كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
Re: حديث الأربعاء مع يوسف كوَّة مكِّي (1 من 3) د. عمر مصطفى شركيان (Re: Khalid Kodi)
|
حديث الأربعاء مع يوسف كوَّة مكِّي (2 من 3)
د. عمر مصطفى شركيان
محادثات السَّلام بين الحركة الشَّعبيَّة وحكومة السُّودان
إنَّ الحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان في جميع أدبياتها المختلفة ذكرت أكثر من مرة أنَّها رفعت السلاح لتحقيق بعض الأهداف، لكننا نؤمن بأن السلاح ليس هو السبيل الوحيد (Not the only way out)، وبالتَّالي فتحنا أبوب المحادثات السياسيَّة كسبيل آخر لتحقيق هذه الأهداف والوصول إلى الحلول المرضيَّة؛ ولكن – بكل أسف وأسى – يعاتبنا رفاقنا في التجمُّع الوطني الدِّيمقراطي بالتساؤل: لم تتحادث الحركة الشَّعبيَّة مع الحكومة السُّودانيَّة؟ بيد أنَّنا لم نشرع في المحادثات مع الحكومة السُّودانيَّة منذ اليوم أو الأمس، بل قد بدأت العمليَّة التفاوضيَّة مع أيَّة حكومة قائمة في الخرطوم منذ العام 1985م – بدءاً بكوكادام في أثيوبيا العام 1986م ومع الأحزاب السياسيَّة – على انفراد منهم أو اجتماع بينهم – ونعتبر هذا كله مجالات لتناول مشكلاتنا السُّودانيَّة حتى نستطيع، على الأقل، الوصول إلى الحلول المقبولة؛ لذلك لم تقفل الحركة الأبواب على مصاريعها في طريق المحادثات السياسيَّة. أما فيما يختص بالحكومة الحالية – ومع إيماننا أنَّها حكومة عقائديَّة، ومن الصعب جداً أن تتعامل مع أشياء قد تكون خارج نطاق عقيدتها – إلا أنَّنا، على الإطلاق، لم نصد أبواب التفاوض، لذلك كانت هناك من الجولات التفاوضيَّة ما هي كثيرة، غير أنَّني سوف أبدأ بمحادثات أبوجا الثَّانية التي انعقدت في 26 نيسان (أبريل) 1993م في العاصمة النيجيريَّة الجديدة يومئذٍ، لأنَّها أول محادثات سلام مع هذا النِّظام كان لي الشَّرف في المشاركة فيها. بالطبع والطبيعة، فإنَّ الإعلام السُّوداني كان له دوراً رائساً في إفشال المحادثات؛ وبالمناسبة، علينا أن نعترف كحركة شعبيَّة أنَّنا اندحرنا إعلاميَّاً أمام هذا النظام "الإنقاذي"، لأنَّنا لم نستطع مجاراته، وإنَّه لحكومة إعلام أكثر من أي شئ آخر، وأكثر من أي نظام مضى، فهم ما زالوا يَكذِبون على أنفسهم ويكذِّبون على النَّاس حتَّى يصدِّقون كذبهم على أنفسهم وتكذيبهم على النَّاس.
على أي، ففي أبوجا لم يستطع وفدا الحكومة السُّودانيَّة والحركة الشَّعبيَّة(1) إحراز أي تقدُّم يُذكر في بادئ الأمر. فالمحادثات كانت أشبه ﺒ"حوار الطرشان"، أي ما يُعرف في السُّودان بعبارة "هلال ومريخ"، وتبادل الوفدان من اللُّغة ما هو أشدَّ كثافة وصفاقة، وذلك لمدى ثلاثة أيام حسوماً دون الوصول إلى نتائج، والأغرب في الأمر حين يتم رفع الجلسات يخرج أعضاء الوفدين وتبدأ المصافحة والمعانقة، حتَّى اندهش النيجيريُّون، وقال قائلهم: ما لهؤلاء القوم يتشاجرون فيما بينهم في قاعات الجلسات، وعند خروجهم تعمهم الفرحة والبهجة! وقال يوسف: ألم أقل لكم إنَّ المجتمع السُّوداني لفريد. وأخيراً توصَّلنا إلى قناعة راسخة بأنَّه إذا استمر الأمر هكذا فسوف لم نحرز أي تقدُّم في أي شئ. وهنا جاءت فكرة تكوين مجلس الكبار (The Council of Elders) من وفدي الحركة الشَّعبيَّة والحكومة السُّودانيَّة، ومثَّل الحركة في هذا المجلس القائد يوسف كوَّة مكِّي، القائد سيلفا كيير ميارديت، والقائد دينج ألور؛ ومن جانب الحكومة كان العميد (معاش) محمد الأمين خليفة والدكتور علي الحاج محمد، حتَّى يتسنَّى مناقشة الأجندة بهدوء وسكينة دون اللجوء إلى مهاترات