على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 08:17 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عصام جبر الله(esam gabralla)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-07-2008, 00:30 AM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
نَهِمون، منقِذون أم مخدوعون؟ "صناديق سياديّة" للسهر على صحّة الشركات متعدّدة الجنسيات (Re: esam gabralla)

    ابراهيم ورده
    نَهِمون، منقِذون أم مخدوعون؟

    "صناديق سياديّة" للسهر على صحّة الشركات متعدّدة الجنسيات


    تناقضٌ غريبٌ في عصر الخصخصة: هو الصناديق الاستثمارية المملوكة من قبل الحكومات والمصارف المركزية، والملقبة بشكلٍ جميل بـ"الصناديق السيادية"، التي عَمِلَت على الدخول بقوّة في رأسمال الشركات متعددة الجنسيات، وخصوصاً المالية منها. هذه الأخيرة، تعيش شغوفة بهذه الصناديق، خصوصاً مع أزمة قروض الرهن العقاري، التي وُلِدَت في الولايات المتحدة، والتي أثّرت على ميزانيّتها وأموالهم الخاصّة، وجعلتها شديدة العطش للسيولة. "إنّهم لايحبوننا ولكنّهم يريدون نقودنا"، بهذه العبارة اختصرت وزيرة المالية النروجية الأمر، وهي الآتية من بلدٍ تنشط صناديقه السيادية، كما بالنسبة لدول الخليج، بشكلٍ مضاعف مع ارتفاع أسعار النفط الخام الذي يزيد من موجوداتها. وقد دفعت الصين، القلقة خاصّةً على استثماراتها بالدولار الأمريكي، صندوقها السيادي (State Administration of Foreign Exchange, SAFE) الذي يدير احتياطات مصرفها المركزي، إلى شراء أسهمٍ في شركات توتال النفطيّة الفرنسية وشركة بريتيش بيتروليوم البريطانية: وقد دفع هذا الصندوق 1,8 مليار يورو للحصول على 1,6 بالمئة من توتال، و1,24 مليار يورو مقابل 1 إلى 2 بالمئة من رأسمال BP. تواجدٌ مازال هامشياً، ولكن يمكن له أن يتطور...


    يتساءل جيم كرامر، المحلّل النجم في محطة "CNBC" المالية التي توزّع بالكابل: "هل يجب القبول بأن يصبح الشيوعيون أو الإرهابيون هم مالكي المصارف؟". ليجيب هذا المعلِّق بصوتٍ هادر: "ما همّ من سيقوم بالعمل، ذاك أنّنا مصابون بالإحباط" [1]. هكذا لقد أثار الدخول شبه المفاجئ لبعض "الصناديق السيادية" - وهي صناديق حكومية، قادمة دائماً تقريباً من دولٍ تسمّى صاعدة - في رأسمال المؤّسسات المالية المتعثّرة ردّات فعلٍ متنوّعة. وإذا كانت المصارف لم تكفّ عن التغنّي بالمنافع التي يؤمنها المستثمرون "السخاة والحياديّون والصبورون" [2] من آسيا والشرق الأوسط، فإنّ ردّة فعل وسائل الاعلام والأوساط السياسية قد ترافقت مع شعورٍ بالتسليم المصبوغ بالقلق.

    فقد أزالت الحاجة إلى السيولة الكثير من التحفّظات. إذ وحدها الصناديق السيادية - التي كانت تستثمر وتعمل حتى ذلك الوقت بشكلٍ شديد السريّة وغير مرئي- كانت مستعدّة لضخّ الأموال في عمالقة المال التي كانت شبه مُفلِسة. ففي 27 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2007، أعلن "جهاز أبو ظبي للاستثمار" (ADIA) التابع للإمارات العربية المتحدة [3]، عن شرائه حصّة 4,9 في المئة من مجموعة "سيتيغروب"، المصرف الأوّل عالمياً، مقابل 7,5 مليار دولار (5 مليارات يورو). وبعد أسبوعين ضخّ صندوق "GIC"(Government Investment Corporation) من سنغافورة [4]] مبلغ 10 مليار دولار في "مجموعة المصارف السويسريّة" (UBS)، المصرف العاشر دولياً. وفي 19 كانون الأوّل/ ديسمبر كان دور صندوق الصيني السياديّ (China Investment Corporation) في شراء 9,9 في المئة من رأسمال مصرف الأعمال الكبير "مورغان ستانلي" (Morgan Stanley) مقابل 10 مليارات دولار.

