فى ليلة مثقلة باليأس والهزيمة والشارع العريض نازف العمدان والبيوت فاض الظلام ابحرا والرعب اخطبوط وامتدت القبور كالخيوط لمعت عيون الناس كالياقوت واحتقنت شفاه الناس بالسكوت وهى ترقب الجريمة
لو كنت فى خصوبة البشر اولدت كل اصبعين اصبعا من الحذر يشير للترهل المديد والخدر منبها : الآن يولد الخطر الآن يولد الخطر الآن يولد الخطر
(الشاعر كمال عووضة)
المكان مقهى النشاط يكتظ بالطلاب من جامعة الخرطوم وجامعة القاهرة الفرع ومعهد المعلمين العالى والمعهد الفنى ومن المدارس الثانوية والزمان ليلة التاسع عشر من يوليو 1972 والمناسبة احياء الجبهة الديمقراطيةللذكرى الاولى لشهداء 19 يوليو... كانت ليلة مليئة بالتوتر ومشحونة بالغضب ورجال الامن يندسون وسط الطلاب ويتجولون خارج اسوار الجامعة بسيارات عادية خوفا من التعرض لغضب طلابى قد ينفجر ويتدفق الى الشارع وتكون الطامة..
كان لى شرف تقديم تلك الليلة وليال اخر للجبهة الديمقراطية .. تحدث فيها الخاتم وبدا عملاقا سياسيا تهابه سلطة نميرى .. بدأ خطابه التاريخى بابيات للشاعر المصرى امل دنقل فى قصيدته(لا تصالح) يقول فيها: اترى لو فقأوا عينيك واثبتوا مكانهما جوهرتين هل ترى؟؟ انها اشياء لا تشترى!!
وحمل فيها على نظام مايو القمعى وخبث وانتهازية الإتجاه الاسلامى بقيادة الدكتور الترابى فى استغلال السلطة المايوية لتصفية اليسار.. والديمقراطية.. ليلتها تجلت قدرات الخاتم الخطابية فى اروع صورها فبدا كزعيم وقائد سياسي فذ وتنبأ له الكثيرون بأن يقود الحزب الشيوعى السودانى فى مرحلة قادمة وكنت اراقب من على البعد صولاته وجولاته فى مقارعة السلطة المايوية وتردده الكثير على معتقلات مايو الى ان التقيته فى ليلة الميدان الشرقى مع جماهير الانتفاضة فى ابريل 1985 والتى خاطبها الخاتم محييا لهم ومهنئا بانتفاضة ابريل. قال للجماهير التى صفقت له كثيرا: الحمدلله الذى جعل هذا ممكنا.. وتغنى كورال المعتقلين من الديمقراطيين يتقدمهم المناضل عبدالرحمن عبدالله.. تغنوا.. مساجينك.. مساجينك .. مجرحة بى سكاكينك..نغنى ونحن فى اسرك.. وترجف وانت فى قصرك.. ثم تغنى وردى رائعة محجوب شريف لحبيبه الشعب .. يا شعبا تسامى.. يا هذاالهمام.. تفج الدنيا ياما.. وتطلع من زحاما.. زى بدر التمام.. تلك الايام يا خاتم.. نراها الآن رأى العين.. لقد اقتربت ساعة الخلاص من ظلم وبطش السلطة.. وسيتحقق الحلم قريبا يا خاتم فابق معنا قويا لنرى نهاية الكوميديا السوداء.. نهاية المشروع الإحتضارى.. مشروع الهوس الدينى الذى حذرت منه مرارا قبل اكثر من ثلاثين عاما ولكنهم... (سامحهم الله) .. لم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة