبيقي لحرية المنتجين للحياة بعد تثبت أمر الدولة السوفييتية (المجلسية) في 1927 ممتداً بهذا النجاح فيها إلى حين عقد المؤتمر العشرين1956 الذي قام فيه المناشفة بطابعهم الماسوني القديم والصهيوني الدقيق برد الإعتبار إلى الضحايا الثلاث لسياسات لينين ومديره ستالين وهم: التعامل التجزيئي، والتبادل النقودي للمنافع في المجتمع، والصهيونية.


    وعلى رسل هذا التغيير نجح نضال الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو زي دونغ، في بناء علمانية متقدمة ضد إمبراطورية الشين المقدسة بالتقاليد الإذعانية للحكيم كونفوشيس والنزوع التوافقية المدجنة لفلسفة التاو التي طالت دهوراً لألآف السنوات وقروناً عددا ثم ضد الجمهورية المقدسة لحرية التملك الفردي للموارد الإجتماعية حيث هزم ذلك النضال الشيوعي الفلاحي العمالي الريفي المليشيات الدينية الإقطاعية و(البرجوازية الوطنية) وطرد قوات الدول الرأسمالية الكبرى بإسخانه البطولي وبعمليات الفداء والإرهاب التي كان ماركس وإنجلز في زمانهما قد مجدا بوادرها الأولى ضد الإمتيازيين الإجانب ومن معهم.

    وبضغط رأس المال العالمي من الخارج ودعمه للحركات الثيوقراطية في التبت والمسلحة الإرهابية في مناطق المسلمين بإسم حقوق الإنسان ضداً لدعم الصين لحقوق الافارقة والكوريين والفيتنام واللاوس والكمبوديين والفليبين والأندونيس والجنوب أمريكيين والفلسطينيين والصحراويين واليوغسلاف والعراقيين وشروعهم في الحرية والتنمية، وبضغط الصراع الطبقي -الفرنسي الشكل- بين البروليتاريا والبرجوازية، والمركز والأقاليم في داخل الحزب الشيوعي الصيني والمؤسسات الشيوعية للدولة، يهتز وضع العلمانية في الصين بحكم هذه المؤثرات إهتزاز العلم في خفقانه، حيث يفرض وجود الدولة نفسه كقدس في بعض الأحيان وفي أحيان أخرى ككيان إجتماعي وآلة بشرية للتغيير الإقتصادي وسياسة المصالح في المجتمع والعالم.


    وقد كانت أخر الدول حريةً من الإقطاع والشكل الديني للسلطان فيه، في عشرينيات القرن العشرين هي دولة الخلافة الإسلامية وسلطنتها العثمانية التي أنهكتها مفاسد الإنفراد بالحكم، ودكتها مباذل تآمرات الحريم لأقوامهن وأهلهن وأولادهن وعشاقهن، وذرها العصف العنفوان الذي شكلته الثورات الدينية والوطنية في أقاليمـ(ها) في البلقان والعراق والشام وكردستان، ومصر والسودان وليبيا والجزائر، وما زاد على نواقص هذا الوضع الداخلي المتهالك من عوامل أجنبية مالية وعسكرية محطمة غازية.


    وقد إستمر تدهور هذه الدولة الإسلامية وإنحطاطها حتى قضت على سؤددها الديني المزعوم تناقضات الجباية والتقتير والإتراف والإسراف والمليشيات الإنكشارية، وما أدت إليه جحفليات الديون والإمتيازات والقوات الأجنبية التي تقدمت فيها الوحدات البريطانية -النيوزلاندية واليونانية وغيرها غازية هذا الملك العضوض وخلافته، حتى كادت هذه القوات المدججة المنظومة بعلمانية حرفية عسكرية دقيقة أن تمحق سنسفيل هذا الملك العضوض، لولا إن صدها الجحفل الماسوني لمصطفى كمال أتاتورك الذي هزمها وشتت شملها وطرد من تبقى منها عن جميع بلاد الأناضول بمساعدة أمريكية يسيرة وبمعونة سوفييتية سخية.


    وكان ذلك الطرد سابقاً لقيام الأحزاب البنائية (الماسونية) الحداثية الرأسمالية في تركيا في إطار تحقيقها لحرية الأعمال الصناعية التجارية والمالية وحفظها للكيان التركي لهذه الأعمال وضمان تسلسله ككيان سياسي في النطاق الدولي للرأسمالية العالمية بخلع السلطان المهزوم وإلغاء نظام الخلافة المفسد لحرية الأعمال الصناعية التجارية، وإبدالها ذلك النظام بجمهورية فتية متخلصة من البلاد العربية والبلقانية التي أثقلت كاهلها ومن القوات الأوربية وإن كان تراتب الرأسمالية ينخر هذه الدولة مع التضعيف المتفاقم الذي تحدثه للطبقات التي تؤسسها وتستهلكها وتغربها وتستلبها، والصراع الذي تؤججه بينها، مثلما تنخرها التبعية للمراكز الإمبريالية وتنازعاتها البروتستانتية-الإنجلوساكسونية في جهة والكاثوليكية-اللاتينية والجرمانية (إلا قليلاً) في جهة منازعة إلى حد ما .


    ورغم النجاح العام في جملة دول العالم الرأسمالي الحديث في القضاء على الحكم الديني للإقطاع وتحويل السلطة الدينية في الدول من حالة السلطان المطلق إلى حال نسبي ثقافي إجتماعي يتعايش مع أقانيم الحرية الصناعية والتجارية بما فيها من زور للقيم وإستيفاء على الناس في الكيول وتطفيف لموازين توزيع الموارد والجهود والثمرات المرتبطة بالصناعة والتجارة وتمولاتها المرابية. ولكن جميع هذه الأطوار المتقدمة لكينونة المجتمع والدولة قد فشلت في الوصول إلى درجات عليا من العلمانية، بحكم إعاقة نظام الدولة وترابيته الحاجزة وإحتكاريته المندغمة بترابية وإحتكارية رأس المال.

    ويدل على شيء من ذلك الحال الراهن لكثير من الملكيات الأوربية المطلقة التي تحورت بضغط الثورات إلى ملكيات محددة دستوراً، لم تزل هي القيادة العليا للدولة في مجتمعاتها، وهي قيادة متعالية ومصونة بالوضع الديني لهذه الملكيات وبالوضع الإقتصادي الذي تشكل بالتواشج الديني العسكري للحكم الملكي وذيوله الإقطاعية والإستعمارية عبر القرون وهو ما بان في بداية تكوين الحال الإستعماري المسمي "النظام العالمي الجديد" في بداية القرن العشرين وفي أواخره المخصصة والمعولمة.


    ونجد هذه الحالة أيضاً في الدول التي تحولت من ملكيات إلى جمهوريات، إذ لم تزل الكينونة الدينية تمارس تأثيرها الإستعماري عبر شبكة العلاقات الإجتماعية-السياسية وتواصلاتها المصلحية مع نافذي الطبقة العليا، وأحزابها أو عبر تفتيت وحدة ونضالات الطبقة العاملة وعموم الكادحين في تلك الجمهوريات الرأسمالية وتقسيم وجودهم في المجتمع إلى نقابات شرائحية ضيقة وإلى طوائف دينية متعصبة وإلى أحزاب علمانية تقدس التملك الفردي لموارد المجتمع العامة.


    وبهذا النجاح والفشل، بجانبه المعين، من التاريخ يظهر إن الشرط الأساسي لتقدم العلمانية أو لإنذرار الشكل الديني للحكم الفردي، غير موصول بدرجة القوة الثقافية في المجتمع! حيث العلمانية نفسها هي أحد الأسباب والأسس الرئيسة لقوة الثقافة في المجتمع، وليست نتيجة لها. فلا قوة لثقافة المجتمع دون علمانية لكونها أحد الشروط الضرورة لإنفكاك الناس من الأوهام الدينية والتقاليد الرجعية البالية التي تعيق قوة المجتمع وثقافته بالمفاهيم الخاطئة للحكم والحياة والطبيعة العامة والخاصة للإنتاج فيه.


    فالفهوم الدينية التي تربط صلاح أحوال الدولة بـ(صلاح) أحوال الدين فيها وحكمـ(ـه) لأمورها تعيق قوة المجتمع حيث إن طبيعة قوة الدولة تختلف عن دينيتها، فقد كانت كثير من الدول الدينية دولاً قوية إمبراطورية مثلما إن كثير من الدول العلمانية اليوم هي دول قوية تسود مجتمعاتها بصورة عامة تقاليد الإحترام العام للقانون ولخصوصية الغير.


    وإزاء الربط التعسفي لدى كثير من الناس بين التدين وقوة الدولة فمن الجدير ذكر إن قوة الدولة ككيان سياسي إجتماعي ثقافي عام ليست معزولة من فاعلية جميع عناصرها، كما لا تكمن قوة الدولة في مجرد ضعف أعدائها وتفرقهم، بل بسبب طبيعي بنيوي فإن قوة الدولة تكمن في التناسق العام بين عناصرها:

    فعبر ما شهد في التاريخ من وجود للدول كان العمود المتين في قوة الدولة وحقيقية حسنها ككيان إجتماعي هو حسن إنتاجها وإقتصادها وإعمار نظامه لقوى المجتمع ولقوة الدولة بإعماره أحوال القوى القائمة بإعمار جنبات هذه الدولة ومجتمعاتها.

    كما إن قوة الدولة تواشج أيضاً دقة جمعها لنظم المعارف والعلوم وإتساعها فيها، كما تتصل قوة الدولة كذلك بمناسبة عديد جيشها وعدته لإمكانات المجتمع وطبيعة تناسقه مع الدولة، إضافة إلى جانب التركيب والإنضباط الإجتماعي الذي يحدثه النظم العام للجيش في المستوى الداخلي للدولة على الفوائد الخارجية لبراعة صولة هذا الجيش ومهارة رميه.

    وكذلك لا ترتبط وقوة الدولة بالحالة السماوية أو الارضية للدين بصورة مثال جامدة ومطلقة بل إن قوة الدولة تواشج العدل والإحسان في توزيع موارد الحياة وجهود بنيها على هذه المواد وقسطاس توزع ثمرات جهدهم بينهم، مما يتعلق بحسن الحساب العام لحاجاتها وقراراتها، وهو الحساب الذي بتسطيره وقسطاس موازينه وميزانياته تصح أخلاق الأمم ويبرأ فيها الإيمان من قسط كبير من النقص والتكالب ومايرتبط بهم من موبقات الكذب والزور والإخلاف والنفاق.




    ما هي العلاقة بين العلمانية، الدين والدولة؟

    إتصل نشوء العلاقات المختلفة بين العلمانية، الدين والدولة منذ الإختلافات الإجتماعية والدينية في ممالك النوبة القديمة وغيرها من الحضارات وهي الإختلافات التي نشأت بين الحرفيين والعلماء والأدباء في جهة مع الكهنة والسدان والدهاقنة والملوك في جهة ضد وما تفجر معها من الثورات الأولى للتحرر من النظم المنتجة للعبودية وصولاً إلىثورة المهمشين في الجزيرة العربية بالإسلام وهي الثورة التي كنزتها قريش في أمية.

