|
Re: بورتفوليو (2) (Re: هشام آدم)
|
- الورقة الثانية من البورتفوليو -
في مرحلة ما من هذه الرخوية كنت لا أحاول كثيراً أن أفكر في (من أنا؟) فهذا سؤال فلسفي لطلاب المراحل المتقدمة. وجدتني في ذلك الوقت أشبه كل الناس. كنت وأنا أتابع حركة الأيدي الثلاث التي تتحرك بتثاقل لمروحة السقف المعلقة أفكر ، لماذا أضحك مثل ( فلان ) ولماذا أمشي في بعض المرات مشية ( فلان ) ؟ ترى هل هناك شخص ما يقلدني فأفسر ما أنا فيه على أنه حالة عامة؟ وتعبت من هذا التساؤل الذي كان في الحقيقة مدخلاً لمعرفة نفسي ، لكني لم أكن أملك – وقتها – الأدوات المناسبة لاستغلال هكذا سؤال لفهم من أكون. وفي كل مرة كنت أقفل صفحتي بلا مبالاة وأقول (عندما أكبر سأعرف الإجابة).
(البنات) هذه الكلمة كانت تعني لي في مرحلة عمرية محددة ، أخوتي فقط. وفيما بعد أصبح هذا الاسم كالشارع مخيفاً دون إبداء الأسباب. ولا أنسى أن محيطي لم يكن يحتوي على شبهة (أنثى) حتى!! إلى أن رأيتها ذات مرة في منزلنا قادمة مع أهلها. فتاة كل ما أعرفه عنها أنها فتاة بيضاء. (بيضاء) هي الدلالة الجمالية الوحيدة التي أعرفها عن (الأنثى). إنسانة مرحة تحاول – عند خروجها من سجن أبيها – أن تنفس عن نفسها ، تماماً كما كنت أحاول أن أنفس عن نفسي باعتكافي في المسجد. ولكلٍ منا أسلوبه في التنفيس.
وربما لأنني كنت غِـراً بعد ، فلم أعرف إلا أن هذه الفتاة هي الأنثى الوحيدة التي أعرفها عدا أخواتي الأربع. لذا أحببتها !!! نعم بهذه السذاجة ، وبهذه المعطيات البسيطة بل البدائية. (فهل كان هذا ذنبي؟).
الآن .. كلما أتذكر ذلك ، أضحك على نفسي. ولكنني وقتها كنت أعشقها فعلاً .. أو هكذا كان يخيّل إلي. وكان ذلك هو المنعطف الثاني في حياتي. أو فلنقل ثاني محاولة لاكتشافي. وربما لذات السبب الساذج فقد بادلتني الحب على طريقتها الخاصة والمراهقة. يبدو أننا كنا نلعب أو نهذي. على كل حال فقد كانت تجربة حقيقية أعتبرها. بل كان عميقاً آنذاك. وعندما سافرت إلى السودان ... ووجدت أن هنالك إسطبل به عدد مهول من (الأولاد) ومساحة واسعة من الخيارات استسخفتني .. أو فلنقل أنها أعادت النظر في الموضوع. فقررت ألا تحرم نفسها متعة الاكتشاف. ففعلت. فكانت أول صدمة عاطفية من نوعها أتلقاها لحب دام أكثر من أربع سنوات (تقريباً) ولكنني عذرتها عندما ذهبت لذاك الإسطبل!!!
قبل سفري بأيام ... كنت لا أنام. كنت أشعر بشعور غريب. أكاد أجزم أنه ذات الشعور الذي تشعر به الفراشة وهي في طريقها للخروج من شرنقتها الضيقة إلى عالم فسيح ومساحات للتحليق الحر. وجدت نفسي الآن أذكر (الحرية) دون قصد. بيد أن هذه الرحلة كانت في حقيقتها رحلة للبحث عن الحرية. ولماذا أسميه بحث ؟ أنا لا أعرف الحرية أساساً كي أبحث عنه. فالبحث يكون عن شيء تعرفه أو يكون في حوزتك وتفقده. إذاً فهي كانت رحلة للتعرف على الحرية. أريد أن أرى هذه الحرية التي سمعت عنها كثيراً في قصائد الشعراء الأكاديميين ، وفي أغاني بعض الفنانين الذين كنت أسمعهم يغنون لها في أشرطة يضعها أحدهم في سيارته. وفي هتافات الشباب المتظاهرين في الشوارع والتي كنا نراها في نشرة الأخبار.
وما زلت أذكر كلام أستاذنا في المدرسة حرفياً: "الحرية سلاح ذو حدين" كنت أصنف الحرية ضمن قائمة طويلة من الأشياء المحرمة. والقائمة تحتوي على:
البنات الخمر الشيوعية العلمانية شرب السجائر العادة السرية الحرية الدراسة في بلاد الكفار الديمقراطية حرية المرأة سب الدين
وتقابل هذه القائمة قائمة أخرى مناقضة لها تماماً .. هي خلاصة ما تم تلقينه لنا أكاديمياً إضافة إلى تاريخ المملكة والعهد السعودي الأول والثاني والثالث ودور الأتراك في الحجاز والدولة السعودية. كنا نحفظ تاريخ الدولة السعودية أكثر من تواريخ ميلادنا . ونحفظ أسماء أبناء الملك عبد العزيز - البالغ عددهم تسعاً وتسعين اسماً (بأسماء الله الحسنى) – أكثر من حفظنا لأنسابنا.
<<<<
|
|
|
|
|
|
|
|
|