    هكذا تتزامن تكراراً الإعلانات عن خساراتٍ غير متوقّعة وعن تمويلات غير مسبوقة بواسطة صناديق سياديّة. فأحياناً ونجد أن المؤسّسات نفسها التي اعتقدنا أنّها أُنقِذَت من الكارثة تضطرّ مجدّداً إلى استجداء الصناديق. فقد رأينا في 24 كانون الأول/ديسمبر، كيف أعلن مصرف "ميريل لنش" (Merril Lynch)، الرقم واحد عالمياً في أعمال السمسرة، أنّه حصل على 4,4 مليار دولار من صندوق "تيماسيك Temasek" التابع لسنغافورة [5]]، بحيث بدا أنّ مشاكله لإيجاد سيولة قد حُلّت. ومع ذلك، وفي 15 كانون الثاني/ينار عام 2008، وإذ بصناديق سياديّة أخرى، ومنها صندوقا الكويت وكوريا الجنوبية، توظّف فيه 6,6 مليار دولار. وفي اليوم نفسه كان مصرف "سيتي غروب" يُعلن أنّه يزيد رأسماله بمقدار 12,5 مليار دولار، مع دخول صندوق "GIC" لسنغافورة وصندوق "الهيئة العامّة للاستثمار الكويتيّة" [6]، كشريكين. وفي الإجمال، وفي غضون أسبوعين، تمّ توظيف ما يزيد عن 60 مليار دولار من قبل الصناديق السياديّة في القطاع المالي الغربي [7].

    إنّه العالم بالمقلوب. ففي زمن العولمة و"انتصار الأسواق"، تُسارِع هذه الصناديق إلى نجدة أكبر المؤسّسات المالية الغربيّة. لكن العام 2007 كان قد بدأ في ظلّ أفضل التكهّنات: فقد ظهرت المصارف في حينه في صحّةٍ جيدة، وبدأ العديد من المساهمين فيها - مثل "الصناديق المضاربة" hedge funds أو "صناديق الأسهم الخاصّة" private equity، والتي قامت استراتيجياتها على الاستدانة السهلة - يستعدّ لتحقيق أرقامٍ قياسيّة جديدة. لكن هذه السنة انتهت بإعصار. ففي الربيع شهد القطاع المسمّى "subprimes" (قروض الرهون العقاريّة ذات المخاطر العالية) صعوباته الأولى، بدون أن يثير ذلك مخاوف كبيرة.

    جرى حينها الحديث عن هبوطٍ برفق، وحتّى عن حركة "تصحيحٍ" ضروريّة وإنقاذيّة في الأسواق العقارية. إذ لم تكن الأزمة قد طالت عندها إلاّ بعض المؤسسات المتخصّصة، وبدا التأثير على أعمال المصارف الكبرى غير ذي أهمّية. لكنّه طوال الصيف تكاثرت المؤشّرات المقلقة: ففي حين كانت الأوساط المالية تعتقد أنّها ضبطت الخطر، فإذا بها تكتشِف أن النماذج البالغة التعقيد كانت في الواقع من النوع الكيفيّ. هكذا لم تعُد بعض المنتوجات المالية المشتقّة تجد من يشتريها، ومع أنّها كانت تحظى بتقويمٍ جيّد من مؤسسات التصنيف الماليّة؛ وحتى المصارف الأكثر تميّزاً لم تعد قادرةً على تقييم قسمٍ كبير من موجوداتها [8].

    من جهة أخرى أطلقت قواعد قطّاع المال المنفلتة دون قيود صيرورةً لا يمكن توقّع إنعكاساتها. ففي الواقع، أن المعايير الجديدة للمحاسبة [9]، المفترض بها أن تؤمّن استقرار الأنظمة المالية وشفافيتها، قد زادت من تطاير أسعار الأسواق وغموضها، مولّدةً بالتالي أزمة سيولة، مرفقة بأزمة ثقة.

    وقد بات واضحاً أن "المنتجات المشتقّة" derivatves التي سمحت على مرّ السنين بتكديس أرباحٍ قياسية، راحت تتحوّل إلى "أسلحة دمارٍ شامل" [10]، في استعادة لعبارة المستثمر وصاحب الثروة الأولى في العالم "وارين بافيت". وقد تأكّد أنّ هناك "خطراً منظوميّ" systemic risk، وأُثير الحديث بقوّة عن إمكانية حدوث أزمةٍ شبيهةٍ بأزمة ثلاثينات القرن الماضي.