    وللعلمانية في الإسلام تبلورت في التاريخ ثورات الأمصار والعراق بعاملين عامين هما:

    عامل التهميش الخاص بإمتلاك الدولة المسماة بالإسلامية للأرض وإستضعاف حكامها وإستعبادهم للناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً، وتسليط هذه الدولة للخراج والجزى والفيئوات عليهم.

    والعامل العام الثاني لتبلور العلمانية الأبرز في الإسلام كان هو العامل الذي واشج ما إجتمع به الحق والباطل بتلك الظروف المتوالية من موالي وزنج ويهود وقرامطة وأحزاب ثورية شكلتها تجمعات طوائف الحرفيين وبعض العقلانيين والأئمة والسياسيين المتطلعين إلى تغيير الأوضاع الإستبدادية ومحاولة رفع الضيم الجاثم عليهم بقوى السلطة الدينية وجيوشها (الفاتحة)، وما أحدثته تلك التجمعات من ثورات فاشلة وناجحة أثبتت جميعها دنيوية الدولة وعسكريتها وقدرة الإنسان إزائها على القيام بتحديد خياراته ومصيره فيها.

    ويضاف إلى هذه الأطوار مارافق إنتقال هذه النظرات العقلية عبر السفراء والعبيد والجند الأسرى والبحارة واليهود والحكماء والتجار من أفريقيا وآسيا إلى الممالك الأوربية


    وبالنظر إلى التتال الزماني والإجتماعي للحركات العقلانية والإجتماعية في مجالات السياسة وتقرير أوضاع ومنافع الناس في المجتمع والحرية من إطلاقية الحكم فيه يمكن القول في هذا الصدد إن العلمانية بتطور كينونتها العقلانية الإجتماعية، تشكل حالة تاريخية مضطردة لإنعتاق الناس مما تشكل لديهم عبر ألآف السنوات بفعل إنفصال العمل اليدوي عن العمل الذهني من ظن بإنفصال وجود الطبيعة وكينونتها كدنيا عن الوجود الإلهي المقدس الذي يحدده الناس (خارج) هذه الدنيا و(في) الأعلى غالباً، حيث يقوم إضطراد الحالة العلمانية بتخليصهم مما يتصل بهذه التراتبية العامة من تراتبات كثيرة في الشؤون الإقتصادية والسياسية.


    و ومنذ وضح للعقل البشري وجود التباين بين حاجات الإنسان في جهة وقدراته على تلبيتها في جهة أخرى والإمكانات التي يستطيع نولها من الطبيعة للوفاء بهذه الحاجات، فإن عيش الإنسان قد تمثل في حالتين رئيستين:

    حالة "البداوة" بما فيها من إكتفاء بضرورات الحياة وإندغام في الشكل العرجوني لحركة الطبيعة ودورة ولادة الحيوانات فيها وسقوط الأمطار.

    حالة "الحضارة" التي إتسمت بالعمل المستقر المنظوم، ولكنها إتسمت أيضاً مع تنوع الأعمال ومتطلباتها وتعدد الحاجات وأشكال تلبيتها، بضرورة إصطناع قيم الأشياء زيفاً وزوراً وتطفيفاً وإكتيالاً يوفي فيها بمتطلبات وجود الوساطة بين المورد والمستهلك و(ضرورتها) حسب ما يفرضه نمط السكن والعيش في ظل إنفصال الأعمال المختلفة لتجديد حياة رأسها أو رأس مالها ومضاعفته.

    ومع تنوع حساب هذه القيم وتفاوت تقديرها، تنشأ وتزيد حاجة الناس إلى رأس وحكم ينظم وجود هذه القيم ويفصل في ما يشتجر منها من شؤون، أو يجمع إليها ما تحتاجه من موارد وقوى، ويبعد عنها ما تراه خطراً عليها. ومع تعاظم المهام تراكمت القيم لهذا الرأس والحكم بتراكم الإنتاج في مجتمعات الحضارة إلى أن صار الرأس نفسه رأساً وقيمة عليا، وأضحى هذا الكيان بحكم واقعه المادي والمعنوي مصدراً للقيم في المجتمع تحيطه وتلتبسه الأساطير والأهاويل والقصص والتماثيل والتآليه والإعتقادات.


    ومن ذلك الوضع كان نشوء الدين في تلافيف الحضارة كآيديولوجيا حكم بدوي نوعاً ما على سجايا العطاء والسوية في الإعتبار وفي التبادل وفي القبض والوفاء والأداء، مثلما في السوية بين الجريمة والعقاب، بينما بتكاثر وتوالي أحوال نقص موارد العيش وجمعها والإضافة إليها تكونت آلية السوق وحكومته حيثما كانت الحضارة نفسها بربو هذا التكاثر والتوالي تقوم على المفاضلة بين القيم: مرةً بإسم المصلحة العامة ومرة أخرى بإسم حماية الشرائع الدينية.

    وفي أي من الحالين الجدليين التاريخيين ظلت الدولة ولم تزل إلى يومنا هذا عامهة في هذا الغي ماخوذة بعزتها عن إمكان نشوء مفاصلة كبرى للمصالح والقيم تختزل فيها الحضارة الأشد إمتلاكاً الحضارة الأقل ملكية، تدخل قراها وتجعل أعزة أهلها أذلة، فدائماً ما كانت قوة الدولة وبطشها مصدراً للتنازع فيها ولمحاربتها وإفناءها.


    وفي العلاقة الجدلية المثلثة والمعقدة بين العلمانية والدين والدولة تبدو الوضعية الطبقية لمسألة القيم في المجتمع هي المعيار العقلي الفاعل لفهم الحقيقة الإجتماعية التاريخية لصحة العملية العلمانية ولفهم طبيعة الدين ولفهم طبيعة الدولة وبنيتها الطاغوت المنافية لكل القيم الحرية منها والدينية.

    فبالنظر إلى توزيع الموارد والجهود والثمرات وتبين مدى رشد وإحسان هذا التـوزيع أو فساده وغيه وبطلانه في ظهر الحياة، تتضح حقيقة المجتمع والطبيعة العقلانية أو الظلامية لتوزع القوى فيه، مثلما تتضح صحة دولته وعقيدته أيما كانت لونية هذه العقيدة عقيدة سياسية علمانية أو عقيدة دينية سياسية.




    هل العلمانية مناهضة للدين ومتناقضة معه فكريا واجتماعيا، وهل هي رؤية إلحادية؟ وهل تعني فصل الدين عن الدولة أم عن السياسة؟

    ككل الحركات الفكرية الإجتماعية تعد العلمانية حركة ناهضة ضد مصادر وآليات تغييب العقل وخسف إرادة الإنسان وجب مسؤوليته عن أفعاله وهي بذلك حركة إجتماعية راقية ضد إبدال هذا العقل وهذه المسؤولية بجنبات كبيرة الإعتبار في أكثر الأديان إنتشاراً في عالم اليوم، ومنها الجوانب المتعلقة بالنظر إلى الحياة ككل بما فيها أفعال الإنسان الخيرة والشريرة كمعطى مسبق بالقدر والحكم الأزلي لمصيرها!؟ حيث بهذا الفهم الذائع في الدين والأشد ظهوراً في الإعتقاد البشري بالإلهيات، لا تعود ثمة فائدة لحركة الإنسان أو لجموده مادام فعله على هذا النحو أو ذاك محسوباً في الأزل ومقدراً.

    وفي صدد هذا الإختلاف على أهمية قوانين الكون وثباتها ودور العلم في تقدير هذه الأهمية والتعامل معها وهو الخلاف الذي تناولته أشياء وأشياء من أحوال ومقالات ومقامات ومستحدثات وبدع وفنون وفيوض الحرفيين الصغار والسمناريين والتجار الفلاسفة والسفسطائيون والعلماء وأولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يبدو التناقض فيه بين المتدينيين أنفسهم مقارباً لما بين العلمانيين والمتدينين:

    ففي حالي هذا التناقض الديني الصرف منه أو العلماني- الديني تبدو الأسس المنطقية للتدين خارج نطاق العقل متصلة بثوابت الدين، هذا في جهة المتدينيين قطعاً وصرفاً، أما في جهة المتدينين المقدرين للعلم والعلماء والمتعلمين في العصر الحديث فقد برز تقديرهم لحرية تنظيم المجتمع لأمور دولة المنافع فيه بأعمال عدداً لعل أشهرها أعمال الإمام الماسوني الثائر جمال الدين الأفغاني، وإلى حد ما -أعلم- بعض أعمال الإمام الكاشاني (ع)، وكذلك الإمام محمد عبده، والإمام علي عبد الرازق، والإمام خير الدين التونسي، والشيخ المحارب للإقطاع أبو القاسم هاشم، والشيخ المحارب للإقطاع محمود شلتوت، والمهندس المصباح محمود محمد طه، وقد تابعهم في هذا الصدد بعض مشهور من قادة الجماعة والحركة الدينية السياسية المزلوفة بإسم الأخوان المسلمين ومستنسخاتها القطرية مثل الأستاذ عمر التلمساني في مصر في تناولاته علمانية الإسلام، وكذا العلم الجليل مصطفى السباعي في سوريا في تقريره لإشتراكية الإسلام، وحتى الدكتور حسن عبدالله دفع الله الترابي في السودان في تضابطية الدولة والحريات فيها (في الإسلام)، ورأيهم المثير خلال هذه التقريرات في كون الحاكمية الإلهية لا تتعارض والحكم البشري!؟


    و يبرر بعض الكتاب الإسلاميين هذا الرأي المشع بين مقولات قادتهم المحدثين بإنه لو كان في ذلك الحكم خطاً فهو مثل خطأ دواؤد في مسألة الغنم، منصرفين عن مغزاه الإجتماعي الإقتصادي زمن السوق الحرة والعولمة للإعتبار بميثاق أهل المدينة وبموقعهم التجاري الوسيط، وبالشورى التي أخذ بها الرسول (ص) في مسألة حفر الخندق، وبحديثه الكريم في تأبير النخل((أنتم أعلم بشؤون دنياكم))، وكذلك بحديث إبن مسعود حين إقضائه على اليمن وسؤال الأمين حينها له عن حكمه -إن لم يجد- في القرءآن والحديث ما يلائم موضوع القضية المطروحة أمامه آنذاك، ويتواصل تبريرهم بالوضعية الدينية المستترة للحكومات الرأسمالية المركزية في أوربا وأمريكا.


