|
Re: محاولات جادة للامساك بفكرة جديدة - مجموعة قصصية للكاتب منير التريكي (Re: خالد سند)
|
زواج في أقرب فرصة
عندما كان عمرى بضعة وعشرين عاماً فاجأتنى أمي برجاء - يا بني أنت ابننا الوحيد تزوج حتى نفرح بك! قال أبى: تزوج امرأة ترعاك موجوداً وغائباً وتكرم ضيوفك وتبيض وجهك مع أهلك وأصحابك. اقترحت أمى: تزوج من أهلى.. لقد تزوجت أبيك عاملاً صغيراً وجعلت منه مهنياً كبيراً.. عمى الوحيد الذي يقاربني عمراً ويقارعني الحجة. يراني مدللاً وأراه مندفعاً، امتلك المال ويمتلك الجرأة. قال عمى: انظر أجدادنا تزوجوا بالفاتحة وأنجبوا رجالاً ونساء صالحين. عمي يفعل ما يقول. له زوجتان ولي حريتي أو هذا ما توهمته. باغتني مخبول في الحى: تزوج امرأه تمتلك آنية كبيرة حتى لا يصاب أطفالك بالجوع والهلع! رددت الأغنية الشعبية: تزوج امرأة ممتلئة الساقين حتى قدميها. امتنع غروري؛ لن تحتويني امرأة واحدة! قال الشرع، لك أن تتزوج أربع نساء بشرط العدل! نصحني إمام المسجد بأن تزوج (عفاف) تربح! اعتذر شبابي: لا يزال الوقت مبكراً. جارى يتحدث بصوت عال مع زوجته وأطفاله وفي منامه. في الحى نفر مني المتزوجون وفر مني الخاطبون وتجاهلني الأهل والجيران في أمور كبيرة. في العمل سألني رئيسي عن أسرتي الصغيرة.. طأطأت رأسي ولم أجب... في العطلة احتضن العاملون زوجاتهم واحتضنت جهاز الحاسوب لمتابعة الحالات الطارئة! ترجاني أبى وأمى: تزوج من تشاء نريد أن نرى حفدتنا! صرخت ملابس جميلة: تزوجني تمتلكني رفض خيالي خوفا من الخمول الفكري. همس حياء عفاف: تزوجني نتعاون على تحقيق الحكمة من وجودنا. أدب عفاف وحشمتها يعلنان صراحه ، أن كل الجوائز مدّخرة لمحظوظ واحد فقط. تثاءب كسلي: لن أتزوج امرأة تجعلنى أسافر لأهلها في المناسبات! أصبح عملي السفر المتواصل للأقاليم البعيدة. احتج نومي: لن أنجب أطفالاً أساهر معهم بسبب آلام التسنين ولا أستريح في القيلولة بسبب إزعاجهم! فاجأتني أسناني بآلام فظيعة وقلّ نومى بسب جاري وأطفال الحى وأصدقائهم. تبجحت صحتى: لن تتزوج شخصاً يفرض علينا ما نأكل وما نشرب... انتابنى صداع خفيف لم أجد من يحمل لي ماء ودواء. صرخ هدوئي: لن أتزوج امرأة تتشاجر معي لأسباب تافهة.
تشاجر معي زميلي في العمل ومديري والخفير والسائق ومساعد الحافلة وعمي وجاري! جاري بصوته العالي يزعجني بما لا نفع فيه، ولا مكان أذهب إليه. صرحت أمي: زواج جارتنا بعد العيد، استعد لتختار عروساً. قلت مجاملاً: موافق.. سعدت أمي بإجابتي فسعدت أنا بسعادتها. في حفل زفاف جارتنا تناولت عشاء دسماً الحفل أمامى يغيب والناس تتموه ملامحها، والأشياء تتلاشى وجلست بعيداً وحيداً أتامل الحفل وأفكر.. عبرت عينيّ غشاوة، أبعادها والضوء يتحول إلى فقاعة كبيرة. أخذت السنوات تمر بسرعة. أشعر كأني داخل مصعد يرتفع مسرعاً في مبنى شاهق: ثلاثون... اربعون... خمسون. أنا الآن في الخمسين ولم أتزوج. أعتذر بأنى غير مهيأ نفسياً بينما كنت أبحث عن أعذار أخرى حتى لا أتزوج! مات أبي ولحقته أمي.. ورثت كل مالهما ولم أتزوج! عمي يسرع به التوكل وأنا يبطئ بي التردد. قال مصباح صغير دفعت ثمنه أمي: اهتدي بي.. استصغرته. أضاء المصباح الصغير قبري أمي وأبي. (عفاف) تزوجت إمام المسجد وسافر بها إلى الحج. من اختارتها لى أمي تزوجت وأنجبت ابنا أمسك بيدي وساعدني على عبور الشارع! صرخ قبر أمى: خذلتني! أشاح قبر أبي بوجهه عني. نصحني عمى: احفر بئراً أو ازرع شجرة صدقة لهما. تشاجرت معه كالعادة ورفضت بعناد، فقط لأنها فكرته! كان عمي قد تزوج الثالثة ولم أستبعد الرابعة. عمي يقول الأشياء ببساطة وينفذها بسهولة. لا يتمسك بشيء ولا يندم على