|
هل تنسف 4 درجات مئوية مشروع جون قرنق!!!
|
وجهة نظر: هل تنسف 4 درجات مئوية مشروع جون قرنق!!!
نظر عالم الاحياء روبرت ماكينزي إلى زميله في دائرة مكافحة الآفات آرثر كوين مؤشرا إلى النتائج الماثلة امامه في جهاز الكومبيوتر قائلا " لقد صنعنا كارثة" و غمغم آرثر موافقا بصوت يكاد ان يسمع " .. فعلا كارثة.
المشكلة بدأت في العام 1935 عندما قرر علماء البيئة الاستراليين مكافحة الحشرات الضارة بالمحاصيل عن طريق استجلاب ضفادع الكين السامة من هاواي. و قد كانت الفكرة ان قدرة هذه الضفادع الهائلة على المقاومة ستجعلها افضل علاج بيولوجي ضد آفات المحاصيل الزراعية، ضفادع الكين تستطيع النمو الى 26 سنتيمترا و يصل وزنها الى اكثر من 2 كيلوجرام، و تنتنج البوفو توكسين السام من غدد بجانب الرأس، ايضا ينتشر السم في كل اعضاء جسد الضفدعة و حتى بيضها و عظامها و اجنتها مما يجعلها سامة للاسماك و الثعابين و معظم الكائنات البرية و البحرية التي التي تتغذى عليها. و بالطبع نجحت ضفادع الكين في مهمتها التي استجلبت لها بنجاح كبير الا انها تكاثرت بوتائر رهيبة نسبة لانعدام اعدائها الطبيعيين في البيئة الاسترالية و ادت الى خسائر ضخمة في الاحياء البرية، و وصل عددها في العام 2002 الى ما يقارب الـ 100 مليون ضفدعة توسع نطاق وجودها بسرعة 62 كليومترا سنويا مما شكل هاجسا حقيقيا للسلطات و الادهى و الامر انها صارت تهدد وجود السكان الاصليين من الابوريجين لقتلها الحيوانات التي تعتبر الغذاء الرئيسي للسكان.
في بحث الدكتوراة للزعيم جون قرنق قام الراحل بدراسة الآثار الاجتماعية و الاقتصادية المتوقعة جراء تجفيف المستنقعات في جنوب السودان عبر قناة جونقلي، و حجم الاراضي الصالحة للزراعة الناتجة عن ذلك المشروع الطموح و التي تقدر مساحتها بمساحة دولة كبلجيكا أو اكبر قليلا، و تأثير ذلك على سكان المنطقة، مشروع جونقلي و الذي ساهم فيه المصريون بهمة مبررة لم يكتمل نسبة لظروف الحرب في الحنوب المعروفة للجميع، و لكن هل كان لذلك المشروع كل تلك الايجابيات اذا قدر له ان ينجح؟ للاجابة على السؤال اعلاه استطلع معكم الدراسة التالية.
قدم الباحث ياسر عباس عالم المياه السوداني اطروحته للدكتوراة في معهد اليونسكو للعلوم المائية بمدينة دلفت بدراسة عن تاثير تجفيف المستنقعات في الجنوب عبر قناة جونقلي و الاثار البيئية و المناخية لذلك، و اشتملت الدراسة القيمة على عدة تجارب مع عدد من الباحثين عبر انظمة التمثيل الافتراضي عبر اجهزة الكومبيوتر و تعرف بالانجليزية Simulation models. الطريقة هي تغذية اجهزة كومبيوتر ضخمة (تعرف بالسوبر كومبيوترز) بكل المعطيات البيئية و الجغرافية و المناخية للمنطقة و من ثم احداث التغييرات المتوقعة تقنيا في تلك الاجهزة جراء نقص الغطاء المائي اذا ما جففت المستنقعات هناك. و بعد ذلك يقدم الكومبيوتر نتائج افتراضية تكون قريبة جدا من الواقع.جراء تلك التغييرات. من نتائج البحوث تلك هو أن تأثير التجفيف على الامطار في المنطقة سيكون ضئيلا لأن معظم السحب الماطرة تأتي من المحيطات المجاورة.
النتيجة الاوضح هي في ارتفاع درجة حرارة تلك المناطق بـ 4 درجات مئوية كاملة، و قد يبدو هذا للوهلة الاولى تأثيرا طفيفا، و للمقارنة فقد ارتفعت درجات الحرارة في اوروبا في العشر سنوات الاخيرة 2/1 (نصف) درجة مئوية فقط جراء ظاهرة الاحتباس الحراري و قد أدى ذلك الى تغير ملحوظ في الغطاء النباتي لشمال اوروبا و تهديد العديد من الاشجار بالآفات كما تزايدت معدلات امراض عند البشر مثل البيروليوزا التي تنقلها حشرات معينة تعيش في درجات حرارة اعلى و قد كانت تتواجد قبل ذلك في جنوب فرنسا فصارت تتواجد في اواسط المانيا و بلجيكا و هولندا. اذا اخذنا ذلك في الاعتبار فيمكننا ان نتخيل التأثيرات الضخمة على الانسان و الحيوان جراء هذا التجفيف في الجنوب اذا ما قدر له أن يكون. و ما يكمن ان يحدثه ذلك من تعرية للتربة و المياه الجوفية بل قد يؤدي ذلك الى تصحر حقيقي في احقاب قادمة.
مشاريع بهذه الضخامة اذا رغبنا في انجازها مستقبلا يجب أن تحشد لها الطاقات العلمية السودانية و العالمية و أن تتم مناقشتها في اجواء من الشفافية و الوضوح حتى لا تصبح النتائج وبالا محكما كما حدث في استراليا، و لماذا نذهب بعيدا و قد انبئتنا التقارير عن الاثار الكارثية للسد العالي و التي راح ضحيتها عشرات آلاف النوبيين بعد ترحيلهم إلى خشم القربة بعد ان فتكت بهم الامراض و الملاريا في بيئة مختلفة عن بيئتهم، و تنبئنا الاخبار اليوم عن أن من تبقى منهم يكابد السرطانات جراء مادة الاسبستوس الممنوعة عالميا و التي صنعت منها اسقف منازلهم و شبكات مياههم هناك. و يكفينا اليوم الانتقادات المتعددة التي نطالعها عبر الصحف لسد مروي و الذي تشير الكثير من الأبحاث إلى ان بحيرته ستؤدي الى تبخر 2 مليار لتر من المياه سنويا أي ما يقارب نصف نصيب السودان من مياه النيل في العام الواحد. وأن توقعات انتاج الكهرباء منه اقل كثيرا مما يذكر جراء تراكم الاطماء.
في بلادنا المكلومة تحدث الكثير من هذه المشاريع بجرة قلم دون التأمل في المآلات فالأحرى ان نكون اكثر حرصا عندما نود اتخاذ قرارات بهذه الضخامة و التأثير.
أمجد إبراهيم سلمان [email protected] 11-11-2008
|
|
|
|
|
|
|
|
|