    وهذا ما يجعلنا نفهم لماذا، وفي سياق صدمةٍ عامّة، عمدت المصارف المركزية وإدارات الرقابة والحكومات إلى التخلّي عن مبادئها، وعن قواعد عملها وعن إيديولوجيّاتها. ففي 17 شباط/فبراير، أعلن وزير المال البريطاني عن تأميم مصرف "نورثرن روك" (Northern Rock). وفي 16 آذار/مارس، نظّمت الاحتياطي الأميركي عملية إنقاذٍ لمصرف "بير شتيرن" (Bear Sterns)، صاحب المرتبة الخامسة بين مصارف الأعمال الأميركّية، وذلك عبر منحه مصرف "جي.بي.مورغن تشايس" (JP Morgan Chase)، الأموال اللازمة ليشتري هذه المؤسّسة. ورغم الاحتياطي الأميركي بدور خفض معدّلات الفوائد ما بين العامين 2001-2006 في نفخ الفقاعة العقارية، تخلّى المصرف المركزي الأمريكيّ عن هدفه الرامي إلى مكافحة التضخّم، وقرّر أن يخفّض بقوّة معدّلات الفائدة.

    أما الكونغرس فإنّه قدّم دعماً غير محدودٍ لسياسة إعادة إطلاق نموّ كينزية بالكامل؛ فيما الحكومة، ومع أنّها تسلّم "بحلول السوق"، فقد ضاعفت من تدخّلاتها الآنيّة من أجل التخفيف عن المؤسّسات والمَدينين الأكثر عرضةً للانهيار في قطاع العقارات. وإزاء شبح الانكماش ومخاطر انهيار النظام المالي، كان يجب التحرّك بسرعة، حتى ولو أضطرّ الأمر دعوة "الصناديق السيادية" إلى داخل "الحصن المالي".

    فقبل أزمة "الرهون المخاطرة العقاريّة"، لم يكن معظم هذه الصناديق مرحّباً بها. إذ أنّ نظام "المال المسوّر" قد بني على أسسٍ تقوم بإقصائها عمليّاً: فعلى غرار تلك المدن التي يُفترض حماية المحظيين فيها من محيطهم الفوضوي، كان النادي المُغلق لعالم المال الرفيع يتمتّع بحريّةٍ كبيرة تلامس التنظيم الذاتيّ فعليّاً. لكن كان ذلك، مقابل تنبّه وحذر شديدين تجاه العالم الخارجي [11].

    وبالرغم من الكلام الكثير عن حريّة الاستثمارات، لم يبدُ بالإمكان التخلّي عن بعض المؤسسات الأساسيّة إلى أيّ كان. ففي العام 2005 مثلاً، لم يتيسّر إنجاز عملية شراء المجموعة الصينية "سنوك" (China National Offshore Oil Corporation, CNOOC) لشركة النفط الأمريكيّة "يونوكال Unocal". وفي السنة التالية، أثارت إمكانية أن تسيطر شركة "مرافيء دبي العالميّة" (Dubai Ports World) على محطّات الشحن والتفريغ في ستّة مرافئ أميركية موجة استنكارٍ كبيرة.

    ولكنّ "الصناديق السياديّة" قد قبلت على نفسها، خلال عمليات التملّك المالي الأخيرة، بعض الالتزامات: لا تمثيل لها داخل مجالس الادارة؛ لا يجوز أن تتجاوز حصص تملّكها بعض العتبات، 10 في المئة مثلاً؛ وإذا تمّ تجاوزها يحقّ للإدارة (الأمريكيّة التدخّل. وتلخّص السيدة كريستين هالفورسن، وزيرة المال النروجية، التي يتربّع صندوقها السيادي، الذي يقدّر رأسماله بـ322 مليار دولار، في المرتبة الثانية عالميّاً وراء صندوق أبو ظبي، بأفضل ما يكون الازدواجية التي يُجابَه بها هذا النوع من الصناديق: "هم لا يحبّوننا، لكنّهم يريدون أموالنا" [12].

