سنوات ست أو تزيد أمضاهن مصور الجزيرة سامي الحاج قيد أصفاده بلا تهمة في معتقل غوانتنامو الأميركي، المكان الأكثر ظلماً وهتكاً لحقوق الإنسان في تاريخ البشرية. وبرغم ظلام زنزانته الحالك، ورطوبتها المنتنة كان السجين 345 على يقين أن هناك من يعملون في الخارج بتؤدة من أجل حريته، لم يساوره الشك للحظة أنه خلف الأسلاك الشائكة المكهربة - التي تحيط بالجزيرة الكاريبية التي أصبحت أشهر سجن في العصر الحديث - هناك من لن يتخلى عنه، هناك من حمل قضيته لكل أصقاع الدنيا حتى غدا المصور الشاب المغمور الذي أختطف من جبال باكستان - وكان يمكن أن يعتقل أو حتى يقتل دون أن يعلم به أحد- رمزاً عالمياً لحرية التعبير وللصمود على المبادئ في وجه قساوة السجان ووسائل قمعه الرهيبة التي يحاول بها طمس الحقيقة.
سنوات ست لم تفتر فيهن عزيمة الجزيرة ولم تهن وتيرة جهودها من أجل إطلاع العالم على محنة مصورها الأسير لدى من وجدوا في كونه مسلماً أسمر البشرة وفوق ذلك مصوراً للقناة الوحيدة التي حاولت أن تكون ناقلاً للحقيقة في زمن التعتيم، ما يكفي من الذرائع لوصمه بالإرهابي الخطير. رغم كل التهديدات والضغوط لم تتخلى الجزيرة عن سامي، ورغم الترهيب والترغيب الذي مارسه سجانوه المحترفون لم يتخلى سامي عن الجزيرة. حتى ولو كان الثمن حريته - وهو الرجل الهزيل الضعيف البنية الذي قطعت صلته بالدنيا في زنزانة أشبه بعلبة السردين الباردة، وكبر أبنه الوحيد ولم تره عيناه - رغم كل هذا رفض سامي الحاج أن يطلق سراحه مقابل أن يكون عيناً للأميركيين تنقل ما يجري داخل الجزيرة..
وفي حين استقبل اغلب من كان أفرج عنهم من غوانتنامو بالسجن والتنكيل وانتقلوا من قيد أميركي الصنع إلى قيد جديد في بلدانهم التي تراهم مجرمين حتى يثبت العكس، استقبلت الجزيرة سامي الحاج استقبال الإبطال المظفرين، وخصصت له من الزخم الإعلامي والتغطية الإخبارية ما لم يخصص حتى لنيلسون مانديلا حين أفرج عنه نظام الفصل العنصري بعد ربع قرن من السجن. وفي حين تتبرأ بعض الدول العربية من أبنائها المعتقلين ظلماً خوفاً من أن يصفها بوش بدعم الإرهاب ومساندة القاعدة. كانت صورة سامي الأسير لا تفارق شاشة الجزيرة.
سامي الحاج في أول كلمات تنبس بها شفتاه بعد رؤيته لنور الحرية، لم يتحدث عن أصناف التنكيل والعذاب التي عاشها لسنين، ولا عن سنين شبابه التي ضاعت، ولم يذكر اشتياقه المؤكد لرؤية فلذة كبده الذي كبر بعيداً عنه وحرم من مجرد سماع صوته، بل قال أن فرحته لن تكتمل حتى يطلق رفقائه الذين خلفهم ورائه في ذلك المكان البغيض، والذين وصف الحالة النفسية التي وصلوا إليها وصفاً تقشعر له الأبدان. أولئك المعتقلون الذين تركوا لمصيرهم البائس وفقدوا عقولهم لمجرد أن أوطانهم لم تكن كما كانت الجزيرة لسامي وطناً، فالوطن الذي يقتّل أطفاله وتجوّع نسائه ويبقي ساكتاً لا حراك فيه، بل ويتبرأ من أبنائه خوفاً من غضب أميركا ولكي لا يوضع في لائحتها السوداء ليس بوطن.
هنيئا للفتى " سامي " الثبـاتُ *** عـــلى ما فيه للموتى حيــــــــاةُ سُجنتَ فللقـــــــلوب إليك منا *** - تفيضُ به مشاعرُهــــــا – التفاتُ وعاني كالذي عانيْتَ قـــــــومٌ *** قناتُهم " الجزيــرةُ " واستمـــاتوا وذاقوا كالذي ذقتَ المنــــايا *** فما لانت لهــــم فيهــــــــا قناةُ إلى أن كان للفجر ابتســـــامٌ *** وولى الليلُ والْتــــــأم الشــتاتُ وعاينتَ الأحبَّــــــــاءَ احتفاءً *** وماتتْ في العِنـــــاق الأمنيــــاتُ
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة