كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
الموت ..... فنتازيا
|
مشاهد الدليل السياحي لرحلة العمر
( على مشاهد )
المشهد الأول: (صالة المغادرة) في القطار الأبيض الذي يُقلك الآن، أنتَ مُستلقٍ عليه في انتظار الرحلة القادمة. هذا القطار لا يُغادر المكان، ولكنه قطار مرحلي. ترقد الآن توخزك مرارة الرحيل، ومرارة الانتظار. ثمانية أعين، وأربعة وجوه كلّها تتقاطع في نقطة ما في الفراغ الحزائني المهيب. هستيريا صامتة. وتبدو صورة المكان أكثر تجريدية عندما تختزله في مكانٍ واحد، وبُعدٍ واحد فقط؛ هو أنت! ظِل البكاء هو الشيء الوحيد الذي يتحرك. وأنفاسٌ خافتةٌ تخرج ساخنةً لتخالط برودة الخوف. أنت الآن ترى كل شيءٍ بوضوح تام (فبصرك اليوم حديد) هذا الوضوح الذي بلا رتوش لأنّ ذاتيتك، وانحيازك لم تعبثا في رسم لوحتها. الألوان تأخذ حجمها الطبيعي، الطاولة هناك، الستائر، خِزانة الملابس، المجلات الشهرية، ومعطف المواسم الماطرة، نظارة القراءة، علبة السجائر. تقرأ كل هذا وأنت تودّعه في صمتٍ رزين.
الساعة الآن تمام الاستعداد. وها أنت تحاول إلقاء النظرة الأخيرة على العيون الست التي تنظر إليك. لا تعرف الآن معنى هذه النظرات، هل هي نظرات توديعٍ أم نظرات حزن أم هي نظراتٌ تتوسل إليك بأن تبقى. أنت نفسك ترغب في البقاء، ولكنه رحيلٌ قسري. تفتح السماء أبوابها لينزل الزائرون ذوو الأجنة الخضراء في موكب (صامتٍ) وقور، لا يعرفون معنى الالتفات. ملامحهم لزجة تحملُ معنى الحيادية. يخرجون - أو ينزلون - من الأبواب الفوقية، لكنّهم يدخلون من كل مكان. ينقشع عنك الحجاب فتراهم للوهلة الأولى. لا تعرفهم، ولكنّك ستغادر معهم؛ لذا يجب عليك أن تعتاد عليهم، وعلى وجوههم المُجرّدة. كأنّك لا ترى غيرهم، يغمرون المكان حيزاً إضافياً ويجلسون حتى دون أن يلقون التحية، تعدّهم، تجد أنهم ينقصون شخصاً، يبدو أنهم في انتظاره الآن.
ورغم أنهم قادمون من أجلك أنت، إلاّ أنهم لا ينظرون إليك كتلك العيون الست. لا نظرات، لا مساحات حوارية، لا شيء! في الحقيقة أنت منفصل عن من هم حولك من الناس الأرضيين بطريقة ما، ربما لا تراهم ولا تسمع بكائهم الذي يتعالى كلّما رأوا في عينيك ذلك التوجّس. هناك هالة من الأثير تُغطي المكان، وكأنّك ترى الأشياء من خلف زجاجٍ مكسور. وفجأة يقوم الزائرون السماويون بحركة ميكانيكية منسّقة، ويدخل (الدليل). إيّاك أن تنظر إليه. إنه أكثر هيبة ووقاراً من البقية، يحمل في يده عصا معقوفة، ولكنها ليست عصا خشبية، إنها من عنصر آخر – أغلب الظن أنه ليس عنصراً أرضياً – يحملها بشكل أفقي، يأرجحها فوق رأسك، لها رائحة الموت، وطعم الموتى! هنا الأمر أصبح أكثر جديّة من ذي قبل. تراك العيون الست وأنت شاخص البصر، فيزيدون جُرعة النواح، تخرج الزوجة خارج (صالة الانتظار)، هي لا تُريد أن تراك تغادر دون أن تُقبّلها (قبلة الوداع) ويمسك الأطفال ثوبك بشدّة، لكنّك لا تشعر بشيء، عيناك تتحركان مع العصا أنّى اتجهت. وأطرافك باردة، تثور على إرادتك وتلتف الساق بالساق، ويُطلق (القطار) صافرة الرحيل.
هو الوداع الذي تخافه ولكنك تنتظره. تُرى هل أنت خائف أم حزين؟ ينظر إليك (الدليل) بوجه خالٍ من التعابير، خالٍ من الوصف: "سأكون دليلك في هذه الرحلة، حين تخرج من هذا الصندوق اللحمي، كُلّ ما عليك فعله هو أن تمتطي صهوة هذا (الهودج)". لا تخف أيها الراحل، كل ما عليك فعله هو أن تثق بهؤلاء الغرباء وأن تُغمض عينيك. أنت لا تعرف كيف ستخرج من هذا التابوت اللحمي، ولكنهم سيخرجونك، حتّى لا تُحاول أن تُساعدهم. ولا تخف من هذه الأجنحة الخضراء، فإنهم لا يستخدمونها في الطيران. فقط امتط الهودج وحسب.
نواصل.........
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الموت ..... فنتازيا | هشام آدم | 01-22-06, 02:23 PM |
Re: الموت ..... فنتازيا | هشام آدم | 01-24-06, 12:44 PM |
Re: الموت ..... فنتازيا | هشام آدم | 01-31-06, 02:14 PM |
Re: الموت ..... فنتازيا | محمد خالد ابونورة | 01-31-06, 02:34 PM |
Re: الموت ..... فنتازيا | هشام آدم | 01-31-06, 02:46 PM |
Re: الموت ..... فنتازيا | showgi idriss | 01-31-06, 02:47 PM |
Re: الموت ..... فنتازيا | هشام آدم | 01-31-06, 03:03 PM |
Re: الموت ..... فنتازيا | معتز تروتسكى | 04-04-06, 09:21 AM |
Re: الموت ..... فنتازيا | محمد عبد المنعم عمر | 04-04-06, 09:27 AM |
Re: الموت ..... فنتازيا | alsara | 04-04-06, 09:02 PM |
Re: الموت ..... فنتازيا | Adil Al Badawi | 04-05-06, 00:38 AM |
Re: الموت ..... فنتازيا | هشام آدم | 04-11-06, 03:30 PM |
Re: الموت ..... فنتازيا | هشام آدم | 04-14-06, 01:33 PM |
Re: الموت ..... فنتازيا | هشام آدم | 04-14-06, 01:36 PM |
Re: الموت ..... فنتازيا | هشام آدم | 04-14-06, 01:40 PM |
Re: الموت ..... فنتازيا | هشام آدم | 04-15-06, 01:16 PM |
Re: الموت ..... فنتازيا | هشام آدم | 04-15-06, 02:43 PM |
Re: الموت ..... فنتازيا | نجوان | 04-16-06, 02:09 AM |
Re: الموت ..... فنتازيا | هشام آدم | 04-16-06, 09:37 AM |
|
|
|