    هنا يمكن أن نفهم أكثر هذا الانقلاب المفاجئ في مواقف القادة الغربيين. ففي 10 أيلول/سبتمبر عام 2007، وإثر اجتماعٍ مع المستشارة الألمانية أنجيلا مركل، تمنّى السيد نيكولا ساركوزي إيلاء "اهتمامٍ خاص" إلى المجالات التي تبدو فيها المنافسة "مزيّفة بسبب الصناديق السيادية". وفي 8 كانون الثاني/يناير عام 2008، بدا الرئيس الفرنسي أكثر تشدّداً: "إزاء تزايد قوّة صناديق المضاربة بالغة العدائية والصناديق السيادية، التي لا تخضع لأيّ منطقٍ اقتصاديّ، ليس من المعقول أبداً أن تبقى فرنسا مكتوفة اليدين".

    لكنّه بعد أقلّ من أسبوع، وأثناء رحلته إلى السعودية، عدّل السيد ساركوزي كلامه: "ستبقى فرنسا دائماً منفتِحة على الصناديق السيادية التي لا لبس في نواياها، والتي تتّصف إدارتها بالشفافية والتي تعتمِد دولها الانفتاح نفسه تجاه الرساميل الأجنبية".

    هذا التناقض يُصار إلى حلّه من خلال اعتماد ميثاق شرف. ولقد عمدت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE)، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي (FMI) العمل على إعداد مثل هذا الميثاق. وقد بادر جهاز أبو ظبي للاستثمار الصندوق السيادي الأهمّ في العالم، عبر نشر ميثاق الشرف الخاصّ به. وهو يعتمد على مبدئين إثنين يمكن لهما أن يطمئنان في هذا المجال: الأوّل يقوم على "الشفافية" (يُعلن الصندوق أرقام المبالغ المستثمرة، وجهات استثمارها وأهدافها)؛ ويقوم المبدأ الثاني على "المسؤولية". هذا في حين تمّ وضع بالشفافية على جدول أعمال القطّاع المالي العالمي منذ عقدين من الزمن على الأقل، ونرى الآن إلى أين وصل. أما مبدأ المسؤولية، فيمكن الاجتهاد في تفسيره بطرقٍ متناقضة تماماً. وكما سنراه لاحقاً، أن تكون مساهماً مسؤولاً، كان يراد بها في أغلب الأحوال (فيما يخصّ نوعاً معيناً من المساهمين)، معنى ألاّ تتدخّل في الإدارة. في حين أن المثال الحديث للحوكمة في المؤسّسات يقول الشيء المعاكس تقريباً: المساهم المسؤول هو الذي يضغط على الإدارة من أجل أن تعطي أقصى ما يمكن من "القيمة" [13].

    قوة ضاربة تقدّر بـ 3000 مليار دولار
    لكن، من هي إذن هذه الصناديق السيادية التي تقدّر قوّتها المالية الضاربة اليوم بما يقارب ثلاثة ألاف مليار دولار [14] (وهو مبلغٌ يفوق الناتج المحلّي الإجمالي الفرنسي)، وما الذي تسعى إليه؟ هل هي صناديق نهب، أم إنقاذ أم أموال مخدوعين؟ هذه الصناديق، وبمعزلٍ عن كون مداخيلها ملك للدول، والتي يصحّ أن نضيف إليها عدداً من الشركات العامة أو شبه العامة، هي ذات خصائصٍ وطموحاتٍ وأنماط عملٍ مختلفة. فإذا كانت تثير القلق، فذاك لأنّها تحمل في ذاتها إمكانيّة الخليط بين الأنواع: مثل توظيف مساهماتها المالية لأهدافٍ سياسيّة واستراتيجية، أو إمكانية الانتقال من وضع المستثمر "النائم" إلى وضع صاحب القرار، وهو ما قد يكون له انعكاساته.

