كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
Re: بين حجرين - رواية (Re: هشام آدم)
|
________________________
الفصل التاسع :
جيوفاني لاريتو الذي بدا قلقاً، كان يجوب أرجاء البهو مدخناً غليونه الذي لا يكاد يفارقه، مرتدياً روباً أحمراً لامعاً كأحد البارونات المتكلّفين، واضعاً ساعده الأيمن وراء ظهره. بينما جلست أنونوزيتا على كرسي البيانو الذي بلا ظهر وهي تلعب بأصابع البيانو بشكل عشوائية مخفيةً قلقاً أثارته داخلها أنفاس جيوفاني الساخنة التي كان ينفثها مع كل نَفَسٍ يسحبه من الغليون الذي في يده. وفيما تقدّم أحد الخدم بطريقة آلية جادة منحيناً أمام أنونوزيتا حاملاً في يده بحرفية متناهية صينية فضية عليها كأسين من عصير الكركدي المثلّج الذي يحبه جيوفاني، حملت أنونوزيتا الكأس الأخرى من الخادم الذي أشارت له بالانصراف بكل هدوء، فمال برأسه باحترام وانصرف على الفور دون أن ينبس ببنت شفة. تقدّمت أنونوزيتا حيث وقف جيوفاني قبالة المنصة الجبسية التي تقف عليها أنثى النمر الأفريقي المحنطة وهو ينفخ دخان غليونه:
- عزيزي .. لا تقلق! لم تعد أوديت صغيرة .. حتماً ستعود حالاً .. اشرب هذا الكركدي البارد. * أوه عزيزتي ... لا أستطيع أن أكف عن القلق. لقد تأخرت كثيراً هذه الليلة. ألا يكفي أنها سترحل عنّا غداً.
كانت أنونوزيتا تعلم جيداً مقدار حب جيوفاني لأوديت. فلم يكن شيء أبداً يشغله عنها. حتى أعماله وصفقاته كان يعقدها دائماً وهو يضعها على فخذه ويلاعبها. فقط ربتت على كتفه مهدئة إياه عندما تنهد بقوة وهو يميل بجسده نحو الجهة الأخرى من المنصة الجبسية:
- ألم يكن من الأفضل أن تكمل دراستها الجامعية هنا؟ لم أكن لأحتمل أن تسافر إلى إيطاليا حيث أصرت جدتها على ذلك. * عزيزتي .. أعرف أن قرارنا كان صائباً. ولكنها ما تزال صغيرة على العيش بمفردها في الخرطوم. أفكر أن نرحل جميعنا إلى هناك. - وتجارتك هنا يا عزيزي؟
كان ذلك ما يجعل جيوفاني شارد الذهن دائماً. فتجارته المرتبطة بميناء بورتسودان هو الشيء الوحيد الذي لا يمكنه الاستغناء عنه، إضافة إلى علاقاته الواسعة بمسئولي الميناء وأصحاب السفن التجارية الذين يسهلون له عمليات نقل تحفه الأثرية وبضائعه بكلفة أقل، كما كانوا يسهلون له إدخال بضائعه المستوردة برسوم جمركية مخفضة جداً لا تكاد تذكر. جيوفاني الذي لم يستطع طيلة هذه السنوات أن يبرح بورتسودان حتى للعودة إلى موطنه، وجد صعوبة بالغة في إيجاد طريقة لنقل أعماله إلى الخرطوم حيث تنوي أوديت مواصلة دراستها الجامعية في جامعة الخرطوم بعد أن تم قبولها في كلية الآداب، الكلية التي طالما رغبت أن تدرس بها. مخالفةً بذلك رغبة جيوفاني الذي كان يتمنى أن تتخصص ابنته في إدارة الأعمال إلا أنها لم تكن تعشق هذا المجال على الإطلاق، وكانت ترى أن عالم المال والأعمال هو عالم ذكوري مقيت. ورغم شدّة جيوفاني المعهودة في العمل التجاري والتي جعلته يستحق لقب شارك "القرش" بين تجار الميناء بجدارة، إلا أنه كان كمحار منزوع الصدفة في تعامله مع أسرته الصغيرة المكونة من زوجته أنونوزيتا التي ما تزال تحمل ذات الملامح الأنثوية الجاذبة منذ أن رآها في قداس الأحد في إحدى الكنائس الإيطالية ، وابنته أوديت الفاتنة كوالدتها والتي أخذت عن والدها حب التحف الأثرية.