    ورغم كثرة ما أريق لهذا التصور من جهود ودماء منذ ثورة الأمة في الأمصار على الخليفة عثمان والأقربين الذين أولاهم بالمعروف في المركز وتقاتل المبشرين بالجنة، وقتل أمية قريش وإيلافها لآل البيت، وتقاتل أهل الحديث وأهل التكليف والفقه والرأي، ومقاتلة القدرية وأهل الكلام، وحتى تشجيع خادم السلاجقة الأمام أبو حامد الغزالي لحرب الملوك البدو السلاجقة ضد للفلسفة فإن مثل هذا (الرأي) أو (الحكم الشرعي) ما زال في دائرة مجرياته الراهنة والحديثة والحاضرة التلفزيونية مجرد محاولة لسانية خفيفة لإبدال مسميات النظام الرأسمالي العلماني بأسماء ومسميات عروبية.تسوس الناس لقبول التكوينات الأوربية والأمريكية لهذا النظام بتوطينها في أذهانهم بمشروعية سريان النطق المألوف وجريانه في الأذهان تماماً مثلما كان نظام الدولة العربية الإسلامية القديم نسخاً جديداً في زمانه ديني الشكل للنظام الإقطاعي للإمبراطوريات الفارسية والرومانية، بما فيه من تملك أصيل للأرض بالفتوح العسكرية وإقطاعها، حيث أحكمت دولة الملك العضوض ملك رقبة الأراضي لله في شخص الخليفة الممثل لسلطانه ووفقاً للتفسير الذي تحدده قوة الخليفة لنصوص الكتاب وبالسيف إن أبى الناس، بإستيفاء وإستخراج لثروات العمل في تلك الأراضي وفي قراها ومدنها بالضرائب المختلفة الأسماء.


    ووفقاً لذلك جنح بعض كتاب الإسلام السياسي المحدثين القائلين بعلمانية الحكم الديني أو بإسلامية الحكم العلماني إلى التبرير لهذا القول بعرض قصة الحساب الغنمي لداؤود وسليمان دون أن يهتم هؤلاء بالنظر إلى الطبيعة البنيوية لإختلاف النظام الرأسمالي بتسلسلاته ومراكزه الأمريكية والأوربية وبكينونته التطفيفية الغارمة في موازين العمل والإنتاج وتبادل المنافع وإلى جوهرية الربا في تقدير هذا النظام (الحضاري) بحسابه المرابي لقيم الموارد ومظاهرها النقودية.


    وفي صدد أحوال الدعوة إلى الدولة العلمانية في نطاقات الدعوة إلى الدولة الدينية والإسلامية منها على وجه الخصوص ومدى وسع الفهوم الدينية لإعتبار كينونة العلمانية فإن هذا الإعتبار يبدو خلباً وسراب بقيعة. ذلك إن كثير من المقررات الدينية الرسمية والشعبية التي سنتها الجماعات الدينية السياسية السنية المتسلسلة من المذهب الحنبلي وتوابعه الأشعرية والوهابية ومجتمعاتهما الغالبة في جماعة الأخوان المسلمين ومستنسخاتها التي شجعتها دوائر الماسونية البريطانية كجسم سياسي رأسمالي ديني ضد الشيوعية وضد السلفية الدينية لنظام الخلافة. إضافة إلى ذلك فإن كثير من المقررات الدينية الرسمية والشعبية لبعض حوزات الموالاة للفقه والفقهاء عند بعض موالي آل البيت وشيعته تعد العلمانية ككل خروجاً على الدين. فحسب الفهم البدوي أو الهرمي لها أو للدين تقوم العلمانية في إعتقاد هذه المقررات المواشجة للقداسة بمرجعيتها وجهة إشتغالها بتبديل ما تسميه "حكم الله" بشيء أخر يحل محل ذلك الحكم الإلهي أو المتأله يسميه المتحدثين بهذه المقررات الدينية والقائمين عليها بـ"حكم البشر".


    وفي هذا الصدد يبدو إستخدام الدين للدفاع عن العلمانية بإعتبارها دعوة للرشادة السياسية في المجتمع وعقلانية إجتماعية حاسبة وقاسطة لأجهزة الدولة وفاعلياتها، وصورة عليمة لإنتظام قوى المجتمع وتضافر هذه القوى على كلمات وأفعال وتصاريف سواء، مسالة نقيضة للفهم البدوي الغليظ المعسر والفهم الهرمي الرقيق والخطأ والسائد لعدد من الآيات منها آية سد التنازع الدنيوي على الحظو بالشرف الديني بين المسلمين: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ، حيث عادة ما تؤخذ هذه الآية الكريمة كمؤشر (ديني) على جواز الحط من مكانة (الكافرين) في الدولة بجريان التمثل بها مقرونة بآية تأسيس الدولة الحضارية ضد البداوة (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) وبآية الإعتداد الحضاري في وجه البداوات والممالك الأخري :(ولا تجعلوا للكافرين عليكم سبيلاً). مع تفسيرات أكثر ضيقاً وعسراً في زمان التداخل العالمي هذا لآيات الإستقلال عن الحكم العام للنظام التجاري والمالي لليهود والنصاري بطبيعته الإستضعافية والإمبريالية القديمة وملله الربوية المتضاعفة.


    وكذلك فإن الأخذ بفهم إن الحكمة ضالة المؤمن.إينما وجدها أخذها كأساس ومرقى لإعتماد الناس على تطور الفهم الديني لأحوال دنياهم المتغيرة ولتقدم الفهم الديني من نصوصه للوصول إلى حكمة العلمانية أو إلى الحكمة السياسية في إدارة المجتمعات المتعددة الإعتقادات، أو لإحسان الهيئة العامة لما يسمى بإسم "المجتمع المسلم" في عالم تتساوى فيه كرامة البشر وتسكن دوله فئات مختلفة متعددة الإعتقادات، يبدو أمراً بعيداً عن منطق التطابق بين خصائص الشيء وخصائص مادته، مختلاً ومفارقاً للعقل ببعد الحلم فيه والحلمانية عن أسس العلم والمقتضيات الطبيعة له، كسنة لحركة مكونات الوجود وكونه، لا تنفصل فيها متطلبات الطبيعة الإجتماعية وضرورات حياة عناصرها عن وجود وقوانين الطبيعة العامة بما تتطلبه من علم، حيث يعد الحديث الحالم عن إنبثاق العلمانية من التفسيرات التقليدية للدين ونصوصه بغياً بين الناس على مجيئ العلم وحضوره في المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وعلى تمثله في ثقافة المجتمعات وعقلها حال نورانيـــة و إستنارية علمانيــة.


    وتكمن المفارقة في إن الكينونة العامة للمنطق وحكمته للحكمة هي علاقة السبب والنتيجة وفق قوانين الطبيعة العامة ونواميس الكون المعهودة في تكثف التطور من البسيط إلى المعقد وتحول التغير في كم العناصر إلى تغير كيفي ووحدة وصراع الأضداد في كل حال في جدلية متوالية لإشباع حاجات كل عنصر وتحرره من هذه الحاجة (+) وسد النقص إليها (ـــ) صورة ينفي فيها التكون الجديد التكوين القديم. ومفارقة هذا التحدد والتتابع وضديته للمنطق الملتبس في الدين بأسبابه الفيضية ومآلاته الأخروية بحورها وغلمانها.


    كما إن معايير صلاح الحكم ومجتمعه المبنية على قبض ذلك الحكم المعطى كعنصر صاف مجرد من الظروف الإجتماعية وتمسكه بـ"العقيدة" وقبضه عليها قبض اليد البشرية للجمر لنيل الفوز العظيم لا يتناول إرتباط نشوء ذلك الحكم وطبيعته وفق الحاجات الضرورة لإنتاج وجود المجتمع، ولا قيام ذلك الحكم على تحقيق المصالح العيشية للناس ولا يهتم بقسطسة ذلك الحكم لوجود الناس ومواردهم ووسائل إنتاجهم وأعمالهم وثمراتهم وحقوقهم، و لا بقيام ذلك الحكم بإعمار ذلك الوجود وإحسانه، بعلاقة إتزان لعناصر الطبيعة في المجتمع توزع الموارد والسلطات في نطاق الدولة وآلياتها وتعاملاتها بالقسط المناسب للموارد والجهود المقدمة وبالحاجات الأولية إلى ضرورات العيش وإحسانه، وسد ذرائع التكالب على تلك الضرورات والإستئثار والإختصاص المنفرد بتملكها، وما يسببه ذلك من فقر وإملاق وبغي وفساد في الأرض وإهلاك للحرث والنسل.


    فـ(المنطق) الديني المعاصر الذي نشأ أصلاً من فصم أذهان القرون الأولى لوجود الطبيعة الدنيا عن وجود الطبيعة العليا، وهم ومنطق لغوي كلامي ساكت في فصمه بين تمسك الحكم بالإسلام في شكله السياسي القديم المتعلق بالتداخل بين طبيعة مرحلة الخلافة ومحاولتها تأسيس الدولة في زمن كانت تسوده أسس ومفهومات الإقطاع، وبين الوضع الحديث المحاول تجاوز الطاغوت الإقطاعي القديم والطاغوت الرأسمالي الحديث بقيام الحكم على العدل الإجتماعي في توزيع الموارد وتفريد أمور السلطان وآلياته.


    ووفقاً لهذا المنطق الفصمي المتصل بالتاريخ الإجتماعي للتدين وبوجود الدين في المجتمعات والمنسوب للدين تعد العلمانية في نظر كثير من المتدينين بذلك المنطق حالة مستحدثة لإلحاد الأفراد، وليس ذلك فحسب، بل كثيراً ما يدغم أفراد ذلك المنطق في منشوراتهم وخطبهم وحملاتهم الدعوية والجهادية بين إلحاد الأفراد وبين سوء الأخلاق والسلوك في كل المجتمع. دون أن يستوعب هذا المنطق الحكومي للإيمان إن الإلحاد نفسه هو موقف فكري من مسألة طبيعة وجود العالم.

    فإلالحاد بالغنة الموجبة لمفردته هو بطبيعته الفكرية فعل ذهني عقلي ووليد منطقي لتطور الذهن ونفوذه من مرحلة الإيمان الديني بثبات الطبيعة الإجتماعية والقيم الضابطة لأمور الناس فيها وإرتقاءه على هذا الإيمان بأنوار معرفته لإتصال الأمور الحياتية بالظروف العالمة التي يصطنعها الناس في مجالات الحكم والمال، ولعل لهذا الإتصال المشهود لالآف السنين بين المال والحضارة والحياة كان حديث النبي الكريم وقطعه وتحديده القاطع لقول كل خطيب في زمانه بإن ((المال عصب الحياة)).

    وتبعاً لذلك التطور التاريخي لإدراك الإنسان لطبيعة الحياة ودولانية المجتمعات وتمولاتها وأسباب إنتاجها لعيشها فقد فارق الذهن الإجابة المتعينة المحدودة على شؤون الدنيا الحادثة إلى محاولة أكبر لفهم طبيعة هذه الدنيا وإنتظام عناصرها المادية المحددة، حيث يتفق المتدينين والملحدين والعلمانيين على الإجابة القائلة بسبق وجود الطبيعة لوجود البشر ولوجود الأشياء في الذهن البشري، وعلى إمكان مقاربة ذلك الذهن وتصوره لعلاقات الوجود والتداخل بين هؤلاء البشر وهذه الأشياء في عالمهم وإمكان تأثيره عليها.