    وهذه الصناديق، حتى وإن لم تحتلّ أخبارها الصفحات الأولى من الصحف إلاّ في الأشهر الأخيرة، فإنّها قد تواجدت منذ أكثر من خمسين سنة. ففي العام 1953، انشأت الكويت صندوق "احتياطي الأجيال القادمة"، وهو الصندوق الأوّل في ما لم يكن يسمّى بعد صندوقاً سيادياً. وكان هذا الصندوق، الذي سمّي فيما بعد "الهيئة العامّة للاستثمار -الكويت" ( كيا KIA) قد استثمر، على مرّ السنين، في شركاتٍ غربية ضخمة من بينها الشركة الألمانية "ديملر-بنز" DAIMLER-BENZ (في العام 1969) والبريطانية "بريتيش بتروليوم" BP (في العام 1984). وبحسب ما يروي مدراؤه، فإنّ "كيا" قد تصرّف على الدوام كمساهمٍ "مسؤول"، همّه قبل كلّ شيء أن يراكم الأرباح من دون التدخّل في الاستراتيجيات [15]. وفي العام 1990، وعند اجتياح العراق للكويت، أفلت صندوق "كيا" في اللحظة الأخيرة من سيطرة نظام صدّام حسين. وقد تطلّب الأمر انتظار الفورة المؤخّرة في أسعار النفط لكي يصبح هذا الصندوق، الذي شابه الكثير من الاختلاسات والتوظيفات السيئة، من جديد لاعباً مهمّاً في الاقتصاد العالمي.

    وعلى هذا النموذج نفسه من "صندوقٍ للأجيال القادمة"، تشكّلت الصناديق السيادية الأخرى في الدول المصدّرة للنفط ولسائر الموادّ الأولية: أبو ظبي، قطر، عمان، دبي...وغيرها من الصناديق هي لبعض الدول الآسيوية الصاعدة التي حقّقت فائضاً تجارياً ضخماً تسعى إلى تثميره: مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا وتايوان.

    وتشكّل الصين وحدها حالة خاصّة، وذلك لاعتبارات سياسيّة واقتصادية في آنٍ معاً. فقد بدأ نظام بكين، المتسلّح باحتياطاته النقدية الهائلة (حوإلى 1500 مليار دولار)، وفي اكثر من مرّة، يلوّح "بالسلاح النووي المالي" الذي تشكّله احتياطاته [16]. وفي ظل الخلاف الشديد الذي تتواجه فيه مع الولايات المتحدة (حول مسائل النقد والصادرات وحقوق الانسان والبضائع المقلّدة، إلخ)، تبدو الصين على الأرجح البلد الوحيد الذي يمكنه أن يستعمل قوّته المادية الضاربة لأهدافٍ سياسية [17].

    يشهد عالم المال أحياناً بعض حالات "الافتتان"، ومنذ بضعة أشهر بدت الصناديق السيادية هي نجومه الكبرى من دون منازع. ففي روسيا أبصر النور في الأوّل من شباط/فبراير 2008 "صندوق الأجيال المستقبليّة". وتنوي كل من اليابان والهند والسعودية إنشاء صناديقها السيادية الخاصة. بحيث تخصّص هذه الدول جزءاً من احتياطها بالقطع الأجنبيّ ومن سائر موجوداتها العامة، التي كانت تفضّل استخدامه في توظيفات موثوقة مثل سندات الخزينة الأميركية، نحو توظيفات تتمنّى أن تكون مربحة أكثر. وكما بالنسبة إلى دول الخليج في سبعينات القرن الماضي، واليابان في الثمانينات، يستبصر المحلّلون الماليّون ووسائل الإعلام المستقبل بمتعة، لكي يبّينوا أنّه في العام 2015 سوف تمتلك الصناديق السيادية ما يعادل 12 ألف مليار دولار [18]. وفي هذا ما يغذي الكثير من السيناريوهات الكارثية... وما يفتح من شهيّة الكثيرين.

    ومديرو الصناديق السيادية الأكثر "عدائيةً" (أي الذين يسعون إلى أكبر قدرٍ من المردودية)، وفي دورهم كنجومٍ جدُد في عالم المال، كانوا قد تلقّوا إعدادهم في المدرسة نفسها التي خرّجت عباقرة المال المسؤولين عن الانهيار الحالي [19]. وتدأب الصناديق المضاربة والاستثمارية الأكثر تهوّراً على مغازلتهم وبشكلٍ مخجل، إما لكي تضمّهم إلى رهانات جديدة مغرية ومخاطرة في آنٍ معاً، وإمّا لكي يساعدوها في الخروج من المأزق (لكن أليس الأمر هو نفسه؟).