ومشاجرات لا تغني ولا تسمن من جوع. وبعد اجتماعات ماراثونيَّة، وصل مجلس الكبار إلى نتائج ملموسة. وفي الحق، إن أرادت هذه الحكومة "الإنقاذيَّة" أن تصل إلى حل لمشكل الحرب الأهليَّة في السُّودان لقبلت بما توصَّلنا إليه من نتائج في أبوجا الثانيَّة. أولاً، اتفقنا أنَّنا كحركة شعبيَّة لا يمكن أن نفرض الدستور العلماني عليهم، وبالمثل على الحكومة السُّودانيَّة أن لا تفرض الشريعة الإسلاميَّة علينا؛ لذلك قسَّمنا السُّودان إلى منطقتين: مناطق حرب (الجنوب والنيل الأزرق وجنوب كردفان) أو الولايات الجنوبيَّة، ومناطق سلام (تحت سيطرة الحكومة) - أي شمال خط عرض 13 درجة شمالاً. وهنا أتذكر حديث الدكتور جون قرنق لوفد الحركة الشَّعبيَّة قبيل السَّفر إلى أبوجا، إذ قال – وبالحرف الواحد – يجب ألا تتمسَّكوا بالألفاظ، أي كما تقول الفرنجة (Let us not stick to words)، فالمهم في نهاية الأمر أن تصل النَّاس إلى نتائج، وهذا هو الهدف الرئيس، وهكذا توصَّلنا إلى أشياء كثيرة مع رجلي النظام - الدكتور على الحاج محمد والعميد (معاش) محمد الأمين خليفة - كان فحواها أن يكون هناك دولتان كونفيدراليتان، حكومتان، وجيشان؛ ثمَّ نشترك في الحكومة المركزيَّة أو المجلس القومي بجانب حكومتنا، ومن ثَمَّ على الحكومتين تشكيل الحكومة الكونفيدراليَّة وتكون الرئاسة دوريَّة. وفي هذه الأثناء، أي في المرحلة الانتقاليَّة، تتوقَّف الحرب ويستمر الحوار بين الجانبين، وتكون الغلبة لمن يقنع الآخر والاتفاق على شئ، أو هكذا يكون العيش.
وفي خضم المحادثات تسلَّم وفدا الحركة الشَّعبيَّة والحكومة السُّودانيَّة مذكِّرة نيجيريَّة لإحلال السَّلام في السُّودان. إذن، بم أتت به المذكِّرة النيجيريَّة؟ تركَّزت المذكِّرة النيجيريَّة على إجراءات الفترة الانتقاليَّة ﻟ"تهيئة جو ملائم لبناء الثِّقة يمنح سلطات خاصة لأقاليم البلاد وإتاحة فترة من الوقت تتوقَّف خلالها الأعمال العدائيَّة ويعم الأمن والاستقرار. وهي أيضاً فترة تبذل فيها جهود واعية لإعادة البناء، وإعادة توطين المتضرِّرين في المناطق المتضرِّرة". وفي نهاية الفترة الانتقاليَّة سيكون السُّودانيُّون قد اقتربوا من حل المشاكل، وإقامة دولة موحَّدة وآمنة تنال فيها كل الأقاليم حقها في الانتماء، وبعد ذلك سيختار السُّودانيُّون دستوراً يتَّفقون عليه ليحكم العلاقة بين الأطراف (والمركز) في المستقبل. وتأتي هذه الإجراءات الانتقاليَّة في إطار السُّودان الموحَّد الذي يتبع نظاماً فيديراليَّاً في الحكم حسب المبادئ الآتية:
(1) يجب أن تكون للسُّودان بنية سياسيَّة تحافظ على وحدته، وتعترف بتعدُّده وتنوُّعه.
(2) يضمن السُّودان حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدِّينيَّة للجميع، ورغم ذلك فإنَّ تطبيق الشَّريعة الإسلاميَّة في الفترة الانتقاليَّة سيعلَّق في الجنوب فيما يخص غير المسلمين، وإنَّه ليشمل غير المسلمين في الشمال.
(3) يضمن لمواطني السُّودان ما يأتي: حريَّة المشاركة في النشاط السياسي والاقتصادي في البلاد، والمساواة أمام القانون.
(4) يجب أن تكون هناك قسمة حقيقيَّة للسُّلطة بين المركز والأقاليم.
(5) تعتبر اللُّغتان العربيَّة والإنجليزيَّة اللُّغتان الرَّسميتان في البلاد إبَّان الفترة الانتقاليَّة.
(6) تقبل الأطراف مبدأ ميثاق فيديرالي وتطبِّقه في توزيع الوظائف العامة والخدمات العامة في البلاد.
(7) إعداد آليَّة لإقامة قضاء مستقل.
( إعلان عفو عام بنص قانون لتشجيع إعادة توطين السكان في المناطق المتضرِّرة من النُّزوح.
|
|
|
|
|
|
|
|
|