    وبتقدم العقل الشقي بمعرفته في عوالم مابعد الإيمان يتسآءل مجدداً عن حقيقة كون العالم بكل تناقضاته وتقلبات طبيعته وتقاتل حيواناته وإفساد البشر فيه للأرض وسفكهم الدماء وإهلاكهم للحرث والنسل فيها هو عالم بحكم طبيعة تكوينه، بكل هذه التناقضات والمقاتل والمفاسد، يعكس حقيقة كونه منظوماً بقدرة مهندس علي حسن كامل مجيد وقادر على كل شيئ كل شيء؟ أم إن هذا العالم الذي نعيش فيه بما فيه من نسبية وخفق لتوالي وتصاعد الجدل بين عناصره المادية وعناصره الحيوية مفرداً وجمعاً، هو مقطع من الطبيعة العامة للكون يخضع بقوانينها المباشرة لتغير حالة عناصرها وطاقتها ويستجيب في هذا التغير لأفعال الإنسان المعمرة له أو المدمرة والتي تنشأ بها كينونة مسؤوليته.

    وهي أفعال تضم في كينونتها السالبة عمليات القهر والإختصاص والحصار والغزو العسكري بالقذائف المنضدة باليورانيوم والإستلاب والتغريب الإعلامي وفي وسائط الإعلام أو بالأفكار المجزئة لوجود الطبيعة ولإنتظامية العقل وإمكانات المعرفة، سواء أكانت هذه الأفكار لأهل الرأي التحريررين أو الإجتماعيين العلمانيين منهم أو المتدينين أو كانت لقوات المتنكرين أو المخضرين.


    فإن كان ذلك كذلك، أي كان العالم متصلاً في تغيره بأسباب التغير الطبيعية الصرفة والبشرية، فإن النظر إلى العلمانية وإلى الإلحاد كموقف فكري مفسح لإمكانات المعرفة والعقل يفيد في جانب منه في إثراء التعامل العقلي والإجتماعي مع ممكنات التعايش والتسامح والتعاضد والتوافق على كلمات وأفعال سواء تصلح ما أفسده التدين الكذوب طيلة ألآف السنين وهو تعايش ونماء لا يتسنى تحقيق مثقال ذرة عربية أو أجنبية منه بالنظر إلى العلمانية كجريمة يتم دغمها ودمغها في الهيئات الشرعية بـ(تهمة) الإلحاد ومعاقبة أصحاب ذلك الموقف الفكري بالقتل بالمخالفة لآي كثيرة في القرءآن ونصوص الأناجيل والمشناة والتوراة تقر بحرية الإعتقاد والرأي.


    وإن كان ذلك كذلك أيضاً فإن التعويل على كشف الفرق النسبي بين العلمانية كموقف سياسي عام يتخذه المجتمع والدولة من قضية سوية حقوق المواطنين في المجتمع غض النظر عن لونية إعتقادهم وبين الإلحاد كموقف شخصي فرد ذي طبيعة إعتقادية فذة، لايفيد كثيراً في تمرير قضية العلمانية وسويتها بين الناس في الحقوق والواجبات العامة. والأنكى من ذلك إن هذا الإبتعاد عن الإصابة بـ(تهمة) الإلحاد والإلتواء عنها يضر بهذا بالإيمان بقوامة هذه القضية ويغبش بمداهنته الدينية وضوح جوهرها وسطوع حقيقتها الحرية.


    فبمداهنة بعض المدافعين عن العلمانية لوضع التدين الشديد في مجتمعاتنا الفاسدة المفسدة، وقيامهم بتبيين الفرق بين وضع العلمانية السياسي العام وتفرقة هذا الوضع عن الإلحاد كإعتقاد خاص بلا إلهية العالم وماديته ومالية الحياة فيه فإن إجراء القول على رسل المداهنة السابقة بإن العلمانية هي فصل للسياسة عن التدين بأكثر مما هي فصل للدولة برمة مجتمعاتها وطوائفها عن التدين نفسه، كإجراء أخلاقي، إنما هو قول مائي وترابي ينطوي على توتر وقلق وخوف: فالعلمانية ليست حالة سياسية حزبية في سعي وممارسة طبقات وفئات الناس لتحقيق مصالحهم، ومحاولة الأفراد والجماعات تعديل بناء المجتمع ونظم إنتاجه وعيشه وضبطه وفق هذه المصالح، بل العلمانية قبل ذلك، هي شرط من شروط الدولة الحديثة بالفهم الحقوقي الكامل لوضع الدولة في الحياة كمؤسسة بشرية للحكم، وكبنية إجتماع وإقتصاد منظومة، وكحالة سلطة وسيادة بشرية سياسية على مجريات تجمع الناس ومواردهم وقواهم وتفردهم في نطاق إقليمها.


    وبمثل هذا الفهم يمكن تخمين الضرر الذي يحدثه فصل المستوى الأدنى من العلمانية عن مستواها الأعلى ضرراً يلحق جملةً بعدد من القضايا العامة مثل إضراره بقضية الحرية وقضية الوعي، وقضية التنظيم، وقضية النضال،وقضية الثورة وقضية العدل.


    كما لا تفيد المباعدة بين العلمانية والإلحاد كثيراً في الكسب السياسي في مجتمعات ألفت ثقافاتها العنصرية والقبيلية والقطبية والحزبية وفرز عناصرها حد الذبح والثقب بالمثقاب الكهربي وحد نفاق العقوبات الجماعية تقبله بأيديها من الدجيل إلى الفالوجة ومن الصعيد إلى دارفور ومن كوردستان إلى خوزستان وترفضه بأيدي ولاتها في فلسطين.


    وفي صدد القول بإمكان المقاربة الزاهية بين العلمانية والإلحاد فأن العلمانية جملةً، تطمح إلى فرز وعزل الفهم الديني المألوف للحياة، وإبداله بفهم متقدم متحرر للتعامل العلمي والإجتماعي والثقافي بين الناس مواشج للقضايا العامة لوجود الإنسان كقضايا طبيعة الوجود الإجتماعي وحرية وإحسانية إعمار الناس له فيه وما يتصل بذلك من قضايا الثورة والعدل.

    وإن كانت لعلمانية في هذا الطرح تعد أيضاً وفق المفاهيم الشائعة للتدين ظاهرة بدعية كافرة. فإن الصورة الحقيقة لضرورة حرية الإعتقاد والإلحاد للعلمانية وإتصال هذه الحرية بطبيعة النظم العلمانية يمكن الدفاع عنها والهجوم بها على دعاوى الحكم الديني بإعتبار العلمانية ظاهرة فكرية بنشاطها التسآؤلي والتسبيبي في العقل، مفيدة لكل مجتمعات المعرفة والمسلمين وكل المجتمعات المتدينة حيث تفيدها بتنسيق قواها المجتمعية والإقتصادية وسياستها ضد القوى الدينية الأخرى في العالم أكثر مما جرته ظواهر التدين والغلو فيه على كافة المجتمعات من ويلات وحروب وكروب مقدرة أو مستحدثة. فالعلمانية في كينونتها الإجتماعية تصدق أراء الرواد فهي تحقيق للأديان وللإسلام بتحقيقها الكينونة العليا لمجتمعاتهم ولمجتمعات العلم: السلام.




    هل يمكن تحقيق مجتمع مدني وعلماني وديمقراطي في ظل دولة تستند الى الشرائع الدينية كمصدر أساسي للتشريع فيها ؟

    يتوقف الأمر على طبيعة الفهم الطبقي والثقافي لشرائع الدين، وعلى طبيعة الفهم الطبقي والإجتماعي السائد في مفسري الدين، فإن أخذ الدين كحالة إحتباس حراري مثلما هو اليوم فلا مجال لقيام أي مجتمع سواء كان مدنياً أو قروياً ، دينياً أو ديكتاتورياً في ذلك المصهر البطيء الذي تحارب فيه الجماعات الإلهية كل رأي يخالفها في كل أمر من أمور الحياة.

    فالشرط اللازم لأي إجتماع مستدام هو الضرورة العامة لوجود عناصره، وقدرة هذه العناصر بحكم الضرورة الإقتصادية السياسية، على مضافرة الجهود وإنتاج الخيرات وتبادل المنافع، فإن كانت الفهوم السائدة للشرائع الدينية قائمة على ثقافة الهرمية الإستعبادية ودفع الجزية ومتوالياتها في ثقافة الإقطاع أو في ثقافة الرأسمالية القديمة أو الأمريكية، فإن الممارسة الدولتية للناس بحكم إستئثاريتها وإختصاصيتها وإصطفائيتها وإقصائيتها، في نظام للإستضعاف المطلق ستأخذ الشكل السائد في تاريخنا الديني السياسي بطبيعته الإفنائية التي لا تبقي ولا تذر .


    ولكن وفق ما قال أستاذنا الشيخ في المحاماة، الطيب أبو جديري، أحصف نقاد "دستور التوالي" الذي وضعه في السودان الإسلامي السربوني في وضع الدساتير، الترابي، فإن العلة في هذه التشريعات لا تكمن في نوعية التشريع ومجافاته لفهوم السوية البشرية ورعاية كرامتها وقسطها في وضع القوانين وإجراء العدالة بمقتضاها فحسب، بل إن العلة الأشد في محاضرة ألقاها على جمع للقانونيين السودانيين (المنفيين) في العاصمة البريطانية في مطلع القرن الحاضر حول سلبيات الدستور تكمن في الإصرار على مسألة ذكر المرجعية ودينيتها وترتيبها الطاغي بالشكل الذي يفقد الدستور نفسه كينونته البشرية وصلاحيته السياسية الإجتماعية بأن يتحول من أدآة عامة للرشد الإجتماعي إلى مصدر للقلاقل. بدلاً عن إستخدام الدستور نفسه كمصدر عام للتشريع في الدولة تتوافق عليه فئات المجتمع.


    وبالطبع فإن طبيعة الدولة نفسها تحدد دستورها لا العكس، فالدولة الرأسمالية تنتج دستوراً رأسمالي المعني، ولوكان له دينه وإعتقاده ولو كتب في صدره الناس سواسية، وتخلو الدولة الشعبية بدكتاتوريتها العمالية من مثل هذه المشكلات التي تثيرها غيرة الحفاظ على الملكية ومتعلقاتها من أمجاد وعمائم وبنوك ولواءات، وما إلى ذلك مما سخر منه العلماني القديم ناقد القرءآن أبوبكر الرازي، وذلك بحكم الطبيعة العمالية لتلك الدولة، وقيامها على العطاء والإجابة الحرة المنظومة للحاجات الضرورة، وبحكم الكينونة الثورية لقوانينها والطبيعة الإشتراكية والشيوعية لتوزع الموارد والسلطات فيها. وإن كانت دساتير ديكتاتورية البروليتاريا صريحة وقاطعة في إلغاء الملكية الخاصة للموارد العامة وفي تأكيد التوجه المسطري والحسابي الإقتصادي الإجتماعي الثقافة للدستور وبعده كناتج للطبقة العاملة والكادحين وتوجهاتهم الإشتراكية والأممية عن كافة العصبيات الشوفينية والعنصرية العرقية والدينية والنوعية .