شيء. توفي جاري وتركني وحيداً بعد أعتدت على صراخه. واحتجت إلى إلفته، صار السكون موحشاً. استعطفني قبر أبى: ادعو لي.. فعلت قليلاً ونسيت كثيراً! ترجاني قبر أمى: تصدق باسمى وعدت ونسيت انغمست في الملذات. استمرأت استمتاعي بالحياة.. استمررت على ذلك سنوات.. اقام عمي زيرين أمام منزله يغسلهما ويملأهما ماء بنفسه صدقة لوالديّ.. ذكريات عمي مع أبي وأمي مواقف سعيدة؛ عمي يدعو لهما وحين يحكي عنهما يترحم عليهما!. ذكرياتى معه شجارات كثيرة ومواقف عنيدة.. أنّت سنواتي الستون: نحتاج أحداً نستند عليه! فاجأني الطبيب: لم يتبق لك الكثير لتعيشه. دهمتني الآلآم. رأيت الموتى والملائكة.. أنا أدخل نفقاً. أشعر بآلام هائلة تعتصرنى وأناس يحملونني يضعونني كيفما اتفق ريثما يكتمل حفر القبر، وأنا أصرخ بأعلى صوتي. ينفر حمار بعيد و لا أحد يسمعني. أخيراً حملوني وأدخلوني في القبر وأهالوا علي التراب وتركوني وذهبوا كلهم ليس معي أحد.. ظلام.. آلام فظيعة رهيبة لا تطاق.. ضيق.. وحشة آلام.. آلام آلام. لم يجد المعزّون شيئاً نافعاً يقولونه عني يتداوله الناس، يصلني منه بعض الشيء! صرخت حياتى السيئة: ليت أحداً لا يقلدني في ما فعلت.. تأوهت روحى النادمة: ليت لي ابناً صالحاً يدعو لي أو صدقة جارية أو علماً نافعا! ورث عمى مالى وتزوج الرابعة. أمسينا أنا وأبي وأمى ننتظر دعوات عمي تغمرنا مثل الأنوار أعود بعدها للتأوه والندم. تردد نفسي النادمة: فقط لو أستطيع أن أعود للحياة لكنت سأقضي عمري كله في أعمال الخير!! قبر بجواري يتململ ويتأوه.. الصوت مألوف.. أواصل التفكير والندم.. - اصمت! انتهى وقت العمل لا أحد يستطيع الرجوع. - جاري؟ - نعم وتفكيرك يزعجني بصورة فظيعة! - يزعجك تفكيري؟. - صوت ندمك وتحسرك! - ولكن كيف يزعجك تفكيري وأنا لا يزعجني تفكيرك؟ - لقد أزعجك صوتي في حياتك بما لا نفع فيه. ستظل أنت تندم وأظل أنا أتألم. - ماذا تقول؟ هنا تنداح الغشاوة وتكون الأشياء كما هي على حقيقتها فقط هذه حياة ما بعد الموت! - الموت؟ - نعم الموت أنت ميت! - لا....! أنا أصرخ بصوت مدو لكنه حبيس بداخلي ولا أحد يسمعني. وصوت آخر حاد يخترق أذني. إنه صوت أمي. أقفز مفزوعاً. تعود الأشياء كما هي؛ الحفل أمامي وتعود للناس ملامحهم وللأشياء طبائعها. أمي تضحك وتضع أصبعين في فمها وتزغرد بفرح. ماذا حدث لي؟ هل نمت وحلمت؟ هل غصت بطريقة ما في عقلي الباطن أو اللاوعي أياً ما يكن ذلك قرأت ان الأحلام مهما طالت فإنها تحدث في ثوان فقط.. هل سافرت إلى المستقبل بطريقة ما؟ هل اختزل عقلي الزمن لوهلة ؟ هل هو تصور لمستقبل محتمل قام به عقلي استنادا على حوادث الماضي وتفاصيل الحاضر؟ أهي لحظة انبثاق وعي بطريقة ما؟ لا أدري بالضبط ماذا حدث ولست متأكداً من أنني سأجد له تفسيراً؟ ولكن المهم هو أنني حي لم أمت وأنني في شبابي ولدي فرصة رائعة للزواج لن أضيعها لأي سبب.. أمي تقول: العقبى لك. وأنا أ رد: آمين. في حياتك. تطلق أمي زغرودة ثانية طويلة… فقد كان ردي مفرحاً. تسألني عن العروس: - قريبتك؟ - لقد خطبها أحدهم. - عفاف؟ - تزوجها إمام المسجد وينويان الحج هذا العام! ابحثي لى عن امرأة ممتلئة الساقين حتى أقدامها أو امرأة تمتلك آنية طبخ كبيرة أو أي زوجة وبسرعة. أمى تطلق زغرودة ثالثة زاد من طولها قوة سرورها. جاري يسلم علي ويعتذر ويشرح معاناته يحرجه صوته العالي رغماً عنه. أنصحه بأن يؤذن متى حانت الصلاة، يندهش من اقتراحى! أحتفي بنفسى. أحتفل بروحي التي أحسنت تنبيهي. لقد وجدت بداية الطريق الصحيح.. أحبتي يسرني أن أوجه لكم الدعوة لحضور زواجى الذي سيقام في أسرع وقت ممكن.زواج في أقرب فرصة
|
|
|
|
|
|
|
|
|