|
بعض ما يسقط من ملك الموت
|
______________________
في أروقة الحنين إلى ما وراء العشق يلتفت الناجون من الموت إلى أعناقهم الدنيا، تحملهم أجناحتهم الخضر إلى سدرة المبتدى، يسقفون قلوبهم بالتوتياء والقرميد والآجر الأحمر، يغنّون للحبيبة أغنيات الجنس والعريّ موسيقى تتقاطع مع الباراسايكولوجيا الداخلية للأنا الأعلى. يحملون في جيوبهم حبوب قمح منتهية الصلاحية، يدفنونها بين جفنيّ الحبيبة قبل نومها، وقبل رحيلهم إلى هناك. ما تبقى من فتات الموتى، وروائح الموت المتناثرة من جراب ملك الموت، يأخذه الأتقياء والدينيّون ليصنعوا منه صلصالاً لأنبياء قادمين. أنبياء كما يشتهون، ذوي بشرة بيضاء وشعر شديد السواد، ويختلفون في لون قزحية عينيه!
الموتى أكثر ارتياحاً من الطيور التي تنام بحويصلاتٍ منتفخة. ومن تلك التي تنام لا تحمل ضغينة على أختها في الغصن المجاور. والشهداء أطفال اللحظة الخطأ، اللحظة التي أورقت دماءً مقدّسة، دماءً لا تتخثر، ولا تبرد أبداً. الشهداء يأخذهم الشبق المباح إلى حتفهم قبل بقيّة المؤمنين، ويكتبون أسمائهم في السجلات بخط النسخ واضحاً كرؤى الأنبياء، بعضهم لم يذهب لأنه ضاجع زوجته ليلاً ولم يغتسل في الصباح، وبعضهم أخّرته ثرثرات حماته قبيل الرحيل.
الموت .. يا للموت، حين يتقاسم مع البقاء بحبوحة الزمكان والديمومة المؤرقة. يفرش ثيابه للناس سجاجيد حمراء إلى بوابات الجحيم الأرضية، يأخذ على عاتقه جرم بكائهم وفراقهم الأبدي. الموت، يندس فينا كالشيطان، ويلعق خِلسة متعة إحساسنا بالإناسة، واللحظة التي لا تعود. قال الحكيم: "لذا نحفظ للموتى ألف قصة في صندوق ذكرياتنا الخاص." الموتى، يتركون ذكرياتهم بالترتيب في أخيلتنا قبل رحيلهم ببضعة أيام، ثم يبتسمون إلينا قبل رحيلهم ببضع ساعات، ثم يرحلون. قال الحكيم: "لذا فإن آخر صورة نتذكرها لهم، وهم مبتسمون.!"
هذه بعض أوراق سقطت من جراب ملك الموت، مذكرات أحد الموتى الذي كان على وشك إفشاء السر قبل رحيله. كان يسقط حبّة قمح منتهية الصلاحية كل عشر خطوات. يسقط ملك الموت أشياءً غريبة: روائح، وأوراق لم يكتمل احتراقها، دماء مقدّسة وأخرى نجسة، أصوات مكتومة، وأخرى بالغة الوضوح، وثياب ملطخة بالعرق، وقطرات من ماء الرجال، وأخرى من حليب.
|
|
|
|
|
|