    هل يسمح إستبداد النظم الرأسمالية في العالم العربي أو غيره بالدفاع عن العلمانية؟

    بحكم إن الكثير من الانظمة العربية وغير العربية الحاكمة التي تدعي التدين أو تدعي العلمانية وتمارس تحت شعاراتهما أقصى درجات الاستبداد الطائفي الديني والسياسي والقمع العام ضد مخالفيها وضد الحريات الاساسية كحرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة وحرية التنظيم معبرة عن محتوى ديكتاتوري بغيض، فإن أفق ومستقبل العلمانية أو حتى أفق ومستقبل التدين في العالم المسمى بالعربي، أو في عموم العالم، في ظل الحكومات المستبدة هو أفق مغلق ومستقبل معدوم.


    وليس ذلك فحسب، بل إن كل ما في العالم من مفاهيم حرية أو أخلاقية وإتجاهات مرتبطة بها مهدد بالدمار الذي تفرضه طبيعة المصالح والنظم الرأسمالية.

    فوجود العلمانية وووجود الدين ووجود العالم بأكمله بفرسه وعربه وونوبييه ومصرييه وبربره ولاتينه وخواجات أمامهم مستقبل مظلم في ظل حالة العولمة الإمبريالية والتبعية المفروضة إليها بقوات الولايات المتحدة الامريكية الإقتصادية والسياسية الإعلامية والديبلوماسية والعسكرية.

    فالسطوة المرابية لهذه القوة في التضليل والقوة في السلاح والحصار والغزو والقوة في التعذيب والقوة في التفخيخ والتلغيم والشرذمة والتقسيم تزيد الطغيان والتنازعات وتفاقمها في العالم خاصة في ظل تطور الفصم الصهيوني المنشفي القديم في معظم دول العالم البرجوازي المسيحية منها والإسلامية بين التقدم الوطني والتقدم الإجتماعي.

    وكان ذلك الفصل بين الأحوال الوطنية للدولة والاحوال الطبقية الإجتماعية لوجودها ونشاطها وتعايش الناس فيها قد ولد وتغذى بالفلسفة والممارسة البرجوازية العلمانية منها والدينية التي نشطت فى وأد وعزل وتهميش وإستضعاف قضايا الطبقة العاملة الصناعية وإقصاءها عن المجال السياسي وعزله عنها وعن مصالحها الضرورة لإنتاج الحياة للمجتمع وإنماء التعايش فيه، وقد نشأ ذلك العزل المفاقم لكثير من العصبيات وتطور في المجتمعات بحجة قلة عدد عمال المصانع وإتجاه العالم إلى التكنولوجيا!! لكأنما السوق سيضحي بكيانه ويخلق من نفسه أتمتة كاملة للإنتاج، ودورة ألية له تخلو من البشر، وهي أتمتة ودورة يدل على خياليتها ووهمها تصورها الساذج لإختفاء العمل المأجور والربح والسوق والشركات المنتجة والمسوقة والحكومات القائمة على ضرائبها!! ويدل على خطل هذه الدعوة التغريبية الواهمة إن تصورها المتضمن إضمحلال ذاك السوق والدولة القائمة به يمكن ربطه بإضمحلال الأديان الواقفة على حسن سير رعيته وإلتزامها أقداره.


    فبهذا الفصم وتفاقم مفاسده فإن فئات الرأسمالية المحلية المتنازعة في عالمنا لتثبيت وجودها القائم على الإستيراد القصير الأجل والنشاط المخاتل لصفقة أو صفقتين وقرضاً وقرضين وعلى الهروب من السداد لفروع البنوك والتحصن بحكومات تدار بمجافاة المصالح الضرورة والعميقة لوجود المجتمع، لا تجد سوى الشعارات السياسية الفارغة لتطليها بهذا اللون الفكري أو الديني وفق مصالحها وإرتباطاتها المالية الخارجية.


    وفي المطحنة الكلامية والعيشية لهذه الشعارات يغيب عن الوعي إنبتات وجود المجتمع، وفقده لضرورة عيشه في العالم، حيث تتبدد الفائدة التي( كانت) تعود للعالم من وجود سكان كثير من الدول التي يشتد فيها إنبتات المجتمع وغربته في العالم بفقده (الذاتي) لإمكان إنتاج ضرورات حياته.


    وفي دول العالم حتى في الدول المتحدة الأمريكية الجامعة بين كونها أكبر دولة علمانية وكونها أكبر دولة عنصرية تتحدث عن الحقوق الدينية والقيم المسيحية، فإن عزل القضية الطبقية عن القضية السياسية قام، ولم يزل، بتحويل العبارات الرنانة في الدساتير والحقوق والدين والعلمانية من حالة الشحذ والمضي والإنشحاذ الطبقي والشعبي وفق مصالح الناس وضرورات عيشهم وتقدمهم، في وجه الهنود (الأوباش) وفي وجه التعصب الديني والقومي لبريطانيا آنذاك وتحور إلى حالة سياسية وتجارية للمراوحة والمواربة والمخاتلة والمخادعة والمصارعة والمقاتلة العنصرية والصراع ضد الحضارات الأخرى .


    في تلك الحالة يكلم الله فيها جورج بوش وطوني بلير الذين يستولى إقتصادهما البروتستانتي الأنجلوساكسوني على أقل من 10% من حاجته للطاقة من الشرق الأوسط لتأجيج الحرب ضد مصالح بقية أوربا التي تأخذ 75% من النفط الضروري لحياتها من الشرق الأوسط. وعلى نفس هذا المنوال فإن كثير من قادة الجماعات الدينية والسياسية في عالمنا يردون أعمالهم إلى الله وسماعهم لكلامه ويرجعونها إلي سبحانه بما فيها الأعمال الخاطئة والمحرمة، ولا أدري حقيقة من كان يكلم المعذبين في بيوت التعذيب الإسلامية في السودان حينما كان الإخوان المسلمين في مصر يطالبون بالديمقراطية ويعتدون بالجنازير والسيوف على مرشحين الطلاب المعارضين لهم؟!


    فمع غياب الضابط الإجتماعي الطبقي للفكر الحقوقي السياسي،وممارساته تتغير في الواقع حالة السياسة وكثير من المفردات المماثلة لها، وتتبدل من تفسيرها المثالي الأسمى كوضع تفاهمي وجبري لتنظيم موارد العيش والجهود والثمرات في المجتمع، وتتحول عن ذلك التفسير المجرد إلى الحالة الراهنة التي يشهد بها تاريخ كل المجتمعات الطبقية التراتبية، حيث تضحى السياسة في البلاد المباحة للسوق حالة مزيج من البغاء والإغتصاب، تجمع بين الدعوة إلى حرية التجارة وبين التضرر منها والشكوى من بطش إنفاذها بحقوق الناس وآمالهم!

    فلهذا اللون من التناقض التاريخي لأليات والنظام الرأسمالي وأدواره وإستراتيجياته تعدو السياسة علمانية كانت أو دينية (ثيوقراطية) حالة إثرة جشعية نزقية تمزيقية وإستلابية للموارد والأذهان تقع بمفعول قانون السوق وأياديه الخفية وعشواء التربح فيه وخطله تقع خارج الحلم والحلمانية، وخارج العقل والعقلانية، وخارج العلم والعلمانية.




    . لماذا العلمانية في ظل الدولة الحديثة؟ وما علاقتها بالمجتمع المدني، الديمقراطية وحقوق الإنسان ؟

    كان الدين والدولة صنوان تجسدهما سلطة الحاكم وكانت "السياسة" هي أخلاق الملوك وطبيعة كلامهم، وكان الخوض فيها دون إذن الحاكم بذلك يعد مساساً بنظام الدولة وخروجاً على صحة وجودها وقداسته، مثلما كان الحال الذي تغيرت فيه عن دعوة النبي إبراهيم أهله ومثلما إعتبر فرعون قول موسى ومن معه من يهود وكوشيين خروجاً على العقل والشريعة، ومثلما إعتبر التجار اليهود في القدس تدمير المسيح بنفسه لمحلاتهم وصيرفياتهم فعلاً إرهابياً خارجاً على العقل وعلى السلطة اليهودية المحلية وعلى السلطة الحكومية الرومانية وقوانينيها الحديدة التي حازت هذه الصفة لصلابة منطقها وتماسكه بالطبيعة الخطية غالباً للعقل اليوناني السابق عليها،وبالحركة الباترة لدولتها في مجتمعات العالم. وتماماً مثلما إعتبر سادة إيلآف قريش خروج الإسلام على الطبيعة التراتبية والربوية بالضرورة لمجتمعهم الخادم الوسيط في الصحراء بين يهود الشام في الشمال من الجزء الشرقي من طريق الحرير ويهود اليمن وأفريقيا في الجنوب من ذلك الجزء الذي كان جزئه الغربي البعيد يمتد بمحازاة البحر االمتوسط والمحيط الأطلنطي إلى ساحل الذهب في ممالك غانا وغرب أفريقيا حتى تخوم دارفور. وعلى ذات هذا النسق الفاصل بين وجود الطبيعة في شكلها السماوي عن شكلها الأرضي والجامع بين الحكومة والدين، سارت محاكم التفتيش في أوربا ضد المسلمين واليهود الذين كانوا يفتنون بكلامهم وصوفياتهم وخفة أعمالهم التجارية والإصطناعية والربوية (الرعايا) المسيحيين للإقطاع عن جادة طريقهم الكاثوليكي.

    ولم يقف هذا الحال إلا بالتأثير المتلاحق الذي مارسته الجماعات السرية لأخوان الصفا والإشراقيين والبنائين وعموم الطوائف والنقابات المهنية المازجة بين رؤياها وبصرها الحديد لإمكاناتها الخاصة الحرفية والإمكانات العامة لبناء موزون للمجتمع الإنساني، مما بدأت بشأئره تهل في عصر الأدب والرسم والبناء الفخيم المعروف بـ"عصر النهضة"، وهو العصر الذي إتصلت فيه خطوط المعمار وهندسته بخطوط الملاحة والمدفعية إلى أمريكا ثم تشابكت عناصر هذه الحركة التقدمية بخرطها ومطابعها وأفآق تفكيرها وأشرقت وأضاءت في ما يعرف بـ"ـعصر التنوير".