كانت أنونوزيتا تشعر ببعض الذنب كلما رأت زوجها دائم القلق على وحيدته. وأحست بأنها لو استطاعت إنجاب أخٍ أو أخت لأوديت لما كان جيوفاني قلقاً عليها إلى هذا الحد. ولكنها تذكرت كلمات الطبيب المصري في مستشفى القصر العيني بعد أن يأست من الاستشفاء في مركز عبري الطبي الفقير:
- سيدتي .. للأسف فالتقارير التي تحملينها صحيحة. لا يمكنك الإنجاب فنزيف الرحم الذي عانيتِ منه عقب ولادتكِ الأخيرة أدى إلى ضموره تماماً. * أليس ثمة من أمل يا دكتور؟ - نسبة الأمل ضعيفة جداً سيدتي .. وإن حدث حمل فسيكون ذلك بمثابة معجزة، وقد تنطلي على مخاطر لا يمكنني أن أخمنها على وجه التحديد.
ودون أن تشعر سقطت منها دمعة بلورية تأرجحت من عينيها وسالت على خدها برفق. ولم تتمكن من إخفاءها قبل أن ينتبه جيوفاني الذي تذكر ما تُحدثه هذه الذكرى من ألم لأنونوزيتا. ورغم أنه حاول مراراً أن يشرح لها أن لا علاقة بين قلقه على أوديت وبين افتقاده لطفلٍ آخر منها، إلا أنه كان كمن يزرع الأرز في صخرة ملساء. عندها التفت إليها بحنوٍ وقبّلها بين عينيها "عزيزتي .. ألا تكفين عن التفكير في هذا .. تعلمين أنني لا أحتمل أن أراكِ تبكين" كانت تعرف جيداً مدى الصعوبة التي يلاقيها جيوفاني في محاولاته الجادة لإخراجها من هذا الأمر ، إلا أنها لم تكن قادرة على كبح عواطفها الأنثوية. شعرت أنونوزيتا بامتنان عظيم لهذا الرجل الواقف أمامها ، وتذكرت تلك اللحظات التي رأته فيها لأول مرة، وفكّرت أنها لو كانت رفضته لربما عاشت نادمة ما تبقى من حياتها ، فمالت عليه ووضعت رأسها على صدره "آسفة عزيزي .. حدث رغماً عني!"
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 05:31 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 05:35 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 05:42 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 05:55 PM |
Re: بين حجرين - رواية | Mohammed Elhaj | 06-26-07, 05:57 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 06:02 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 06:05 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 06:09 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 06:17 PM |
Re: بين حجرين - رواية | محمَّد زين الشفيع أحمد | 06-27-07, 05:15 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 07:10 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 08:49 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 09:35 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 09:44 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 10:08 AM |
Re: بين حجرين - رواية | محمد على النقرو | 06-27-07, 10:10 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 10:40 AM |
Re: بين حجرين - رواية | محمَّد زين الشفيع أحمد | 06-27-07, 10:43 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:01 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:14 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:21 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:23 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:27 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:29 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 06:24 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 06:44 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 06:48 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 06:56 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 08:11 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 08:33 AM |
Re: بين حجرين - رواية | محمَّد زين الشفيع أحمد | 06-28-07, 09:21 AM |
Re: بين حجرين - رواية | محمد جميل أحمد | 06-28-07, 10:15 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 11:43 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 11:27 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 11:47 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 12:07 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 08:05 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 08:50 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 09:08 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 09:19 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 10:49 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 11:47 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 12:48 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 01:04 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 03:07 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 03:11 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 03:31 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 03:39 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 07:19 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 07:25 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 07:28 PM |
|
|
|