    وتتناول الضجّة الإعلامية الكبيرة على الأخصّ المخاطر المحتملة التي يتعرّض لها بالأحرى المنتفِعون من الاستثمارات، بدلاً من الانعكاسات المرتقبة على دول المنشأ. ذاك أنّه إذا كان لهذه "الصناديق لأجيال المستقبل" طموحاً في حماية مدّخراتها وتثميرها، إلا أنّها في غضون بضعة أسابيعٍ فقط، قد تلقّت صفعة انخفاضٍ لافتٍ في قيمة موجوداتها. فاتحاد المصارف السويسرية قد خسر منذ دخول صندوق "GIC" لسنغافورة في رأسماله 55 في المئة من قيمته السهميّة، فيما تراجع سهم سيتي غروب بنسبة 40 في المئة منذ أن استثمر فيه صندوق " أبوظبي. هكذا فإن تأمين موطئ قدم في عالم "الحصن المالي" هو أمرٌ مكلفٌ جدّاً [20].

    ويبدو وضع الصين أكثر تعبيراً أيضاً عن الطموحات الخائبة. ففي أيار/مايو عام 2007، أعلن نظام بكين عن شرائه، مقابل 3 مليارات دولار، 10 في المئة من صندوق الاستثمار الأميركي الشهير "بلاكستون" BLACKSTONE. وكان في نيّة "الصندوق السيادي (CIC) " أن "ينقذ مصرف الأعمال "مورغان ستانلي" بضخّه مبلغ 10 مليارات دولار فيه. ومن جهته كان مصرف "سيتيك" (CITIC)، الذراع المسلّحة للحكومة الصينية (والذي يعتبر مثل الصناديق السيادية)، قد تفاوض من أجل الحصول على مساهمات متقاطِعة تصل قيمتها إلى مليار دولار على أن تتلاءم مع التحالفات الاستراتيجية مع مصرف الأعمال "بير شتيرن [21]. ومذّاك خسر مصرف بلاكستون 60 في المئة من قيمته، ومورغان ستانلي 26 في المئة. هذا فيما وقع مصرف بير شتيرن الذي اشتراه مصرف "جي.بي. مورغان تشايس" كلقمة سائغة ضحية لافتة أكثر من غيره لأزمة صناديق "قروض الرهن العقاريّ".


    * أستاذ مساعد في جامعة "تافتز" (مدفورد، ماساتشوستس، الولايات المتحدة). من مؤلفاته: Propagande impériale & guerre financière contre le terrorisme, Agone - Le Monde diplomatique, Marseille-Paris, 2007. The Financial War on Terror, I.B. Tauris, Londres, 2005.
                  

العنوان الكاتب Date
على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla09-08-08, 10:17 PM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر حاتم الياس09-08-08, 10:35 PM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla09-09-08, 10:22 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر عبدالعظيم عثمان09-09-08, 10:52 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر Osama Mohammed09-09-08, 11:39 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر عمرو احمد09-09-08, 11:46 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر عمرو احمد09-09-08, 11:52 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla09-09-08, 02:02 PM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla09-19-08, 08:46 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla09-23-08, 09:51 PM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla09-24-08, 03:19 PM
  Free Market Ideology is Far From Finished esam gabralla09-24-08, 03:22 PM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla09-25-08, 10:58 PM
    Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر Mohamed Elnaem09-26-08, 07:26 AM
      Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر Mohamed Elnaem09-26-08, 08:23 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر طارق أحمد خالد09-26-08, 09:41 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla10-07-08, 00:15 AM
  The Financial Mess & Washington's Wars esam gabralla10-07-08, 00:17 AM
    Re: The Financial Mess & Washington's Wars أحمد أمين10-07-08, 00:27 AM
  Capitalism Reaches a Crossroads esam gabralla10-07-08, 00:20 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla10-07-08, 00:26 AM
  نَهِمون، منقِذون أم مخدوعون؟ "صناديق سياديّة" للسهر على صحّة الشركات متعدّدة الجنسيات esam gabralla10-07-08, 00:30 AM
    Re: نَهِمون، منقِذون أم مخدوعون؟ "صناديق سياديّة" للسهر على صحّة الشركات متعدّدة الجن اسامة الكاشف10-07-08, 06:00 AM
      Re: نَهِمون، منقِذون أم مخدوعون؟ "صناديق سياديّة" للسهر على صحّة الشركات متعدّدة الجن اسامة الكاشف10-07-08, 06:19 AM
        أمريكا: الأزمة الاقتصادية تغير الخارطة الانتخابية لصالح أوباما فرح10-07-08, 08:25 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla10-08-08, 10:11 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla10-08-08, 10:12 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla10-08-08, 10:13 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de