    وبين ذينك العصرين، كان الكلام في السياسة محدوداً بالإصطلاحات والمصالح المهنية لهذه الجماعات الماسونية، وقد كان أكثرها في تلك العصور العسكرية جماعات أعمال مدنية تجارية تقع بين سلطان الكنيسة وبين سلطان الملوك وبطش حكامهم وقادة جيوشهم. فمن ذلك الحال عد حال تلك الجماعات حالاً مدنياً وتعارف الناس على إعتبار حديث أهلها المجزوء والمنحصر في العقود والمفاسد والأبنية والضرائب والحروب القادمة رغم إتصاله بالسياسة كلاماً مدنياً، وهو الكلام الذي تجمع حتى فاض على مجتمعاته الكبيرة سياسات محسوبة وثورات وبرقت فيه حروب وبنوك ومعامل كبرى وسفن ومدافع ضخمة وجيوش تسير كالألة وإستعماراً صريحاً من غرب العالم إلى شرقه ومن مراكز الأبحاث الرأسمالية إلى صميم الفؤاد.


    وكحال شارط لنتائجه كان حق نقاش هذه الامور وممارسته بحرية وآمان متصلاً في قبوله وفي ذيوعه في دول الإقطاع بإمكان الإضافة التجارية أو الإصطناعية أو المالية التي يمكن أن تضيفها أعمال المتكلمين إلى الحالة العامة للملك ومجتمعـ(ـه)، حتى إن كثير من تلك النشاطات حظيت بعد عضوية عشرات الألوف من فرسان العصور الوسطى والمتصوفة الفقراء والحكماء الزهاد، بعضوية القادة العسكريين والأمراء بدخول كثير من ملوك الشمال الأوربي وهولاند وإنجلاند وألمانيا وأوستريا وهانغاريا ثم فرنسا، إضافة إلى مئات الألوف من أصحاب الأعمال التجارية صلاحاً منهم أو طمعاً أو رغبة أو خوفاً، إجلالاً أو تبعية ولزوماً لمذهب الجماعة.


    كما إرتبط تاريخ قبول الحق في نقاش الامور العامة وممارسته بحرية وآمان وفي ذيوعه بإمكانات الإضافة التجارية أو الإصطناعية أو المالية بإمكان آخر معنوي مادي، هو إمكان حذف القداسة عن الأوضاع العامة والحكومية وإمكان تعديل هذه الأوضاع العامة والحياتية أو تلك وتغييرها،بعيداً عن الإعتقاد بإلهيتها أو بمساس هذا التغيير بالهيبة القدسية لحكامها المباركين من الحوزة المسيحية العليا، وهو الشيئ الذي قاد في خاتمة الأمر مع التجمع المنظوم لقوى هذه الجمعيات وأحزابها السرية ومصالحها المالية والتجارية والضرائبية والبنكية السياسية وكوادرها العسكرية والإستخبارية والحكومية والطباعية المتصلة بأوراق الدولة وحسابياتها إلى صدق كثير من توقعاتها وإلى توخي الناس الحكمة في أراءها وإلى أخذهم بها وإلى فشل الطغاة المتعصبين المنغلقين الجهال في مواجهة تقدمها المتواتر الزائد من حالة الفعل المجزوء الصغير إلى حالة التحويل الثوري للأمور مثلما أنجزت علامته الكبرى في شمال أوربا وأمريكا قبل أن ينفذ أمرها مع الثورة البرجوازية في فرنسا الذي بلغ عدد ضحاياها في العالم حتى الآن ما يفوق نصف البليون نسمة في قرنين فقط من الزمان.


    وبالطبع لم تأخذ العلمانية فور نشوءها في التاريخ القديم رداء "الديمقراطية" وهي تعبير وإصطلاح تعني أهم تفسيراته حكم الغالب في العدد من الناس لأمورهم، وكان مصارعاً لإصطلاح "التكنوقراطية" الذي يعني حكم العلماء المتخصصين مثلما كان مصارعاً لإصطلاح "الأولغشارية" الذي كان يعني به حكم أصحاب المصالح والتجار الأثرياء عموماً، بل إن الجهات السياسية للعلمانية تطورت وإرتقت وترادفت في تحققها العالمي.


    وقد أخذ تحقق العلمانية الراهن في التاريخ مساراً طويلاً منذ آيام الخلافات والثورات القديمة في الممالك النوبية الفرعونية، ومروراً بمراحل الحكم الديني بأمبراطورياته وإقطاعاته التي نشأت في مرحلة الإنتقال من حالة "السحر" والأديان الطوطمية إلى حال الحساب و"العلم" في تقدير الأمور الحياتية والعيشية للمجتمعات ونظمها. فلم تقف الجماعات التجارية الحضرية بهرميتها الفكرية المتعالية على البداوة والمنادية بالعلمانية في الحياة على تأسيس ونظم الممالك الدينية كما تم في الجزيرة العربية وفي الأندلس وبقية جنوب وشمال أوربا، بل بحكم ظروف تزايد السكان والحاجات والمكتشفات والوسائل الإنتاجية والتبادلية للمنافع فإن الجماعات المتصلة بالعلمانية قد قادت عملية التحول والإرتقاء البشري من حال الإفراد العام لهرم الدولة ومنافع الحضارة القائم عليها وتشخيصها في عائلة وجماعة مقدسة مسبوك بالدين تعاليها وتراتبها وحكمها وتفتح منافعه في المجتمع إلى حال التشخيص المباشر لهذه المنافع في إفراد التملك والعمل البشري، وفي الحكم النقودي والمالي والرأسمالي لتبادل المنافع بين أفراد مجتمعه.


    وقد بنى رأس المال هرم القيم والخيرات العامة في مجتمعه على أساس حسابي تجاري ساعتي وسفيني وقطاري حركي بخاري وكهربي ينفصل بسرعة تغيراته عن ثقل المواضعات الزراعية والدينية في النظم الإقطاعية والثيوقراطية المحكومة بالدين الملك وبطئها عن ملاحقة السرعة البالغة لتضاعف إمكاناته، وعن جواب حاجات نموه ونهمه لمراكمة الأرباح وكنزها. ولعل لعين هذا السبب كان البناء الجديد لرأس المال أوسع أبعاداً وأكثر عمومية في أفراده وبسط تأسيسه على الناس، مسبوكاً في حركة آلياته السياسية الإجتماعية بإنضباطية دستورية تقدس الكينونة الجمهورية لحرية الأعمال التجارية وإنتشارها وذيوعها في العالمين وبـ(تقييد) محاسبي للأعمال الحكومية، ترزح بمقتضاه أكثرية الناس في المجتمع في غياهب العمل المأجور بإعتبارهم أساساً وقاعدة للهرم الرأسمالي الكبير بينما تحظى في قمة هذا الهرم الأقلية المالكة للموارد العامة في المجتمع ولأسباب عيشه ووسائل إنتاجه بخيرات كد أكثر الناس حيث تسمو ملكية تلك الطبقة وتعلو مكانتها لا بالتوفيق الإلهي لإستغلالها حاجة البشر إلى دفع ثمن باهظ لضرورات حياتهم، كلا بل تسمو بالهلاك البطيء والهلاك السريع لجموع الناس المحشودين لإنتاج الأرباح بمقابل يقل عن سد رمقهم بما يتضمنه المقابل من خفض للأجور الحقيقية وزيادة للأسعار.


    ويرجع نجاح عملية حشد البؤساء في هذا الهرم الرهيب إلى مفاعيل قوانين التبادل المجحفة المبخسة لجهد المنتجين وفي الموازين المطففة المرابية لهذا الجهد في عملية الإنتاج، وربح الطبقة الممولة من تملكها إنتاج العمال وتسويقه لمصلحتها. وهما العمليتان اللتان منذ زمان قديم، إنفصلت فيهما قيمة العمل عن قيمة تملك ثمراته، بتداخل وتواشج مع إنفصام العمل الذهني وسعادته وقيمه عن العمل اليدوي وفضله في الحياة وقيمه. وكان ذلك مواشجاً لقيام الناظرين في خلق السماوات والأرض بالفصل بين الجزء الأرضي للطبيعة بتضاريسه عن الجزء السماوي منها.


    وبحكم ذلك التباين كان الخلاف في الثورة الفرنسية بين الحرية الحق في تملك نتائج الأعمال التي كان البرجواز ولم يزلوا، يمتلكون أصولها المادية من ألآت وأرض وموارد مادية، وبين الحق الحر للناس في التملك العام لموارد المجتمع وأسباب ووسائل العيش فيه وألاته ومواده، وحقهم كأفراد في المجتمع في التعامل الإقتصادي السياسي مع هذه الموارد على قدم سواء وفقاً لحاجاتهم الطبيعية كبشر مكونين لهذا المجتمع الذي لولاه ما كان هناك إنتاج أو إستهلاك، أو موارد، ووفقاً أيضاً إلى الحاجة إلى جهودهم في إنماءه، وفقاً لقيم التعاضد والإشتراكية في الجهود والثمرات بما فيها من قيم متضافرة للإخاء الإنساني غض النظر عن القومية والجنس أو النوع والتفكير والإعتقاد والدين.


    وبفعل سيطرة البرجوازية على المحركات السياسية لحالة الثورة في فرنسا، وعلى الأجهزة الإستخبارية والعسكرية لها وإتكالها على مدفعية نابليون الصناعية الحديثة في تقدمها ضد جيوش الإقطاع القديمة جنحت البرجوازية (الثورية) الصاعدة إلى تسفيه الحق العام للمجتمع في تملك موارده وإنتاجه وفقاً لحاجات أفراده الطبيعة ولإسهامهم في وجود ذلك الإنتاج وتصريفه ونشاطهم في إنماءه حيث مالت البرجوازية عن ذلك الحق وزاغت عنه بتسويفها في أداءه إلى المجتمع ونشاطها في تبخيسه مقابل إستيفاءها كيل الحق المفرد لأصحاب الأعمال التجارية والورش والمصانع في تملك إنتاج العاملين عليها،


    وتحقيقاً لذلك الكسب الخاسر قامت البرجوازية بتحويل الطبيعة النظامية للإشتراع القانوني في فرنسا من الحال التضافري التصاعدي لتمثيل النواب المفرد للنقابات والأحياء السكنية في دوائرهم الشعبية وصولاً إلى الجمعية العامة لفرنسا ومقرها في باريس إلى حالة أحدية لتمثيل النواب جملة (وطنية) للمصالح الإقتصادية والأحياء السكانية، في عزل بين للمصالح الوطنية عن المصالح الإجتماعية. وبذلك الإنحياز الطبقي السافر إتسمت حالة الإنفكاك من السلطة الدينية للإقطاع في مراحلها الاخيرة بطابع ليبرالي يقيم سلطة رأس المال الحرة ودولته التي تسود فيها بتعبير ماركس عبادة الإله الجديد الأصفر أي عبادة المال. وبذلك يمكن الإشارة إلى إن العلمانية في تكوينها السياسي ما هي إلا الدين الجديد للرأسمالية الذي يخسف سلطة رجال الدين ليقيم بدلاً عنها سلطة رجال المال والأعمال.



    وفي جانب ثقافي أوربي عام من أمر العلمانية كان تواصل الأقسام الأقوى من البرجوازية الصاعدة آنذاك من وسطيتها بين شقي رحى طبقة الملوك وطبقة الفلاحين شبه المسخرين، وتواشجها في صعودها ذاك بالنظام الإقطاعي القديم وقيامها بفضل دفع ذلك النظام أو تساهله أو تناقضه بإعتلاء الأجهزة السياسية المحركة للتغيير الإجتماعي في المجتمع الذي تضاعفت قواه بما فيها من جمعيات (أحزاب) ومجامع ومنتديات ومسارح ومطابع وصحف وتوليها إمكانات فلسفية وعلمية تزيد فيها إمكانات الإدارة الحرفية للأمور، وتعلو بعقلها الديكارتي والسبينوزي والجروتشي والليبنتزي والبنثامي والجون ستيوارت ميل مساطر وصنوف الخطابة المنطقية الرادة الباترة للغو الإقطاع ولرومانسياته التي كانت تطنب في أحاديثها المتقدسة المتوهمة عن كفالة الله والسيد مالك الأرض لرغد حياة الزراع وأمنهم وآمانهم في أرضـ(ـه)، وعن جشع المضاربة الرأسمالية ونهمها الإقتصادي الموبق إجتماعياً وسياسياً أمام الإستـقـرار والإطمئنـان الذي كان النظام (الطبيعي) للإقطاع وبركاته يتيحه لكافة المخلصين له والمؤمنين بقيمه والطائعين لأوامره والمتخلقين بأخلاقه.

    وقد عبرت عن تلك الرومانـــسية روايات فاوست الذي باع روحه للشيطان لقاء ماديات حرمه العمل المتصل لها من التمتع بها، ورواية فرانكشتاين التي جسدت عبط الإنسان حين يحاول الخلق وكشفت جهله الأبعاد الخطيرة لما يخلقه، بينما بقيت رواية دون كيشوت كاشفة لإعتماد الإقطاع على ملكية السواقي والمطاحن الهوائية في التربح من كد الفلاحين.

    وضد الإقطاع والرأسمالية خفق الأدب في أعمال شكسبير (هاملت) و(تاجر البندقية) وأشعل ديكنز قلوب الإنكليز بقصة أوليفر تويست وأبكى فكتور هوجو برواية البوساء السمك في البحار، ولكن في قلبي خفق لقصص تلستوي الشهيرة ضد عوالم المال مثلما هو ضد عوالم التدين يحدثنا بلألأة النجوم في روسيا بقصة "حبة القمح شبيهة البيضة" التي وجد القيصر بعد تقصي تاريخها فلاحا ًإثر فلاح كان أصغرهم سنا شيخاً مريضاًً ضعيف الذاكرة بينما كان الفلاحين الأكبر منه سناً يظهرون للتحقيق أشد شباباً حتى حضر شيخهم الظاعن في السن أنضر من الشباب نفسه ذاكراً بسهولة للمحققين الزمان البعيد لوجود مثل هذه الحبة، وحين إستغرب القيصروجود ذلك النوع الضخم من الحبوب في أرض رخيصة ذكره الفلاح بحسرة الحكيم وبإعتداد شديد بإن الحبة كبيرة لأن الأرض والجهد عليها حينذاك الزمان كانا بسطاً طلقاً ولم يكن يقدرا بنقود أو خلافها، إذ لم يكن العمل في فلاحة الأرض لأجل النقود أو للمتاجرة في القمح بل كان لأجل الأطفال ولخير القرية.

    ووفقاً لهذه الروح البشرية القلقة بين الإطمئنان إلى هدوء النظام القديم وبين الركض للحاق بماكينة توالد الحاجات وزياداتها التي عبر عنها أدب التنوير السابق لعصره واللاحق، كان الإتجاه العام في مواثيق حقوق الإنسان التي صكها في العصر الحديث بني النابغة القانوني البريطاني صاحب التعليم الفرنسي للقانون المواشج لثقافة البحر المتوسط وأصولها التوازنية الهندسية التي تجلت في تصنيفات أرسطو العلمية لعناصر الطبيعة والموقع المتقدم فيها للإنسان وأخلاقياته التي جعل سدتها كتاب السياسة والذي جعل أرقى صواعده النقاش العلمي للأمور العامة. وهو النقاش نفسه الذي ختم به أرسطو كتابه المسمى "الطبيــعـة" نافذاً منه إلى كتابه الشهير الأخر المسمى بحكم موقعه الذهني وبحكم موضوعاته بإسمه الأشهر وهو: "ما بعد الطبيـعة" وفيه عرض للإعتقادات والقيم النفسية للسعادة والحرية ومايتصل بها.

    فمن ذلك التعليم القانوني المتأثر بارسطو وبثقافة البحر المتوسط البنائية الإحكامية والتواصلية المنفتحة وبإكتساب بني أيضاً للثقافة الهولاندية المواشجة لقيم الإخاء والتضامن الإنساني في وجه الإقطاع الديني وإستبداده، وإمتصاصه وصده بالتعامل الحرفي والتجاري المتضافر والمنفتح الذي تأثرت فيه أجزاء من ثقافة الهولانديين بهجرة اليهود والطوائف المسيحية اللاكاثوليكية إليها من الأندلس والبرتغال وتخوم الممالك السلافية والألمانية، كان ذلك مما يحسب أثره في دراسة تبنيه لقيم حرية الأعمال التي كانت قد حققت في هولانده القليلة السكان مصارف كبرى، وأسواقاً تملأها البضائع وكثير من المشترين الأثرياء من إستثمار السفن والبواريد والمدافع والصكوك ومناجم آسيا وأفريقيا.

    ويمكن القول إن الكاتب الحديث في أوربا لشرعة حقوق الإنسان الفتى العالم المتصوف الثائر بيني مؤسس بينسلفانيا وفلاديلفيا (بلاد الحكمة) وبفضل رعاية بعض الحكماء الإشراقيون المتصوفة في جمعية إخوان الصفا البريطانية و(جماعاتها) الاوربية قد أسهم في نقل الأفكار الدينية عن المحبة والتسامح والسوية والتعاضد من صفحات التاريخ الملوثة بالدماء إلى الصفحات الأقل تلوثاً بفضل إعمال العقل حيث تداولت هذه الحقوق المصفوفة على تفسيرات وترجمات عدداً وكانت من أهم الوثائق لتي تم تداولها في الجمعيات السرية (المدنية) في ذلك الزمان لأواخر القرن السابع عشر.


    وقد لقيت الوثيقة الحديثة لحقوق الإنسان إهتماماً لم تحظى بمثله إلا وثيقة واحدة نشأت بعدها بقرن تقل السنوات عنه أو تزيد، وهي الوثيقة التي تواضع عليها بتدرج قديم رؤوس البيوت المالية والتجارية الكبرى في أوربا في إجتماعهم الفرانكفورتي بقيادة روتشيلد الكبير والأستاذ آدم فيتشابوت العلم العلماني الإشراقي والماسوني أستاذ القانون في جامعة إنجولساتدت والقائد المدني للجزويت في بافاريا وهو الإجتماع الذي تم في العقد السابع من القرن الثامن عشر بعد حل البابا لتنظيم الجزويت بعد (تورط) عناصر التنظيم في حركات تقدمية عددا، ففي تلك الوثيقة التي أسهمت كثيراً في تشكيل عالم اليوم بكل ما فيه بأس وبؤس حدد دهاقنة العلم والرأسمالية فيها بعض المعالم الأساسية في الإنتقال من النظام الإقطاعي الكهنوتي إلى نظام إجتماعي جديد تحفه قيم الإفادة العلمية بالخبرات والإمكانات الحرفية والصناعية، في المجالات المختلفة.

    وقد نسخ أولئك الحكماء ناسخين في تصورهم الموثق ذاك ما يتطلبه نجاح الحرفة من شروط مادية ومعنوية إقتصادية وسياسية ووضعوها في الوثيقة كمتطلبات لأحوال الإنتقال بمجتمعات البشر، حيث تناولت الوثيقة مسائل التملك والتمول والتجارة والتعليم والتهذيب والسياسة والحكم والحرب والسلام وغير ذلك من شؤون.


    وكانت هذه الوثيقة، التي جرى تشويهها بواسطة أجهزة أمن الدولة الألمانية منها ثم الروسية، وسميت بالإسم الشهير في التاريخ لحال واضعيها: "برتوكولات حكماء صهيون"، وهم الحكماء الذين يمكن تبين شيء من دقتهم وحصافتهم وبعد نظرهم بالقراءة المتمعنة لتلك الوثيقة، بعد إجراء تغيير قليل في الإصطلاحات والسطور الشريرة التي نشرت بها، الوثيقة وبالنظر إلى بدائية الأدب السياسي حينذاك وفقر ذخيرته وجلافة إصطلاحاته والتحول عن الروح العدوة التي شحنت بها وقراءتها بنور الحاجة إلى الحرية من الطغيان الدموي للإقطاع وحملاته الداخلية لإحراق المتصوفة والمثقفين وحملاته الدموية(البوجروم) لحرق القرى التي يشك الإقطاعيين وسدنتهم في ولائها لله والكنيسة ودولتهما الإقطاعية القاسية، مثلما أحرقت وبذات النسق التكفيري الإرهابي بعد ذلك كثير من المدن والقرى في مختلف أنحاء العالم.


    وجملة الأمر إن الأحوال الطبقية والثقافية أثرت على وضع وتفسير وصك شرعة حقوق الإنسان، وعلى تطبيقها عبر السنين،حيث عاد بالإمكان القول بإن الوضع العام للإعلان العالمي لحقوق الإنسان المقر في 1948 ولعهد الحقوق المدنية والسياسية ولعهد الحقوق الإقتصادية الإجتماعية والثقافية الذين أقرا بدءاً من عام 1966، وبدأت فعالياتهما سنتي 1976 و1978 وتوطدت إجراءات متابعة أحوالهما بدءاً من الثمانينيات وأول التسعينيات هو وضع عام تغير إلى الأسوأ.


    فإن كان تفتح شرع حقوق الإنسان قد شارف صامتاً القمع الرهيب للعمال في أمريكا الجنوبية وتركيا والإضرابات الطويلة للعمال في فرنسا وفي بريطانيا وفي إيطاليا، وللثوار في آيرلاند، وفي إسرائيل وجنوب أفريقيا (إلا قليلاً)، وإن حاضر توهج حقوق الإنسان أخريات التكسير المنظوم للنظم العلمانية في شرق اوربا بتوجهاتها المنشفية في الإشتراكية، والفاصمة بتمركزاتها القومية والمذهبية والدولية الباطنة وسياساتها المضادة للستالينية بين تناسق المصالح الوطنية وتناسق المصالح الطبقية العمالية والإجتماعية، فإن وضع حقوق الإنسان قد تغير إلى الأسوأ بدءاً من حرب الخليج الثانية ضد العراق وحملة حصار وتكسير وقصف وتركيع وتفتيت يوغسلافيا، وشد الحصار على كثير من الدول المارقة على سلطة السوق الدولية.

    فقد أخذت المكانة الأدبية السياسية لـ"حقوق الإنسان" وضعاً مختلفاً في البنود السياسية للمجتمعات والدول في الوقت الحاضر إذ تحولت " من راية مثالية خفاقة وغاية منشودة، كانت قلوبنا الشابة حينها مشددوة إليها بفعل التسلط الديكتاتوري في بلادنا وإنقلب حالها وتحور وضعها الواقعي بوسائل الإقتصاد والسياسة والإعلام والديبلوماسية الإمبريالية التي حولت هذه الراية الإنسانية الخيرة -على علاتها- إلى علم إشارة لإنزال التدخلات العسكرية والإحتلالات الإمبريالية، التي ترتكب في ظلها جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتنهب فيها موارد الدول لتحقيق مصالح معينة في ظل التنافس الإمبريالي بين المعسكرين الأنجلوساكسوني البروتستانتي والمعسكر اللاتيني الجرماني الكاثوليكي إلا قليلاً.

    ويشبه هذا الوضع حالة "قيم المدنية والحضارة" في أواخر القرن التاسع عشر والعقود الأوائل من القرن العشرين حيث حولتها المصالح والنشاطات الرأسمالية إلى مقدمات منطقية للغزو والإستعمار.

    وقد إكتمل تحوير وضع حقوق الإنسان وتحويلها من نسقها الشعبي إلى نسق دولي بالموضعة الوظيفية المحدودة للجنة الدولية لحقوق الإنسان في هيئة الأمم المتحدة، التي كانت تقاريرها الصادقة والحقيقية مناطاً لإشتغال الهيئات المالية والأعلامية الدولية بالتزوير الإعلامي والتزييف والتحريف والتركيز المخل على فقرات منها للضغط السياسي على النظم الضعيفة في هذا المجال لإنتزاع تنازلات كبرى منها عن سيادة شعبها ومجتمعها في المجالات المختلفة.

    حيث تضم الدول المارقة والستضعفة التي تحاول الخروج من هذه الضغوط- إلى منظومة السوق الدولية بموافقتها وبإنتخابات شكلية وإحتفالات عجيبة تعلن فيها إجراءات وخطوات التحول والتجديد والإصلاح وإعادة الهيكلة ، بينما تأخذ قوانين السوق وقواها المنطلقة في نهش وجود الناس وحقوقهم في تلك البلدان المستضعفة، التي عادة ما ينتهي بها التاريخ إلى ضمها إلى الكيان الإمبريالي الأميركي أو الأوربي بشكل ملون بإتفاقات الشراكة الإستراتيجية أو بإتفاقات الحرب ضد الإرهاب، وجنده الملثمين.


    وجملة هذا النص الطويل إن التباعد النوعي والأفقي بين عناصر العلمانية والدولة الحديثة والمجتمع المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان، يزيد ويتفاقم في ظل التنظيم الرأسمالي لموارد ووسائل إنتاج وجهود عيش المجتمعات، بداية بالإستغلال والإستلاب الذي يفرضه رأس المال على المنتجين في حقولـ(ـه) ومصانعـ(ـه) وحرمانه لهم من حرية تملك مقابل عادل لجهودهم. ولا ينتهي هذا التباعد بعمليات المركزة والتهميش التي تنتجها الرأسمالية في كل بلد وقطاع، ولا بالرعاية الديكتاتورية لحقوق الإستثمار الحديث بما في ذلك تفتيت وقمع النقابات وتعطيل للصحف والأحزاب عن العمل، وليس نهاية بمصادرة النذر اليسير لتطبيق حقوق الإنسان بمقتضيات الطواري المحلية والدولية المتمثلة في الحرب ضد الإرهاب.

    وفي هذا الصدد فلا مجال لإزدهار أحوال قيم العلمانية والدمقراطية وحقوق الإنسان إلا بنظام إقتصادي إشتراكي أو شيوعي، ينشر مقاليد الثورة والسلطة للناس، ويؤسس لحرية التدين وحرية عدم التدين، بقوة لا تتوافر في الرأسمالية بالفصم المتفاقم بين الشكل الأرضي للطبيعة والشكل السماوي لها، و..العاقبة للمتقين.



    المنــصـور جعــفـر
                  

العنوان الكاتب Date
A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 10:16 AM
  Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 10:24 AM
    Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 10:25 AM
      Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 10:27 AM
        Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 10:29 AM
          Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 10:36 AM
            Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 10:42 AM
              Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 10:43 AM
                Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 10:52 AM
                  Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 11:15 AM
                    Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 11:18 AM
                      Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 11:22 AM
                        Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 11:25 AM
                          Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 11:28 AM
                            Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 11:31 AM
                              Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 11:49 AM
                                Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 11:51 AM
                                  Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 11:54 AM
                                    Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 12:05 PM
                                      Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 02:03 PM
                                        Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 02:08 PM
                                          Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 02:21 PM
                                            Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-11-09, 02:28 PM
                                              Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-12-09, 06:24 AM
                                                Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-12-09, 06:45 AM
                                                  Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-12-09, 08:39 AM
                                                    Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-12-09, 08:42 AM
                                                      Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-12-09, 08:50 AM
                                                        Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-12-09, 10:08 AM
                                                          Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-12-09, 10:24 AM
                                                            Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-12-09, 10:34 AM
                                                              Re: A B C .. Secularism محمد عبدالقادر سبيل04-12-09, 01:31 PM
                                                                Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-12-09, 01:56 PM
                                                                  Re: A B C .. Secularism معتز تروتسكى04-12-09, 02:21 PM
                                                                  Re: A B C .. Secularism محمد عبدالقادر سبيل04-12-09, 02:42 PM
                                                                    Re: A B C .. Secularism معتز تروتسكى04-12-09, 02:53 PM
                                                                    Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-12-09, 03:05 PM
                                                                      Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-12-09, 03:07 PM
                                                                    Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-12-09, 03:14 PM
                                                                    Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-12-09, 03:21 PM
                                                                    Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-12-09, 03:26 PM
                                                                    Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-12-09, 03:32 PM
                                                                      Re: A B C .. Secularism محمد عبدالقادر سبيل04-13-09, 10:29 AM
                                                                        Re: A B C .. Secularism محمد عبدالقادر سبيل04-13-09, 12:17 PM
                                                                          Re: A B C .. Secularism محمد عبدالقادر سبيل04-14-09, 12:20 PM
                                                                            Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-14-09, 01:07 PM
                                                                              Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-14-09, 01:45 PM
                                                                              Re: A B C .. Secularism محمد عبدالقادر سبيل04-14-09, 02:01 PM
                                                                                Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-14-09, 02:13 PM
                                                                                Re: A B C .. Secularism HAIDER ALZAIN04-14-09, 02:13 PM
                                                                                  Re: A B C .. Secularism محمد عبدالقادر سبيل04-14-09, 02:32 PM
                                                                                    Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-14-09, 02:44 PM
                                                                                      Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-14-09, 02:58 PM
                                                                                        Re: A B C .. Secularism كمال عباس04-14-09, 07:06 PM
                                                                                          Re: A B C .. Secularism Al-Mansour Jaafar04-14-09, 08:05 PM
                                                                                            Re: A B C .. Secularism معتز تروتسكى04-15-09, 06:36 AM
                                                                                              Re: A B C .. Secularism محمد عبدالقادر سبيل04-15-09, 07:50 AM
                                                                                                Re: A B C .. Secularism كمال عباس04-15-09, 02:22 PM
                                                                                                  Re: A B C .. Secularism معتز تروتسكى04-16-09, 05:47 AM
                                                                                                    Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-16-09, 06:25 AM
                                                                                                      Re: A B C .. Secularism محمد عبدالقادر سبيل04-16-09, 10:14 AM
                                                                                                        Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-16-09, 12:34 PM
                                                                                                          Re: A B C .. Secularism محمد عبدالقادر سبيل04-16-09, 02:00 PM
                                                                                                            Re: A B C .. Secularism كمال عباس04-17-09, 09:09 PM
                                                                                                              Re: A B C .. Secularism محمد عبدالقادر سبيل04-18-09, 09:04 AM
                                                                                                                Re: A B C .. Secularism كمال عباس04-18-09, 05:35 PM
      Re: A B C .. Secularism كمال عباس04-18-09, 08:22 PM
        Re: A B C .. Secularism Yassir Tayfour04-19-09, 00:27 AM
          Re: A B C .. Secularism محمد عبدالقادر سبيل04-19-09, 07:35 AM
            Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-19-09, 09:55 AM
              Re: A B C .. Secularism محمد عبدالقادر سبيل04-19-09, 12:35 PM
                Re: A B C .. Secularism كمال عباس04-19-09, 12:53 PM
                  Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-19-09, 02:14 PM
                    Re: A B C .. Secularism HAIDER ALZAIN04-19-09, 02:27 PM
              Re: A B C .. Secularism كمال عباس04-19-09, 03:05 PM
                Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-19-09, 03:19 PM
                  Re: A B C .. Secularism ناصر جامع04-20-09, 01:14 AM
                    Re: A B C .. Secularism كمال عباس04-20-09, 01:43 AM
                      Re: A B C .. Secularism هشام آدم04-20-09, 06:53 AM
                        Re: A B C .. Secularism ناصر جامع04-20-09, 04:25 PM
                          Re: A B C .. Secularism Al-Mansour Jaafar04-20-09, 04:44 PM
                            Re: A B C .. Secularism ناصر جامع04-20-09, 06:50 PM
                              Re: A B C .. Secularism كمال عباس04-20-09, 10:43 PM
                                Re: A B C .. Secularism كمال عباس04-20-09, 10:50 PM
                                  Re: A B C .. Secularism كمال عباس04-20-09, 11:09 PM
                                    Re: A B C .. Secularism محمد عبدالقادر سبيل04-21-09, 11:35 AM
                                      Re: A B C .. Secularism كمال عباس04-21-09, 12:47 PM
                                        Re: A B C .. Secularism محمد عبدالقادر سبيل04-21-09, 02:38 PM
                                          Re: A B C .. Secularism ناصر جامع04-21-09, 11:19 PM
                                          Re: A B C .. Secularism ناصر جامع04-21-09, 11:32 PM
                                            Re: A B C .. Secularism كمال عباس04-22-09, 00:48 AM
                                          Re: A B C .. Secularism كمال عباس04-22-09, 00:55 AM
                                            Re: A B C .. Secularism معتز تروتسكى04-22-09, 08:36 AM
                                            Re: A B C .. Secularism محمد عبدالقادر سبيل04-22-09, 09:19 AM
                                              Re: A B C .. Secularism ناصر جامع04-22-09, 11:37 AM
                                                Re: A B C .. Secularism كمال عباس04-23-09, 01:03 AM
                                                  Re: A B C .. Secularism محمد عبدالقادر سبيل04-23-09, 09:49 AM
                                                    Re: A B C .. Secularism HAIDER ALZAIN04-23-09, 10:10 AM
                                                      Re: A B C .. Secularism محمد عبدالقادر سبيل04-23-09, 10:25 AM
                                                        Re: A B C .. Secularism HAIDER ALZAIN04-23-09, 10:30 AM
                                                          Re: A B C .. Secularism HAIDER ALZAIN04-23-09, 10:47 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de